الخميس، 25 مايو 2017

( السياحة الادبية .. سفر النخبة المثقفة )

الخارطة السياحية الأدبية لبريطانيا .. أجمل الرحلات مع أروع الروايات
 
 
د/ أحمد بن حامد الغامدي
 
بمناسبة مرور 200 عام على وفاة الاديبة البريطانية الكبيرة جين أوستن سنة 1817 يسر شركة رحلات ألبيون Albion Journeys الاعلان عن تنظيمها لبرنامجها السياحي الثقافي الخاص بالاحتفال بجين أوستن Celebrating Jane Austen . العرض يشمل الاقامة لمدة ستة ليالي في فندق ريفي فخم ورحلات سياحية يومية للأماكن التي شهدت ولادة ونشأة الكاتبة الكبيرة والقرى والقصور والمناظر الطبيعية التي ألهمتها العديد من رواياتها الخالدة، كل هذا بقيمة 2590 دولار للفرد الواحد. ما سبق هو إعلان تجاري حقيقي يمثل عينه فقط للعديد من البرامج السياحية التي تقام في العديد من الدول الاوربية وتستهدف تقديم خدمة لعشاق الادب والادباء وهذا الاعلان يتعلق بأشهر وأهم روائية نسائية في الادب الانجليزي حيث أنها مؤلفة الرواية الشهيرة (كبرياء وتحامل pride and prejudice) التي تحولت مرارا لأبرز الافلام السينمائية الرومانسية. وبالمناسبة إذا كان صيف هذا العام 2017 سوف يشهد تنظيم البرامج السياحية للاحتفاء بأهم عنصر نسائي في الأدب فقد كان بالإمكان العالم الماضي التسجيل في برنامج سياحي مشابه للسفر إلى بريطانيا للمشاركة في احتفالات مرور 400 عام على وفاة أسطورة الادب الانجليزي وليم شكسبير.
الثقافة الادبية يمكن أن تعطيك إضاءة معرفية عن أثر نهر المسيسبي في تشكيل شخصية الاديب البارز مارك توين أهم روائي وكاتب أمريكي في جميع العصور. ولكن لبعض الاشخاص ممن لديهم هوس مفرط بالتعلق بأدب مارك توين لن تكتمل لحظات تمتعهم بقراءة رواية (مغامرات توم سوير) إلا إذا ذهبوا بأنفسهم في رحلة سياحية عبر قارب نهري يمخر عباب المسيسبي من ولاية ميزوري باتجاه مدينة نيو أورليانز في جنوب ولاية لويزيانا كما كان يفعل الشاب مارك توين ومن ذلك استهلهم خواطره الادبية. ما سبق ذكره يعتبر نموذج لأقصى أنواع (السياحة الأدبية) نخبوية ثقافية وهو أن تزور بعض الاماكن والمواقع التي أوحت للأديب والكاتب ببعض انتاجه الروائي أو الشعري فمثلا بعض العشاق المغرمين بالروائية البريطانية تشارلوت برونتي يتجشمون مشاق المسير إلى موقع شلالات مقاطعة يوركشاير حيث أُلهمت تشارلوت تأليف رواية (جين أير) في حين أن البعض ربما لن يستوعب تماما أبعاد ورمزية رواية (البؤساء) للأديب الفرنسي المعروف فيكتور هوغو إلا بعد أن يزور سجن الباستيل الفظيع في قلب العاصمة الفرنسية باريس.
في محيطنا العربي ربما نجد من يتباهى بأنه لم يقرأ رواية (زقاق المدق) أو رواية (خان الخليلي) إلا في مقهى الفيشاوي الذي كان يتردد عليه الاديب الكبير نجيب محفوظ في قلب القاهرة الفاطمية حيث استخلص من قلب تلك المناطق الشعبية العتيقة بعض شخصياته المشهورة. فحسب شهادة الكاتب المصري المعروف جمال الغيطاني في برنامجه الفضائي تجليات مصرية فإن الموقع الفعلي (لزقاق المدق) موجود بالفعل في حي الجمالية بالقاهرة ليس هذا فقط بل يزعم الغيطاني أن شخصية (عم كامل بائع البسبوسة) في الرواية مبنية على شخصية حقيقة وما زال أحفاده يقيمون في نفس المكان حتى الان. وقديما قيل الحكم على الشيء فرع عن تصوره فهل يصح أن نقول أن تذوق العمل الادب فرع عن العيش في أكنافه. وإذا عدنا إلى تاريخنا العربي القديم ألا يجدر بنا نحن جيل اليوم أن (نقف على الاطلال) كما كان يفعل الرعيل الأول من فحول الشعراء فمثلا (للتذوق الادبي) لشعر النسيب والغزل الجاهلي لعل من الملائم الوقف عند صخرة عنترة في محافظة عيون الجواء حيث كان يربط عنترة بها ناقته عندما يجلس مع محبوبته في ظل تلك الصخرة الشهيرة ولعلها هي (محبس الناقة) التي عنها عنترة في أبياته المشهورة:
ولقد حبستُ بها طويلا ناقتي      أشكو إلى سُفعٍ رواكد جثَمِ
يا دار عبلة بالجواء تكلمي         وعِمي صباحا دار عبلة واسلمي
   
ما سبق كان نماذج لبعض مظاهر السياحة الادبية ذات الطابع النخبوي التأملي لكن في المقابل قد يوجد بعض (سياح الثقافة) الذين لا يقنعون إلا بزيارة إمكان ذات واقع ملموس وحقيقي يضمن لهم نقش ذكريات فعلية محسوسة مع أديبهم أوشاعرهم المفضل. ومن أوضح الامثلة في هذا الشأن زيارة المتاحف الخاصة ببعض الادباء وهي في الغالب قد نكون المنزل الذي ولد أو عاش أو توفي فيه الاديب المشهور مثل زيارة منزل (متحف) شكسيبر في مدينة سترادفورد الانجليزية أو الاطلاع على الصالون الأدبي لعباس مصطفى العقاد في منزله في حي مصر الجديدة. في حين أن زيارة متحف تشارلز ديكنز في لندن ومشاهدة المكتب الذي ألف عليه رواية (قصة مدينتين) سوف يكون أمرا غاية في البهجة الفكرية لأهل الهوى الروائي خصوصا إذا علمنا بأن القائمين على متحفه حصلوا على منحة مالية استثنائية بمبلغ (1.2 مليون دولار) من الحكومة البريطانية لشراء ذلك المكتب وإضافته لمقتنيات المتحف. إن الاطلاع على المقتنيات الشخصية لبعض الادباء أمر يثير الفضول كما قد يثير الدهشة من ذلك مثلا أن الزائر للمكتبة الشخصية لأمير الشعراء أحمد شوقي في قصره (المتحف حاليا) على كورنيش النيل بالجيزة سوف يصاب بالحيرة لأن مكتبة أكثر الادباء ثقافة سياسية وتاريخية وفكرية مكونة فقط من حوالي ثلاثمائة كتاب لا غير. الغريب في الأمر أن متحف طه حسين  الذي لا يبعد عن متحف أحمد شوقي بأكثر من عدة كيلومترات بامتداد شارع الهرم يحتوي ذلك المنزل الفخم على مكتبة كبيرة تصل إلى حوالى سبعة الاف كتاب علما بأن طه حسين الكفيف كان يعتمد علي غيره ليقرأ له كتبه المتنوعة بكل اللغات فشتان ما بين الاديبين في الندى المكتبي ما بين مقل ومستكثر.
عادة الوقوف على الأطلال في دنيا الأدب قد تقود البعض لزيارة قبور مشاهير الادباء والشعراء فبزيارة واحدة لمبنى البانثيون المهيب في باريس (مقبرة العظماء) يمكنك مشاهدة قبور كبار رجالات الادب الفرنسي مثل فولتير وفكتور هوغو وأميل زولا والكسندر ديماس. أغلبنا يطرب للشعر العربي الفصيح لكن أعتقد أن قراءة (شواهد القبور الشعرية) وهي الابيات الشعرية المكتوبة على قبور الشعراء سوف تكون تجربة أدبية تخلد في الذاكرة. فمثلا يمكن أن تقرأ بيت الشعر المشهور الذي أوصى أبي العلاء المعري أن يكتب على قبره أو تقرأ مطلع القصيدة الرنانة (يا دجلة الخير) على شاهد قبر الشاعر العراقي البارز محمد مهدي الجواهري المدفون في مدينة دمشق في حين أن شاهد قبر أحمد شوقي تم نقش ابيات قصيدته السينية المشهورة عليه ربما من وجهة نظري لورود هذا البيت فيها:
وسَلا مِصرَ هل سَلا القلب عنها       أو أسَا جُرحهُ الزمان المُؤسي
 بينما أبرز وأهم قصيدة يمكن أن تقرأها في هذا السياق هي الابيات الشعرية التي نظمها الشاعر والملك المنكوب المعتمد بن عباد وأوصى أن توضع على قبره وهي معلقة حاليا على جدار ضريحه في مدينة أغمات المغربية ومطلع قصيدة الرثاء الذاتي هذه هي:
قبر الغريب سقاك الرائح الغادي        حقاً ظفرت بأشلاء ابن عبادِ
 
في معية الأدباء ورفقة الشعراء
لبعض عشاق الادب وذوي الهيام بالشعر والشعراء ربما لا تكتمل النشوة الثقافية إلا بالأنس المباشر والالتقاء الفعلي مع الروائي أو الشاعر وبحكم أن (المعية الخاصة) بالجلوس مع كبار ومشاهير الادباء غالبا لا تتاح إلا لذوي الحظوة والجاه لذا فإن البديل لأصحاب الهوس الثقافي أن يقنعوا (بالمعية العامة) بأن يشتركوا مع بقية الجمهور الادبي مثلا في حضور أمسية شعرية لأديب مشهور. على سبيل المثال في منتصف الثمانينات كان من أبرز الادباء المشاركين في مهرجان المربد الشعري في بغداد الشاعر الكبير نزار قباني أما لسماع قصائد الشاعر اليمني الفريد عبدالله البردوني فقد كان ضيف محتفى به في مهرجان أبي تمام في الموصل وللسماع المباشر لقصائد الشاعر البارز محمد مهدي الجواهري فالمقصد المحتمل كان مهرجانات أبي العلاء المعري في دمشق أما عشاق شعر الحداثة فسوف يجدون بغيتهم في مهرجان مدينة جرش الاردنية الثقافي الذي كثيرا ما تردد عليه الشاعر الفلسطيني المناضل محمود درويش قبل وفاته. لاشك أن المهرجانات الادبية والشعرية المنتشرة في أغلب البلدان العربية من مثل مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة ومهرجان سوق عكاظ ومهرجان مراكش الدولي للشعر ومهرجان أصيلة الثقافي بالمغرب ومهرجان القاهرة الادبي ومهرجان أدنبره الدولي ومهرجان أكسفورد للأدب ومهرجان برلين الدولي للأدب وغيرها كثيرا جدا في مختلف دول العالم، لا شك أن هذه الفعاليات الادبية تتيح فرصة الجمع بين متعة السياحة و نخبوية الثقافة والفكر.
فرصة ومناسبة إضافية للمعية العامة مع الاديب أو الشاعر كثيرا ما تتم أثناء حفلات تدشين الروايات الادبية الجديدة والدواوين الشعرية الحديثة حيث يصحبها في الغالب قيام المؤلف بتوقيع النسخ التي يشترها عشاق الكتب والاعمال الادبية. بلا جدال يعتبر الكاتب البرازيلي باولو كويلو (صاحب رواية الخيميائي ذائعة الصيت) أهم وأشهر الروائيين المعاصرين على الاطلاق وعندما قام بنشر روايته (ساحرة بورتوبيللو) قبل حوالي عشر سنوات أختار أن تكون أول ترجمة لها للغات الاجنبية باللغة العربية لأن جزء من أحداث الرواية تتم في مدينتي دبي وبيروت. ولهذا قام في عام 2007 بزيارة مدينة دبي بمناسبة حفل إطلاق النسخة العربية من روايته تلك ولذا كانت فرصة ذهبية لعشاق هذا الكاتب المعروف أن يزوروا مدينة دبي للسياحة وكذلك للحصول على صورة سلفي ورواية موقعة من هذا النجم الادبي البارز. ولكن حذاري فإن الحصول على نسخة موقعة من مؤلف مشهور في حفلات تدشين الروايات الجديدة ليست مهمة سهلة على الاطلاق فمثلا عند حفلات اطلاق كل عدد جديد من سلسلة روايات (هاري بوتر) للكاتبة الروائية البريطانية العجيبة جوان رولينغ كانت تتجمع صفوف بمئات المعجبين أمام المكتبات لكي فقط يحصلوا على نسخة جديدة من الرواية حتى ولو كانت غير موقعة من الروائية المحظوظة.
الغريب في بعض حالات الهوس الأدبي أن القراء قد يتعلقون ويعشقون الشخصيات الخيالية التي يخترعها الاديب من بنات أفكاره وقد يعجبون بهذه الشخصيات الوهمية أكثر من إعجابهم بالروائي الذي اخرجها لدنيا الادب. على سبيل المثال عشرات الاف من السايح المترددين على مدينة لندن قد لا يعرفون من هو الاديب آرثر كونان دويل الذي أخترع شخصية المحقق الاسطوري (شارلوك هولمز) بل البعض قد يعتقد أن المحقق شارلوك هولمز هو شخصية حقيقية. ولهذا ومنذ اكثر من مائة عام وزوار مدينة لندن يذهبون لزيارة (البيت الوهمي) للسيد هولمز في مبنى رقم 221 B الواقع شارع بيكر في وسط لندن ولخيبة أملهم لا يجدون إلا بنك مصرفي في نفس الموقع المزعوم. ونتيجة لهذا الهوس السياحي المتكرر عبر الاجيال وافقت أخيرا بلدية لندن منذ عام1990 على افتتاح متحف لشارلوك هولمز علي شارع  بيكر (Baker St.) تقريبا في نفس الموقع المزعوم في قصص السير أرثر كونان دويل الذي لا يوجد هو نفسه  أي متحف خاص باسمه في بريطانيا لدرجة أنه قد تم بيع ممتلكاته الخاصة في المزاد العلني وبهذا أصبحت الشخصية (الوهمية) أهم من المؤلف الذي ابتكرها. وفي واقع الحال فإن السائحين لمدينة باريس أقل حظا من زوار مدينة لندن فبالرغم من أن كاتدرائية نوتردام تعتبر بلا شك من المعالم السياحية البارزة في مدينة باريس إلا أننا قد لا نبالغ أن عدد كبير منهم ربما ما يجذبهم لها هو أنها موقع أحداث رواية (أحدب نوتردام) البالغة الشهرة للروائي الفرنسي الكبير فوكتور هوغو. ولكن بدلا من أن يجد السياح أي أثر لشخصية الاحدب المشوهة كوزيمودو بطل الرواية وهو يقف على تماثيل الجارغول الشهيرة المصممة كمرزاب لتصريف مياه الامطار، بدلا من ذلك فضلت السلطات الدينية الكاثوليكية المتشددة المشرفة على تلك الكنيسة على نصب تمثال خارج الكنيسة للبابا يوحنا بولس الثاني الذي توفي قبل عدة سنوات ووجهة نظرهم أن قداسة المكان لا يمكن تلويثها بترسيخ ارتباط الكنيسة بأحدب مشوهة فضلا عن شخصية الراقصة الغجرية أزميرالدا.
من وجهة نظري أن أعجب شخصية أدبية خيالية تفاعل معها الجمهور بشكل غريب هي شخصية السيد (ليوبولد بلوم) في رواية عوليس Ulysses للروائي الايرلندي المثير للجدل جيمس جويس. منذ صدورها قبل قرن من الزمن عدّت هذه الرواية من أهم الأعمال الادبية الحداثية في القرن العشرين وهي رواية مفرطة في الطول ومع ذلك تدور أحداثها في يوم واحد فقط هو بالتحديد يوم 16 يونيو 1904ميلادي. الغريب في الأمر أن الاف المعجبين بالروائي جيمس جويس يحتفلون سنويا ببطل الرواية فيما يسمى (يوم بلوم Bloomsday) حيث يقومون كل سنة في يوم 16 يونيو بتتبع خط سير السيد بلوم عبر مدينة دبلن الايرلندية كما ورد في الرواية حيث يبدؤون يومهم بالمرور بالقلعة ثم مكتب البريد ثم الصيدلية ثم المقبرة ثم الفندق ثم الخمارة ثم المستشفى الولادة ثم يختتمون أمسيتهم كما ورد في الرواية ببيت الدعارة وفعلا للناس فيما يعشقون مذاهبُ.
 
مزج السياحة الدينية بالسياحة الادبية .. هل تتعدد النية
انتشر في السنوات الاخيرة مفهوم السياحة الدينية وبفرض صحة إطلاق هذا التوصيف هل يمكن أن تتعدد الدوافع السفر لتشمل اكثر من هدف وبهذا قد يسوغ أن يحمل الحاج أو المعتمر المهتم بثقافة المشاعر المقدسة كتاب (الحج في الأدب العربي) للكاتب المعروف عبدالعزيز الرفاعي. وبما إن الحج رحلة دينية فقد كُتب الكثير قديما وحديثا في مجال (أدب الرحلات الحجازية) ولعل اشهرها حاليا روائع: (في منزل الوحي) لمحمد حسين هيكل أو (الطريق إلى مكة) لمحمد اسد أو (الطريق إلى الكعبة) لمصطفى محمود. والغريب في الأمر أن اسماء مواضع وأفعال المناسك مبثوثه في بعض اشعار الغزل الاموي لبعض شعراء اللهو من مثل عمر بن ابي ربيعة والعرجي وعبدالله بن قيس الرقيات ولكن هذا بالقطع سوف يدخل في نطاق الرفث في الحج. من الزيارات ذات الطابع الديني وإن كانت محرمة في شرعنا زيارة التبرك بالقبور والمشاهد والأضرحة وهنا تتضح حالة التمازج بين السياحة الدينية والسياحة الادبية في أعجب صورها. منذ عقود قريبة فقط أخذ يتنامى لدى شرائح من الشعب العراقي أن قبر المتنبي المزعوم وجوده في محافظة واسط شمال مدينة بغداد أن له نوع قدسية وأن لصاحب القبر كرامات ولهذا يقصده الجهلة بغرض طلب الشفاء وتقديم النذور والتوسل بمقام صاحب القبر الأديب في تحقيق الحاجات. وإذا كان قبر المتنبي حديث عهد بالشرك والخزعبلات فإن قبر ومزار (مولانا رومي) في مدينة قونية التركية لجلال الدين الرومي يعتبر منذ مئات السنين مهوى أفئدة أهل التصوف. وبهذا أصبح أحد اشهر شعراء الاسلام هو عينه أحد أقطاب الصوفية الكبار الذي يزور ضريحة عشرات الاف سنويا يتقاطرون عليه من كل بقاع الدنيا بل حتى ومن غير المسلمين فلجلال الدين الرومي كما لعمر الخيام انتشار طاغي في الغرب. نفس المشهد يتكرر في جانب التصوف الشيعي حيث نجد أن قبر أهم شاعر فارسي على الاطلاق وهو سعدي الشيرازي يعتبر في نفس الوقت مزار ديني مشهود وكذلك نجد مزارات دينية  فارسية أخرى عند قبر الشاعر حافظ الشيرازي وقبر الشاعر الفردوسي في مدينة طوس الايرانية.
بقي أن نقول أنه كما شهد الأدب العربي اهتمام بالغ بتنوع الاعمال الادبية المتعلقة (بأدب الرحلات الدينية والحج) فتقريبا نجد نفس الظاهرة عند العديد من الادباء والمثقفين من الحجاج المسيحيين الذين حرصوا أن يوثقوا باسلوب أدبي رفيع اخبار وأحداث رحلاتهم الدينية. وأعرق وأهم الاعمال الروائية في الأدب الغربي في هذا النسق هي تلك المجموعة القصصية المسماة (حكايات كانتربري) التي ظهرت في القرن الرابع عشر من تأليف الاديب الانجليزي جيوفري نشوسر وتدور حول القصص والاحداث العجيبة التي تحدث لعدد من الحجاج (السائحين دينيا) إلى ضريح القديس توماس في كاتدرائية كانتربري شرق انجلترا. سبق وان ذكرنا أن الروائي البرازيلي باولو كويلو هو حاليا أشهر أدبي عالمي على الاطلاق لكنه في بداية مسيرته الادبية ظل لمدة جاوزت العشر السنوات وهو كاتب مغمور تمام حتى نشر في عام 1987 أول رواياته الطنانة وهي (حاج كومبستيلا). وهي رواية تدور أحداثها في شمال إسبانيا حيث يسافر سنويا عشرات الاف من الحجاج بعضهم على قدمية قاصدين كاتدرائية سانتياغو دي كومبيستلا حيث يزعم أن أحد حواري وتلاميذ المسيح عليه السلام مدفون فيها. ولهذا تعتبر تلك الكنيسة مقصدا ومزارا للحجاج الكاثوليك عبر طريق القديس مار يعقوب في حين أن الاف من (السياح الاوروبيين) يقصدون نفس المكان بمشاعر مزدوجة من المتعة السياحية والصفاء الروحي وعشق الطبيعة.
 
وختاما قد تتشعب بنا دروب السياحة الأدبية كثيرا وما سبق كان فقط لوحات إرشادية متنوعة تعطي إلماحة لتشعب دروب هذا الموضوع الشيق. ويبقى أن نقول أن (السائح الادبي) في الدول الغربية والأوروبية لن يخشى الضيعة فبحكم ان السياحة الادبية والثقافية صناعة رائجة في تلك البلدان بعوائد مالية تجاوز خانة عشرات الملايين من الدولارات لذا فإن سوق هذه التجارة على درجة عالية من التنظيم وتنوع الخيارات. توجد حاليا العديد من (الخرائط السياحية الادبية) للعديد من الدول والمدن الغربية التي توضح للسائح أماكن وطبيعة المعالم السياحية للروايات الادبية المؤلفة في الجزر البريطانية على سبيل المثال أو بإمكانك أن تحصل على خريطة سياحية ادبية لمدينة نيويورك توضح الأماكن السياحية المرتبطة بأشهر الكتاب والشعراء والرسامين الذين عاشوا في تلك المدينة الصاخبة. وأما من يرغب في معلومات تفصيلية عن الادباء والاماكن السياحية المرتبطة بهم فيمكنه الاطلاع على كتب أدلة الارشاد السياحي الادبي  literary guides والتي توجد منها تشكيله كبيرة لأغلب المدن والدول المشهورة بالنهضة الادبية لدرجة أنه يتوفر للمهتمين بالأدب الانجليزي بالذات قاموس خاص من قواميس أكسفورد يتعلق فقط بإعطاء معلومات عن الامكان السياحية الادبية والثقافية في بريطانيا.
 للأسف الشديد مثل هذه الخدمة الارشادية السياحية مفقودة في بلادنا العربية وإن كانت مدينة القاهرة بالذات مرشحة بجدارة لكي يصدر عنها كتب إرشادية سياحية أدبية شيقة وحتى تصدر مثل هذه الكتب المتخصصة سوف أكتفي في مستقبل زيارتي لأرض المحروسة بأن أحمل مرة ثانية معي كتاب الاديب المصري جمال الغيطاني (ملامح القاهرة في ألف عام) كمرشد سياحي مقبول.