الخميس، 22 مارس 2018

( كُتب غيرت مجرى التاريخ )

الكتب .. تهذيب للطباع وتغيير لمسار البشرية

د. أحمد بن حامد الغامدي
هل يمكن لك أن تتخيل (عالم بلا كتب). لن أنتظر إجابه منك قارئي العزيز لأنه في عالم بلا كتب لن يصلك سؤالي هذا أصلا حيث أن ذلك العالم الافتراضي سوف يكون عالم بدائي وكئيب وصامت لا تواصل عن بعد بين أفراده لانعدام التقنية.والأن لنقلب السؤال ليصبح : هل يمكن تخيل (كتب بلا عالم) شخصيا لا أتخيل ذلك واستبعده وإن كان الاديب والفيلسوف الامريكي رالف إميرسون يقول أن (الكتب هي الآثار الاكثر بقاءً عبر الزمن) وهذه مقوله حكيمة ذات دلالة رمزية بلاغية لكن يصعب تخيل كتب حقيقة تبقى بعد تلاشي العالم المحسوس. ومع ذلك ومنذ فجر البشرية ضمنت الكتب لها (خلود التأثير) وديمومةالأثر المتواصل في تشكيل مجرى التاريخ الانساني في الماضي والحاضر والمستقبل. ومن هنا نفهم مقولة الشاعر الالماني هرمان هسه (دون الكلمات أو الكتب لم يكن ليوجد شيء اسمه تاريخ ولم يكن ليوجد مبدأ الانسانية).
منذ منتصف القرن السابع عشر أعجب الجميع بمقولة الشاعر الانجليزي البارز جون ميلتون (الكتب ليست اشياء ميته على الاطلاق) لكن كل من أدرك كيف تغير الكتب العالم وتعيد تشكيل مسار التاريخ يعلم أن تلك العبارة هي محاولة شاعرية فقط لتوكيد بدهية ملموسة. صفحات الاوراق الرقيقة قد تكون أكثر أثرا في تغيير البشرية من حد السيف أو رصاص البنادق أو حتى كهرباء العلوم ومخترعات التقنية. صحيح أن سلاح البارود أو حتى الطائرات المقاتلة في المدى الزمني القصير تستطيع إعادة تشكيل عالم السياسة  لكن الكلمة الاخيرة للتغيير الدائمهي مجال (عالم الافكار) وهذا بالضبط ما تنجح في تحقيقه الكتب عبر المدى الطويل للزمن فتأثيرها في الغالب بطيء لكن أكيد المفعول (slow but sure).

كتب مفصلية في تاريخ البشرية
نحن نعيش في هذه الأيام الحدث الثقافي الابرز وهو معرض الرياض الدولي للكتاب ولذا لعل من المناسب إعطاء تلميح لهواة الكتب وعشاق القراءة عن تصور عام لبعض أهم وابرز الكتب على مر العصور التي لها دور ملموس في تشكيل مسار الحضارة البشرية. من نافلة القول الاشارة إلى أن تحديد أكثر الكتب أهمية محورية هو حكم  وانطباع شخصي قابل تماما للنقاش والجدل والتصويب.
قوة وديمومة التأثير تأتي من قوة الافكار والرؤى ولا اقوى من أثر التصورات والمعتقدات الدينية ولهذا لا غرابة أن أكثر خمسة أشخاص تأثيراً في التاريخ (وفق كتاب المائة الاوائل لمايكل هارت)هم من مؤسسي الأديان الكبرى. وعلى نفس النسق فإن أكثر الكتب تأثيرا في تاريخ البشرية هي الكتب الدينية. وبحكم أننا نناقش هنا الكتب (البشرية) التي هي من تأليف البشر لذا سوف نستثني ذكر الكتب السماويةالمقدسة والمنزلة من عند البارئ سبحانه وتعالى.وهذا يقودنا لذكر أحد اقدم كتب الاديان الشرقية وهو كتاب الهندوسية المقدس (رج فيدا) والذي هو أدعية وترانيم للشعائر الدينية بينما كتاب (شريعة بالي) يعتبر من أهم الاصول الديانة البوذية وكتاب التعاليم Analects في العقائد الصينية يلقب (بإنجيل كونفوشيوس) نسبة إلى الفيلسوف الصيني المشهور مؤسس الديانة الكونفوشيسية وأخيرا يعتبر كتاب (الأفيستا) أهم كتاب مقدس لدى أتباع الديانة المجوسية الزرادشتية.
كما هو معلوم ليست الكتب المقدسة هي فقط من تشكل معتقدات وافكار أتباع المذاهب الدينية بل العديد من الكتب المؤلفة من رجال الدين لها أثر بارز في حياة البشر مثل كتاب (التلمود) في اليهودية وكتاب (مدينة الله) للقديس المسيحي أوغسطين وكتاب (الخُلاصة الاهوتية) للقديس توما الأكويني وصحائف (القضايا الخمس والتسعون) لمؤسس المذهب البروتستانتي مارتن لوثر.
بينما نجد أن الكتب المفصلية في مسيرة الحضارة الاسلامية كثيرة ومتنوعة وأهمها على الاطلاق كتاب (الجامع الصحيح) للإمام البخاري ثم بعد ذلك كتاب (التفسير الكبير) للإمام الطبري. وبالرغم من تأثير أئمة المذاهب الفقهية في تشكيل معالم الهوية الاسلامية إلا أن ذلك تم في الغالب من خلال فتاويهم وحلقاتهم العلمية أكثر من كتبهم المؤلفة وإن كنا لا نقلل من أهمية كتاب (الموطأ) للإمام مالك أو كتاب (الرسالة) للإمام الشافعي ومجلدات (مجموع الفتاوى) لشيخ الاسلام ابن تيمية. الغريب في الأمر أنه على الرغم من أهمية كتب التوحيد والعقائد الأصولية إلا أن شهرتها شبه مقصورة على طلاب العلم والمتخصصين فكم منا قد قرأ كتاب (لمعة الاعتقاد) لأبن قدامة المقدسي أو كتاب شرح أبن أبي العز للعقيدة الطحاويةأوكتاب (الاعتصام) للشاطبي. ومع ذلك بعض الكتب العقائدية واسعة التداول والأثر في النطاق السلفي مثل العقيدة الواسطية لأبن تيمية وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب. أما فيما يخص الفرق الاسلامية الأخرى فلكتاب (الكافي) مكانة راسخة في المذهب الشيعي بينما للطرق الصوفية إجلال خاص لكتاب (الفتوحات المكية) لمحي الدين أبن عربي و كتاب (إحياء علوم الدين) لحجة الاسلام الغزالي في حين أن كتاب (الملل والنحل) للشهرستانييعتبر مرجع أساسي لفهم أصول ومعتقدات الفرق والمذاهب الاسلامية المتنوعة.

الكتب السياسية والنضال الفكري
بدون جدال للكتب الدينية والفكرية تأثير خالد في حياة مئات الملايين من البشر عبر العصور ولهذا هي جديرة بمقولة المناضل الامريكي المسلم مالكوم إكس (إن الناس لا تعرف أن كتاباً واحداً يكفي أن يغير حياة الانسان) ولهذا تمتعت الكتب الدينية ومؤلفيها بصفة التبجيل والتقديس. أما الكتب الثورية في مجال السياسة فشقت طريقها إلى مجد الشهرة عبر طريق مفروش بالأشواك والدموع والدماء ومن رحم المعاناة كٌتب لها الانتشار وأصبحت كما قال الكاتب والمؤرخ الاسكتلندي توماس كارليل (معظم الكتب الخالدة نُقشت بدماء كتابها). الكتابة في مجال النقد والتغيير السياسي تكون في الغالب خطرة ولهذا تتسم بروح المغامرة والرغبة الجامعة للتصحيح وهي عناصر هامة لإكساب الكتاب جودة وكيمياء الاقناع والتأثير ومن هذا وذاك نفهم لماذا قال الفيلسوف الالماني نيتشه (من بين كل الكتب لا أحب سوى ما كتبه الإنسان بدمه). أصحاب الفكر السياسي الثوري هم أبعد الناس عن إتباع النصيحة الذهبية للديب العرب ابن الورد عندما قال (جانب السلطان وأحذر بطشه .... لا تُعاند من إذا قال فعل) ولهذا السياسي البريطاني السير توماس مور أحد أبرز رواد الفكر السياسي خالط الملك هنري الثامن وتجرأ على (النقد المبطن) لسياسة حكمه عندما نشر كتاب (اليوتوبيا: المدينة الفاضلة) لكنه في خاتمة المطاف خسر رأسه عندما أعدم في برج لندن عندما عاند الملك في طلاقه الشهير وانشقاقه عن الكنيسة الكاثوليكية. والكاتب والمفكر الفرنسي الشهير جان جاك رسو الذي يعتبر أحد آباء الثورة الفرنسية عندما نشر (خطاب عن عدم العدالة) أثار عليه غضب السلطة الحاكمة وأثرياء من الطبقة الارستقراطية مما جعله يضطر لمغادرة مدينة باريس. ونفس مصير التشرد والنفي تعرض له المفكر والسياسي الانجليزي المعروف جون لوك الذي هاجر إلى هولندا وعاش بها كمعارض سياسي وبها نشر كتابه السياسي المؤثر (مقالتان عن الحكومة). في الواقع فإن أحد أكثر الكتب السياسية تأثيرا في التاريخ كان كتاب (عن الحرية) للسياسي والفيلسوف الانجليزي البارز جون ستيورات ميل وبعد نضال سياسي مشرف فضل أن يقضي العقود الأخيرة من حياته في فرنسا. أما أخطر مفكر سياسي شارك بفعالية في الثورات السياسية الكبرى فهو الكاتب والمفكر الإنجليزي الأصل توماس بين الذي هاجر إلى أمريكا عام 1774 وساهم بعد ذلك بسنة واحدة في انطلاق الثورة الامريكية واستقلالها عن التاج البريطاني. ولهذا ألف توماس بين كتاب (الفطرة السليمة Common sense) الذي هاجم فيه الحكم الملكي وناصر استقلال الشعوب ولهذا يقال أن الجنرال الامريكي جورج واشنطن (أول رئيس للولايات المتحدة) أمر بقراءة هذا الكتاب على جميع الجنود من باب رفع الروحة المعنوية والقتالية لهم كما تجدر الاشارة إلى أن لتوماس بين كتاب سياسي آخر لا يقل أهمية حمل عنوان (حقوق الرجل).
وبعد عقود وقرون من النضال السياسي والثورات الفكرية المزلزلة للأنظمة السياسية انتشرت المبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان و(حرية الفكر) لدرجة أن نشر كتب سياسية تحريضية ضد الحكومات أصبح أمر مقبول من الناحية السياسية. ومن أوضح الأمثلة على ذلك أنه في منتصف القرن التاسع عشرقامالمفكر الامريكي هنري ديفيد ثوروبتأليف كتاب خطير بعنوان (العصيان المدني) يحض الشعب الامريكي على مقامة وعصيان طاعة الحكومة الامريكية ومع ذلك لم يتعرض له أحد بسوء. ثم بعد ذلك بحوالي القرن قام الثائر الاحمر الشيوعي تشي غيفارا بنشر كتاب (حرب العصابات) الذي ألهم عشرات الاف من الثوار والانفصاليين السياسيينومع ذلك كان يسمح له بالتنقل بين مختلف دول العالم ومن ضمنها الدول الغربية. وفي وقتنا المعاصر يُتهم استاذ العلوم السياسية الامريكي جين شارب بأنه المنظر أو عراب الثورات السياسية الملونة الاخيرة (مثل ثورة أوكرانيا وثورة جورجيا وثورات الربيع العربي) ذلك من خلال  كتابه (التحرير الذاتي) الذي هو بمثابة دليل إرشادي لكيفية إدارة وتوجيه الثورات السياسية ضد الطغيان والاستبداد.
بقي أن نقول أنه عبر القرون الماضية ظهرت العديد من الكتب المتخصصة في قضايا السياسة الاقتصادية والفكر المالي كان لها أثر محوري في التاريخ البشري الحديث مثل كتاب (ثروة الأمم) للمفكر الاقتصادي الاسكتلندي المشهور أدم سمث وكتاب (رأس المال) للفيلسوف الالماني الشيوعي كارل ماكس وكتاب (النظرية العامة للتوظيف والربا والمال) لعالم الاقتصادي البريطاني جون كينز مؤسس نظرية الاقتصاد الكلي.
فيما يتعلق بتأثير الكتب ذات البعد السياسي داخل النطاق العربي فأثرها بالجملة باهت وضعيف فبالمقارنة مع الموسوعات الضخمة الفقهية عبر العصور لا تزيد كتب السياسية الشرعية عن اصابع اليد الواحدة مثل كتاب (الأحكام السلطانية) للماوردي أو كتاب (غياث الأمم في التياث الظلم) لإمام الحرمين الجويني. وفي العصور الحديثة تكررت مشاكل كتاب الفكر السياسي مع أهل السلطة فرائد الاصلاح العربي خير الدين التونسي صاحب كتاب (أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك) عندما دعا إلى تحقيق العدل والمساواة في حكم الرعية تم التضييق عليه لدرجة أنه أعتزل الحياة العامة لعدة سنوات ثم أخيرا هاجر من تونس إلى تركيا. وكذلك رائد النهضة العربية المفكر السوري عبدالرحمن الكواكبي صاحب كتاب (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) تعرض للتهجير من مدينة حلب عندما قاوم بشراسة السلطات العثمانية في بلاد الشام ويقال إنه عند وفاته قتل مسموما. وربما يكون أخطر الكتب الفكرية ذات الأثر السياسي كتاب (معالم في الطريق) لسيد قطب وكتاب (الفريضة الغائبة) لمحمد عبدالسلام فرج وهذه الكتب هي المرتكز الفكري للتنظيمات المسلحة الجهادية والتكفيرية وكما هو معلوم تم إعدام مؤلفي هذه الكتب. الغريب في الأمر أنه حتى مؤلف كتاب (في سبيل البعث) وهو مفكر القومية العربية المشهور ميشيل عفلق لم يسلم من تقلبات السياسة فبالرغم من أنه مؤسس حزب البعث السوري إلا أنه فر بحياته إلىالعراقبعد أن حكم عليه بالإعدام في دمشق والاغرب من ذلك أنه طاردة شؤم السياسية حتى بعد موتهففي عام 2003 وفي حمى اجتثاث حكم حزب البعث من العراق تم تدمير قبره في مدينة بغداد.

تشريح تأثير الكتب العلمية
أحد اشهر الكتب التي ألفها الفيلسوف وعالم الرياضيات البريطاني المعروف برتراند راسل هو كتاب (أثر العلم على المجتمع)الذي ظهر عام 1952 وبالرغم من أن عنوان الكتاب مباشر إلى إنه قوي الدلالة والمعنى لدرجة أن وكالة الفضاء الامريكية ناسا عندما أرادت أن تحتفل بمرور 25 على أنشائها كلفت الاديب والعالم الامريكي المشهور إسحاق عظيموف أن يؤلف كتاب بنفس العنوان. خطورة تأثير العلم في تاريخ البشرية أنه ليس فقط غير اسلوب حياتنا our live لكن ايضا غير اعتقاداتنا our believeولهذا لا عجب أن تتحول بعض كتب أشهر العلماء مثل أينشتاين وداروين من كتب علمية الفحوى إلى كتب فلسفية التأثير. وعلى ذكر كتب الفلسفة ربما كانت تستحق الافراد بالذكر لأنها بالقطع ينطبق عليها التوصيف (كتب غيرت مجرى التاريخ) لكنها على العكس من الكتب الدينية والسياسية والعلمية كان تأثيرها الملموس وطاغي في الماضي فقط أما الأن فكتب الفلسفة الحديثة فبالقطع لا تجد من يقرأها لتقعرها وصعوبتها وبالتالي أصبحت ضعيفة التأثير. منذ القرن السادس عشر بدأ العلم ينفصل تدريجيا عن الفلسفة بينما تم الانفصال الحاسم مع مطلع القرن التاسع عشر وهنا أخذ أثر الفلسفة يتلاشى مع الزمن لدرجة أن أهم واشهر الفلاسفة في القرن العشرين هم من حاول تفسير تاريخ وتطور العلوم (مثل الانجليزي كارل بوبر والفرنسي ميشيل فوكو والامريكي توماس كون) وليس من سخر أدواته الفلسفية لدراسة التاريخ أو السياسية أو الاقتصاد.
وبالعودة لموضوع الكتب العلمية المحورية الأكثر تأثيراً في مسيرة البشرية فإن عملية اختيارها عملية سهلة إلى حداً ما بناءً على قاعدة (وهل يخفى القمر).فمثلا إذا وجدنا أن الطبيب والسير وليم أوسلر مؤسس مستشفى جون هوبكنز الشهير يقول عن كتاب (القانون في الطب) لأبن سينا بأن هذا الكتاب هو (أشهر كتاب في الطب على الاطلاق وأنه ظل الكتاب المرجع في الطب لأطول فترة من أي كتاب طبي آخر) وبهذا نصل إلى بديهة أن اختيار هذا الكتابضمن قائمة الكتب التي غيرت وجهة التاريخ اختيار منطقي لا يختلف عليه أثنان. وعلى نفس النسق يمكن أن نجد مبررات ومسوغات منطقية جدا لتوصيف بعض الكتب العربية والاسلامية القديمة بنفس درجة الاهمية مثل كتاب (الجبر والمقابلة) لعالم الرياضيات الخوارزميوكتاب (المناظر) في علم البصريات لأبن الهيثم. بينما أهم كتب الصيدلة هو كتاب (الجامع لمفردات الأدوية والأغذية) لأبن البيطار وكتاب (صناعة الحيل) لأبن الجزري هو أهم مؤلف في علم الميكانيكا وفي حين برز كتاب (الزيج الجديد) في علم الفلك لأبن الشاطر.
بسبب العلاقة المضطربة بين الدين والعلم في الحضارة الغربية تميزت بعض الكتب العلمية بتحقيقها تأثير فكري وديني بالإضافة لتأثيرها العلمي وهو أمر سبب لمؤلفيها بعض المشكال. من ذلك مثلا عالم الفلك البولندي الشهير نيكولاس كوبرنيكوس لم ينشر كتابه الهام الذي كان بعنوان (عن دوران الأجرام السماوية) إلا قبل وفاته بفترة قصيرة جدا بالرغم من أنه قد توصل لفكرته العلمية منذ سنوات طويلة جدا.لقد علم كوبرنيكوس بأن نظريته عن مركزية الشمس وليس الارض سوف ترفضها الكنيسة وهو ما أنعكس بتصنيف هذا الكتاب ولعدة قرون في قوائم الكتب المحظورة التي كان الفاتيكان يحرم قراءتها. وكما هو معلوم للجميع تعرض العالم الايطالي الاسطورة جاليليو للمحاكمة المشهورة واتهامه بالهرطقة وذلك كنتيجة لأفكاره العلمية التي نشرها في كتاب (حوار حول النظاميين الرئيسيين للكون) وقد تم تحريم ومنع قراءة هذا الكتاب من قبل الكنيسة لفترة قاربت القرنين من الزمن. لا شك أن هذهالكتب العلمية المشهورة تسببت بشكل متدرج في هز واضعاف مكانة الدين المسيحي بسبب حالة العداء غير المبررة بين الدين والعلم لكن أكثر كتاب علمي تسبب في ضرر بالغ للدين كان بلا شك كتاب (أصل الأنواع) للعالم البريطاني المثير للجدل تشارلز دارون والذي عندما نشر نظرية التطور كان من ثمراتها فقدان الديانة المسيحية لمكانتها في المجتمعات الغربية ومن هنا تنامت بقوة ظاهرة الالحاد والتشكيك في الاديان.
في المقابل تجدر الاشارة إلى أن بعض أهم وأشهر الكتب العلمية قد ساعدت كثيرا في ترسيخ مبدأ وجود الخالق الحكيم والمدبر لهذا الكون وهذا ما يستشف من ثنايا وسطور أهم كتاب علمي على الاطلاق وهو كتاب (المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية) للعالم الانجليزي البارز إسحاق نيوتن وهو الكتاب الذي استعرض فيه القوانين الفيزيائية التي تفسر حركة الاجرام السماوية. ومن الجدير الاشارة إلى أنه في المقدمة العامة للطبعة الثانية من كتاب المبادئ Principia لنيوتن نجد قوله (لا يمكن لهذا النظام البديع من الشمس والكواكب والمذنبات أن يأتي إلا من خلال قصد وسلطان لخالق مبدع).
وختاما نشأت ظاهرة جديدة في القرن العشرين وما بعده تتعلق بأن الكتب العلمية ذات التأثير الطاغي هي ليست الكتب العلمية المتعمقة بل على العكس هي الكتب (ذات الطابع) العلمي المبسط أو ما توصف بالكتب العلمية الشعبية (popular science). ومن أمثلة هذه الكتب التي جذبت عشرات الاف من عباقرة الشباب الناشئ للتخصص في مجال العلوم كتاب (العالم كما أراه) لأينشتاين وكتاب (اللولب المزدوج: قصة اكتشاف تركيب DNA) للعالم الامريكي جيمس واطسون وكتاب ( تاريخ موجز للزمان) للعالم البريطاني المعروف ستيفن هوكنغ وكتاب (الكون) لعالم الفلك الامريكي كارل ساغان وكتاب عن البيئة ومشاكل التلوث بعنوان (الربيع الصامت) للعالمة الامريكية راشيل كارسون وكتاب عن نظرية التطور بعنوان (الجين الأناني) للعالم البريطاني ريتشارد دوكنز.

وماذا عن الروايات الادبية ؟
أحد أبرز الاحداث السياسية في التاريخ الحديث اندلاع الحرب الاهلية الامريكية بسبب تداعيات حركة تحرير العبيد ويقال أن الرئيس الامريكي إبرهام لينكولن استقبل في البيت الابيض الروائية الامريكية هيريتستو مؤلفة رواية (كوخ العم توم) التي تحكي المعاناة الانسانية البائسة للرقيق السود في أمريكا.وبحكم أن تلك الكاتبة كانت سيدة صغيرة الجسم داعبها الرئيس بقولة (إذاً أنتِ السيدة الصغيرة التي الفت الكتاب الذي أشعل تلك الحرب الكبرى). وبالرغم من ذلك ففي الواقع عدد قليل جدا من الروايات أو الاعمال الادبية التي يمكن أن يكون لها تأثيرا كبير وملموس في تاريخ البشرية ولهذا لن نخوض في ذكر الروايات الأدبية أو الأعمال المسرحية أو الدواوين الشعرية التي تستحق توصيف أنها (كتب غيرت مجرى التاريخ). وللدلالة الاضافية لضعف التأثير الاجمالي للأعمال الادبية أن كتاب (المائة الاوائل) ذكر فقط شخصيتين أدبيتين ممن لها تأثير ملموس. أحدهما طبعا الاديب البريطاني الاسطورة وليم شكسبير ومع ذلك جاء في ترتيب متأخر (الترتيب 31 في الأهمية) بينما الكاتب والأديب الفرنسي المشاكس فولتير كان ترتيبه 74 وبالقطع كان ذكره بسبب أفكاره الفلسفية ومواقفه الثورية السياسية والاجتماعية وليس بسبب رواياته المتوسطة الجودة الادبية. ربما يحاجج البعض لأهمية أثر الروايات الادبية أن لها دورا في نشر التفسخ الاخلاقي والعهر كما حصل مع رواية (عشيق الليدي تشارتلي) للكاتب البريطاني ديفيد لورانس أو رواية (مدام بوفاري) للروائي الفرنسي جوستاف فولبيروما شابه ذلك للأعمال الادبية المثيرة للجدل لأوسكار وايد أو هنري ميلر أو جيمس جويس.ومع ذلك تبقى درجة أثر تلك الاعمال (الأدبية) لا تكاد تذكر مع طوفان الفساد الاخلاقي الذي جعل روايات (الأدب المكشوف) قمة في الاحتشام بالمقارنة مع يمكن أن تتسبب فيهبعض وسائل الاعلام والتواصل الجديدة من فساد وتغريب.