الأحد، 4 ديسمبر 2022

( مصارع العشاق على المستطيل الأخضر )


 د/ أحمد بن حامد الغامدي

 مع أجواء المونديال التي نعيشها هذه الأيام يمكن توصيف لعبة كرة القدم بأنها مزيج من المشاعر وكتلة من الانفعالات ما بين الحماس والابتهاج والنشوة والإحباط والصدمة والغضب والتعصب والتنمّر. ومع ذلك بالنسبة لي أبرز ما يميز لعبة كرة القدم يمكن اختصاره باستعارة تعبير السير أليكس فيرجسون المدرب وللاعب الأسكتلندي المعروف (كرة القدم هي الجحيم الدموي). المشكلة أن الطابع الرجولي الخشن والصراع الحاد العنيف هو ما يجعل كرة القدم (الإنجليزية) هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم كله وكرة الرُّغبي (كرة القدم الأمريكية) هي اللعبة الشعبية في أمريكا الشمالية. من الناحية التاريخية يمكن اعتبار كرة القدم التقليدية هي وليدة لعبة كرة الرغبي والتي كانت حتى منتصف القرن التاسع عشر هي لعبة النخبة والأرستقراطيين ولهذا كانت كرة القدم محاولة احتجاجية لتمكين عامة الشعب من ممارسة لعبة أسهل في القوانين والتجهيزات. والطريف في الأمر أن الأديب الإنجليزي المثير للشغب أوسكار وايد كان ثاقب النظر عندما ربط بين كرة القدم وكرة الرغبي بقوله (كرة الرغبي لعبة للبرابرة يلعبها السادة وكرة القدم هي لعبة للسادة يلعبها البرابرة !!).

وبحكم ارتباط نشأة كرة القدم بالجزر البريطانية يحصل أحيانا أن يتم تداول مقول الشاعر الأرجنتيني الثائر خورخي بورخيس (كرة القدم من أفدح جرائم إنجلترا) وقد ُيفهم من ذلك أن جريمة الإنجليز المساهمة في نشر هذه اللعبة في مستعمراتها وبقية بلدان العالم وقد يفهم أمر أبعد عمقا في التاريخ. التاريخ الدموي والعنيف لكرة القدم (الإنجليزية) ربما يعود كما يقول البعض إلى زمن الاحتلال الروماني للجزر البريطانية فبعد ثورة دموية لمقاومة الوجود الروماني بدأت أول مباراة لكرة القدم عندما أخذ الثوار السلتيون (سكان بريطانيا الأصليون) في تبادل ركل ومناقلة رأس جندي روماني. هذا ما حدث في الزمن قبل الميلاد أما في القرن الثالث بعد الميلاد فتوجد إشارات تاريخية إلى أنه وقعت حادثة دموية عرفت باسم (ركل رأس الدنماركي) متعلقة بغزو جيش من فايكنغ الدنمارك لمحاولة احتلال الجزر البريطانية وبعد هزيمة هذا الجيش قام البريطانيون بقطع رأس الأمير الهولندي قائد الجيش وركل رأسه في شبه لعبة حماسية.

منذ آلاف السنين والارتباط بين الكرة وحضارة المايا وثيق ومتجذر وبالرغم من أن لعبة كرة المايا لا تستخدم فيها القدم بل الورك لكن أصولها الأسطورية لها طابع دموي وقريب مما حصل في الجزر البريطانية. تقول الأسطورة الهندية المكسيكية إن الأخوين التوأمان بعد أن استخدما الأرض كملعب لكرة القدم وذلك أزعج الآلة ولهذا تم قطع رأس أحد الأخوين واستخدم ككرة قدم. ومن الخرافة إلى الواقع الصاعق والمرعب للعبة كرة القدم لشعوب أمريكا الوسطى في زمن حضارة المايا عندما كان يقع الحكم على الفريق المهزوم أن تتم التضحية بهم بأن تقطع رؤوسهم داخل نفس تلك الملاعب والتي من المصادفات أن لها شكل مستطيل وبهذا يمكن أن تسمى (المستطيل الأحمر). في الزمن الحاضر من قواعد كرة القدم أن المهزوم ليس فقط يمضي وحيدا ولكن ربما يخسر كل شيء وحتى روحه ففي قديم القارة اللاتينية المهزوم في كرة القدم يتم قتله كما أشرنا وللأسف قد يكون هذا مصير بعض اللاعبين في الوقت الحالي.

الجميع يعلم مصير لاعب كرة القدم الكولومبي أندريس إسكوبار عندما تسبب في هزيمة منتخب بلده في بطولة كأس العالم 1994م وذلك بتسجيله عن طرق الخطأ هدفا في مرمى فريق بلادة. المهزوم إسكوبار لم يكن مصيره القتل بقطع الرأس، ولكن بتلقي وابل من رصاص من مسدسات أفراد المافيا الكولومبية التي خسرت مبالغ طائلة في صفقات المراهنة نتيجة فوز الولايات المتحدة بذلك الهدف (القاتل). الجدير بالذكر أنه قبل هزيمة كولومبيا على (رجل) المنتخب الأمريكي في كأس العالم حصلت قبلها هزيمة ثقيلة للمنتخب الكولومبي على يد فريق منتخب رومانيا. وهنا تلقى اللاعب الكولومبي باراباس تهديدات بالقتل بسبب اتهام عصابات المافيا له أنه سبب تلك الهزيمة ولذا سوف يكون الرد بتفجير منزله إذا لعب في المباراة القادمة أمام الولايات المتحدة.

كرة القدم مشحونة بالعواطف الثائرة في وقت الابتهاج وفي وقت التعاسة قد ترفع الجماهير لاعب الفريق فوق الأعناق وقد تكسر عنقه في ظرف آخر. وهذا ما حصل تقريبا مع لاعب كرة القدم الكاميروني ألبير إيبوسي فبعد خسارته لمباراة مع فريقه الجزائر رجمهم الجمهور بالحجارة أصيب على إثر ذلك بحجر قاتل في الرأس توفي بعدها بساعات قليلة وبهذا كان مصرع هذا العاشق للكره على أرض المستطيل الأخضر. في بطولة كأس العالم 1966م التي أقيمت في إنجلترا استطاع فريق كوريا الشمالية المجهول تماما في تلك الفترة من الانتصار على الفريق الإيطالي وإقصائه من البطولة. في رحلة العودة لأرض الوطن رتب الفريق الإيطالي أن يعود في وقت متأخر جدا من الليل وإلى مطار مدينة صغيرة وذلك تحاشيا لغضب الجمهور ومع ذلك استقبلهم حوالي 700 مشجع ثائر بقذائف من ثمار الطماطم الفاسدة.وقد علق أحد لاعبي المنتخب الإيطالي للصحافة (لحسن الحظ تقرر في النهاية أن نصل إلى جنوه في اللحظة الأخيرة وليس إلى ميلانو أو روما، هناك كنا سنتعرض بالتأكيد للقتل).

وقبل ذلك بسنوات حصلت مباراة حاسمة وحماسية في نهائي كأس العالم بين منتخب البرازيل ومنتخب الأوروغواي وبحكم أن المباراة كانت على الأراضي البرازيلية شعرت حشود الجماهير المتعصبة بالإهانة والغضب الشديد نتيجة هزيمة منتخب بلادهم وعلى أرضه. وبالرغم من أن أعضاء الفريق البرازيلي غادروا الملعب تحت حراسة أمنية مشددة إلا أن مدرب الفريق فلافيو كوستا كان في حالة خوف شديدة من أنه سوف يتعرض للقتل لو خرج من الملعب وبعد أن الاحتماء لمدة يومين كاملين في غرفة تبديل الملابس استطاع أخير الفرار بجلده بعد أن تسلل من الملعب بشكل متخف وهو يرتدي ملابس امرأة.

 الموت المفاجئ وصافرة النهاية

من العشق ما قتل خصوصا في لعبة كرة القدم التي قد تقود للقتل أو حتى الانتحار وبهذا نردد مع طيب الذكر المتنبي (فمن المطالب القَتيلُ القاتلُ) فالجمهور الغاضب أو المحبط من الهزيمة قد يقتل الحكم أو أعضاء الفريق أو ينتحر. في عام 1950م استضافت البرازيل لأول مرة بطولة كأس العالم على أراضيها وبالرغم من وصول الفريق البرازيلي للمباراة النهائية في المونديال إلا أنهم خسروا أمام فريق الأوروغواي وهي المباراة التي سبق لها الإشارة بالأعلى. في ليلة هزيمة فريق السامبا انتشرت في المدن البرازيلية رقصة الموت حيث تشير تقارير الشرطة أنه حصلت في تلك اللية حوالي مائة حالة انتحار، بل وصل الأمر أن المهاجم البرازيلي دانيلو حاول هو الآخر أن ينتحر. الغريب في الأمر أن الموت وقع في تلك الليلة في معسكر الفريق الأوروغواي الفائز ونظرا لحالة الانفعال العصبي الرهيب لتلك المباراة التاريخية فقد توفي في الأوروغواي نفسها حوالي ثمانية أشخاص بالسكتة القلبية من شدة الفرح بفوز منتخب بلادهم.

هذا ما حصل في دولة الأوروغواي بينما في الملعب الشهير لمدينة ريو دي جانيرو قال أطباء ملعب ماراكانا إنهم اضطروا إلى معالجة 169 شخصا عانوا من مشاكل في القلب نقل العديد منهم للمستشفى وهم بحالة حرجة ولهذا نالت بحق المباراة النهائية لكأس العالم 1950م بين البرازيل والأوروغواي لقب (مباراة السكتة القلبية). لعلنا الآن وفي سياق ما سبق نفهم بعض أبعاد جحيم الضغط النفسي الذي قصده المدرب الإنجليزي أليكس فيرجسون ويبدو أن هذه الحكمة أخذها من معلمة المدرب الأسكتلندي جون ستين الذي كان له مقولة مشهورة هي (كل مدرب يموت لوقت ما في كل مباراة). والغريب في الأمر أن هذا ما حصل بالفعل مع المدرب جون ستين ففي يوم العاشر من سبتمبر لعام 1985م وفي المباراة الحاسمة بين إسكتلندا وبين ويلز والتي سوف تحدد من هو الفريق الذي سوف يتأهل للمشاركة في بطولة كأس العالم 1986م في المكسيك. وبعد أن تقدمت أسكوتلندا في الدقائق الأخيرة من المباراة ومع صفارة الحكم النهائية تعرض جون ستين في تلك اللحظة لذبحة صدرية سقط بعدها ميتا داخل المستطيل الأخضر.

وهذا يقودنا للظاهرة الرياضية والطبية التي أخذت في التزايد في العقود الأخيرة وهي ما تسمى (الموت القلبي المفاجئ للرياضيين) والتي ترتبط بحصول وفاة مفاجأة بالذبحة الصدرية لممارسي الرياضة وكرة القدم وذلك أثناء المشاركة في المباراة أو التدريب الرياضي المجهد. وفي دراسة طبية ممولة من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) تم إصدار تقرير خاص عن هذه الظاهرة المؤلمة للاعب والمحزنة لعشاق الكرة تبين أنه خلال مدة خمس سنوات (2014-2018) تم رصد وفاة 617 لاعب كرة قدم فجأة على أرض الملعب (وهذا ما يعزز عنوان المقال: مصارع العشاق على المستطيل الأخضر) أو في صالات التدريب. ونظرا لأن أغلب حالات الوفاة هذه هي بسبب الذبحة الصدرية المرتبطة بأمراض القلب لذا نجد أنه ومنذ عام 2009م ألزمت منظمة الفيفا وجوب إجراء اختبارات تخطيط القلب لجميع لاعبي كرة القدم المسجلين في الاتحادات الكروية.

والجدير بالذكر كذلك أن حالات الوفاة على المستطيل الأخضر تشمل كذلك الإصابات القاتلة التي يتعرض لها المئات من لاعبي كرة القدم نتيجة لحصول تهتك في أحشاء الجسم والنزيف الداخلي أو الارتجاج في الرأس ونزيف الدماغ. بقي أن نقول إن الجميع تقريبا يتذكر حالة الهلع التي أصابت لاعبي كرة القدم وجمهور المشجعين عندما انتشرت بشكل غريب العام الماضي ظاهرة الموت المفاجئ لشباب الرياضيين وهم في ملاعب كرة القدم. ولهذا حاول البعض تعليل سبب هذه الزيادة المرصودة في حالات الوفاة المفاجأة في تلك السنة أنها مرتبطة بالتطعيمات واللقاحات الجديدة لمرض الكورونا !!.

 وفي الختام أعتذر مسبقا لمن أفسدت عليه بهجة أجواء المونديال الكروي بالربط بين الموت ورياضة كرة القدم ومع ذلك لا مفر من إنهاء المقال بصدمة كشف العلاقة بين ملعب كرة القدم القتل الجماعي والتعذيب الدموي. في عام 1973م حصل انقلاب عسكري في دولة تشيلي وتولى مقاليد الحكم الجنرال سيئ السمعة بينوشيه والذي قام بحشر حوالي عشرين ألف شخص من المعتقلين والنشطاء السياسيين في معسكر للقتل والتعذيب والذي لم يكن سوى أكبر ملعب في العاصمة التشيلية (ملعب سانتياغو الوطني). ولقد تعرض في هذا الملعب المئات للتعذيب توفي منهم عدد كبير ولهذا بدل أن يتذكر أهل تشيلي وبقية العالم هذا الملعب بأنه استضاف فعاليات بطولة كأس العالم في سنة 1962م أصبح يشتهر بأنه الملعب الوحيد في العالم الذي يوجد به جزء من مدرجات الجمهور لا يسمح بالجلوس فيها لأنها تستخدم الآن كشاهد وذكرى لتلك المجزرة الأثيمة. وكما يحصل الآن في الاحتجاجات السياسية في إيران أنه يشارك بها بعض الرياضيين مثل اللاعب الإيراني علي كريمي كذلك حصل قبل نصف قرن أن شارك بعض الرياضيين التشيليين في معارضة الجنرال بيونشيه. لقد تم اعتقال وقتل بعض لاعبي كرة القدم في معسكر التعذيب التشيلي في ملعب سانتياغو الوطني ولم ينج منهم إلا البعض مثل المدافع أوغو ليبي أول رئيس لنقابة كرة القدم المحترفين في تشيلي الذي اعتبر شخصية معارضة بسبب نشاطه النقابي وقد تدخل قائد المنتخب التشيلي بشكل مباشر عند بيونشيه لكي يتوسط في إنقاذ حياة زميلة الكروي. 

 

( الأساطير وغزو الفضاء )


 د/ أحمد بن حامد الغامدي

 بسبب البعد الشاهق لكوكب بلوتو عن الأرض تأخر كثيرا اكتشاف علماء الفلك أن لهذا الكوكب الصخري الصغير له قمر يدور حوله ولم يتم هذا الاكتشاف إلا في وقت قريبا نسبيا أي في عام 1978ميلادي. وبحكم أن تسمية العديد من الأجرام السماوية وبرامج وصواريخ غزو الفضاء تعتمد على استخدام أسماء من الأساطير اليونانية ولهذا تمت موافقة الاتحاد الدولي الفلكي على الاقتراح المقدم من عالم الفلك الأمريكي جيمس كريستي مكتشف هذا القمر بأن يتم تسميته (شارون). في دنيا الأساطير يعتبر بلوتو هو إله وحاكم العالم السفلي وهو ذلك المكان المظلم والبارد الذي تقيم فيه أرواح الموتى ووفق الميثولوجيا الإغريقية فإن أرواح الأموات الذين دفنوا لتوهم يجب أن تنقل إلى العالم السفلي. وهنا نلتقي بالشخصية الأسطورية شارون المرتبطة ببلوتو حيث يقوم بنقل أرواح الموتى من خلال قارب يعبر بهم على نهر يسمى (ستيكسStyx ) وبحكم أن شارون يعيش في عالم مظلم ودامس لذا تزعم الأسطورة أن والدته تسمى (نيكس Nyx) وهو الاسم الذي يعني الليل.

في ضوء ما سبق ذكره سيتضح لك أيه القارئ العزيز ليس فقط لماذا سمى قمر كوكب بلوتو باسم شارون، ولكن أيضا لماذا عندما وصل مسبار الفضاء نيو هورايزونز (أطلقته وكالة ناسا خصيصا لاستكشاف كوكب بلوتو عام 2015م) ورصد لأول مرة وجود أقمار جديدة لكوكب بلوتو، لم يتردد علماء الفلك في تسمية أحدها باسم (ستيكس) والآخر باسم (نيكس). بقي أن نقول إن قمرا رابعا لكوكب بلوتو أكتشف في رحلة مسبار الفضاء نيو هورايوزنز ولذا لمن له نوع معرفة بالأساطير اليونانية أو حتى أفلام الكرتون ربما مرت عليه شخصية كلب الحراسة المتوحش الذي يحمل ثلاثة رؤوس ويدعى (سيربيروس). وبحكم أن هذا الكلب المخيف وفق الأساطير اليونانية هو من يحرس باب العالم السفلي أو عالم الموتى الذي يحكمه بلوتو لذا لم يكن من المستغرب مرة أخرى أن يسمى القمر الرابع لكوكب بلوتو باسم (سيربيروس).

المعذرة تلك كانت مقدمة مطولة لهذا المقال لكي أصل إلى الخبر الذي مرّ بهدوء دون أن يلفت له الأنظار والأسماع نظرا للضجيج الكثيف الذي كان يهدر الأسبوع الماضي مع تدشين جلسات قمة المناخ وقمة العشرين، بل وحتى اقتراب موعد انطلاق فعاليات كأس العالم في قطر. لقد كانت (الأمة) الأمريكية مع موعد جديد مع التاريخ وذلك بعد إطلاق مشروع (أرتيمس) لإعادة رواد الفضاء الأمريكان إلى القمر وبصحبة (رائدات فضاء) كمحاولة لهبوط أول امرأة على سطح القمر. خلال قراءة هذا المقال من المحتمل بمشيئة الله أن تكون مركبة الفضاء الأمريكية الجديدة المسماة أوريون قد بدأت بالدوران لمدة أسبوع حول القمر وفي مراحل لاحقة سوف تحمل نفس هذه المركبة رواد الفضاء الجدد المتجهين للقمر. ما يهمنا هنا هو إعطاء لمحة عن ذلك الاسم المميز لمشروع عودة الأمريكان إلى القمر وتسميته (مشروع أرتيمس) وذلك بعد أن حفظ الناس قبل نصف قرن من الزمن الاسم الأشهر لمشروع هبوط الأمريكان على القمر أي (مشروع أبولو). البحث في معاني مسميات الأشياء قد يكون أمرا شيقا كما قرر شيخ اللغة الإنجليزية شكسبيرعندما قال (ماذا في الاسم what's in a name ). وبالعودة لافتتاحية هذا المقال وحالة (التدرج) في الاكتشافات الفلكية وما يصاحبها من (التدرج) في تسمية الأجرام السماوية بأسماء مأخوذة من الأساطير القديمة يمكن أن نربط الآن لماذا قامت وكالة ناسا الأمريكية باختيار اسم (أرتميس) لمشروعها الجديد.

سابقا وضمن مشروع أبولو تم تمكين أثنى عشر رجلا من الهبوط على سطح القمر وبالتالي لا شيء سوف يستجد الآن بإرسال المزيد من الرجال، ولكن في المقابل ربما من الأهداف الرئيسية للمشروع الجديد تمكين المرأة من المساواة مع الرجل حتى في الهبوط على القمر. في الأساطير الإغريقية القديمة يعتبر أبولو هو إله الشمس بينما أخته التوأم (أرتيمس) هي ربة القمر ونظرا لهذا الترابط بين أرتيمس وأبولو والقمر كان من الصائب تسمية المشروع الجديد بذلك الاسم. وبمناسبة الملائمة في اختيار أسماء المشاريع العلمية لغزو الفضاء والهبوط على القمر يبدو أن الأمريكان في بدايات وكالة الفضاء الأمريكية ناسا التي تم إنشاؤها عام 1958م وذلك كردة فعل لإطلاق الإتحاد السوفيتي لأول قمر صناعي (سبوتنك 1 الذي أطلق نهاية عام 1957م)، يبدو أنهم احتاجوا لشيء من الدعم المعنوي في سباق الفضاء مع الروس. أول مشروع أمريكي لإرسال البشر إلى الفضاء حمل اسم (مشروع ميركوري) وهذا الاسم مأخوذ .. أي نعم بالضبط من الأساطير اليونانية حيث إن شخصية ميركوري في تلك الأساطير هو رسول الآلهة الذي يطير بين السماء والأرض بفضل حذائه المجنح وهو كذلك يعتمر خوذه عليها أجنحة وكلاهما يسهل له التحليق في الفضاء. ولهذا تفاءل الأمريكان أن يكون (مشروع ميركوري) للوصول للفضاء بسهولة تحليق الفتى الطائر ميركوري بين الأرض والسماء. بقي أن نقول إن كل الأسماء الثلاثة التي اختارتها وكالة ناسا لمشاريعها لغزو الفضاء هي مترابطة (أي أبولو وأرتيمس وقبلهم ميركوري) فهؤلاء الثلاثة مرة وفق الميثولوجيا الإغريقية يعتبرون أخوه فهم جميعا أبناء زيوس كبير آلهة جبل الأولمب بزعمهم الضال. ضلالات وخزعبلات الإغريق نحو كبير الآلهة زويس كثيرة وشنيعة فهم ينسبون له العديد من الأبناء الذين ولدهم من نساء اختطفهن أو اغتصبهن أوتحايل بطرق شتى في التخفي للوصول لهن. على كل حال من الأبناء الاضافيين لزيوس الذين استخدمت قصصهم وكالة ناسا لتطلق أسمائهم على مشاريع سباق الفضاء نذكر كذلك أبنيّ زيوس التوأم الآخر (غير توأم أبولو وأرتميس) وهما كاسترو وبولوكس ويعرف هذين التوأمين باسم جمناي Gemini وهما أحد أبراج دائرة الفلك ونعرفهم في اللغة العربية باسم (كوكبة الجوزاء). وبحكم أن كوكبة الجوزاء تلمع في أعلى السماء ولهذا الصعود لها صعود للفضاء وجسر إلى القمر ولذا كان اسم ثاني مشروع تطلقه وكالة ناسا لغزو الفضاء اسمه (مشروع جمناي/الجوزاء Gemini Project). اللطيف في الأمر أنه في هذا البرنامج الفضائي المسمى جمناي او التوأمان كانت مركبات الفضاء التي أطلقها الأمريكان في تلك الفترة المبكرة من غزو الفضاء مكونة من كبسولات فضاء صغيرة لم تكن تتسع إلا لشخصين فقط ولهذا استحقت بالفعل اسم (مركبة التوأمين Gemini spacecraft).

على كل حال يمكن تلخيص ما سبق ذكره أن أربعة من برامج ومشاريع الوصول ومن ثم الهبوط على القمر تم تسميتها على أربعة أسماء من أبناء زيوس كبير الآلهة في الأساطير الإغريقية. وبالجملة يوجد تشابه كبير بين الأساطير اليونانية وتلك التي جاءت بعدها أي الأساطير الرومانية وأبرز الاختلافات بينهما تكون غالبا في تغير أسماء الآلهة ففي حين كان زيوس هو كبير آلهة اليونان كان جوبيتر هو الإله الرئيس في الديانة والأساطير الرومانية. بينما التقينا بأربعة من أبناء زيوس (ميركوري وأبولو وأرتيمس والتوأم جمناي) تقاطعت أسماؤهم مع رحلات استكشاف قمر الأرض سوف نجد أننا في حالة كوكب جوبيتر (المشتري) سوف نتقابل مع أربع من زوجات وأقمار كوكب المشتري.

كما هو معلوم في أغلب التاريخ البشري كان الاعتقاد السائد أن الأرض هي مركز الكون وأن عدد الكواكب السيارة عددها خمسة فقط: عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل. هذه (الأسطورة) القديمة فيما يتعلق بالمجموعة الشمسية تم تغييرها بشكل حاد في مطلع عام 1610م عندما تمكن العالم الإيطالي الأشهر جاليليو وباستخدام تليسكوب بدائي من اكتشاف أول أجرام سماوية لا تدور حول الأرض ولا حتى حول الشمس. في ذلك الحدث تم اكتشاف ما تسمى (أقمار جاليليو) وهي أربعة أقمار كانت تدور حول كوكب المشتري. والطريف في الأمر أن عالم الفلك الألماني سيمون ماريوس أكتشف وبشكل مستقل نفس هذه الأقمار الأربعة بعد يوم واحد من اكتشاف جاليليو لها هكذا تذكر كتب التاريخ وهي مصادفة غريبة. طبعا كان مصير عالم الفلك الألماني النسيان والتلاشي من صفحات التاريخ ومع ذلك كان هو من اقترح أن يتم تسمية هذه الأقمار الأربعة لكوكب المشتري (جوبتير) على أسماء أربع من عشيقات الإله جوبيتر وفق الأساطير الرومانية الضالة. ومن هنا تداخلت الأساطير مع اللحظات والمجهودات العلمية لاكتشاف الفضاء وأصبحت أقمار جاليليو الأربعة تعرف بأسماء النساء المأخوذة من الأساطير الرومانية: آيو وأوروبا وغانيميد وكاليستو. الجدير بالذكر أنه لاحقا تم اكتشاف العديد من الأقمار صغيرة الحجم التي تدور حول كوكب المشتري/جوبتير ولهذا عندما قام علماء الفلك بتسميتها تم استخدام الأسماء الموجودة في الأساطير الرومانية عن (بنات) الإله جوبتير/زيوس من مثل: منيمي وهاربليك وأرثوسي وثيليكسيون.

في الواقع لو أردنا أن نستقصي ونتتبع الأسماء التي وردت في الأساطير القديمة ولاحقا تم توظيفها في تسمية الاكتشافات الفلكية أو إطلاقها على أسماء صواريخ الفضاء أو على المركبات والمسابير الفضائية لطال بنا المقام والمقال. ونختم هذه الجزئية أنه قبل حوالي سنتين تم هبوط مسبار فضاء صيني على كوكب المريخ وبحكم أن الكوكب الأحمر (المريخ Mars) ينسب إلى الإله الروماني مارس إله الحرب و(النار). ولهذا قام الصينيون بتسمية المسبار الجوال rover الذي أنزلوه على سطح القمر باسم (زورونج Zhurong) وذلك نسبة إلى شخصية معروفة في الأساطير الصينية القديمة بنفس الاسم والذي هو عندهم إله النار كما يزعمون.

 وماذا عن (خرافة) الهبوط على القمر ؟!!

ومن خرافات الأساطير إلى إنجازات العلم ومحاولة تفكيك التشكيك القديم وهو هل بالفعل هبط الأمريكان على سطح القمر أم أن ذلك مجرد خرافة وأسطورة كمثل الأساطير التي يستقي منها علماء ورؤساء ناسا أسماء مشاريعهم وأجهزتهم العلمية. ينبغي أن نقول إنه منذ البداية حاول رواد الفضاء الأمريكان تأمين بعض الأدلة (الملموسة) على أنهم بالفعل قد وصلوا للقمر. ولذا فإنهم أخذوا معهم عبر الرحلات الست التي هبطت على القمر مئات الكيلوجرامات من الصخور والأتربة وأرسلوا بعضها للروس لتحليلها ومطابقتها مع التربة التي أرجعها مسبار الفضاء الروسي لونا 16 من سطح القمر. الدليل الآخر ما زال قائما حتى الآن على سطح القمر ويمكن حتى لبعض هواة الفلك التأكد منه وذلك أنه في خمس مواقع مختلفة من سطح القمر وضع الأمريكان أجهزة علمية شبيهة بالمرايا العاكسة والتي يمكن تسلط أشعة الليزر عليها من الأرض ومن ثم تنعكس من سطح القمر. هذا وقد وضعت مركبات الفضاء الروسية اثنين من هذه الأجهزة العاكسة على سطح القمر ومن هذه المرايا السبعة يمكن إثبات أن جارنا القمري تتزايد مسافة بعده عنا كل سنة بحدود 4 سم وهذا يعني أنه منذ الهبوط على القمر قبل أكثر من نصف قرن زاد بعده عنا بحوالي مترين.

 أتوقع أنه مع انطلاق (مشروع أرتيمس) للعودة للقمر ذلك الحدث العلمي الكبير الذي حصل الأسبوع الماضي ربما سوف نشاهد محاولات للمركبات الفضائية الأمريكية ولرواد الفضاء للعودة لتصوير المواقع الستة التي هبط فيها الأمريكان. وبهذا سوف يكون ذلك أقوي دليل لإثبات أن عبارة (خرافة هبوط البشر على القمر) هي في حد ذاتها خرافة ينفيها العلم. في الواقع في عام 2009م وبمناسبة الاحتفال بمرور أربعين سنة لهبوط رواد الفضاء الأمريكان على سطح القمر أرسلت وكالة ناسا الفضائية مركبة فضاء تدعى مسابر (مستكشف القمر المداري). قام ذلك القمر الصناعي لمدة سنة بالتحليق والدوران حول القمر وهو مزود بأجهزة علمية من ضمنها كاميرات تصوير عالية الدقة وكان من مهامها الرسمية التقاط صور للمواقع التي هبط عليها رواد الفضاء الأمريكان سابقا. وذلك كمحاولة للرد على نظرية المؤامرة التي تزعم بأن هبوط الأمريكان على سطح القمر هو مجرد خرافة وأساطير وخدع سينمائية فقط. ومع ذلك تظهر الصور الملتقطة من ذلك القمر الصناعي أنه بالفعل يوجد على سطح القمر الآن بقايا مركبات الفضاء التي تم انزالها على سطح القمر بل وتم تحديد موقع بعض العربات المتنقلة التي تُركت هنالك بعد استخدامها في رحلات أبولو 15 وأبولو 16 وأبولو 17 . وبحكم أن هذه الصور الجديد ليست عالية الدقة والوضوح لا أستبعد أن يتعمد الأمريكان في رحلات أرتميس القادمة محاولة التقاط صورا أكثر وضوحا، بل وربما الزيارة المباشرة لتلك المواقع وخصوصا موقع هبوط نيل أرمسترونج على أطراف بحر الهدوء من أرض القمر.

( مرض هشاشة الاقتصاد )


 د/ أحمد بن حامد الغامدي

 حتى نهاية القرن التاسع عشر لم يكن من المستغرب على عامة الناس في الدول الأوروبية أن يودع أحدهم ما يسمى سجن المدينين debtors prison بسبب وقوع الشخص في حالة الإفلاس وهذه الحالة شائعة في روايات الأدب الإنجليزي وبحكم أن والد الروائي الإنجليزي تشارلز ديكنز كان ممن رمي به في هذا السجن لذا لا غرابة أن معاناة هؤلاء المفاليس شائعة في روايات ديكنز. يقال إنه في تلك الفترة ربما تم سجن عشرة آلاف شخص كل سنة في بريطانيا بسبب الإفلاس وهذا في الغالب للأشخاص الفقراء أساسا أما كبار التجار فحالة الإفلاس المالي في حالتهم لا تحدث في الغالب إلا بعد حصول (كارثة) خارجة عن السيطرة مثل احتراق مصانعهم أو غرق السفن التجارية التي تحمل بضائعهم. في مسرحية تاجر البندقية لشكسبير نجد أن التاجر الطيب والشهم أنطونيو يخسر كل ماله ويصبح مديونا لليهودي الجشع شايلوك وذلك عندما تعرضت كل سفن أنطونيو للغرق في البحر بعد عاصفة هوجاء. ولنتخيل الآن أن التاجر المفلس أنطونيو اجتمع في سجن المديين بأحد رجال الأعمال المفلسين من العصر الحالي وليكن الملياردير الشاب الأمريكي سام بنكمان فرايد وكعادة المساجين نتوقع أن يحدث بينهما حوار وسؤال عن أسباب دخول السجن. وهنا نجد تاجر البندقية يرد بكل حزن بأنه كان رجلا ثريا لكنه أفلس (فجأة) عندما غرق أسطول السفن التي تحمل بضائعه. وهنا نتوقع أن الشاب المغامر سام فرايد سوف يشعر بالحرج في كيفية أن يفسر لذلك التاجر القادم من (زمن تجارة الطيبين) أنه خسر كامل ثروته ليس لأنها غرقت أو احترقت أو انخسفت أو صودرت، ولكن لأنها وفجأة وبكل بساطة (تبخرت) ولم يبق لها أثر. في زمن (هشاشة الاقتصاد) المبني على التضخم والمعاملات المالية شبه الوهمية مثل المضاربة في بورصة العملات الرقمية يحصل أن يخسر خلال أيام الشاب سام فرايد كامل ثورته التي تبلغ 16 مليار دولار بعد أن كانت في الأصل قبل عدة أشهر تلامس سقف 26 مليار دولار.

نحن ما زلنا في عالم الخيال وفي سجن المدينين ولنفترض أن الرئيس التنفيذي لشركة الأدوية إيلي ليلي Eli Lilly السيد ديفيد ريكس كان يسترق السمع للحديث بين تاجر البندقية أنطونيو والملياردير المفلس سام فرايد. وإذا بالرئيس التنفيذي الأنيق يدخل على خط المحادثة ويوجه العتاب الممزوج بالتعجب ويخاطب الشاب المفلس بما معناه أنه إذا كنت أنت شاب مغامر واستثمرت وتربّحت مليارات الدولارات في مجال اقتصادي (وهمي) وهش مثل عملة البتكوين وغيرها من العملات الرقيمة التي خسرت في عام واحد فقط مبلغ2.5  تريليون دولار فنحن في قطاع الصناعات الصيدلانية كنا نتوقع أن عظمنا ناشف وعودنا صلب. وإذا بنسمة هواء صادرة من زقزقة تغريدة تويتر مزيفة تتسبب في لحظات بانهيار مريع للشركة. لا شيء أدل من أن الاقتصاد الحالي هش وفي مهب الريح من حادثة قيام شخص مجهول بأنفاق مجرد ثماني دولارات لتوثيق حساب وهمي في تويتر منتحلا بذلك اسم شركة الأدوية العملاقة وينشر تغريدة يزعم فيها أن عقار الأنسولين سوف يصبح مجانا فتخسر الشركة مقابل تلك الدولارات الثمانية حوالي 14 مليار دولار في لحظات قليلة.

حالات الخلل الجذرية والحادة في المعاملات الاقتصادية المعاصرة يمكن تشبيهها بضعف هشاشة العظام أو يمكن تشبيهها من جانب آخر بما يعرف في علم النفس بمشكلة (التقلقل العاطفي) أو عدم الثبات الانفعالي. ظاهرة التقلقل العاطفي معروفة عند الأطفال الصغار والذي تجده بعد أن يضحك ويبتهج وإذا به فجأة يبكي ويحزن وهذا السلوك الطفولي نشاهده بوضوح في بعض مظاهر الاقتصاد العالمي في الفترة الأخيرة وبالذات في أسواق البورصات العالمية. ليس من المستغرب أن تجد أسهم شركات كبرى ترتفع قيمتها بشكل جنوني أو تهبط بشكل غريب أما أن يحدث نفس الحدث (الارتفاع الحاد ثم الانهيار الهاد) في فترة متقاربة فهذا دلالة على حصول تقلقل عاطفي للاقتصاد الرأسمالي. في دنيا المال والأعمال يقال إنه في المتوسط يستطيع التاجر الصغير تحقيق المليون الأول من ثروته خلال 15 سنة، ولكن المشكلة أنه لتجميع (البليون الأول) ربما يحتاج إلى ضعف تلك المدة. وهنا تظهر المفارقة أن تحقيق (التريليون) الأول في ثروة أي رجل أعمال عمل صعب جدا وقد يحتاج زمن بالغ الطول من الدم والعرق والدموع.

في عالم الاقتصادي الهلامي والمتضخم الذي نعيشه اليوم ليس من المستغرب على شركة أمازون أن تحتاج في بداياتها لمدة خمس سنوات لكي تحقق ربح أول مليار دولار بينما حاليا تستطيع تلك الشركة تحقيق نفس ذلك المبلغ الملياري خلال يومين فقط. ولكن بحكم أن ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة كما يقال أول بسبب عدم الثبات الانفعالي (التقلقل العاطفي) في سوق الأسهم نجد أن مالك شركة أمازون السيد جيف بيزوس يصبح مثل الأطفال عندما يضحك ويبكي في نفس الوقت فهو قد يربح في أسبوع عشرة مليار دولار وقد يخسرها في الأسبوع التالي. في عز جائحة كورونا ومع التباطؤ العالمي لعجلة الاقتصاد الدولي وصلت فجأة شركة أمازون لنادي الشركات الكبرى التي تبلغ قيمتها السوقية مبلغ التريليون دولار. ثم في هذا الأسبوع العجيب الذي نحن فيه اليوم يتم الإعلان أن شركة أمازون هي أول شركة في التاريخ تخسر مبلغ تريليون دولار من قيمتها السوقية وكأن ما تأتي به الرياح تأخذه الزوابع في دلالة صارخة وواضحة لحالة الهشاشة الاقتصادية حيث خسرت هذه الشركة خلال ثلاثة أشهر فقط ذلك المبلغ الفلكي الهائل. ومن الأمثلة الإضافية للهشاشة العاطفية للاقتصاد وتذبذبه المفاجئ والسريع بين الضحك والبكاء أي الربح الفائق والخسران الماحق أنه قبل أشهر قليلة كان أغنى رجل في العالم وهو الثري المتعجرف إيلون ماسك يضحك ملء شدقيه بعد شرائه لموقع (تويتر) بمبلغ 44 مليار دولار وإذا به في هذا الأسبوع العجيب يصرح فجأة وربما بعد أن مسح دموعه بأن شركة موقع تويتر قد تعلن إفلاسها.

 تشخيص مرض هشاشة الاقتصاد

صحيح إن الأسبوع الحالي شهد توالي وتتابع أخبار غريبة ومفجعة عن الكوارث الاقتصادية التي تعرضت لها بعض الشركات الكبرى ومشاهير رجال المال والأعمال لكن في الواقع ما يحدث بكثافة هذا الأسبوع هو امتداد لم يحصل للاقتصاد العالمي من تقهقر وتراجع منذ جائحة الكورونا. يكفي أن نشير أنه خلال هذا العام فقط خسر كل ملياردير موجود في قائمة (أغنى 10 رجال أعمال في العالم) مبالغ طائلة ومهولة حيث كان أكثرهم خسارة هو برنار أرنو الذي فقد 42 مليار دولار وأقلهم مصيبة كان وارين بافيت الذي خسر فقط 9 مليار دولار من ثروته في حين كان مجموع ما خسره هؤلاء الأثرياء العشرة خلال العام المنصرم مبلغ 210 مليار دولار. وعلى نفس النسق نجد أن كبرى الشركات العالمية خصوصا تلك التي تعمل في مجال التقنية خسرت هذا العالم أكثر من 3 تريليون دولار كان أسوئهم شركة قوقل وشركة مايكروسوفت التي خسرت كل واحد منهما حوالي 700 مليار دور في حين خسرت شركة فيسبوك 588 حوالي مليار وشركة أمازون أكثر 540 مليار بينما بالمقارنة نجت شركة أبل بخسارة زهيدة تبلغ فقط 35 مليار دولار !!.

أما ظاهرة النمو الأغرب في تاريخ المال والأعمال فهي قصة صعود رجال الأعمال إيلون ماسك على عرش لقب (أغنى رجل في العالم) وذلك أنه في مطلع عام 2020م كانت ثروته الشخصية متواضعة نسبيا فهي بالكاد في حدود 25 مليار دولار. وفي هذا التوقيت وعندما كان أغلب سكان كوكب الأرض محبوسين في بيوتهم بسبب منع التجول المرتبط بوباء كورونا وعندما نقص بشكل ملموس تلوث الهواء بسبب عدم تحرك مئات الملايين من السيارات وإذا بنا فجأة نسمع عن شركة تيسلا للسيارات. من الناحية المنطقية لم تكن فترة الحجر المنزلي زمن الوباء توقيت مناسب لأي شركة سيارات ومع ذلك نجد أنه خلال خمسة شهور فقط قفزت ثروة إيلون ماسك من 25 مليار إلى ما يفوق 210 وبعد ذلك بأشهر ارتفعت حتى 340 مليار دولار وكل ذلك بسبب تضخم القيمة السوقية لشركة تسلا. الأمر بالغ الغرابة أنه بالرغم من أن شركة تسلا لم تكن تبيع في عام 2020م إلا أقل من 200 ألف سيارة كهربائية ومع ذلك نجد أن قيمتها السوقية في تلك السنة قفزت إلى 206 مليار دولار متخطية القيمة السوقية لعملاق صناعة السيارات شركة تويوتا التي كانت قيمتها 202 مليار دولار وكانت مبيعاتها في تلك السنة حوالي عشرة ملايين سيارة !!.

إن كنتَ شخص كحالتي لا يفهم في الاقتصاد فغالبا سوف تثير هذه الأرقام حيرة كبيرة في نفسك فكيف لشركة سيارات عريقة جدا وموثوقة مثل تويوتا التي لها حوالي 67 مصنعا ضخما حول العالم وعدد موظفيها يفوق 366 ألف شخص، كيف تكون ثروتها أقل من شركة سيارات حديثة في التاريخ وأقل بما لا يقارن في أرقام المبيعات وعدد المصانع والموظفين. كلمة السر لفهم ذلك هو أنه في سوق الأسهم والمضاربة في البورصة غالبا ما يكون الدافع والمحفز في اتخاذ قرارات المضاربة هو العاطفة وليس علم الإحصاء أو المعادلات الرياضية المنضبطة. المشكلة أنه حتى يربح المضارب في سوق الأسهم يجب أن يحاول (تخمين) ما يفكر فيه غالبية المشاركين في البورصة حتى يستطيع أن يحدد متى يشتري أو يبيع في الوقت المناسب. ولهذا طرح عملاق الاقتصاد المعاصر البريطاني جون كينز نظرية تسمى (مسابقة الجمال) وهي فكرة خطرت له من إعلان في جريدة عن تحديد صور أجمل النساء التي يراها أغلب الناس كذلك. ولهذا من يربح في البورصة هو ليس من يشتري أسهم الشركة الرابحة بالفعل مثل شركة تويوتا (المرأة الجميلة بالفعل) ولكن من يشتري أسهم الشركة التي يظن غالبية المضاربين أنها (سوف تربح) مثل الشركة الجديدة للسيارات الكهربائية تسلا والتي بالرغم من أنها شركة حديثة إلا أنه من المحتمل أن المستقبل لها. بسبب التأثيرات الهائلة من قبل بقية المضاربين على التفكير العقلاني للشخص الذي يدخل سوق الأسهم نجد أن عالم الاقتصاد الأمريكي روبرت شيلر الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2013م بدلا من أن يشبه البورصة بمسابقات الجمال النسائية كما فعل جون كينز، نجد شيلر يشبه البورصة بدنيا الموضة. في حين أن العديد من الاقتصاديين يفسرون سوق الأسهم باستخدام (نظرية القطيع) بمعنى أن الفرد (المضارب) يتصرف في البورصة بطريقة سلوك القطيع حيث يقلد سلوك الجماعة التي ينتمي لها بدون تفكير منطقي أو تخطيط عقلاني.

بشكل تقريبي نفس هذا السيناريو غير العقلاني نجده في سوق الأوراق المالية كما نجده في سوق الأسهم وبحكم أن من أهم ركائز قبول البشر لتداول النقود بينهم حتى وإن كانت ليست قطعة من الذهب أو الفضة وإنما مجرد ورقة (أو صدفة كما كان شائع في الشعوب القديمة)، أهم ركائز ذلك نشوء حالة من (الثقة المتبادلة mutual trust) بينهم أن هذه العملة مهم كان نوعها يمكن تداولها وقبولها. وإلى حدا ما ينشأ نوع من (الثقة المتبادلة) بين المضاربين في البورصة أن أسهم شركة ما جديرة بالثقة حتى وإن لم تكون أصولها المالية تغطي سعر السهم الذي تباع به. عندما تنتشر (الثقة المتبادلة) بين أفراد قطيع المضاربين يندفعون بجنون لشراء سهم شركة تسلا وعندما تتعرض الثقة المتبادلة للاهتزاز والتشكيك تندفع جموع أخرى من القطيع لبيع أسهم شركة إيلي ليلي الصيدلانية لمجرد تغريدة مزيفة.

ومن هنا نقول إن هذا الاقتصاد المالي المبني على سوق الأسهم هش وغير راسخ وفي مهب الريح ولهذا يتذبذب بشكل حاد وسريع بين الضحك والبكاء. قارن ذلك مع تاريخ أباطرة رجال الأعمال والشركات التجارية القديمة مثل شركة الهند لشرقية وهي الشركة التجارية البريطانية التي كانت تحتل الهند ويقال إنها كانت تمتلك جيش خاص بها يصل عدده إلى أكثر من ربع مليون جندي وبالتالي كانت استثماراتها مستقرة وراسخة ومستحيل تؤثر عليها تغريدة توتير. رجل الأعمال الأمريكي المعروف جون روكفلر ما زال حتى الآن يوصف بأنه أغنى رجل في التاريخ الأمريكي بالرغم من أن أقصى رقم لثروته كان في حدود 900 مليون دولار (أي تقريبا ما يقارب 25 مليار دولار حاليا) ولكن بحكم ان ثروته كانت قائمة على صناعة النفط فقد كانت راسخة وليست هشة. بينما نجد اليوم أن أغنى رجل في العالم اليوم وهو إيلون ماسك خسر خلال هذه السنة فقط حوالي مائة مليار دولار وربما مع الزمن تتلاشى شهرته كما تلاشت ثروته. في الواقع ما زلنا حتى اليوم نعرف اسماء كبار الأثرياء القدامى من مثل روكفلر ومورجان وروتشيلد وكارنجي وهنري فورد بينما سرعان ما يتم نسيان أسماء الأثرياء في الوقت المعاصر بمجرد سقوطهم من قائمة فوربس لأغنى عشر رجال أعمال.

 بالجملة ننحن الآن نشهد لحظة فارقة في تاريخ الاقتصاد الرأسمالي الذي يهتز بشدة تحت مطارق التضخم والذي يا للعجب يتنامى بالرغم من زيادة سعر الفائدة وهذا بتأثير من كارثة نقص موارد الطاقة وتداعيات الحرب الأوكرانية. لا شك أن للربا والمقامرة المجنونة في سوق الأسهم مع الجشع الليبرالي الاقتصادي المنفلت والمحارب لتدخل الدولة في ضبط التعاملات المالية، كل ذلك ساهم في هشاشة الاقتصاد الحالي. مصيبة المصائب أن تبيع ما لا تمك بالفعل فعندما يقال إن حجم التعاملات المالية على مستوى العالم حوالي 60 تريلون دولار بينما الأموال (الحقيقة) الموجودة في البنوك أو بين أيدى الناس هي فقط في حدود 6 ترليون دولار. وهذا يعني أن أي هزة في (الثقة المتبادلة) التي ذكرنها سابقا يمكن أن ُتنتج انهيار مزدوج للبنوك (كما حصل في الكساد الكبير في الثلاثينيات أو أزمة الرهن العقاري في عام 2008م) أو انهيار البورصات وأسواق العملات المالية كما تكرر كثيرا في التاريخ الحديث بعد إلغاء تغطية الدولار بالذهب. رحم الله طيب الذكر المتنبي عندما حذر من الاغترار بالوهم بالشيء المتضخم وأنه سمين وثمين:

أعيذها نظراتٍ منك صادقةً       أن تحسب الشحم فيمن شحمهُ ورمُ

( لا سلام في العلم !! )


د/ أحمد بن حامد الغامدي

 الحَيَاء ليس فقط فضيلة راقية ولكنه أيضا رأس مكارم الأخلاق ولهذا ورد في الحديث الشرف أن الحياء لا يأتي إلا بخير ومع ذلك قد توجد حالات ومواضع لا يستحب فيها الحياء منها المقولة المشهورة (لا ينال العلم مُستحي ولا مُستكبر). إن من يستحي ويخجل عن طرح السؤال لن يتمكن من التعلم واكتساب المعرفة الكاملة ولهذا يقال في الحكم الشائعة (لا حياء في العلم). وعلى نفس النسق تقريبا تعتبر فضيلة وخلق المسالمة والسلام واللين من الخلق الرفيع المحمود لدرجة أنه ورد في الحديث النبوي الصحيح الذي رواه الإمام مسلم (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانهُ ولا ينزع من شيء إلا شانهُ). ومع ذلك هذه أحكام وأخلاق شريعة مطلقة قد يتم تقييدها في بعض المواقف والمواضع فكما هو معلوم حال القتال وجهاد الأعداء وتنفيذ الحدود ليس المقام هنا مقام الرفق والمسالمة.

وما أود الوصول له أنه كما لا حياء في العلم ففي بعض الحالات (لا سلام في العلم) وهذا ما جال في بالي هذا الأسبوع وذلك بمناسبة حلول (الأسبوع الدولي للعلم والسلام) والذي أقرته الجمعية العامة لأمم المتحدة بأن يعقد بشكل دوري في كل سنه خلال الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر. الدول في العالم الغربي مدججة بالسلاح حتى أسنانها ولديها ترسانة جهنمية من أسلحة الدمار الشامل وقد جربتها كلها وتأكدت من فعاليتها وفعالية الأسلحة الجديدة التي قد تطورها وهي ومن موقع الأمان والتحصن والتترس بالسلاح تطالب الآخرين بمكر وخداع أن يقصروا استخدام العلم فقط في (الجوانب السلمية).

قد أكون فهمت رسالة (الأسبوع الدولي للعلم والسلم) بشكل خاطئ ومع أني أتفق تماما مع توجه أن تكرس العلوم لما فيه خير البشرية والمحافظة على البيئة وتوفير الغذاء والدواء والأمن للشعوب الإنسانية. ولكن في المقابل أنا لا أقبل أن يتم تثبيط وتخدير شعوب وحكومات العالم الثالث من امتلاك القوة العسكرية والأسلحة القتالية تحت شعارات براقة وزائفة من مثل معاهدة (الحد) من انتشار الأسلحة النووية أو اتفاقية (حظر) الأسلحة الكيميائية أو تحديد مناطق بعينها – مثل منطقة الشرق الأوسط - بأن تصبح (خالية) من أسلحة الدمار الشامل بينما الدول ذات النفوذ غير ملزمة بهذا (الحد) أو (الحظر) أو (الخلو/التخلي).

ينبغي على العلماء وأهل الاختراع والتقنية والعلوم الهندسية في الدول العربية والإسلامية المثابرة أولا في رفع رصيد شعوبهم من القاعدة الذهبية (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ثم بعد تحقيق الحد الكافي لردع ودحض وإرهاب وتخويف العدو ننتقل إلى مرحلة الرفاهية والترف بأن نخصص أغلب وجلّ جهودنا العلمية والبحثية لتكون في خدمة (السلام). في مرحلة ما عندما كانت بعض الدول الغربية في حالة قلق من خطورة تفرد عدوهم الجيش الألماني النازي بالقوة العسكرية المطلقة أي القنابل الذرية لم يكن من الحكمة تسخير (العلم من أجل السلم) وإنما تم حشد المئات من كبار مشاهير العلماء من كل الدول لتصنيع القنبلة الذرية. في عام 1939م أرسل عالم الفيزياء أينشتاين رسالة مشهورة إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ينبه فيها إلى ألمانيا النازية بصدد تصنيع قنبلة فائقة القوة ولهذا حث أينشتاين الرئيس الأمريكي أن تطور الولايات المتحدة هذه القنبلة الذرية قبل أن يسبقها هتلر لامتلاك ذلك السلاح الخطير. وبعد تدخل رئيس الوزراء البريطاني تشرشل تضافرت جهود دول الحلفاء لتنفيذ (مشروع مانهاتن) لتصنيع القنبلة الذرية الذي وعلى خلاف الشائع لم يشارك فيه أينشتاين بشكل فعلي (لأسباب أمنية لم يكونوا يثقون تماما به ولهذا لم يمنح تصريحا بالدخول إلى المناطق العسكرية التي بها المختبرات). ومع ذلك لقد شارك بالفعل حوالي أربعة آلاف عالم ومخترع من مختلف الجنسيات والتخصصات العلمية المئات منهم من أبرز العلماء لدرجة أنه كان منهم حوالي 20 عالما ممن حصلوا على جوائز نوبل (بعضهم كانوا بعد في مرحلة الشباب وسوف يحصلون على جائزة لاحقا).

الجميع يعلم أن القنبلة الذرية من أسوء وأشنع الاختراعات البشرية على مدار التاريخ وربما لا يقاربها شناعة إلا اختراع الأسلحة الكيميائية مثل الغازات السامة وهنا مرة أخرى نجد عددا من كبار وأبرز العلماء يشارك في المجهود الحربي لتصنيع ذلك السلاح الرهيب. المجهود العلمي لتصنيع غاز الكلور السام أقل بكثير من تصنيع القنبلة الذرية ومع ذلك نجد ثلاثة من علماء الكيمياء الألمان الحاصلين على جائزة نوبل يشتركون مع العشرات من العلماء والفنيين لضمان تفوق الأمة الألمانية ضد أعدائها في الحرب العالمية الأولى. كما يوصف عالم الفيزياء الأمريكي روبرت أوبنهايمر بأنه أبو القنبلة الذرية فإن عالم الكيمياء الألماني فرتز هابر الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1918م يوصف بأنه أبو الأسلحة الكيميائية وعلى خلاف أوبنهايمر الذي حرص على تجميع أكبر عدد ممكن من مشاهير علماء الفيزياء في فريق عمله نجد أن هابر يخشى منافسة علماء الكيمياء البارزين له. ولهذا عندما تم تعيين هابر كمدير لدائرة الكيمياء في الجيش الألماني رفض أن يشترك معهم عملاق الكيمياء العضوية العالم الألماني أدولف باير (الحاصل على جائزة نوبل لعام 1905م) والخبير في الصناعات الكيميائية وذلك حتى يحتكر هابر النفوذ السياسي والمالي لنفسه فقط. وهذا يعني أنه حوالي أربعة من علماء الكيمياء الألمان ممن حصلوا على جائزة نوبل كان لهم ارتباط بتطوير وتصنيع الأسلحة الكيميائية المريعة. والقصة لا تتوقف هنا فعلى الجانب الآخر من ساحة المعركة نجد لعالم الكيمياء الأمريكي روبرت موليكين الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1966م ارتباط بتطوير الأسلحة الكيميائية حيث إن موليكين كان أول موضوع عمل به بعد تخرجه من جامعة MIT عام 1917م هو القيام بدراسات كيميائية عن الغازات السامة. وفي نفس السياق نجد أن الكيميائي الفرنسي فيكتور جرينارد الذي نال جائزة نوبل في الكيمياء عام 1912م سيشارك بعد ذلك بسنوات وأثناء اندلاع الحرب العالمية الأولى في إنتاج أبحاث علمية عن تصنيع الغازات السامة مثل غاز الخردل وغاز الفوسيجن.

ما أريد الوصول له من حشد وسرد الأمثلة السابقة أنه في فترة ما من تاريخ تطور العلم نجد كبار ومشاهير العلماء من كل الجنسيات ومن جميع التخصصات العلمية يتسابقون لتقديم واجب (خدمة المجهود الحربي) وكأنهم يستشعرون أنه بل الفعل في بعض الظروف (لا شيء يعلو فوق صوت المعركة) أو بعبارة أخرى: لا سلام في العلم. ولولا مخافة الإطالة لسردنا كذلك بعض تفاصيل مساهمة مشاهير العلماء في المجهود الحربي، ولكن ليس في مجال تصنيع الأسلحة، ولكن في التصدي لها. فمثلا في مجال تطوير وصناعة أجهزة الرادار للكشف عن الطائرات ساهم في اختراعها ما لا يقل عن سبعة من العلماء الحاصلين على جائزة نوبل من أشهرهم عالم الفيزياء وليم شاوكلي مخترع الترانزستور وعالم الفيزياء تشارلز تاونز مخترع جهاز الليزر. وقريب من ذلك اشتراك كوكبة من رموز العلم في المجهود العسكري لاختراع أجهزة السونار للكشف عن الغواصات وقد كان منهم رواد العلوم (أربعة منهم حصلوا على جائزة نوبل) من مثل عالم الفيزياء البريطاني أرنست رذرفورد وزميلة بجامعة كامبريدج السير لورنس براغ الحاصل على جائزة نوبل في عز الحرب العالمية الأولى أي عام 1915 ميلادي.

 العلماء والمجهود الحربي .. إقدام أم إحجام

البعض منا قد (يتفهم) لماذا ينخرط أو حتى قل يتورط بعض العلماء للمشاركة في تطوير وإنتاج الأسلحة الفتاكة ومع ذلك العديد من الأشخاص العاديين ومن العلماء والمخترعين أنفسهم لا (يتقبلون) مساهمة العلماء في تصنيع أسلحة الدمار الشامل وبالخصوص تلك الأنواع الشنيعة وسيئة السمعة مثل القنابل الذرية والغازات السامة والأسلحة الجرثومية والأسلحة الإشعاعية. وفي هذا الإطار ندرك لماذا أشتهر عن (بعض) العلماء الذين شاركوا في تصنيع القنبلة الذرية مسارعتهم للتبرّي منها كما هو الموقف المشهور لأينشتاين الذي تزعم الأسطورة أنه بعد أن عرف بهول الدمار الذي تخلفه القنبلة النووية تمنى أنه كان يعمل صانع أحذية. العالم البريطاني الخجول والصامت جيمس تشادويك مكتشف النيوترون بعد مشاركته في مشروع مانهاتن يذكر عن نفسه أنه بعد الحرب وإلقاء القنبلة المشؤومة على رؤوس الأبرياء أصبح يعتمد طوال حياته الباقية على استخدام الحبوب المنومة للحصول على الراحة النفسية في النوم. وهذا عالم الفيزياء الأمريكي ريتشارد فاينمان الحاصل على جائزة نوبل عام 1965م والذي يعد أحد أبرز علماء الفيزياء على الإطلاق في النصف الثاني من القرن العشرين وأكثرهم تأثيرا في جذب أجيال من آلاف الشباب لدراسة العلم إلا أنه يصف نفسه بأنه بعد إلقاء القنابل الذرية على المدن اليابانية ظل لعدة سنوات بعد الحرب وهو فاقد الإحساس بالمتعة في تعليم الفيزياء.

أما العالم الألماني الأصل هانس بيتا الحاصل على نوبل في الفيزياء عام 1967 وبعد المشاركة الفعالة في تصنيع قنبلة اليورانيوم الذرية نجده يعارض بشدة إنتاج القنبلة الهيدروجينية. قصة تصنيع القنبلة الذرية بدأت بخطاب أينشتاين المشهور أما قصة النضال من قبل كوكبة من العلماء لحظر تطوير وتصنيع مزيد من القنابل النووية فتبدأ مع الفيزيائي الدنماركي المعروف نيلز بور (صاحب النموذج الشهير لتركيب الذرة والحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 1922م) والذي كان منذ البداية من فئة العلماء الذين عارضوا الإسقاط الحقيقي للقنبلة الذرية على المدن حيث كانت رغبتهم فقط استخدامهم للردع والتخويف. وكاستمرار لنهجه وأفكاره السلمية قام نيلز بور عام 1950م بكتابة خطاب مفتوح شهير موجه للأمم المتحدة يدعو فيه لنشر أفكار السلام والتخفيف من أخطار السلاح الذري كما أنه قام بتنظيم أول مؤتمر من مؤتمرات الذرات من أجل السلام.

وكما تبرأ وتنصّل نفر من العلماء (لاحقا) عن دورهم في تطوير القنبلة الذرية نجد عددا قليلا من علماء الكيمياء ينفرون (ابتداءً) من المشاركة في تطوير أسلحة الغازات السامة وإن كان سبق وأن ذكرنا أن ثلاثة من علماء الكيمياء الألمان الحاصلون على جائزة نوبل شاركوا في تصنيع هذا السلاح المريع بينما رُفض طلب رابع للمشاركة نجد أن عالما خامسا من علماء نوبل هو الذي يمتنع عن المشاركة. بدأ مشروع تطوير الغازات السامة في ألمانيا في عام 1915م وبحكم الكيميائي الألماني ريتشار فيلشتيتر حصل على جائزة نوبل في تلك السنة فقد تقدم إليه زميله الكيميائي الألماني الذي سبق ذكره فرتز هابر وطلب منه أن ينظم إليه في مشروع إنتاج الغازات السامة إلا أن فيلشتيتر وافق على شرط أن يكون عمله مقتصرا فقط على تطوير أقنعة واقية من الغازات السامة. أما رائد عالم الكيمياء الألماني إميل فيشر وهو ثاني شخص في التاريخ يحصل على جائزة نوبل في الكيمياء فقد اعترف أنه وبكل إخلاص وطني كان يتمنى أن تفشل محاولات هابر في إنتاج سلاح الغازات السامة لأنه كان يخشى ردة فعل القوات الإنجليزية والفرنسية على جنود بلاده إذا تم قصفهم بهذا السلاح الرهيب. بقي أن نقول إن عالمة الكيمياء الألمانية السيدة كلارا إميرفار والتي كانت من أوائل النساء اللاتي حصلن على درجة الدكتوراة في علم الكيمياء وكانت كذلك زوجة فرتز هابر ونظرا لمعارضتها إسهام زوجها في تصنيع سلاح الغازات السامة قامت بالانتحار في عام 1915ميلادي. ومع ذلك لم يؤثر ذلك في تفاني زوجها هابر في المجهود الحربي لدرجة أنه في صباح اليوم التالي للانتحار زوجته سافر إلى جبهة القتال الشرقية لتنظيم هجوم بالغازات السامة ضد الجيش الروسي.

 من هذا وذلك نعلم أن العلاقة بين العلم والسلم قد تكون شائكة وتتعرض للمد والجزر فطورا نهلّل ونُثني على دور العلماء وإسهامهم في خدمة شعوبهم من خلال تأمين السلاح وأدوات الأمن لتلك الشعوب والمجتمعات. وطورا قد لا نعترض كثيرا على اعتراض وتشنيع البعض ضد جحافل العلماء الذين انخرطوا في تطوير وتصنيع أنواع شنيعة ومريعة من الأسلحة الفتاكة. ومع هذا تبقى حقيقة أن أمتنا العربية والإسلامية اليوم في حالة الاستضعاف ومرحلة التيه ولذا نرحب بأي مجهود يساهم في تعزيز مكانتها ولو بتصنيع أبسط سلاح حتى ولو كان مجرد (خشم البندق). وبالمناسبة أمتنا ولادة ولا نحتاج لعلماء الصف الأول وأهل الاختراع من الطراز الرفيع فهذا المهندس الفلسطيني يحي عياش أثار الذعر لسنوات في الكيان الإسرائيلي الغاشم بتصنيع قنابل بدائية من شخص لا يملك إلا شهادة جامعية في الهندسة الكهربائية. ومن الهندسة الكيميائية إلى الهندسة الميكانيكية التي وفرت الخبرة العلمية للمهندس التونسي محمد الزواري الذي طور طائرات بدون طيار والتي بالفعل كان لها من اسمها نصيب فقد كانت كمثل الطير الأبابيل على رؤوس جنود العدو الصهيوني. وإن كان الغالبية العظمى قد سمعت في الفترة الأخيرة بطائرات الدرون القتالية التركية (الطائرة المُسيرة بيرقدار TB2) فلعل من المناسب الإشارة أن تسميتها هي نسبة إلى مخترعها الشاب التركي سلجوق بيرقدار الحاصل على شهادة جامعية في مجال الهندسة الكهربائية. 

( 1444/4/4 أم 2022/2/22 أيهما تاريخ مميز ؟!! )


 د/ أحمد بن حامد الغامدي

استجابة لاقتراح أحد الزملاء الكرام تعودت منذ بضع سنوات أن أسجل تاريخ موعد نشر (مقالتي السبتية) في نهاية كل مقال جديد وقد تنبهت الأسبوع الماضي أن مقال ذاك السبت سوف يحمل (تاريخ مميز) هو 1444/4/4 هجري. وبحكم أن المقال الأخير كان عن (هجاء المولات) فكدت أن ارتكب حماقة أن أعلق في نهاية المقال إن تاريخ نشر المقال هو يوم مميز فلا ينبغي للقارئ الكريم أن يهدر هذه المناسبة في شيء مبتذل مثل التسكع في المراكز التجارية. ومع ذلك أود أن أعترف للقارئ الكريم أنني لم أهضم كثيرا أن مثل هذا (التاريخ المميز) يعني أي شي ذي بال وأنه في الواقع يوم عادي وتقليدي لا يستحق الوقوف عنده تماما كما حصل قبل ذلك بشهور عندما مر علينا في نفس هذه السنة ذلك التاريخ الميلادي المميز المزعوم (2022/2/22). ومع ذلك الجميع شاهد عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة (الاحتفاء والاحتفال) بهذا التاريخ وهذا قادني مباشرة للتفكير والتأمل لماذا مثل هذه الأمور السطحية تثير اهتمامنا بدرجة لم تحصل من قبل في التاريخ البشري بمعنى أن التواصل والتفكير والتجاوب الجمعي عبر التقنية الحديثة يعزز تضخيم الأشياء العادية التي لن تثير نفس الاهتمام لو فكر فيها الشخص بصورة (معزولة) عن الآخرين.

لنفترض أنه عاد بنا الزمن إلى تاريخ يوم 1111/11/11 من التاريخ الهجري في العالم العربي أو حتى تاريخ 1111/11/11 الميلادي في المجتمعات الأوروبية القديمة هل سنجد مجموعة من الناس تتبادل بينها التعليقات بطرافة وظرافة هذه (التواريخ المميزة). أشك في ذلك لأن الناس في هذه الأزمان في الغالب معزولين عن بعضهم البعض وشغلهم الشاغل عن سفاسف الأمور السعي وراء لقمة العيش. بالفعل لقد كانت تلك الحقبة الزمنية قاسية وبائسة فذلك التاريخ الميلادي (1111/11/11) يوافق مطلع القرن الثاني عشر الميلادي وهو زمان يتوافق مع (عصور الظلام) الأوروبية وكذلك التاريخ الهجري (1111/11/11) اي بواكير القرن الثاني عشر الهجري يتوافق مع ما تسمى (عصور الانحطاط) العربية السيئة الذكر.

المفارقة الكبرى أننا ولله الحمد في الوقت الحالي نعيش في رفاهية وترف ولهذا نشغل أنفسنا أحيانا بهوامش الأمور وكأن حالنا كما في المثل الشعبي الدارج (من شبع تبيصر) ومن الفضاوة بدأنا نلتفت لهذا التواريخ الفريدة ونعتبرها مسلية بل قد يحرص البعض أن يختارها لكي تتوافق مع مناسباته السعيدة مثل حفل زواج أو تدشين مشروع تجاري أو حتى موعد للسفر. بينما في القديم كانت التواريخ المميزة أحيانا نذير شؤم ومحل توجس وتخوف. خذ على سبيل المثال حالة الهلع والتوجس التي أصابت أغلب المجتمعات المسيحية الأوروبية على مشارف حلول الألفية الأولى أي مطلع عام 1000 ميلادي. بالرغم من أننا نؤمن أن نبي الله عيسى عليه السلام سوف ينزل في نهاية الزمان إلا أنه بالنسبة لطوائف المسيحيين انتشر لديهم بشكل منحرف تحديد موعد هذا النزول وأنه سوف يقع في نهاية الألفية الأولى. وعندما ينزل المسيح مرة أخرى للعالم فإنه عائد لكي يحاسب ويقاضي لأحياء والأموات وأن هذا المجيء الثاني هو إرهاص للدينونة النهائية أي يوم القيامة. وغني عن القول إنه في هذا التاريخ المميز (1000 ميلادي) شاع الذعر والهلع الشديد بين الشعوب المسيحية بسبب توقع حلول يوم القيامة لدرجة أنه توقف الناس عن أداء أعمالهم وحبسوا أنفسهم في الكنائس وتعطلت حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية. وقريب من ذلك ما حصل في عشية عام (الألفية الثانية) وهو ما عرف باسم مشكلة عام 2000 أو فيروس عام ألفين Y2K bug عندما انتشر الذعر بين شرائح واسعة من الناس أن أجهزة الكومبيوتر في مطلع الألفية الثانية سوف يصيبها العطب ومن ثم من المحتمل سقوط الطائرات أو اندلاع الحرائق في محطات توليد الطاقة بل وحتى انطلاق صواريخ نووية بالخطأ.

عالم مرعب ذلك الذي تم نسجه وتخيله لبعض السنوات ذات التاريخ المميز وكأنها أوقات يعمّ فيها الشر ويحكم فيها الظلام بل ويسيطر فيها الشيطان نفسه وهذا ربما ما كان يتردد في ذهن بعض المسيحيين الذين عاصروا سنة 666 ميلادية وذلك لأنه هذا الرقم المميز (666) حسب اعتقاد بعض المذاهب المسيحية هو (رمز الشيطان) أو رمز الوحش كما ورد في سفر الرؤيا من الكتاب المقدس. وهذا الهلع والرهاب من الرقم 666 تجدد في سنة الميلادية المميزة 1666 وذلك عندما حصل فيها الحريق الكبير المشهور بمدينة لندن وفي نفس تلك السنة أصيبت بريطانيا بكارثة الوباء العظيم وأيضا تعرضت الأراضي البريطانية في تلك الفترة لأكبر إعصار تورنيدو في التاريخ يجتاح الجزر الإنجليزية. ولا شك أن كل هذه المصائب المتوالية عززت العقيدة الباطلة المتعلقة بالتشاؤم والذعر من أي سنة تحتوي على رقم الشيطان الجهنمي (666).

الجدير بالذكر أنه حتى في التاريخ الإسلامي القديم حصلت بعض المشاكل والمخاوف من حلول السنة الهجرية ذات التاريخ المميز (1000 هجري) ومن هذا أنه ينتشر في بعض الأحيان بين العامة حديثة نبوي مكذوب يقول (الدنيا تؤلف ولا تؤلفان). والمقصود أن لهذا الرقم المميز (ألف سنة أو الألفية) وقعه وتأثيره كبير على الشخصيات الضعيفة لدرجة أنهم يتوقعون أن الدنيا لو مر على أهل الإسلام ألف سنة فلن نصل إلى الألف الثاني إلا وقد قامت القيامة وبالتالي منذ حلول سنة 1000 هجري بدء ضعاف العقول في توقع حلول يوم القيامة في أي سنة قبل حلول سنة 2000 هجري. على خلاف التاريخ المسيحي مرت سنة 1000 هجري ونحن نجهل ماذا حصل في دنيا العرب في تلك السنة المميزة وذلك لأن الأمة الإسلامية كانت تغط في حمأة عصر الانحطاط. ونظرا لخلو زمن الألفية الهجرية الأولى من أي من علماء التاريخ البارزين (يكفي أن نشير أن أشهر مؤرخ في القرن العاشر الهجري وهو ابن إياس صاحب كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور والذي يعتبر من أضعف علماء التاريخ على الإطلاق) ولهذا المراجع التاريخية العربية لم تسجل أي شي ذي بال في هذه السنة (المميزة). في الحقيقة الصورة كانت مختلفة في ذلك التوقيت في بلاد الإسلام الأخرى ففي ذلك التاريخ الألفي المميز كانت جيوش الخلافة العثمانية تغزو أوروبا وتقترب من أسوار مدينة فيينا بينما في إفريقيا كانت مملكة تمبكتو في مالي تسيطر على جزء كبير من القارة السمراء وتعيش عصرها (الذهبي) بالحقيقة وليس بالمجاز فقد كانت دولة ثرية جدا. وفي شرق العالم الإسلامي كانت سلطنة مغول الهند هي إحدى أكبر الإمبراطوريات العالمية في ذلك الزمان وإن كان السلطان جلال الدين أكبر قد أصابته لوثة فكرية عندما قبل الأفكار المنحرفة التي طرحها عليه بعض مستشارية أنه بحلول عام 1000 هجري لم تعد تعاليم الإسلام كافية وتخطاها الزمن ولهذا تبني ذلك السلطان المغولي الأثيم دين جديد هو خليط من الإسلام والهندوسية والمسيحية والمجوسية.

 كيف تصنع تاريخا مميزا من أرقام مبعثرة

وبالعودة مرة أخرى إلى موضوع توظيف الأعداد الرياضية لتوليف وتشكيل أرقام تواريخ سنوات أو مواعيد مميزة يمكن استخدامها (لتوقيت) ذكرى شخصية أو وطنية أو دولية مميزة فيمكن أن نجد شواهد كثيرة لهذه الظاهرة. من ذلك مثلا أن ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني عندما كان شاباً كتب في مذكراته أنه وقف في نافذة منزلية في انتظار سماع صوت دقات ساعة بيغ بين وهي تعلن حلول الساعة الحادية عشرة صباحا من اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر من عام 1918م وذلك هو الموعد (المميز) الذي تم الاتفاق أن يكون لحظة نهاية الحرب العالمية الأولى أسوء حرب في تاريخ البشرية حتى تلك اللحظة.

بلا شك الأحداث المميزة الكبرى ربما في بعض الظروف يتوافق أن يتم لها اختيار (توقيت مميز) وهذا ما قام به الأخوة الكرام في الإمارات عند تم تدشين مترو مدينة دبي في تمام الثانية التاسعة من الدقيقة التاسعة من الساعة التاسعة من اليوم التاسع من الشهر التاسع من عام 2009 ميلادي وهذا التوقيت المميز يمكن كتابته كالتالي (09/09/09  09:09:09). وبحكم أن الرقم ثمانية هو رقم الحظ في الثقافة الصينية لهذا لا غرابة أن يحرص الصينيون على أن يكون افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي استضافتها الصين في تمام الثانية الثامنة من الدقيقة الثامنة من الساعة الثامنة من اليوم الثامن من الشهر الثامن من عام 2008 أي (08/08/08 08:08:08 ).

وبما أن سيرة الانتقاء المتعمد للأرقام لتشكيل تاريخ مميز انفتحت فأحب أن أذكر بمطلع مقال الأسبوع الماضي وإنه بالأساس كان بمناسبة حلول اليوم العالم للمول Mole Day وفي حينها فسرت لماذا يتم بالذات ذلك الاحتفال في اليوم 23 من الشهر العاشر وبين الساعة 6:02 مساءً وحتى الساعة 6: 02 صباحا وأن ذلك مرتبط بما يسمى (عدد أفوجادرو).  وعلى نفس النسق نجد في الرزنامة السنوية يوما ثابتا يعرف باسم (يوم باي العالمي Pi Day ) ويقصد به في علم الرياضيات الثابت (ط) والذي قيمته كما هو معروف: 3.14159 وعليه تم الاتفاق أن يكون الاحتفال بيوم باي العالمي في تمام الساعة 1:59 من اليوم 14 من الشهر 3  وهذا من شأنه تجميع قيم ثابت ط المعروفة (3/14 1:59). وبدون الدخول في التفاصيل سوف نجد أن علماء الرياضيات يحتفلون سنويا بما يسمى يوم أعداد فيبوناتشي (هي متتالية رياضية هامة لها ارتباط بقيمة ما يسمى النسبة الذهبية أي قيمة العدد فاي: 1.618) ويحتفل العلماء به في اليوم 23 من الشهر 11 وذلك حتى تتكون المتتالية البسيطة: 1,1,2,3 أي متتالية فيبوناتشي. وعلى هذا القياس يمكن للعلماء ولأي شخص تقريبا أن يجمع توليفه من أيام الرزنامة السنوية ليشكل اليوم العالم لنظرية فيثاغورس أو يوم وفاة الخوارزمي أو حتى اليوم العالمي لسرعة الضوء أو كتلة الإلكترون أو تسارع الجاذبية أو الوزن الجزيئي للمركب الجلوكوز... إلخ.

ولنختم هذا المقال المثقل والملغم بالأرقام بأن ندمج بين طريقة كتابة التاريخ يوم/شهر/سنة وبين طريقة كتابة التوقيت ثانية/دقيقة/ساعة ولتتخيل نفسك أيه القارئ العزيز أنه كما وقف قبل قرن من الزمن ونستون تشرشل ينتظر ساعة بيغ بين وهي تدق عند الساعة 11 صباحا وقت نهاية الحرب الكبرى، تخيل نفسك وأنت في منتصف سنة 1989م وفي يدك ساعة رقمية من التي ُتظهر كلا من التوقيت والتاريخ على شكل أرقام. ماذا سوف تشاهد في الثانية 45 من الدقيقة 23 من الساعة الأولى من اليوم السادس من الشهر السابع من عام 1989ميلادي؟!! سوف تشاهد جميع الأرقام العددية متسللة تصاعديا من اليسار إلى اليمين بشكل (مميز) كالتالي:

01:23:45 6/7/89

 

( في هجاء المول والمولات !! )


 د/ أحمد بن حامد الغامدي

 في مطلع الأسبوع الماضي مرت مناسبة سنوية مهمة لأهل الكيمياء ولأصحاب التخصصات العلمية إجمالا وهي اليوم العلمي للمول (Mole Day) والذي تم اختياره بشكل متعمد في يوم (23) من شهر أكتوبر أي (الشهر 10) ويحتفل به من الساعة 6:02 صباحا وحتى الساعة 6:02 مساءً وكل هذه الأرقام اختيرت بعناية حتى تؤلف ما يسمى رقم أفوجادرو والذي يعرفه كل طلاب الكيمياء والفيزياء في المدارس الثانوية (6.02 x10 power of 23). طبعا لن أدخل في الأهمية العلمية لهذا الرقم أو مفهوم (المول Mole) الذي له أهمية قصوى في علم الكيمياء لكن الإشكال الذي خشيت منه أنني لو نبهت لمناسبة (اليوم العالمي للمول mole) فربما شريحة من القراء قد يعتقدون أنني أتحدث عن (المول Mall) والذي هو مجمع التسوق التجاري المعروف (Shopping Mall). الإشكال أنه قبل ذلك بعدة أيام فقط انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي صور وأخبار الافتتاح التجريبي لمول الباحة الذي وصف بأنه أكبر سوق تجاري في جنوب المملكة ولهذا بالقطع الكلام والإشارة في هذا الأسبوع بالذات عن (يوم المول Mole Day) لن يفهم منه في الغالب إلا ثقافة الاستهلاك والتسوق وليس ثقافة العلم والمعرفة.

الالتباس والخلط بين المول الكيميائي والمول التجاري يحدث كذلك في الخلط بين المول الثقافي والمول التجاري، ولكن على نطاق أوسع. سبق أن تحدثت في مقال سابق عن مجمع المتاحف في وسط مدينة واشنطن وهي الناحية التي تسمى: المنتزه الوطني The National Mall وهي تلك المنطقة المستطيلة الواقعة ما بين مكتبة الكونجرس ونصب لنكولن التذكاري والمزدحمة بالمتاحف المحصورة بين طريق وجادة الاستقلال وجادة الدستور. هذه المنطقة الغنية بالمتاحف تعرف اختصارا (بالمول) وهنا تكمن المفارقة فعندنا لا نعرف من (المول) إلا أنه المجمع التجاري الضخم وعندما نسأل ونفتش عن (المجمعات) فنحن نسأل أين يقع (مجمع المطاعم) وفي الغالب للأسف لن يحصل أننا سوف نسأل يوما ما أين يقع (مجمع المتاحف).

الجدير بالذكر أن عدد المتاحف في منطقة المنتزه الوطني في واشنطن تقارب حوالي 24 متحفا ولهذا حتى تستطيع زيارتها بشكل كاف تحتاج لعدة أسابيع بينما أحد أكبر المولات التجارية في العاصمة الأمريكية وهو ذلك الذي يقع بالقرب من وزارة الدفاع البنتاغون هو في الواقع متوسط الحجم وقد تنتهي من زيارة محلاته في خلال ساعة. بالمناسبة الغالبية العظمى من مولات التسويق في أمريكا ليست كبيرة الحجم وإن كان عددها ضخما وقد يصل لحوالي 36 ألف مول ومركز تسويق ولهذا الشعب الأمريكي (مدمن) الهجولة والتسكع في المولات والأسواق التجارية. ومن باب الطرائف أن يشيع في المجتمع الأمريكي خصوصا والمجتمع الغربي عموما عبارة (ولد للتسوق Born to Shop) أو عبارة (تسوق حتى تقع من التعب Shop til you Drop  ). وهذا ما يحصل بالفعل فبسبب الإدمان على التسوق وشعور البهجة في التسكع في المولات تقضي المرأة الغربية ما معدله ثلاث سنوات من عمرها وهي في الأسواق.

الغريب في الأمر أن الأمريكان لم يعرفوا المولات التجارية الحالية إلا منذ فترة الخمسينيات من القرن العشرين بينما كانت معروفة قبل ذلك بحوالي قرن من الزمان في العواصم الأوروبية ومنذ البداية استنتج البعض المشاكل التي تنتج من الإسراف في التسوق والانغماس في ثقافة الاستهلاك. أول مول في التاريخ كان ذلك الذي افتتح في مدينة باريس في عام 1852م وحمل اسم (لو بون مارشيه) وعندما تمت إعادة تطويره ساهم المهندس الفرنسي غوستاف إيفل (صاحب برج إيفل) في تصميمه وإنشائه ولهذا عندما أكتمل بنائه الشاهق كان أعلى مبنى في العالم في ذلك الوقت واستحق لقب (أعجوبة العالم الثامنة). بقي أن نقول إنه بالرغم من كل مغريات وإيجابيات المولات ومراكز التسويق الكبرى إلا أنها ومنذ بواكير ظهورها أثارت حولها ضجيج النقد و(الهجاء). فهذا الأديب الفرنسي إميل زولا ينشر عام 1883م رواية أديب بطلها الأساسي (مول ضخم) في مدينة باريس يحمل اسم: من أجل سعادة النساء وهذا الاسم هو نفسه عنوان الرواية والتي عندما ترجمت للغة الإنجليزية كان عنوان الرواية واسم المول في نفس الوقت: جنة النساء. وبالرغم من العنوان المضلل للرواية نجد الأحداث في الرواية تدور حول استعراض حالة النساء العملات في المول وضغوط العمل والتنافس بينهن وكذلك تعرج الرواية على تأثير هذا المول على المحلات الصغيرة التي تسبب هذا المول في كساد أعمالها التجارية. من أشد عبارات انتقاد إدمان التسوق والتسكع في المولات أنها أصبحت وكأنها (دار عبادة) ولهذا ورد في رواية إميل زولا التوصيف الشهير السلبي ضد المولات بأنها (كاتدرائيات التجارة cathedral of commerce). في تلك الرواية يتحدث أميل زولا عن مول (لو بون مارشية) أول مول في التاريخ ويصفه وكأنه نوع جديد من الدين وبحكم أن زولا كان يكتب في نهاية القرن التاسع عشر المسمى عصر الإلحاد ولهذا لا غرابة أن يربط بين الدين وبين التسوق والمولات فيقول (بينما يتم إفراغ الكنائس تدريجيا بسبب تذبذب الإيمان، يتم استبدالها بأرواح فارغة بسبب المتجر).

ثنائية دور العبادة والأسواق والعلاقة العكسية بينهما نجدها في الإسلام كذلك ففي الحديث الشريف (أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها). ولكن في حين أن المسيحية تذم مجرد أن يكون الرجل ثرياً كما ورد في إنجيل متى (لا يقدر أحد أن يخدم سيدين .. لا تقدروا أن تخدموا الله والمال) نجد أن الإسلام لم يحذر من تراكم الثروة، ولكن ينبه ويحذر من أن الاشتغال بالتجارة عن ذكر الله. ولهذا ورد في الأذكار دعاء دخول السوق وكذلك ورد التنبيه في بعض الآثار النبوية قوله صلى الله عليه وسلم (لا تكوننّ إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته).

وكما هو معلوم ورد من ضمن علامات الساعة الصغرى أنه في آخر الزمان (تتقارب الأسواق) بمعنى كثرة وجود مراكز التسوق وتقاربها المكاني وكذلك من العلامات (التطاول في البنيان) وهذا ما يُشاهد في ضخامة البناء المعماري لأغلب المولات التجارية الجديدة. وهنا نلحظ تداخل ثقافة السلوك الاستهلاكي والإسراف مع داء البذخ وحب التفاخر والذي أفرز المبالغة في التطاول في حجم المولات وهذه ظاهرة سلوكية واجتماعية واقتصادية تحدث بكثرة في المجتمعات الشرقية أكثر منها في المجتمعات الغربية. طبيعة أسلوب التفكير العاطفي غير العقلانية أحيانا لدى بعض الشعوب الآسيوية والعربية يدفعها حب التفاخر لبناء أطول برج أو أكبر مبنى ومركز تجاري لدرجة أنني أعتقد أن كل عمائر ناطحات السحب في أوروبا لا يبلغ عددها نصف تلك السامقة في سماء دبي أو شنغهاي. سبق أن أشرت إلى أن أكبر مول تجاري في العاصمة الأمريكية هو ذو حجم متوسط وحتى المولات التجارية في كندا في مدينة تورنتو أو مونتريال ليست فائقة الحجم بالرغم من أن جو الصقيع البارد هنالك يشجع كثيرا على اقتصار التسوق في المناطق المغلقة.

وقبل أكثر من 25 سنة عندما توجهت لدراسة اللغة الإنجليزية في مدينة مانشيستر البريطانية قيل لنا إن مول أرندايل بها هو أكبر مول تجاري في أوروبا كلها في ذلك الزمن وأعتقد أنه قبل إعادة توسعت الأرانديل أن مول الباحة الجديد الذي افتتح هذا الأسبوع ربما يقاربه في حجم المساحة طبعا إذا شمل ذلك مواقف السيارات. بالجملة في أغلب المدن الأوروبية وفي أمريكا الشمالية من النادر أن تجد مول تجاري يقارب حجم مول النخيل في الرياض أو مول السيف في المنامة أو مول الأفنيوز في الكويت العاصمة أو مول فيلاجيو في الدوحة هذا فضلا عن مضاهاة مول دبي البالغ الضخامة الذي يوصف بأنه أكبر مول في العالم. الشرق شرق والغرب غرب حسب مقولة الأديب الإنجليزي كبلينغ ولن يلتقيا في أشياء كثيرة منها حجم المولات والمراكز التجارية ومن واقع مشاهدة مباشرة وجدت أن مولات الفلبين وتايوان وكوالالمبور وسنغافورة وهونغ كونغ أكبر بما لا يقارن مع مولات باريس وروما ومدريد وأثينا وفينا وجنيف. وأحد الأسباب في ذلك أن القوم في الغرب يفضلون التسكع والتسوق في الهواء الطلق (على برودة الجو) من حشر أنفسهم في أقفاص زجاجية ومباني ضخمة. عادة التسوق بالمشاهدة عبر النوافذ الزجاجية window shopping بدأت قبل قرنين من الزمن في لندن ثم انتقلت لجميع البلدان الغربية ولهذا بدلا من ظاهرة المولات الضخمة ينتشر في الغرب ظاهرة (الشوارع التجارية الفخمة) كما هو حال مع شارع أكسفورد في لندن أو شارع الشانزليزيه في باريس أو شارع الجادة الخامسة في مانهاتن بمدينة نيويورك أو شارع روديو درايف في بيفرلي هيلز بمدينة لوس أنجلس.

 جناية المولات على السياحة

من أكثر جوانب الانتقاد التي توجه للمولات ومراكز التسوق أنها تشجع على الإسراف والتبذير والتفاخر والخيلاء ولهذا هي رمز للرأسمالية المتوحشة التي تمتص دماء البسطاء لتحقيق الربح الفاحش لجشع التجار. ولهذا من التناقضات الصارخة أنه زمن الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفيتي كان أكبر مولا تجاريا موجود في روسيا (مول GUM) يقع مباشرة على الساحة الحمراء وأمام مبنى الكرملين. ولهذا لمن لا يعشق السفر وفي نفس الوقت يكره التردد على المولات سوف يقع في حرج وتناقض بأن يزور مدينة موسكو دون أن يمر على ذلك المركز التجاري المشهور والغريب. وهذا يقودنا للحديث أن المولات الحديثة ومراكز التسوق الضخمة في العديد من مدن العالم قد (تشغل) السائح عن اكتشاف معالم سياحة وحضارية وتاريخية أكثر أهمية من تسكعه وتجوله في المولات (( المتشابهة )). سبق وأن أشرت إلى أنه في بعض الأحاديث الشريفة إشارة إلى أن من علامات آخر الزمان (تقارب الأسواق) وبعض العلماء يقولون إن التقارب بينها ليس فقط في الموقع المكاني، ولكن أيضا قد يكون (تقارب) الأسواق هو (تشابه) هذه الأسواق من حيث الأسعار وكذلك نوعية البضائع المعروضة للبيع. وهذا يقودنا للحديث أن من مظاهر (العولمة) في جانبها الاقتصاد هو تشابه السلع وشيوع الماركات التجارية المتكررة في كل بلدان العالم ولهذا عندما تتجول في مول تجاري في شنغهاي أو في أبو ظبي أو في ميلانو أو في شيكاغو سوف تتفاجأ أن الماركات التجارية هي نفسها وفي الغالب أن (سلسلة) المحلات التجارية العالمية هي نفسها في جميع المراكز التجارية بالغض النظر عن المدينة التي تتسوق فيها.

ومن ناحية سياحية هذا أمر ضار وسبب ذلك أنه نتيجة لطغيان جاذبية المولات نجد أغلب الزوار لا يمانع من قضاء أوقات طويلة فيها بل قد تجد السائح الذي ربما إقامته في المدينة لوقت محدود أو أيام معدودة ومع ذلك لا يشعر بأنه يرتكب خطيئة سياحية عندما يخصص أغلب وقت إقامته الثمين في التنقل بين هذه المولات (المتشابهة) من ناحية البضائع. قارن هذا مع لو بذل السائح وقته وصرف ماله مثلا في زيارة سوق خان الخليلي الذي يعج بعبق التاريخ بدلا من زيارة مول العرب الضخم في أقصى غرب القاهرة. في التراث العربي كان للأسواق القديمة دور اقتصادي وثقافي واجتماعي بارز كما هو الحال مع سوق عكاظ بالطائف وسوق المبرد في البصره ولذا هي حاليا معالم سياحية فريدة. وهذا الإرث المزدوج في جوانبه الاقتصادية والتاريخية والسياحية للأسواق الشعبية ما زال ولله الحمد يتنامى في العصر الحديث كما نجده في الجذب السياحي لسوق واقف في الدوحة أو سوق المباركية في الكويت أو سوق الحميدية في دمشق أو سوق العطارين في مدينة فاس المغربية أو سوق الجنابي في صنعاء أو البازار الكبير في قلب مدينة إسطنبول. وفي واقعنا المحلي من الأمور المبهجة للزائر المحلي والسائح الأجنبي زيارة سوق القيصرية في مدينة الهفوف أو سوق الزل بالرياض أو سوق السبت بمدينة بلجرشي أو سوق المسوكف بمدينة عنيزة أو سوق البلد بالطائف. 

والمقصود أن إدمان التردد على المولات الحديثة والتنقل بين مقاهيها ومطاعمها ومحالّها جعل البعض منا يزهد في أي متعة في التعرف على المواقع السياحية والتاريخية الأخرى. قبل فترة من الزمن صعقت عندما اطلعت على (تقرير سياحي) لأحد الشباب الذي زار مدينة أوروبية عريقة ومع ذلك كان أغلب التقرير عن الصور التي التقطها ذلك الشاب في مولات تلك المدينة وفي محلات القهوة والمطاعم الفخمة بها دون أي تغطية كافية لمعالمها السياحية والتاريخية الهامة. وهنا تشعر بالغيض من بعض العرب الذي يخسر مبالغ طائلة لتغطية تكاليف تذاكر الطيران والإقامة في الفنادق ليصل لمدينة أوروبية عريقة ثم لا يكاد يختلف جدوله يومه في الخارج عن باقي أيام السنة في مدينته الأصلية إذ تراه يتنقل بين محلات الكوفي والتسكع في المولات التجارية. السفر ليس فقط تغيير للأمكنة الأهم من ذلك تغيير عادات الحياة اليومية وأن يكون لك إذا سافرات في رحلة خارجية (عيون جديدة) كما هي نصيحة الأديب الفرنسي مارسيل بروست.