السبت، 10 فبراير 2018

( رجال ماتوا للعلم )

الطبيب لاندشتاينر الحاصل على جائزة نوبل توفي في المختبر .. نهاية يرغب بها بعض العلماء

 د/ أحمد بن حامد الغامدي

نُقل عن سلفنا الصاح من مثل الأمام سفيان ابن عيينة والقاضي أبي يوسف قولهم (العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك) وهذه قاعدة مَسلكية في دنيا المعرفة تنطبق على كل علم وفن وصنعة. ولهذا أشتهر عن كبار رجالات العلوم والمعرفة في القديم والحديث تفرغهم الكامل للتبتل والانطواء لاكتساب المعرفة ونقلها. وفي مثل هؤلاء العلماء المستغرقين في العلم يصح توصيفهم بأنهم (رجال عاشوا للعلم). وبمناسبة احتفال كلية العلوم بجامعة الملك سعود بمرور ستين سنة على أنشائها وكذلك عقد اجتماع عمداء كليات العلوم بالجامعات السعودية حرصنا أن يحتوي معرض (استكشاف العلوم) التي تنظمه كلية العلوم هذه الايام على جناح خاص يحمل أسم (رجال عاشوا للعلم).
كم غفير من العلماء والمخترعين شغلوا كامل أوقاتهم بالبحث والمعرفة حتى آخر يوم في حياتهم وهذا الوصف (واقع حال) بالفعل وليس (تشبيه لغوي) مبالغ فيه فمثلا العالم البريطاني جون دالتون صاحب النظرية الذرية كان طوال عمره يجرى بشكل يومي القياسات والارصاد الجوية حتي في اليوم الذي مات فيه وهو في سن الثامنة والسبعين. وعالم الرياضيات السويسري ليونهارد أولير أحد أهم علماء الرياضيات في العصر الحديث توفي في سن السادسة والسبعين وفي نفس يوم وفاته كان مشغولا لدرجة كبيرة في إجراء الحسابات الرياضية الخاصة بمدار كوكب أورانوس الذي تم اكتشافه قريبا ليس هذا وحسب بل أنه كان في ذلك الوقت شبه أعمى. وهذا عالم الاحياء الهولندي الشهير لوفنيهوك رائد وابو علم الاحياء الدقيقة ضل لمدة قاربت الستين سنة وهو يستكشف بعدسته المكبرة الشهيرة الكائنات المجهرية وعندما كان على فراش الموت وهو في سن التسعين كان يجهز لتقرير علمي جديد يرغب في إرساله إلى الجمعية الملكية البريطانية. بينما أسطورة العلم اينشتاين شغل نفسه في العقود الأخيرة من حياته لإيجاد نظرية علمية جامعة توحد جميع القوى والظواهر الفيزيائية ولهذا ظل سنوات طويلة يجري ويجرب المعادلات الرياضية المعقدة حتى وهو في المستشفى ولم يتوقف عن ذلك إلا قبل وفاته بيوم واحد فقط.
من هذا وذاك لن نستغرب عندما نعلم أن من أولئك (الراجل الذين عاشوا للعلم) من وافته المنية وقبضت روحة وهو في مختبره العلمي وبين أدوات معمله البحثي. أنظر مثلا لقصة العالم النمساوي كارل لاندستينير مكتشف فصائل الدم المختلفة والحاصل على جائزة نوبل في الطب لعام 1930م فعندما توفي عام 1943م وهو في سن 75 مات على طاولة البحث في مختبره الطبي بمعهد روكفيلر. بينما الكيميائي الامريكي جيلبرت لويس أحد أهم علماء الكيمياء في العصر الحديث والمشهور لجميع طلاب الكيمياء في المرحلة الثانوية من خلال ما يسمى أشكال لويس و أحماض لويس عندما بلغ سن السبعين في سنة 1946م وجده أحد طلبته وهو ميت تحت طاولة الابحاث في مختبرة العلمي بجامعة بيركلي.

ومن العلم ما قتل
الموت على العلماء حق في المختبر أو في الفراش الوثير ومع ذلك موت الفجأة في مختبر كيميائي يثير أحيانا الشك والريبية ولذلك حاول البعض تفسير موت الكيميائي جليبرت لويس المفاجئ في المختبر بأنه ربما تعرض لحالة اختناق بالغازات السامة من إحدى التجارب الكيميائية التي كان يستخدم فيها مركبات السيانيد وإن كان البعض كذلك يشير لوجود شبه انتحار متعمد بسبب ظروف نفسيه كان يمر بها. ولهذا لا غرابة أن نجد  على نفس النسق أن البعض يحاول كذلك تفسير الموت المفاجئ في المختبر للكيميائي السويدي كارل شيله  مكتشف عنصر الاوكسجين الذي توفي وهو بعد في سن 43 بأنه من المحتمل راجع لتسممه بجرعة زائدة من مركبات الزئبق. حيث وجد شيله مطروحا على طاولة التجارب وسط عدد كبير من القوارير الكيميائية وتجدر الاشارة إلى أنه كان من عادته تذوق المواد الكيميائية التي ينتجها وهذا قد يفسر سبب التسمم والوفاة المفاجأة.
إذا كانت الحكمة قديمة تقول (من عاش بالسيف مات به) وما دمنا نحن الان في وارد الحديث عن العلم والعلماء فيمكنا تحوير تلك الحكمة لتصبح (من عاش بالعلم .. مات به). يقال أن الكيميائي الالماني أوجست كيكولي الذي اشتهر في دنيا العلم بحلمه الشهر عن تركيب جزئي البنزين ذكر أن استاذه الكيميائي جوستاس ليبيج قال له (إذا أردت أن تكون كيميائياً مبدعاً فيجب أن تخرب صحتك وإن الذي لا يضحي بصحته لن يذهب بعيدا في علم الكيمياء). عبر التاريخ لقي المئات من العلماء والبحثين نهايتهم المأساوية كنتيجة غير متوقعة من نتائج تجاربهم العلمية فبعضهم قتل في انفجار تجربة وبعضهم تعرض للتسمم الكيميائي في حين حصدت الاشعاعات الفيزيائية ارواح البعض بينما أتلفت العدوى والامراض البكتيرية والفيروسية حياة البعض. من ذلك مثلا أن الانفجارات والحراق المشتعلة أثناء التجارب العلمية أودت بحياة الكيميائي الامريكي روجر جريفن و الكيميائي البريطاني تشارلز مانسيفيلد و الكيميائية الروسية فيرا بوبوفا. وبنفس درجة المأساة توفي الفيزيائي الكندي لويس سلتون والعالم الامريكي سيسل كيلي وعالم الفيزياء الامريكي هاري داغليان حيث ان كلا منهم توفي اثناء تعرضه في المختبر لجرعة عالية وقاتلة من الاشعاعات الذرية.
مصيبة الموت قد تدرك بعض العلماء أثناء ابحاثهم العلمية ولو خارج مختبراتهم البحثية وخصوصا اثناء اجراء البحوث الميدانية فأحد ابرز علماء الجيولوجيا المعاصرين  العالم الالماني ألفرد فاغنر صاحب نظرية الحركة التكتونية المسببة لحركة القارات لاقى حتفه عام 1930م خلال مشاركته في بعثة استكشافيه للقطب الشمالي.  ومن الجليد إلى النار نجد أن عالم البراكين الفرنسي موريس كرافت وزوجته كاتيا اشتهرا علي مستوى العالم بسبب روح المغامرة العالية لديهما في تصوير الافلام الوثائقية عن البراكين لدرجة أنهم كثيرا ما يقومان بالتصوير لمسافة قريبة جدا من سيول حمم اللافا المتدفقة. وللأسف حصل في عام 1991م و أثناء تصويرهما لثوران جبل بركاني في اليابان ان تعرضا للقتل الشنيع بواسطة دخان الرماد البركان الفائق الحرارة. ومن العلماء المشهورين اعلاميا ممن توفوا بشكل أو آخر في أرض ميدان العلم نجد عالم الفلك الامريكي إيوجين شوميكر الذي يعتبر أحد مؤسسي علم الكويكبات وذلك نتيجة لاهتمامه برصد الكويكبات والنيازك التي من المحتمل  أن تصدم بكوكب الارض. كما أهتم بدراسته الحفر التي تنشأ نتيجة لسقوط النيازك على سطح الارض وهذا ما تسبب له في النهاية بحادث سير مريع عام 1994م عندما كان يبحث عن حفر النيازك في استراليا. والمجال لا يتسع لسرد من قتل من العلماء والباحثين والمهندسين أثناء اجراء الدراسات والتجارب على المخترعات العلمية الحديثة مثل مناطيد الهواء أو الطائرات أو الصواريخ الفضائية ووسائل المواصلات المختلفة.

شهداء العلم .. تضحية في محارب العلم
يشتهر عند الكثير توصيف بعض مشاهير العلماء مثل جاليليو ومدام كوري بأنهم (شهداء العلم) بسبب تعرضهم لبعض المضايقات والمشاكل والتي هي من تبعات نشاطهم العلمي لكن أحق من يوصف (بالشهيد العلمي) هو من لا يتردد في التضحية بنفسة في سبيل تقدم البحث العلمي والاكتشاف المعرفي. الجود بالنفس أقصى غاية الجودِ كما قرر ذلك قديما الشاعر مسلم بن الوليد ولهذا العالم الذي يضحي بنفسه لإثبات تجربة علمية هو أحق بوصف شهيد العلم من جاليليو الذي أوذي فقط في سبيل العلم ولم يخسر حياته في ميدان العلوم والابحاث. الطبيب الأمريكي وليم لازير كان أحد أفراد الفريق البحثي الذي توصل لاكتشاف سبب مرض الحمى الصفراء وأن ناقل المرض عبارة عن نوع خاص من البعوض. وللتأكد من هذا الامر قام لازير بإجراء تجربة علي نفسه بأن سمح لذلك النوع من البعوض أن يلدغه وبهذا تسبب بشكل متعمد بإصابته بمرض الحمى الصفراء ثم تفاقم وضعه الصحي إلى أن توفي بعد ذلك بوقت قصير عام 1900م وهو بعد في سن 34 من العمر. وهذا الطبيب الالماني أميل بهرنغ والذي له مكانه مميزة في تاريخ العلم حيث كان أول  شخص يحصل على جائزة نوبل في الطب عام 1901 نظير اكتشافه لعلاج لمرض الدفتيريا المميت. وبعد نجاحه في إيجاد علاج لمرض الدفتيريا نجده لاحقا يكرس جهده وابحاثه لمحاولة اكتشاف علاج لمرض السل لدرجة أنه تبرع بالمال الذي حصل علية من جائزة نوبل وأملاكه الاخرى لأنشاء معهد طبي يساهم في القضاء على مرض السل ولكن الغريب في الامر أنه مات في النهاية بسبب الاصابة بمرض السل.
ظاهرة متكررة في تاريخ الطب أن العديد من الاطباء والباحثين في هذا الحقل الانساني النبيل لا يترددون في أن يجعلوا من أنفسهم (فئران تجارب) بشرية للتأكد من سلامة علاج ما قبل استخدامه من المرضى كما حصل مع الطبيب الكندي فريدريك بانتنج مكتشف دواء الانسولين وطبيب الاسنان الامريكي وليم مورتون أول من استخدم الأيثر في التخدير والطبيب الامريكي جوانس سالك مكتشف تطعيم مرض شلل الأطفال. أما في مجال محاولة اثبات أن سبب معين هو مصدر مرض خطير فنجد كذلك امثلة لبعض الاطباء الذين خاطروا بأنفسهم لخدمة البشرية. من ذلك مثلا أن الطبيب الاسترالي باري مارشال الحاصل على جائزة نوبل في الطب عام 2005م لم يتردد لكي يثبت فرضيته الطبية أن من اسباب مرض قرحة المعدة هو تعرض الجسم لنوع خاص من البكتريا. ولهذا قام باري بابتلاع هذه البكتيريا الخطيرة التي يتوقع أنه تسبب مرض القرحة ولولا أن زوجته أصرت عليه أن يتناول مضاد حيوي مقاوم لتك البكتيريا لكان عرض صحته لخطر محتمل.
في نظري الشخصي أن أكثر الاطباء والعلماء حماقة في موضوع إجراء التجارب على النفس هو الطبيب والجراح الاسكتلندي جون هانتر طبيب الملك البريطاني جورج الثالث. وكمحاولة لفهم كيفية انتقال العدوى بمرض السيلان الفظيع قام في عام 1767م بحقن جسمه ببعض الصديد والقيح من قروح لمريض مصاب بمرض السيلان. العجيب في الأمر أن الطبيب هانتر أختار أن يحقن ذلك الصديد المقيت في عضوه التناسلي وهو ما تسبب في اصابته بمرض الزهري الأكثر خطورة والذي أنهك جسمه ولم يتعافى منه على الاطلاق. وعلى نفس النسق من المغامرة العلمية والحماقة الصحية والتضحية بالنفس في سبيل العلم قام الطبيب الفرنسي نيكولاس تشيرفين في بدايات القرن التاسع عشر بدارسة اسباب مرض الحمى الصفراء حيث كان يعتقد أن هذا المرض غير معدي. وحتى يتأكد نيكولاس من هذا الامر نجده ليس فقط يقوم بالنوم في اسرة بعض المرضى الذين ماتوا بسبب مرض الحمى الصفراء بل نجده وبحماقة مستغربة يقوم بابتلاع القيء الدموي الاسود الذي يصدر عن المرضى. طبعا هذا الطبيب المغامر والجريء نجي من التعرض للخطر المميت بسبب أن مرض الحمى الصفراء في الواقع هو مرض ينتقل عن طريق البعوض وليس بالاحتكاك المباشر بين الاشخاص.
وبالعودة لموضوع (شهداء العلم) تجدر الاشارة إلى أنه في تاريخ تطور علم الكيمياء يوجد مجموعة من العلماء يتم توصيفهم (بشهداء عنصر الفلور) fluorine martyrs وذلك لأنه منذ بدايات القرن التاسع عشر واجه العديد من العلماء مشاكل صحية وحوادث مؤلمة عند محاولة عزل عنصر الفلور. لعل من الملائم التذكير أن معنى اسم عنصر الفلور هو الشيء المهلك أو المتلف ولهذا لاقى العديد من علماء الكيمياء مصرعهم جراء خطورة هذا العنصر. وبالرغم من معرفة العلماء لخطورة التعامل مع أبحاث عنصر الفلور إلا البعض منهم قبل التحدي والمخاطرة في بدايات محاولات عزل وفصل هذا العنصر ومن (شهداء)  التسمم القاتل بغازات الفلور ومركباته نجد أن الكيمائي السويسري جيروم نيكلس و الكيميائي البلجيكي بولين لوييه حيث أن كلا منهما قد خسر حياته متأثرا بالتسمم بغاز فلوريد الهيدروجين. وبحكم أن كلا من عالم الكيمياء البريطاني همفري دافي والفرنسي جاي لوساك كان لهم اسهام كبير في اكتشاف العديد من العناصر الكيميائية لذا حاول كلا منهما عزل عنصر الفلور ولكنهما فشلا بسبب خطورته بل أن همفري دافي كاد يفقد عينه من جراء الغازات الحارقة. ومن هذا نعلم لماذا عندما نجح أخيرا عالم الكيمياء الفرنسي هنري موسان في عزل عنصر الفلور أعتبر ذلك اكتشاف علمي مميز استحق أن ينال عليه جائزة نوبل في الكيمياء عام 1907م.

الانتحار العلمي
عندما نقول أن بعض العلماء (أفنى عمره في العلم) فإننا نقصد ذلك حرفيا فمنهم بالفعل من أختار طواعية (أن يفني) عمره ويتسبب في قتل نفسه منتحرا في سبيل العلم أو بسبب العلم. من أمثلة الانتحار في سبيل العلم يقال أن المهندس الأمريكي توماس برادفورد قام علم 1921م بالانتحار عن طريق استنشاق الغاز السام بعد أن أتفق مع سيدة تزعم أنها تعمل كوسيط مع عالم الأرواح بكيفية التواصل معها وارسال الاشارات لها من العالم الآخر. وكان هدفه من هذا الانتحار أن يثبت للمجتمع العلمي المتشكك بصحة حركة الروحانية spirituality المنتشرة في بداية القرن العشرين وطبعا بعد موته لم تصل منه رساله لأنه كما قال الشاعر الجاهلي عبيد بن البرص (وغائب الموت لا يؤوبُ). أما أخبار العلماء الذين انتحروا ليس في سبيل العلم ولكن (بسبب) العلم فأكثر من أن نستطيع سردها هنا وأغلبها تعود لحالة الاحباط والاكتئاب التي قد تصيب العالم أو المكتشف والمخترع (كما تصيب الشخص العادي) عندما يفشل أو يتعرض للإهانة البالغة أو الاهمال وعدم التقدير. في أوائل القرن التاسع عشر كان عالم الكيمياء الالماني وليم زيمرمان أحد أبرز علماء الكيمياء في جامعة غيسن ولكن مكانته العلمية تلاشت عندما قدم لهذا الجامعة الكيميائي الابرز الشاب جوستوس ليبيغ الذي خطف الاضواء والشهرة منه وعندما طلب زيمرمان منحه مالية من الجامعة للعمل بالخارج رفض طلبه فأحس بالفشل والاحباط مما ادى به الى الانتحار بإغراق نفسه في النهر.
ومن عالم الكيميائي زيمرمان إلى عالم الفيزياء النمساوي بولتزمان تتكرر ظاهرة الاحباط العلمي المؤدي إلى الانتحار وبالرغم من المكانة المرموقة لبولتزمان في كتب تاريخ العلم بسبب معادلته الشهيرة في حساب الانتروبي المتعلقة بالقانون الثاني في علم الثرمودايناميك إلا أن اعتراف المجتمع العلمي بها لم يتم بالشكل المطلوب إلا بعد وفاته. وكما أن بولتزمان كان مدافع متحمس للنظرية الذرية مما جعله يدخل في نقاشات حادة مع بعض العلماء والفلاسفة الذين لم يكونوا مقتنعين تماما بوجود الذرات ومن مجمل كل ذلك تجمعت عليه الضغوط النفسية لدرجة أنه شنق نفسه ومات منتحرا من جراء الشقاء النفسي للعيش بين من يراهم متخلفين عنه علميا. وعلى نفس النسق انتحر الطبيب الألماني هانس برجر الذي خلده التاريخ بأنه أول من سجل في عام 1924 موجات المخ الكهربائية للدماغ البشري ومن ثم طور طريقة الرسم الكهربائي للدماغ المعروفة بـ EEG وكما تذكر كتب تاريخ العلم أن انتحاره كان بسبب تجاهل المجتمع العلمي الالماني لإنجازاته العلمية خصوصا في فتره حكم النظام النازي. الغريب في الأمر أن بعض العلماء يكون سبب انتحاره عدم مقدرته على الاستمرار في التميز العلمي وبالتالي المحافظة على المكانة العلمية المرموقة التي وصل لها وخير مثال لذلك عالم الكيمياء العضوية الألماني فيكتور ماير الذي وصل لرتبة استاذ professor  و هو بعد في 24 وعمل بأعرق الجامعات الألمانية حيث كان بدون منازع من أشهر وأهم علماء الكيمياء في نهاية القرن التاسع عشر. ومع ذلك عندما تقدم في العمر وأصيب بضعف الذاكرة و انعدام القدرة على التركيز الذهني نتج عن ذلك اصابته بحالة نفسية حادة قادته في نهاية المطاف أن توجه في إحدى الليالي الى مختبره العلمي لينهي حياته بتناول سم السيانيد.
ظاهرة انتحار العلماء من أعجب الظواهر في دنيا العلم ولهذا ربما تحتاج مقال مستقل والعجيب أنها متركزه في علماء الكيمياء والالمان منهم بالذات فكذلك أنتحر عالم الكيمياء الالماني أميل فيشر ثاني شخص يحصل على جائزة نوبل في الكيمياء وكذلك عالم الكيمياء الالماني هانز فيشر الحاصل على جائزة نوبل عام 1930م. ومن مشاهير علم الكيمياء المنتحرين كذلك نجد عالم الكيمياء والمخترع الفرنسي نوكلاس لوبلان أحد رواد الصناعات الكيميائية والكيميائي والمخترع الامريكي جورج إيستمان مؤسس شركة كوداك للأفلام التصويرية  وعالم الكيمياء الامريكي والاس كاروثرز مخترع النايلون وعالم الكيمياء البريطاني وليم هنري صاحب قانون هنري في علم الغازات الذي يعرفه جميع طلاب الكيمياء.
وختاما الفناء في العلم واستغراق الاوقات في تحصيله والحياه معه والموت في صحبته هذا فقط ديدن ومصير (عشاق العلوم) وهم قلة في هذا الزمن أم حال أغلبية العلماء والباحثين فالعديد منهم يمارس العلم كوظيفة ومهنة وبالتالي هو بعد سن التقاعد سوف يموت قرير العين في فراشه الوثير وليس في مختبره العلمي كحال رواد العلوم الذين عاشوا وماتوا للعلم.