الجمعة، 31 أغسطس 2018

( الصور الشعرية للحج .. وشح البدايات )

الشعر العربي القديم فقير في ذكر صور ومشاهد الحج والمناسك 

د/ أحمد بن حامد الغامدي

الشعر عاطفة تقتاد عاطفة كما قرر ذلك الشاعر العربي الكبير على الجارم ومن الحالة الوجدانية ودفق الاحاسيس وسمو الروح أثناء مناسك الحج أو حتى بمجرد التواجد على ثرى البلد الحرام، تنبثق أعذب القصائد الشعرية الخالدة. شواهد هذه القصائد الشعرية عن الحج في العصر الحديث تستعصي عن الحصر والرصد ولكن ما يصيب المرء بالحيرة أن نماذج هذه (القصائد الروحانية) في الشعر العربي القديم نادرة جدا بل تكاد تكون معدومة إلا من بعض الابيات المفردة والمبعثرة في ديوان العرب. الشاعر الداهية ابو العتاهية هو ولا شك ايقونة شعر الزهد والروحانيات وبالرغم من (عاطفته المتوقدة) وهو أيضا ممن حج البيت العتيق  ومع ذلك ربما انعكاس أرض المشاعر وشعائر الحج في ديوانه لا يتجاوز بيتين يتيمن من الشعر هما:
وأما ورب المسجدين كلاهما         وأما ورب منى والراقصاتْ
وأما ورب البيت ذي الاستار         والمسعى وزمزم والهدايا المشعراتْ

الغريب في الأمر أن المشاهد الشعرية عن الحج ومناسكه غابت كذلك عن قصائد من يعرفون باسم (شعراء الفقهاء) كمثل الامام الشافعي وعبدالله بن المبارك وعروة بن أذينه وابن حزم الاندلسي. وفي ديوان الامام الشافعي لم أجد إلا بيتن من الشعر تم فيهما توظيف (أجواء مناسك الحج) لتوصيف فيض محبة الشاعر للنبي الهاشمي عليه سلام الله وصلواته:
يا راكبا قف بالمحصب من مِنىً          واهتف بقاعد خِيفها والناهضِ
سحرا إذا فاض الحجيج إلى مِنىً         فيضا كملتطمِ الفراتِ الفائضِ
إن كان رفضا حُب آل محمدٍ              فليشهد الثقلان أني رافضي

وفي مقابل هذه البدايات الشحيحة نجد أن (شاعر الحج) الأديب المكي المعاصر أحمد إبراهيم الغزاوي تتضمن مجموعته الشعرية حوالي ثمانين قصيدة عن الحج توصف أحيانا بالحوليات حيث ألقيت أغلبها في المناسبات الرسمية أمام الملوك في الاحتفال السنوي الذي تحضره وفود الحجيج في منى. في حين ان شاعرنا الكبير أحمد قنديل أصدر مجموعة شعرية تحمل عنوان (مكتي قبلتي) ضمنها عشرات القصائد له ولكبار شعراء الحجاز. ولتعلم أيه القارئ العزيز غزارة القصائد المعاصرة عن الحج والمشاعر المقدسة تكفيك إطلاله خاطفة على الانتاج الشعري المنشور في مجلة رابطة الادب الاسلامي أو مجلة الحج أو حتى الملاحق الثقافية بالصحافة المحلية في موسم الحج.
وبعد هذا المدخل ليس من المستغرب أن نجد أن الانتاج الشعري في العصر الجاهلي شحيح هو الآخر في الصور الادبية عن الحج ومواضع النسك بالرغم من المفارقة الكبرى لحميمه الارتباط بين شعراء ذلك الزمن وبين أرض المشاعر المقدسة. ألم تكن قصائد الشعراء تعلق على أستار الكعبة (المعلقات) وألم يكن أغلب شعراء الجاهلية يشهدون موسم الحج كل سنة لكي يتنافسوا بينهم أيهم أجود شعرا في اجتماعاتهم الادبية في سوق عكاظ وسوق مجنه وسوق ذي المجاز قبل أن ييمموا مسيرهم إلى حج البيت العتيق. فلماذا اذا خفتت كثيرا انعكاسات أجواء الحج ومشاهده في شعر أهل الجاهلية.
النابغة الذبياني الخبير الشعري واللغوي كانت تعقد له قبة حمراء من أدم في سوق عكاظ فتأتية الشعراء وتعرض عليه اشعارها فيفاضل بينها وبهذا هو كثير التواجد في موسم الحج ومع ذلك لم يسجل عنه إلا ابيات ضبابية غير واضحة عن شعيرة الحج عندما أعتذر لتلك المرأة التي دعته في أشهر الحج للسمر عندها فرد عليها بانه لا يحل له لهو النساء وهو متوجه في طريقه للبيت الحرام يرجو بر الاله. وسبحان من غير حال النابغة الذبياني من حال مجون القول في أفحش أبيات جنسية قالتها العرب قديما في وصف عملية الجماع إلى حال التعفف عن اللهو والسمر مع النساء. ولأسباب متعددة (من ضمنها الوصف السابق الذكر لزوجة الملك النعمان المساه المتجردة) هرب النابغة من النعمان ملك الحيرة وقال فيه قصائده المشهورة (باعتذاريات النابغة) وهنا لا نكاد نجد في كامل ديوان النابغة الشعري إلا شطر بيت واحد فقط يتعلق بشكل صريح بالحج في صورة الطواف والتمسح بالبيت العتيق. إذ يقسم النابغة بالله الذي زار وطاف وتمسح ببيته الحرام مرارا أنه ما قال في النعمان قولا سيئا وإن كان كاذبا فأصاب الله يده بالشلل:
فلا لعمرُ الذي مسّحتُ كعبته             وما هريقَ على الانصاب من جسدِ
ما قلت من سيءٍ مما أتيت به           إذا فلا رفعت سوطي إلى يدي

وهذا الشاعر الجاهلي زهير بن ابي سلمى الذي قال فيه أبنه كعب (أنا ابن الذي قد عاش تسعين حجة) فهو قد عمّر وسأم من الحياة في سن الثمانين لطولها ومن المحتمل أنه خلال تلك السنوات (أو الحجج كما وصفها كعب) قد زار البيت الحرام حاجا ومع ذلك لم نجد في ديوانه هو الآخر إلا شطر بيت عن مظاهر التعبد حول الحرم:
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله       رجالٌ بنوه من قريشٍ وجُرهمِ
لن نستطيع أن نسترسل في تقصي أحوال فحول شعراء المعلقات مع صور الحج ومشاهد أماكن النسك فطرفه بن العبد قتل في ريعان الشباب وأمرؤ القيس شغل بطلب الثأر والمجون وعنترة عبد مملوك والاعشى ربما شغلته اسفاره ورحلاته المتكررة لمدح الغساسنة والمناذرة واشراف اليمن.

أما فيما يخص الشعر والشعراء في صدر الاسلام فيبدو أن الوحدة الموضوعية في القصيدة الشعرية بدعة متأخرة بمعنى أن الشعراء المخضرمين الذين عاصروا الجاهلية وشهدوا بداية الدين الحنيف تأثروا بالأسلوب الشعري القديم القائم على تعدد وتشعب المواضيع في القصيدة الواحدة. ولهذا موضوع (الصور الشعرية للحج) لو وجد في أي قصيدة فسوف يكون نصيبه أبيات محدودة فقط. وربما هذا يفسر إلى حدا ما ندرة الابيات الشعرية عن الحج في شعر حسان بن ثابت وكعب بن زهير والخنساء والنابغة الجعدي (مادح الرسول) فضلا عن الشاعر الفحل لبيد بن ربيعة صاحب المعلقة والذي ترك الشعر بعدما أسلم ولم يقل بعد ذلك إلا بيتا واحدا من شعر. ولعل مع ذلك تحسن الاشارة الخاطفة لنماذج توظيف شعراء صدر الاسلام لمشاعر الحج في أغراضهم الشعرية مثل رثاء حسان بن ثابت للرسول الكريم:
وامست بلادُ الحَرم وحشاً بقاعها         لِغيبةِ ما كانت من الوحي تعهدُ
وبالجمرةِ الكبرى له ثمّ أوحشت          ديار وعرصات وربع ومولدُ
وعلى نفس النسق رثاء الخنساء لأخيها صخر:
حلفتُ بالبيت وزوّارهِ              إذ يُعملون العيس نحو الجِمارْ
لا أجزع الدهر على هالكٍ         بعدك ما حنّت  هوادي العِشارْ

مشاهد شعر الحج في العصر الأموي
بعد صدر الاسلام وكثرة الفتوحات تدفقت الاموال على الامة الاسلامية وبهذا تغيرت الحياة الاجتماعية في عهد الأمويين فعم الترف واللهو في المدن الكبرى بينما أنتشر الفخر بالأحساب والطعن في الانساب بين أهل البادية ولهذا نجد أن أجواء الحج ومشاهد أرض المشاعر المقدسة يوظفها الشعراء لأغراض شعرية ابعد ما تكون عن (الأدب) سواء في شعر المجون أو شعر المفاخرة والهجاء. الفطرة السليمة ترى في اجتماع الحجيج بمنى وعرفات سمو شعائر الاسلام وتوكيد أواصر الاخوة الايمانية بينما شعراء النقائض وقصائد الهجاء يرون تجمع الحجيج فرصة لتهديد خصومهم بالمفاخرة عليهم وتحقيرهم أمام الاشهاد. لم يكتفِ الفرزدق وجرير بسفههم المعهود بالتهارش الشعري فيما بينهما أمام الجموع في سوق المربد بالبصرة بل نقلوا نقائضهم ونقائصهم تلك للمحفل الأعظم في البلد الحرام. حدث وأن التقى الفرزدق وجرير في الحج فتوعد الفرزدق جرير بأنه سوف يفاخره في مشهد منى:
إنك لاقٍ بالمحصب من منى         فخاراً فخبرني بمن أنت فاخرُ
فإن كُليباً من تميم وإنما              غدا بك من قيس بن عيلان عاهرُ
ولقد كان جرير أحكم وأشرف في رده حيث عظم شعائر الله وأكتفى بالرد بأنه سوف يفخر (بلبيك اللهم لبيك). ومع ذلك لم يسلم جرير من تعمد هجاء الفرزدق وتوظيف اجتماع الحجيج في منى وعرفات وأنه مكان ملائم لكي يخزي الله عشيرة الفرزدق آل مجاشع ويتحدث أهل قريس بغدرهم:
ألم تر أن الله أخزى مجاشعاً              إذا ضم أفواج الحجيج المعرفٌ
ويوم منى نادت قريش بغدرهم          ويوم الهدايا في المشاعر عكّفُ
ويبغض ستر البيت آل مجاشعٍ           وحجابه والعابد المتطوفُ

الطامة الكبرى والعار المخزي أن بعض أهل المجون من الشعراء لم يجد في اجتماع الحجيج وتزاحمهم في أرض المشاعر إلا فرصة للفسوق والغزل والتهتك. فينقل عن بعض الشعراء أنه كان يبتهج ويسعد بموسم الحج لأنه فرصته للهو:
يا حبذا الموسمُ من موفدِ            وحبذا الكعبة من مشهدِ
وحبذا اللاتي يزاحمننا              عند استلام الحجر الاسودِ
وأما حامل لواء المجون والطيش والسفه في استغلال موسم النسك لتصيد النساء والتحرش بهن فهو بلا منازع عمر بن ابي ربيعة فهو كصاحبة السابق الذي أحب الطواف لمزاحمة النساء فهذا أيضا كان يطرب لموسم الحج لأنه اشبه (بموسم الصيد) لمغازلة نساء وبنات الحجيج ولهذا قال:
ليت ذا الدهر كان حتما علينا           كل يومين حِجةً واعتمارا
ولهذا وللأسف تحول صحن المطاف من موقع عبادة وخشوع إلى موعد للغرام والهيام والاعلان عن ذلك على رؤوس الاشهاد والعياذ بالله:
قف بالطواف ترى الغزال المحرما         حـج الحجيـج فعـاد يقصـد زمزمـا
عـنـد الـطـواف رأيـتـه متلـثـمـا              للـركـن والحـجـر المعـظـم يلـثـمـا
أقسمـت بالبيـت العتيـق لتخـبـري           ما الأسـم قالـت مــن سـلالـة آدمــا
الاســم سـلـمـى والـمـنـازل مـكــة          والـدار مـا بيـن الحجـول وغيلمـا
قلـت عدينـي مـوعـداً أحـظـى بــه          أقضي بــه ما قـد قضـاه المحرمـا
فتبسمـت خجـلاً و قالـت يــا فـتـى          أفســدت حجـك يـا مُحـل المُحـرمّـا

لقد تسبب شعراء الغزل الفاحش مثل عمر بن أبي ربيعة والشاعر العرجي وغيرهما بفتنة النساء وتأثرهم بأشعارهم فيذكر أن واعظ المدينة أبي حازم بن دينار شاهد امرأة حسناء في الحج قد شغلت الناس لفرط جمالها فقال لها: أمة الله خمري وجهك فقد فتنت الناس. فقالت له: إحرامي في وجهي أصلحك الله يا أبا حازم، وأنا من اللواتي عناهن العرجي بقوله:
أماطت كِساءَ الخزّ عن حر وجهها           وأدنت على الخدين بُرداً مهلهلا
من اللاّءِ لم يحجُجنً يبغين حِسبةً             ولكن ليقتلن البريءَ المغفلا
وفي مثل هذه الاجواء التي يعتريها بعض الغبش والخبث من تصرفات بعض الحجاج نحو النساء والجواري يمكن ان نلتمس العذر لأبي العلاء المعري في تهوره الكبير عندما اسقط (فرضية الحج) على النساء بقوله:
أقيمي لا أعُدُّ الحج فرضاً           على النساء ولا العذرى
ففي بطحاء مكة شرَّ قومٍ            وليسوا بالحماة ولا الغيارى

وللأسف يبدو انه تكرر في التاريخ انتهاك حرمة الحجاج والاعتداء على ارواحهم ونسائهم وهذا ما سبب قصيدة الهجاء التي خص بها أحمد شوقي الشريف حسين عندما أنفلت الأمن في زمن حكمه:
ضجًّ الحجيج وضجًّ البيت والحرمُ        واستصرخت ربها في مكة الأممُ
أهين فيها ضيوف الله واضطهدوا        إن أنت لم تنتقم فالله منتقمُ
أفي الضحى وعيون الجند ناظرةٌ         تسبى النساء ويؤذى الأهل والحشمُ

أدب الحج والمنظومات الشعرية المطولة
بعد أن كانت الصور الشعرية والمشاهد الادبية عن الحج شحيحة ونادرة في قصائد الشعر العربي القديم كما بينا سبقا أصبحت هذه الصور منتشرة بشكل ملحوظ في شعر الهجاء والفخر وشعر الغزل في العصر الأموي لكنها مع ذلك ما زالت من الأبيات ذات العدد في نسيج متشعب من المواضيع الشعرية في القصيدة الواحدة. وبالرغم من أن الوحدة الموضوعية (وحدة الغرض) هي بدعة حديثة نسبيا في الشعر العربي إلا أننا يمكن أن نجد لها بعض النماذج المتعلقة بالحج مع الرعيل الأول من شعراء العصر العباسي. فمثلا الوحدة العضوية المرتبطة بأحاسيس الشاعر اثناء أدائه مناسك الحج نجدها في قصيدة خاصة بالحج تنسب إلى الشاعر أبي نواس (وسبحان الهادي) يقول في تلبيته للحج في قصيدة من أثنى عشر بيتا منها:
إلهنا ما أعدلك             مليك كل من ملك
لبيك قد لبيت لك           لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك      ما خاب عبد سألك
لبيك إن الحمد لك         أنت له حيث سلك
التعبير عن المشاعر الروحانية المتولدة أثناء الحج تعتبر طفرة في أدب الحج عما كان سابقا وبالإضافة لقصيدة التلبية لأبي نواس توجد قصيدة روحانية وفلسفية لجلال الدين الرومي عنوانها (آه ايها الذاهب للحج). تجديد شعري آخر في أدب الحج لم يكن منتشر قديما يتعلق بالتوصيف التفصيلي لما يحدث مع الشاعر اثناء تأديته لمناسك الحج واقدم الابيات في هذا الامر حسب ما وجدته هي سبعة ابيات ضمن مقصورة أبن دريد يصف فيها مراحل أدائه للحج والعمرة والتنقل بين المشاعر المقدسة. مقصورة أبن دريد عدد ابيتها حوالي مائتين وأربعين بيتا وتخصيص سبعة أبيات لوصف مناسك الحج أمر شبه معقول ولكن منذ مطلع القرن الثامن الهجري يمكن أن نتتبع بدايات ظهور ما يمكن وصفه (بالمطولات الشعرية) عن أدب الحج. فمثلا في القصيدة الميمية لأبن القيم الجوزية (وهي قصيدة وعظيه اشتهرت باسم: رحلة إلى بلاد الأشواق) نجد أن هذه القصيدة الطويلة ذات 181 بيتا شعريا خصص لموضوع مشاهد الحجيج وتنقلهم واشواقهم ومشاعرهم حوالي خمسين بيتا من الشعر ومطلع الجزء الخاص بأشواق الحج:
أما والذي حج المحبون بيته                 ولبّوا له عند المَهَلّ وأحرموا
يُهلون بالبيداء لبيك ربنا                      لك الملك والحمد الذي أنت تعلمُ
تراهم على الانضاءِ شعثاً رؤوسهم         وغبرا وهم فيها أسرُ وأنعمُ

مشاعر الاشواق ومشاهد ألم الفراق بعد انتهاء مناسك الحج سطرها العلامة ابن حجر العسقلاني في قصيدة جميلة وطويلة نسبيا من أربعة واربعين بيتا تدور عن يوميات رحلة الحج. ومن صور ومشاهد أدب الحج (القصيدة الذهبية والحَجة المكية والزورة المحمدية) للواعظ والفقيه الشافعي محمد بن رشيد البغدادي المتوفي في منتصف القرن العاشر الهجري وتنسب هذه القصيدة بشكل خاطئ للإمام اليمني المعروف محمد بن اسماعيل الأمير كما حقق ذلك الشيخ حسن بن محمد المشاط من كبار علماء الحرم المكي الشريف. وبعد أن كانت دواوين الشعر لمشاهير الشعراء لا يوجد بها إلا أبيات شعرية محدودة العدد عن مشاهد ومشاعر الحج نجد هذه القصيدة المفرطة الطول تشتمل على 283 بيتا من  الشعر. ومع ذلك الجودة الأدبية لمثل هذه المطولات الشعرية عن مناسك الحج منخفضة لأنه فرق بين الشعر التعليمي والتوثيقي وبين شعر بث المشاعر والاحاسيس.

وفي الختام قد يصعب أيجاد تفسير أدبي وتاريخي حاسم في تعليل (شح البدايات) للصور والمشاهد الشعرية للحج ومع تلك الندرة للأبيات المتناثرة عن الحج والبلد الحرام إلا أنها لصدق عاطفتها وابداعها الأدب ما زالت أكثر تواجد في الذاكرة الشعرية من مئات القصائد الحديثة عن الحج. مئات الشعراء دبجوا القصائد عن الشوق للبلد الأمين والحرم الشريف ومع ذلك المهم صدق المشاعر لأن بيت من الشعر لأبن عمرو الجرهمي فاقها شهرة وترددا على الألسن:
كأن لم يكن بين الحَجونِ إلى الصفا        أنيسٌ ولم يَسمر بمكة سامرُ
منذ الفترة الأدبية الموصوفة بعصر الجمود والخمول (يعترض الباحث الكبير الدكتور عمر فروخ على توصيف هذه الفترة بعصر الانحطاط) تدهورت جودة الشعر العربي وربما من ضمن أسباب ذلك ظهور بدعة (شعر المناسبات). أهم ركيزة في الشعر العاطفة الصادقة وهذا مقتل القصائد والاشعار التي تقال فقط كنوع من (أداء الواجب) لحلول مناسبة معينة. الغالبية العظمى من قصائد المناسبات الدينية أو الوطنية أو القومية أو الاجتماعية سرعان من تتلاشى من الذاكرة. كلنا نعلم قصيدة البردة في مدح الرسول الكريم للبوصيري وهي قصيدة كتب لها  الذيوع والخلود ولكن نتيجة لأن البوصيري أوقف شعره في مدح الرسول الكريم لهذا ألزم نفسه أن يكتب قصيدة في في كل موعد ذكرى للمولد النبوي الشريف ولكن للأسف خفت جذوة شعر المناسبات هذه كما خفتت وتلاشت عشرات القصائد للشاعر أحمد الغزاوي التي ألقها في موسم الحج.
المشكلة أن الشعراء مولعون بالتقليد ومتابعة اللاحق للسابق فما أن يسير شاعر في فج معين إلا تبعه بقية الشعراء منذ زمن تقليد الوقوف على الاطلال في مستهل أي قصيدة. ولهذا بعض الشعراء ومن دافع التقليد تجده يكون مأسور بشعر المناسبات ويندفع أحيانا بغير شعور لكتابة قصائد قد ينقصها الروح أو العاطفة الصادقة. وربما هذا يفسر لنا الظاهرة العجيبة في منتصف القرن الماضي عندما كتب بعض الشعراء من نصارى العرب عدد من القصائد عن مكة المرمة والكعبة ومشاعر الحج !!.  فهذا الشاعر المسيحي السوري جاك صبري شماس ينشر قصيدة عنوانها (مكة الحبيبة) والشاعر والسياسي اللبناني جبران تويني الجد يكتب قصيدة كان عنوانها (مناسك الحج) في حين الشاعر السوري جورج ميخائيل صيدح له قصيدة اسمها (الحجيج) وبهذا تكون هذه القصائد المسيحية هي بكل بساطة أمثلة ونماذج لما نسميه أدب الحج. للشعراء النصارى العرب أثر بارز في الأدب العربي منذ زمن أمية بن أبي الصلت والاخطل وحتى جبران خليل جبران وخليل مطران وإيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة وآخر من توفي من هؤلاء الرواد الكبار قبل ثلاث سنوات الشاعر المسيحي اللبناني سعيد عقل وما يهمنا هنا هو ذكر قصيدته الشهيرة (والبعض يعرفها بأغنية فيروز) التي يمدح فيها مكة وأهلها وحجيجها:
غنّيتُ مكة أهلها الصيدا             والعيدُ يملأُ أضلعي عيدا
ضج الحجيجُ هناك فاشتبكي        بفمي هنا يغر تغريدا

الخميس، 23 أغسطس 2018

( واشنطن وأثينا والدولار )

هل قامت (أثينا الجديدة بنهب الذهب الاحتياطي للعالم)

د/ أحمد بن حامد الغامدي

العديد من المؤرخين والسياسيين يشبهون (الامبراطورية الامريكية) الحالية بالإمبراطورية الرومانية وهذا قد يكون صحيح في بعض الجوانب والابعاد ومع ذلك قله من المؤرخين تفضل تشبيه أمريكا (بالإمبراطورية اليونانية). ومع ذلك وفي الواقع الأمر لا أمريكا ولا اليونان القديمة أعلنت نفسها إمبراطورية حقيقة إلا أنه توجد نقاط تقاطع متعددة بينهما.

كلتا الأمتين كانت قوتها الضاربة في أسطولها البحري ذو الكفاءة العالية وكلا منهما تعرضت لحرب ضروس مع عدو خارجي (الفرس في حالة أثينا واليابان وألمانيا .. ثم الروس في حالة أمريكا). ونتيجة لهذا الأمر اضطرت كلتا الدولتين لتشكيل أحلاف عسكرية تحميها فمدينة أثينا شكلت ما يسمى الحلف الديلي Delian league المكون من تجمع حوالي مائتين مدينة أو جزيرة وهدفه منع أي غزو للإمبراطورية الفارسية لأرض اليونان. أما الولايات المتحدة الامريكية فشكلت كما نعلم جميعا حلف شمال الاطلسي (الناتو) لمقاومة وصد الاتحاد السوفيتي وحلفائه. وبالطبع مثل هذه الاحلاف العسكرية تحتاج إلى تكاليف ماليه هائلة ولهذا الحلف اليوناني القديم ألزم كل مدينة أن تسلم جزء من المال phoros تم تجميعها بشكل غريب في (جزيرة ذهبية) تدعى ديلوس Delos  ومن هنا جاءت تسمية ذلك الاتحاد بالحلف الديلي.

أما أمريكا فمباشرة بعد نهاية الحرب العلمية الثانية كانت جزيرتها الذهبية هي اتفاقية بريتون وودز التي تمت عام 1944 ومن أهم قراراتها اجتماع الدول المتحالفة مع واشنطن (اثينا الجديدة) وإن كان تحت مظلة الامم المتحدة لأنشاء ما يسمى (صندوق النقد الدولي) IMF وطبعا كان مقره في مدينة واشنطن. فيما يتعلق باثينا القديمة كان الدخول في الحلف العسكري في البداية اختياري ولكن مع الوقت أصبحت أثينا قوة طاغية لدرجة أنها أصبحت تأخذ بالقوة الإتاوة أو الجزية المالية phoros من جميع المدن والجزر بدون انتظار موافقها بل وصل الأمر لقيام الحاكم اليوناني الطاغية بريكليس بنقل جميع الذهب من جزيرة ديلوس إلى مدينة اثينا واستخدم جزء من المال لإقامة المعبد الاغريقي الأشهر البارثينون على قمة هضبة الأكروبولس.
وفي الصيغة الامريكية من القصة قام الرئيس الامريكي نيكسون عام 1971 بعملية تعويم الدولار وبالتالي بشكل أو اخر نتيجة لسحب تغطية الدولار بالذهب أصبحت الولايا المتحدة المهيمنة على صندوق النقد الولي والبنك الدولي وغيرها من المؤسسات الاقتصادية الكبرى غير ملزمة (برد الارصدة الذهبية) التي التزمت وفق اتفاقية بريتون وودز بتوفير المقابل الذهبي: لكل 35 دولار أونصة من الذهب. وكما بنى بريكليس معبد البارثينون بنى في اثينا القديمة مباشرة بعد نهب الذهب بنى سدنة المال في أمريكا عائلة روكفلر مباشرة بعد نهب الذهب العالمي (برفع الغطاء عن الدولار) البرجين التوأمين لمركز التجارة العالمي في مانهاتن السفلى وبالقرب من بورصة نيويورك. 
 
(الطمع ضيع ما جمع) فالمعاملات الاقتصادية والسياسية أساسها غالبا الثقة فليس غريبا أن نعلم أنه في عالم اليونان القديمة حدثت العديد من الاحقاد السياسية بين اثينا وبين المدن الصغيرة الاخرى بسبب الهيمنة الاقتصادية والعسكرية المنفردة لأثينا. وهذا تقريبا ما بدأنا نشاهده ونلمسه منذ اعلان الرئيس الامريكي جورج بوش الأب ما سماه (النظام العالمي الجديد) حيث أخذ الاتحاد الاوروبي يوما بعد آخر يبتعد عن الهيمنة الأميركة وهو ما ينعكس في بداية تصدع حلف الناتو.
المدن والجزر اليونانية القديمة نفرت من هيمنة أثينا ولهذا أعادت تحالفاتها السياسية والعسكرية مع (مدينة أسبارطة) ومن هنا تم هزيمة أثينا المخزية في الحروب البيلوبونيزية ومن دولة اضعف منها وأكثر همجية. مستقبل الأحداث في علم الباري سبحانه وتعالى ولكن هل إرهاصات (أسبارطة الجديدة) هي ما نشاهده هذه الايام من تنامي القوة المعنوية لما يسمى (مجموعة البريكس) وهي تحالف لعدد من الدول القوية اقتصاديا والسابحة في خارج الفلك الامريكي من مثل روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ويقال أن تركيا تطلب الانضمام لهذا التحالف الذي يهدف ضرب الاحتكار الاقتصادي الامريكي على العالم.

أسم مجموعة البريكس BRICS مكون من الحرف الأولى لأسماء الدول السابقة المشكلة لهذا التحالف ولكن لو تم تحرفه قليلا إلى BRICKS لظهرت كلمة طوب أو قرميد وبهذا كأن الأمر هو القيام ببناء جدار جديد ينافس جدار مانهاتن المالي في شارع المال والاعمال والبورصة Wall Street في عاصمة المال العالمية مدينة نيويورك. ذلك الجدار القرميدي القديم لم يحول دون هزيمة الهولنديين واحتلال الانجليزي لجزيرة منهاتن فهل الجدار المالي الجديد الذي تضعضع (زمن الكساد العظيم في الثلاثينات وانهيار البورصة يوم الاثنين الاسود وقريبا في كارثة الرهن العقاري) سوف يحول دون ضعف الهيمنة المالية الامريكية أمام الخصم الجديد مجموعة البريكس. العدو عندما يكون متحفزا يكون خطرا جدا ونختم بالتذكير أن من اسباب اندلاع الحرب بين أثينا وأسبارطه هو منع أسبارطة لأثينا من بناء (جدار) لحمايتها من أعدائها فهل يعيد التاريخ نفسه !!.

الأربعاء، 15 أغسطس 2018

( فندق سياحي على خط النار )

من أمام فندق هوليدي إن في سراييفو .. من هنا أنطلقت شرارة الحرب الاهلية اليوغسرفية

د/ أحمد بن حامد الغامدي

في عالم الدراما تعتبر كواليس وخلفيات المعارك العسكرية والحروب الاهلية والصراع الطائفي مادة خصبة للإبداع أبرز الأعمال الروائية الادبية، في حين يتم في الغالب تجيير التوظيف الادبي للمنتجعات الترفيهية والفنادق السياحية كمسرح لأحداث الاعمال الأدبية الرومانسية. وبحكم أن لكل قاعدة شواذ فلهذا أبدع الروائي والفيزيائي اللبناني الموهوب ربيع جابر (نال جائزة البوكر العربية في الادب عام 2012م) في توصيف مآسي الحرب الأهلية اللبنانية من خلال التركيز على (معركة الفنادق) في وسط مدينة بيروت ولهذا لا غرابة أن تحمل روايته الرائعة عنوان (طيور الهوليدي إن) إشارة إلى الفندق الشهير الذي جرت حوله حرب طاحنة عام 1975م. في جبهة القتال تلك في وسط بيروت تم تحويل فنادق الخمسة نجوم (مثل الهوليدي إن والبالم بيتش وسانت جورج والنورماندي) إلى منصات لإطلاق الصواريخ وشرفات لتسديد رصاص القناصة. ومن هذه المنتجعات السياحية الرائقة انطلقت شرارة الحرب وانتشر أوراها ليشمل جميع الطوائف الدينية والسياسية والعرقية في أرض لبنان الكبير.

دراما تغير ارتباط الفندق بالبهجة والسكون إلى ارتباطه بالفظائع والاهوال لم تتمثل في مكان آخر أكثر مما تمثلت في فندق (دي ميل كولين) في قلب العاصمة الرواندية كيجالي. في عام 1994م حصلت الكارثة الانسانية الفظيعة عندما نشبت حرب الابادة الجماعية في جمهورية راوندا الافريقية وهنا تمت المجازر الوحشية بقتل  مئات الالف خلال أشهر قليلة تم فيها تصفية 75% من أفراد قبيلة التوتسي على يد المتطرفين من قبيلة الهوتو. وبمناسبة مرور عشر سنوات على هذه الكارثة الانسانية غير المسبوقة في التاريخ البشري قام الكاتب والمخرج الايرلندي تيري جورج الحاصل على جائزة الأوسكار بكتابة سيناريو واخراج فلم (فندق رواندا). تدور أحداث الفلم عن قصة حقيقة تمثلت في قيام مدير ذلك الفندق (وهو من قبيلة الهوتو) بإنقاض حياة أكثر من 1200 شخص من قبيلة التوستي وحمايتهم داخل ذلك الفندق الذي تم محاصرته بأفراد ميليشيا عصابات الهوتو المتعطشة للقتل والاغتصاب. وبهذا تحول فندق الرفاهية والترف إلى ما يشبه مخيم الاعتقال تحاشرت فيه عدة اسر في الغرفة الواحدة لتستمر هذه المأساة لعدة شهور حتى تدخل وفد من الامم المتحدة لتأمين خروجهم الآمن من فندق الموت ذلك.
ومن الحرب الاهلية اللبنانية والرواندية ننتقل إلى الحرب الأهلية اليوغسلافية الشنيعة التي سبقت بسنوات قليلة كارثة راوندا ومرة أخرى نجد أن الفنادق السياحية كان لها دور في مجريات الأحداث المأساوية في تلك الحروب الشنيعة. في زيارتي السياحية قبل فترة قصيرة لمدينة سراييفو عاصمة البوسنة علمت على أرض الواقع لماذا كان موقع فندق (الهوليدي إن) يقع في أخطر موضع للقتل في أرض البلقان. وحتى هذا اليوم وبعد مرور أكثر من عقدين من الزمان على انتهاء الصراع المسلح في أرض البوسنة ما زالت المنطقة القريبة من فندق الهوليدي إن في سراييفو تعرف باسم (زقاق القناص Sniper Alley) في حين ان البعض يصفها بأنها منطقة (أرض الصفر ground zero) وهو المصطلح المستخدم لتوصيف المنطقة القريبة من (بؤرة) الكوارث أو الحروب أو الزلازل أو الوباء حيث تقع اشد انواع الضرر والاصابات. مدينة سراييفو كانت (ولا تزال) تفتقر لفنادق ضخمة من طراز رفيع والاستثناء الوحيد لها هو فندق الهوليدي إن الذي تم بنائه بشكل خاص عندما استضافت تلك المدينة الحدث الرياضي الضخم الذي ما زالت تفخر به وهو الالعاب الأولمبية الشتوية لعام 1984م. لهذا السبب اصبح هذا الفندق بالذات مقر إقامة كبار الزوار للمدينة وبالطبع الخيار الامثل لرجال الصحافة والاعلاميين الذين قدموا لاحقا لتغطية أخبار الحرب الاهلية اليوغسلافية.
ومن الطرائف المترتبة من وقوع الفندق في قلب ساحة المعركة أن مراسل هيئة الاذاعة البريطانية BBC في سراييفو مارتن بيل قال (من هذا الفندق أنت لا تحتاج أن تذهب لتغطية أخبار الحرب .. الحرب هي التي تأتي إليك إلى مقر اقامتك). وبالفعل العديد من المراسلين الاعلاميين في العاصمة البوسنوية وصفوا في تقاريرهم الاخبارية تعرضهم وهم في الفندق للقصف بالقنابل فضلا عن مئات الحالات المتكررة لتعرض غرف الفندق لطلقات الرصاص من القناصة من جهة المباني العالية القريبة من الفندق.
الجدير بالذكر أنه كما كانت ساحة الفنادق (ومنها فندق الهوليدي إن) في وسط بيروت هي نقطة بداية اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية فكذلك شهد فندق الهوليدي  إن في سراييفو انطلاق شرارة الحرب الاهلية اليوغسلافية. في مطلع شهر مارس من عام 1992م تم الاعلان الرسمي عن استقلال البوسنة والهرسك وذلك تحت معارضة شديدة من صرب البوسنة. وبعد ذلك بشهر وبالتحديد في يوم 6 أبريل تم حشد مظاهرة ضخمة مؤيدة للاستقلال أمام مبنى البرلمان في وسط سراييفو والقريب جدا من موقع فندق الهوليدي إن. وعندما بدأت المظاهرة البشرية الحاشدة في التحرك نحو فندق الهوليدي إن الذي يقيم فيه الصحفيين الاجانب تم إطلاق النار من داخل الفندق نحو المتظاهرين السلميين. وهنا  تدخلت القوات الحكومية البوسنوية وقصفت الفندق ثم تمكنت من القبض على القناصة التابعين لمجرم الحرب اللعين رودوفان كارادتش قائد ميليشيا صرب البوسنة والتي ردت بحصار مدينة سراييفو وقصفها من أعلى الجبال المحيطة بها ومن هنا بدأت الحربية الاهلية الشنيعة.

هل الفنادق من ضحايا الحروب
الصحافة (مهنة المتاعب) كما يقال والاخطر من ذلك مهنة المراسل الاعلامي في ساحات الحروب والصراع والكوارث وفي الغالب ومن باب المحافظة على سلامة رجال الصحافة هؤلاء يفضل دائما أن تتم إقامتهم في فنادق محددة ومعروفة من قبل جميع الجهات المتصارعة. وكما هو متوقع كم من الجرائم والكوراث يتم ارتكابها أثناء الحروب ولهذا غالبا ما يكون المراسل الصحفي شخصية غير مرحب بها حتى من الدول التي تدعي الديمقراطية وحرية الرأي بزعمهم.
بالرغم من جرائم الصرب في الصراع المسلح في أرض البلقان إلا إن فندق الهوليدي السالف الذكر استمر لمدة ثلاث سنوات وهو مقر إقامة العشرات من رجال الاعلام الاجانب الذين كانوا ينقلون للعالم الخارج الكوارث المصاحبة لحصار مدينة سراييفو. قارن هذا الامر بما حصل مع الجيش الامريكي وقت حصار وغزو مدينة بغداد عام 2003م عندما قام جش الغزو الامريكي بعملية شبه متعمدة لترويع رجال الصحافة ودفعهم بطريقة أو أخرى لمغادرة ساحة الصراع حتى لا يتم توثيق العمليات العسكرية العدائية. وكما حصلت مأساة شنيعة يوم السادس من أبريل من عام 1992م في فندق الهوليدي إن بمدينة سراييفو حصل أمر مشابه بعد ذلك بعشر سنوات تقريبا في يوم الثامن من ابريل عام 2003 في فندق فسطين (الميريديان سابقا) بمدينة بغداد. كما هو معلوم اليوم الموثق تاريخيا لاحتلال مدينة بغداد كان يوم 9 أبريل عام 2003م ولهذا كانت القوات الامريكية تجهز لهجوم كاسح على المدينة ولهذا ليس من باب المصادفة حصول حادثة الاعتداء على فندق فلسطين قبل ذلك بيوم واحد حيث قامت دبابة أمريكية بإطلاق قذيفة نحو الفندق الغاص برجال الاعلم والصحفيين الاجانب من جميع الجنسيات. وبحكم أن سطح وغرف فندق فلسطين كانت تستخدم كغرف أخبار لنشر أحداث الغزو الامريكي لهذا كانت خسائر عملية الترويع الامريكية فادحة: مقتل مصور وكالة رويترز للأنباء ومقتل مراسل قناة الاخبار الاسبانية واصابات ثلاثة صحفيين اجانب بجروح خطيرة.
الجدير بالذكر أنه بعد اندلاع الحرب الاهلية في العراق بعد الغزو الامريكي تعرض فندق فلسطين المنكوب لعملية تفجير بواسطة شاحنة مفخخة وهذا ما تكرر مع العديد من فنادق بغداد الكبرى مثل فندق الحمراء (والذي انتقل له رجال الصحافة الاجانب)  وفندق الشيراتون وفندق بابل وفندق القدس وفندق جبل لبنان وغيرها.

وبحكم أن عمليات تفجير الفنادق (سيرة وانفتحت) لعل من الملائم الاشارة السريعة إلى ظاهرة (تلازم السياسة والفندقة) فليس فقط ارتبطت الفنادق والمنتجعات السياحية بحصول بعض كبرى الاحداث والاتفاقيات السياسية وهو موضوع شيق  يستحق مقال مستقل إذا علمنا مثلا أن الدستور الايرلندي كتب في غرفة فندق أو أن رؤساء بريطانيا وامريكا وفرنسا (تشرشل وروزفلت وديغول) كانوا يعقدون اجتماعاتهم اثناء الحرب العالمية الثانية في فندق الرتز بلندن.  لكن في المقابل نجد كذلك ان الفنادق ونزلائها تعرضوا لمصائب السياسية وكانوا من ضحايا الحروب والصراعات المسلحة. ربما كانت أقدم وأشهر عملية تفجير لفندق سياحي بسبب الخلفيات السياسية قيام العصابات الصهيونية بتفجير فندق الملك داود بالقدس عام 1946 آخر زمن الانتداب البريطاني لفلسطين حيث كان هذا الفندق يستخدم كمركز لإقامة حكومة الانتداب البريطانية وذهب ضحية هذه الجريمة النكراء 91 قتيل. ومن ذلك التاريخ وحتى يوم الناس هذا والفنادق السياحية تتعرض للهجمات والتفجيرات الارهابية والقائمة المخزية تطول وتطال كل بلد وشعب ومنها على سبيل التذكير: تفجير فندق الراديسون ساس بمدينة عمان الاردنية وتفجير فندق الماريوت بالعاصمة الباكستانية وتفجير فندق الهيلتون بمدينة طابا السياحية المصرية وتفجير فندق غزالة في شرم الشيخ وتفجير فندق ماجيستك بالدار البيضاء وتفجير فندق الرتز كالرتون في جاكرتا وطبعا خبر عادي ومتوقع ألا وهو تفجير العديد من الفنادق في العاصمة الصومالية مقديشو أو تفجير فندق كورنثيا بالعاصمة الليبية طرابلس أو تفجير فندق المريديان بدمشق.
وإذا كانت بعض الفنادق تعرضت للأعمال التفجيرية الارهابية (مع استثناء تفجير المقاومة الكويتية لفندق الهيلتون الذي كان تقيم فيه قيادات الجيش العراقي التي غزت الكويت عام 1991م) فإن بعض الفنادق تعرضت للهجوم المسلح والاقتحام المباشر للفندق وقتل أو خطف النزلاء المقيمين به. من اشهر عمليات الهجوم واقتحام الفنادق تلك كان قتل 31 شخصا اثناء الهجوم المسلح على فندق تاج محل العريق بمدينة بومبي الهندية واقتحام فندق إمبريال بمدينة سوسة التونسية الذي خلف أربعين قتيل واقتحام فندق بيلا فيستا بمدينة الغردقة الساحلية وقبل اشهر قليلة قام عدد من المهاجمين باقتحام فندق إنتركونتيننتال بالعاصمة الافغانية كابل مما أسفر عن  اصابة ومقتل عدد من (السياح) علما بأن نفس هذا الفندق قد تعرض لاقتحام مسلح قبل ذاك بسبع سنوات.
لا أعلم قارئي العزيز هل انتبهت لتوصيف نزلاء فندق كابول بأنهم (سياح) ولكن هذا بالفعل توصيف واقع الحال فتوجد حاليا بعض الشركات السياحية العالمية تنظم لبعض المجانين في هذا الكوكب رحلات سياحية لمناطق الصراع المسلح كما في أفغانستان أو العراق بل وحتى سوريا والصومال. يبقى أن نقول أن حب المغامرة والاثارة بالإضافة للطيش والسفه لن يمكن لأي سائح للسفر لهذه المناطق الخطرة ما لم يكن كذلك شخص ثري فمثلا في عام 2010 كانت (الرحلة السياحية) إلى مدينة بغداد تكلف السائح الغربي مبلغ لا يقل عن عشرة الاف دولار !!.

عندما يصبح الفندق بحد ذاته أيقونة سياحية
بقي  أن نقول بعد هذه الجولة السياحية في العلاقة بين السياسة والفنادق وتأثير كلا منهما بالآخر أن للسياسة فضل على بعض الفنادق لدرجة أنها أصبحت بحد ذاتها (معلم سياحي مشهور) يزوره السياح ليس للإقامة فيه ولكن لمشاهدته والتصوير معه. مدينة لندن هي وجهة سياحية من الطراز الاول ولكن أهل لندن أنفسهم في كل صيف يتوجهون نحو اقرب منتج سياحي لهم وهي مدينة برايتون الساحلية. ومن (المعالم السياحية) البارزة في مدينة برايتون زيارة (فندق برايتون الكبير GBH) وسبب شهرته أنه تمت فيه عام 1984م محاولة اغتيال رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر حيث تم تفجير هذا الفندق من قبل حركة الجيش الايرلندي الجمهوري IRA أثناء إثناء إقامة المرأة الحديدية فيه هي وجميع افراد طاقهما الوزاري. وعلى نفس النسق تقريبا أصبح فندق الأمباسدور في لوس انجلوس موقع زيارة للعديد من الاشخاص المتعاطفين مع أسرة كينيدي الامريكية حيث حصل في هذا الفندق حادثة اغتيال السيناتور والمرشح الرئاسي روبرت كيندي شقيق الرئيس الامريكي المقتول جون كينيدي. بينما الموتيل أو فندق لورين في مدينة ممفيس الامريكية حيث تم اغتيال مارتن لوثر كنج الناشط السياسي الامريكي في حقوق الانسان والحاصل على جائزة نوبل للسلام تم تحويله الآن إلى متحف تذكاري لحركة الحقوق المدنية الامريكية التي ناضل في سبيلها ذلك القس الاسود ذائع الصيت.
بلا أدنى شك قد يكون (فندق الرشيد) في وسط بغداد أكثر فندق تردد أسمه في وسائل الاعلام لعقود طويلة وله شهرة طاغية لارتباطه الوثيق بالحروب ودنيا الاعلام المرئي. شهرة فندق الرشيد متجذرة ليس فقط لأنه تمت فيه محاولة اغتيال نائب وزير الدفاع الامريكي بول وولفيتز عن طريق رشق الفندق بثمانية صواريخ، ولكن كذلك لأن فندق الرشيد ربما يكون الفندق الوحيد الذي تم قصفه من قبل القوات الامريكية بصاروخ كروز اثناء انعقاد مؤتمر لنصرة العراق زمن حرب الخليج الثانية. وبعد هذه الحادثة أصبح فندق الرشيد مزار لسكان مدينة بغداد ليس لمشاهدة اثار الدمار علية ولكن للالتقاط الصور لنزلاء الفندق من الغربيين وهم يدخلون بوابة الفندق الرئيسية بعد ان يطؤوا بأقدامهم لوحة أرضية مرسوم  عليها الرئيس الامريكي جورج بوش الاب ومكتوب عليها (المجرم جورج بوش). في تاريخ الاعلام المرئي والقنوات الفضائية قد يكون فندق الرشيد هو نقطة بداية شهرة قناة CNN العالمية أهم وأشهر قناة اخبارية فضائية على الاطلاق وكل ذلك بدأ بالبث الحي (صوت فقط) لمراسلي شبكة السي إن إن بيتر آرنت وبرنارد شو وذلك من داخل إحدى غرف فندق الرشيد. من هذا وذاك يستحق فندق الرشيد بحق لقب (شاهد على العصر) ولو لا وجوده الان في المنطقة الخضراء بوسط بغداد المحظور دخولها على الاشخاص العاديين لجزمت أن العديد من المترددين على مدينة بغداد يرغبون بشدة في رؤية وتصوير هذا الفندق الفريد.
بينما كان العالم يحبس انفاسه لسماع مراسلي شبكة سي إن إن من فندق الرشيد وهم ينقلون تفاصيل الانتصار الامريكي اثناء حرب الخليج الثانية عام 1992م كان مراسلي الصحف الأمريكية قبل ذلك بحوالي عشرين سنة ينقلون أخبار هزيمة الجيش الامريكي المخزية في حرب فيتنام. في تلك الفترة لم يوجد بعد الاعلام الفضائي أو التلفزيوني المباشر ولهذا كان غالبية الصحفيين الاجانب يكتبون تقاريرهم الصحفية عن الحرب من داخل غرفهم في فندق القصر القاري Continental Palace بمدينة سايغون عاصمة فيتنام الجنوبية. ولعل من أشهر هؤلاء الصحفيين مراسل صحيفة الواشنطن بوست هيو غريينوي الذي استمر في ارسال تقارير عن الحرب الفيتنامية لعدت سنوات. ولكن أشهر تقرير صحفي له كان توثيق اللحظات الاخيرة لسقوط مدينة سايغون في الثلاثين من شهر أبريل لعام 1975م. كما أنه وصف آخر يوم له في ذلك الفندق ومغادرته له إلى مبنى السفارة الامريكية قبل أن يتم اخلائه مع الاخرين بواسطة طائرة مروحية في مشهد لم تنساه الذاكرة الامريكية بالرغم من تعاقب الاجيال.
ومما عزز كذلك الشهرة العالمية لفندق القصر القاري بمدينة سياغون أن الأديب والصحفي البريطاني غراهام غرين اثناء اقامته فيه كمراسل صحفي لمجلة التايمز ألهم تأليف روايته المشهورة (الأمريكي الهادئ) والتي تحولت لفلم سينمائي. وبهذا أصبح هذا الفندق أيقونة تاريخية ورمز للحرب الفيتنامية (الامريكية والفرنسية قبلها) وظهر في العديد من الافلام أو الكتب المتعلقة بتلك الحرب ولهذا عند زيارتي لمدينة سايغون (مدينة هوشي منه حاليا) الفيتنامية حرصت على زيارة هذا الفندق الشهير.
في بداية هذا المقال بدأنا بالحديث عن الاعمال والروايات الادبية وارتباطها بالفنادق وقت الحروب وختمنا هذا المقال بالرواية الادبية التي استشرفت وقوع الحرب الفيتنامية الامريكية ونتائجها الكارثية ومع هذا يصعب علينا أن نختم قبل الاشارة إلى عمل روائي بارز يجمع بين حياة الفنادق والحرب الاهلية. فبعد الحديث عن فنادق الحرب الاهلية اللبنانية والرواندية واليوغسلافية ننتقل إلى الحرب الأهلية الاسبانية حيث نجد أن المسرحية الوحيدة التي ألفها الأديب الامريكي المشهور إرنست همنغواي الحاصل على جائزة نوبل في الادب كانت تدور أحداثها في فندق فلوريدا في وسط العاصمة الاسبانية مدريد. وبحكم أن الحبكة الفنية لهذا العمل الادبي تدور عن حياة الجاسوسية للعميل السري الامريكي فيليب الذي يعمل لصالح الجمهورية الاسبانية المحاصرة في مدينة مدريد لهذا تم تسمية هذه المسرحية بعنوان ملائم نسبيا حيث كان عنوانها (الطابور الخامس). في الواقع لقد اقام إرنست همنغواي في هذا الفندق بالفعل اثناء عمله كمراسل صحفي عن اخبار الحرب الاهلية الاسبانية وفي هذا الفندق تعرف على عشيقته وزوجته الثالثة الصحفية والروائية الامريكية مارثا جيلهورن.



الثلاثاء، 14 أغسطس 2018

( خسر البيع يا رونالد وين )

رونالد وين هل هو (الخاسر الأكبر) في التاريخ 

د/ أحمد  بن حامد الغامدي

كذبة أبريل هل يمكن أن تكون تفسير لسبب أكبر خسارة مالية لشخص في تاريخ البشرية .. ربما. ما حصل قبل اربعين عام من الان له عدة تفسيرات لكن لعلنا نلطف الامر بتلفيق هذا التبرير: ففي أول يوم من شهر أبريل لعام 1976 أجتمع الثلاثة الكبار في تاريخ اكبر شركة في العالم وهي شركة أبل وهم الشابين ستيف جوبز وستيف وزنياك مع رجل الاعمال رونالد وين Ronald Wayne وذلك لكتابة عقد الشركة الجديدة. الفكرة الاساسية للبرنامج الالكتروني Apple I والتمويل المالي لتنفيذه تكفل به الشابان لكنهما احتاجا السيد وين لإكمال النواحي القانونية بوجود ما يسمى الوصي ولهذا كان نصيب السيد وين من الشركة 10% فقط. وبعد حوالي أسبوعين فقط من هذه حادثة توقيع العقد شعر السيد رونالد وين بالقلق من التورط في مخاطرة مالية جديدة حيث أنه تعرض قبل فترة قصيرة لخسارة مالية. لا أدري إن كان السيد رونالد وين قد حس أن توقيع العقد في الأول من أبريل نذير شؤم أم مقلب ومزحة ثقيلة لكنه أقنع الشابين بشراء حصته في الشركة بمبلغ 800 دولار.

قبل عدة أيام تم الاعلان بأن القيمة السوقية لشركة أبل تجاوزت الترليون دولار أمريكي (أي مليون مليون) وبهذا لو استمر السيد رونالد وين في تملك أصول هذه الشركة لربما كانت ثروة الان تقدر بمائة بليون دور أمريكي وبهذا يكون ثاني أغنى شخص في العالم.
خسارة كبيرة ولا شك والادهى من ذلك أن السيد رونالد وين عبر السنوات الماضية ومع الارتفاع المستمر في القيمة السوقية لشركة أبل كان يقابل بالتقريع من جميع الناس والاعلام والصحافة الذين ويذكرونه بكم خسر من ذلك الاستعجال غير المحمود.
الغريب في الامر أن (المخترع الحقيقي) لجهاز Apple I وهو اساس هذه الشركة هو مهندس الالكترونيات ستيف وزنياك الذي كان يملك في العقد الاصلي للشركة نصيب 45% مثل نصيب ستيف جوبز ولكنه هو الاخر في مرحلة ما قام ببيع نصيبه في الشركة والاحتفاظ بنسبة مئوية ضئيلة من أسهم تلك الشركة العمالقة. الجدير بالذكر أن السيد ستيف وزنياك كان الاسبوع الماضي هنا في المملكة للمشاركة كضيف شرفي في مسابقة التطبيقات الالكترونية للحج (هاكاثون الحج 2018) ولا أعلم ما كان شعوره هو الاخر الاسبوع الماضي عندما علم بوصول شركة أبل لقيمة الترليون دولار.

لا شك أن كلا من رونالد وين وستيف وزنياك خسروا مئات البلايين من الدولارات في صفقات شركة التفاح الالكتروني Apple لكن حتى الدول والشعوب قد تقع في خسائر مالية وصفقات فاشلة لأننا جميعا وببساطة لا نعلم الغيب وإلا لكنا استكثرنا من الخير الدنيوي والاخروي. أكبر خسارة في صفقة مالية في التاريخ ليست مرتبطة بشركة أبل ولكن (بالتفاحة الكبيرة) Big Apple وأعنى بها مدينة نيويورك. المركز العصبي لدينا المال والاعمال والبنوك والبورصات في العالم كله هي جزيرة مانهاتن في نيويورك وهي بهذا أغلى منطقة تجارية في العالم ومع ذلك تم شرائها بمبلغ في حدود 24 دولار فقط. يقال أن الهولنديين اشتروا عام 1626جزيرة مانهاتن من الهنود الحمر بذلك المبلغ الزهيد وذلك كقيمة لبعض الاقمشة وعقود الخرز لكن الاغرب من ذلك أن الهولنديين أنفسهم اضطروا بعد ذلك بعدة عقود أي في عام 1667 لبيع جزيرة مانهاتن للبريطانيين على أن يحصلوا بدلا عنها على جزيرة بركانية في وسط المحيط الهادي تشتهر بزراعة التوبل. وعلى نفس الدرجة تقريبا من عدم التوفيق الاستثماري باع نابليون بونبارت اقليم لويزيانا الفرنسية للولايات المتحدة بمبلغ 11 مليون دولار وهو مبلغ زهيد جدا لشراء منطقة جغرافية تشكل الأن حوال 15 ولاية أمريكية بمساحة تقارب ربع مساحة الحالية للولايات المتحدة الامريكية !!!.

عدم التوفيق في الصفقات متكرر في تاريخنا القديم والاوسط والحديث ففي الجاهلية يقال أن قصي بن كلاب اشترى في جلسة سمر مفتاح الكعبة وسدانتها من شيخ قبيلة خزاعة بزق (وعاء) خمر بينما الشاعر العباسي سالم الخاسر أكتسب سبة الدهر وذلك اللقب الشنيع لأنه يقال أنه باع مصحف شريف واشترى بثمنه طنبورا أي آلة موسيقية شبيهه بالعود.

جعلنا الله واياكم ممن يقال لهم (ربح البيع .. ربح البيع)  في الدنيا والاخرة.