الأربعاء، 27 ديسمبر 2017

( أصل الكتاب العربي )

غموض البدايات في تاريخ الكتاب العربي
د/ أحمد بن حامد الغامدي

سؤال سهل ومباشر ومع ذلك إجابته مربكة وغامضة
ما هو أول كتاب تم تأليفه باللغة العربية
جال هذا التساؤل في خاطري هذا اليوم بسبب تضافر وتمازج عدة قضايا ثقافية ومعرفية متداخلة أولها موافقة هذا اليوم لليوم العالمي للغة العربية (يوم الثامن عشر من شهر ديسمبر) وكما أن هذا الاسبوع يتوافق مع فعاليات معرض جدة الدولي للكتاب يضاف إلى ذلك أنني اليوم وصلت في قراءتي لكتاب (تاريخ الكتاب) للباحث البريطاني رودريك كيف إلى الجزء الذي خصصه للكتب العربية وكان يناقش فيها الكتب العربية الطبية والصيدلانية. ومن مجمل هذه المتداخلات تولد في خاطري هذا السؤال الذي أحترت في إيجاد إجابه شافية له (ما هو أصل الكتاب العربي).
كما هو معلوم كان العرب في جاهلية جهلاء وظلالة عمياء انعكست في وصف الامة العربية بأنها أمه (أُمية) كما وردفي الحديث الشريف لا تقرأ ولا تكتب ولم يهذب البداوة العربية الجافية إلا دين الاسلام الخالد ولهذا بالقطع كان (مصحف عمر بن الخطاب) وهو وحي التنزيل الكريم هو أول كتب ظهر في تاريخ العرب. لكن يبقى السؤال من منظور آخر لم يتم  الاجابة عليه فما هو (أول كتاب تم تأليفه باللغة العربية). وإذا كان القران الكريم تم بداية تدوينه في حياة الرسول صلى الله علية وسلم إلا أن تدوين المصدر الثاني لدين الاسلام وهي السنة النبوية والسيرة المحمدية تأخر كثيرا بسبب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث (لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه). ومع ذلك أصبح من شبه الثابت عند الباحثين في مجال علوم الحديث وتدوين السيرة أن تقييد العلم الشرعي من غير القرآن الكريم كان موجودا في حياته الرسول الكرم وعصر الصحابة والتابعين من بعده كما قرر ذلك الحافظ أبي بكر الخطيب في كتابه (تقييد العلم). ولكن هذا التقييد كان في الغالب على شكل مجموعة من الورقات المتناثرة أو ما تسمى (الصحف أو الصحيفة) وهي تختلف عن الصورة النمطية المعروفة الآن عن كتاب حيث أنه مجموعة من الاوراق يتم حفظها في غلاف من الورق ويكون لها (عنوان خاص) يميز كل كتاب عن غيره.
غالب الظن أن أول كتاب تم تأليفه باللغة العربية كان في مجال ما يسمى بالسير والمغازي وهو موضوع قريب الصلة بالسيرة النبوية وبحكم أن تدوين الحديث كان في فجر الاسلام  ما يزال داخل دائرة الحظر الشرعي لذلك ربما تساهل البعض من العلماء في أن يجيز لنفسه تأليف كتاب خاص بمواضيع السيرة النبوية يكون مطعم بذكر الاحاديث النبوية الشريفة. وإذا كان علماء الحديث النبوي يقولون (أن تدوين الحديث الشريف لم يبدأ إلا في عصر الإمام ابن شهاب الزهري) وذلك بأمر مباشر من الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز إلا أنه من المحتمل أن ظهور (أول كتاب عربي) قائم على (التأليف والتصنيف) وليس فقط على (التدوين والتقييد) كان فضل الشرف فيه للكاتب والمؤلف العربي الأول المؤرخ والتابعي الجليل (وهب بن منبه). يشتهر عصر عمر بن عبدالعزيز بأنه (عصر التدوين) ولكن عند استعراض سيرة حياة المشاهير من علماء الحديث في ذلك العصر من أمثال أبان بن عثمان أو عروة بن الزبير أو أبن شهاب الزهري نجد أن كتب التاريخ لا تنسب لهم تأليف (كتاب أو مصنف) علمي مستقل بعنوان خاص. في المقابل نجد أن خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام يذكر أن وهب بن منبه المتوفي سنه 110 هجري كان من كتبه التي ألفها كتاب (ذكر الملوك المتوجه من حمير) وإذا علمنا أن وهب بن منبه هو أصلا من اليمن ولقبه (الذماري الصنعاني) لذا قد تكون المفاجأة أن أحد أقدم الكتب المؤلفة باللغة العربية كان حول موضوع تاريخي عن ملوك مملكة حمير وإن كان من المحتمل أن لوهب بن منبه كتاب آخر عن المغازي.
في واقع الأمر صدق من قال أن (العرب ظاهرة صوتية) شغلت في بداية تاريخها بالخطابة والفصاحة والبيان والتبيين ومع ذلك كان للإنتاج الحضاري (في شكله المؤلف والمكتوب) أهمية قليلة نسبيا عندهم. بمقياس زمننا الحاضر أمر غريب ومحير أن أنتاج (أول كتاب أو مؤلف باللغة العربية) أمر لم يكن يثير الاهتمام للمؤرخين والادباء الأوائل أن يقفوا عنده ويحتفلوا به ويطنبوا في الاهتمام به. بل أن الاديب البارز ابن عبدربه في كتابه الموسوعي العقد الفريد أهتم ببيان تفاصيل كيفية (تأريخ الكتاب) بمعنى ما هو الاسلوب العلمي والادبي الصحيح لكيفية أن تكتب تاريخ انتهاءك من تأليف الكتاب ومع ذلك لم يلتفت ابن عبد ربه لذكر ما هو (تاريخ) أول كتاب عربي. ونفس الامر من أغفال ذكر أو كتاب عربي نجده يتكرر في كتاب (صبح الأعشى في صناعة الإنشا) للقلقشندي وبالرغم من أن الكتاب في خمسة عشر مجلد سمين وشمل مقالات متعددة عن دقائق مهنة الكتابة ومتطلباتها وكيف تطورت دواوين الانشاء في تاريخ الاسلام إلا أنه مع ذلك أغفل عن ذكر ما نحن بصدده من محاولة معرفة ما هو أول كتاب تم نشره باللسان العربي المبين.
قديما قيل (أمة أقرأ لا تقرأ) وإذا بنا نكتشف أنها أيضا وللأسف لا (تؤرخ) لما تقرأ أو تكتب !!.

غموض البدايات .. من الكتاب المخطوط إلى الكتاب المضغوط 
كما أحترنا في تحديد ما هو أول كتاب تم تأليفه باللغة العربية لعلنا ننتقل لطرح سؤال لا يقل ضبابية وغموض (ما هو أول كتاب مطبوع باللغة العربية). كما هو معلوم غالب التاريخ الحضاري العربي والاسلامي المتمثل في الكتابة كان يتم من خلال الكتب المطبوعة والمنسوخة باليد ولم تظهر الكتب المطبوعة من خلال الآلات والمطابع إلا في أزمنة متأخرة. السبب في ذلك أنه في زمن الانحطاط الفكري لأمة الاسلامية تدهور الأمر (بأمة أقرأ) أن يتم تحريم طباعة الكتب بواسطة المطبعة الميكانيكية.
في تاريخ الحضارات لحظات محيرة غير مفهومة من ذلك مثلا أن الامبراطور فردريك الثاني الذي استولى عن طريق الصلح على مدينة القدس بعد تحريرها بواسطة صلاح الدين وكان له علاقات حميمية مع الملك الكامل الايويبي ويقال أنه أعجب بالثقافة العربية وشجع على ترجمة كتبها ومع ذلك تصفه كتب التاريخ الأوروبية بأنه رفض دخول الورق إلى أوروبا لارتباط الورق بالحضارة الاسلامية. ولهذا اصدر ذلك الملك قرار امبراطوريا يعتبر أن أي وثقيه حكومية مكتوبة على الورق بأنها لاغية ولا قيمة لها. وفي الطرف الآخر نجد أنه بعد ذلك بحوالي ثلاثة قرون يصدر الخليفة العثماني بايزيد الثاني في عام 1493 فرمانا سلطانيا يقضي بتحريم طباعة الكتب على رعاياه المسلمين ربما بحجة أن المطبعة من اختراع الاعداء المسيحيين أو لأنه كان من عشاق فن الخط العربي وحصل على إجازات في الخط من كبار الخطاطين العثمانيين. يقول البعض أن من أسباب تحريم الطباعة عند الأوائل أن فيها عدم تقدير للنصوص الدينية عندما يتم ضغطها بالمكابس. وكما قلت هذا الفكر السقيم تم في زمن التخلف الفكري للمسلمين اثناء عصور الانحطاط والجمود بدليل أنه في زخم الحضارة العربية ولثلاثة قرون من الزمن تم انتاج العديد من الكتب (( المطبوعة )) بواسطة القوالب الخشبية المنحوتة. وهذا ما كشفته بعض التنقيبات الاثرية في منطقة الفيوم بمصر حيث اكتشفت نصوص حوالي خمسين كتابا مطبوعا مؤلفة جميعا في مواضيع دينية وهذه الكتب المطبوعة محفوظة حاليا بالمكتبة الوطنية في فيينا.
من هذا وذاك نعلم براءة الدين الاسلامي من التشدد الديني الذي منع وحرم استخدام المطابع في البلدان العربية لفترة قاربت الثلاثة قرون منذ اختراع الطباعة الشهير علي يد المخترع الالماني المعرف يوهان غوتنبرغ في منتصف القرن الخامس عشر. وكما هو معلوم أن أول كتاب تم طباعته في التاريخ كان (الانجيل) وذلك علي يد غوتنبرغ فكذلك للأسف الشديد كان أو كتاب مطبوع (باللغة العربية) هو كتاب ديني مسيحي. في واقع الأمر ظهرت المطبعة في ألمانيا في عام 1447م  تقريبا ثم سرعان ما انتشرت في أغلب الدول الأوروبية وفي العالم الاسلامي تم دخولها بالفعل عام 1493م إلى مدينة اسطنبول على يد بعض اليهود المشردين من إسبانيا المسيحية ثم حصل ردة الفعل المتشنجة ضد الطباعة الكتب بالحروف العربية من قبل المسلمين. وعلية بدل أن يكون أول كتاب عربي مطبوع مرتبط بالثقافة الاسلامية أصبح أو كتاب طبع بالحروف العربية هو كتاب (صلاة السواعي) والذي يعرف أيضا بكتاب (الأجبية أو كتاب صلاة الساعات) وهو كتاب الصلوات والادعية اليومية التي يتلوها المسيحيين في صلاوتهم. الجدير بالذكر أن طباعة هذا الكتاب تمت على الارجح عام 1514م في مدينة البندقية الايطالية وبتمويل مباشر من البابا يوليوس الثاني وارسلت آلاف النسخ من هذا الكتاب إلى الطوائف المسيحية في البلدان العربية. والأغرب من ذلك أنه حتى بعد التساهل في انشاء المطابع في العالم العربي كان أول كتاب عربي طبع في داخل الدول العربية هو كتاب ديني مسيحي. وبحكم أن تحريم الطباعة في الدولة العثمانية كان محصورا فقط على رعايا السلطان من المسلمين إلا أن ذلك الفرمان السلطاني خول الاقليات الدينية المسيحية واليهودية أن يكون لهم مطابعهم الخاصة ومن مجمل هذه الظروف العجيبة أصبح اول كتاب مطبوع باللغة العربية هو كتاب (سفر المزامير) والذي طبع عام 1610م في المطبعة المارونية في لبنان على يد رهبان دير مار أنطونيوس.
تشير بعض المصادر التاريخية إلى أنه قبل ظهور أول كتاب عربي مطبوع باللغة العربية في البلاد العربية كانت المطابع في المدن الاوروبية الكبرى قد نشرت حوالي 167 كتاب باللغة العربية غالبيتها العظمى كانت لخدمة الدين المسيحي بل حتى الطبعة الأولى للقران الكريم في عام 1516م في مدينة البندقية أو طباعة كتب قواعد اللغة العربية كانت لأهداف تنصيرية بالدرجة الاولى ولفهم كيفية الرد على الدين الاسلامي. مع نهايات القرن السادس عشر أخذت بعض الجهات المعرفية في الدول الغربية في نشر الكتب المطبوعة باللغة العربية في المعارف الثقافية المختلفة غير تلك المرتبطة بخدمة العقيدة المسيحية ومن ذلك مثلا إعادة أحياء نشر الكتب العربية الكلاسيكية في الطب والجغرافيا والأدب والفلسفة.

وفي الختام كنت قد نشرت نهاية الصيف الماضي مقال بعنوان (المكتبات .. وجهة سياحية منسية) أشرت فيه إلى أن من عناصر الجذب والتشجيع على زيارة المكتبات أن يرغب الشخص في مشاهدة أوائل النسخ التاريخية من كتب مشهورة ومؤثرة في التاريخ البشري. فمثلا قد تزور مكتبة الكونجرس الامريكي في واشنطن أو المكتبة البريطانية بلندن لا لغرض إلا لمشاهدة أول نسخة مطبوعة من الانجيل (نسخة إنجيل غوتنبرغ) بينما وجهتك السياحية قد تكون لمكتبة القديس مارك في مدينة البندقية لمشاهدة المخطوط الاثري لأحد أهم الاعمال الادبية في جميع العصور إلا وهو كتاب الملحمة الشعرية الاغريقية (الإلياذة) التي تحكي قصة حروب طروادة.  وعلى نفس النسق في العالم العربي إذا رغبت في مشاهدة أقدم كتاب عربي مطبوع فيجب ان تكون وجهتك الثقافية إلى الصرح الثقافي الرائع مكتبة عبدالعزيز البابطين بمدينة الكويت والتي تحوي النسخة الاصلية من الكتاب الجغرافي الهام (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) للإدريسي وقد طبع هذا الكتاب في مطبعة مديتشي بمدينة روما عام 1592 ميلادي. أما في مجال الكتب العلمية العربية ذات الأهمية الحضارية الكبرى فيمكن أن تشاهد في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بمدينة دبي كتاب القانون في الطب للأبن سينا والمطبوع في مدينة روما عام 1593 ميلادي. بقي أن نقول أن من غرائب المصادفات أنك لو رغبت في مشاهدة أول نسخة (مطبوعة) من القرآن الكريم فلن تجدها في مكتبة الازهر بالقاهرة ولا المكتبة الظاهرية بدمشق ولا المكتبة السليمانية بإسطنبول ولكن في مكتبة ديرالفرنسيسكان بمدينة البندقية الايطالية.

الثلاثاء، 17 أكتوبر 2017

( جديد العولمة الثقافية .. أعمال أدبية متعددة الجنسيات )

الروائي ايشيجورو الحاصل على جائزة نوبل في الادب .. هل هو أديب ياباني أم بريطاني

د/ أحمد بن حامد الغامدي

منح جائزة نوبل للأدب ٢٠١٧ للروائي الياباني الاصل الانجليزي الجنسية كازوا ايشيجورو هذا الأسبوع هل يمثل (عقدة درامية ) محبوكة. وهل يعتبر هذا انجاز أدبي للأمة اليابانية التي ربما لا يتكلم الروائي كازوا ايشيجورو لغتها القومية لأنه انتقل مع اسرته الى بريطانيا وهو في عمر الخمس سنوات وعاش طوال حياته فيها وربما لم يزور اليابان الا كسائح.
اللخبطة الادبية علي الجانب الانجليزية من الرواية قد لا تقل تعقيدا فهل هذا البلد الذي اشتهر بعمالقة الادب الانجليزي مثل شكسبير وديكنيز وجين أوستن وجون ميلتون وفرجينيا  وولف وجورج إليوت وبرنارد شو (والقائمة تطول وتطول) اصبح عاقر من ان تلد نسائه ادباء كبار من أصول انجليزية بحتة.

مأساة الادب الانجليزي المعاصر تكمن في أن  أشهر الادباء ( الانجليز ) حاليا هم من أصول مهاجرة فمثلا آخر شخصية أدبية بريطانية حصلت علي جائزة نوبل كانت الروائية دوريس ليسينغ ( الحاصلة علي نوبل في الادب عام ٢٠٠7 ) هي مولودة أصلا  في إيران ونشأت وتعلمت في زيمبابوي. وقبلها الروائي البريطاني فيديادر نيبول الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 2001 لم تطأ قدمه الجزر البريطانية إلا وهو في عمر الثامنة عشر حيث هو مهاجر من اصول هندوسية ولد في جمهورية ترينيداد التي تقع جنوب فينزويلا فهو بذلك أديب من أصول هندية عاش في أمريكا الجنوبية ثم هاجر إلى بريطانيا. والجدير بالذكر أن  أكثر شخصية أدبية ذات جنسية انجليزية يتم ترشيحها كل سنة لجائزة نوبل في الادب هو سيء الذكر الاديب المرتد سلمان رشدي ذي الاصول الهندية.

الغريب في الأمر أن (استعارة) الأدب الانجليزي للروائيين والكتاب من الشعوب الأخرى ومنحهم الجنسية البريطانية لم تقتصر على شعوب العالم الثالث ولكن حتى مواطني الدول الروبية الأخرى. أوضح مثال في هذا الشأن الروائي والكاتب المسرحي الأنجليزي الجنسية إلياس كينتي هو في الواقع من أصول إسبانية ولكنه ولد في بلغاريا ثم هاجرت اسرته وهو طفل صغير إلى مدينة مانشيستر البريطانية والأغرب من ذلك أن أعماله الادبية التي نال عليها جائزة نوبل في الادب عام 1981 كانت مؤلفة باللغة الالمانية لأنه عاش فترة من الزمن في مدينة فرانكفورت الالمانية وحصل بها على شهادة الدكتوراه في مجال علم الكيمياء من جامعة نمساوية. وقبل مغادرة غرائب الكاتب (الانجليزي الالماني البلغاري الاسباني الأصل) إلياس كينتي لعل من الملائم الاشارة إلى الحادثة الطريفة التي حصلت اثناء حفل تسليم جوائز نوبل. في عام 1981 أثناء حفل توزيع جوائز نوبل حيث التقى الأديب إلياس كينتي السابق الذكر (بالرغم من أنه حاصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء لكنه هجر علم الكيمياء تماما إلى مجال الأدب) مع الكيميائي الأمريكي روالد هوفمان أستاذ الكيمياء بجامعة كورنيل والحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء في تلك السنة. بقي أن نعرف أنه بعد هذا اللقاء بينهما بفترة من الزمن تولدت الموهبة الادبية للكيميائي هوفمان لدرجة أنه أنتج خمسة دواوين شعرية بالإضافة لتأليفه لعدد من الأعمال المسرحية وكما هجر كينتي العلم إلى الأدب يظهر أن هوفمان قد اصابته هذه العدوى الثقافية.
وبالعودة إلى موضوع (اختلاط الانساب) في الادب الانجليزي وهجرت الادباء الاوروبيين إلى الجزر البريطانية نشير كذلك إلى أن إحدى أهم الشخصيات الادبية النسائية البريطانية وهي الروائية سايبل بيدفورد الحاصلة على جائزة البوكر العريقة في الادب الانجليزي كانت من أصول ألمانية حيث ولدت بالقرب من مدينة برلين ولم تنتقل إلى بريطانيا لتستقر فيها بشكل نهائي بعد إلا وهي في سن السبعين بعد أن قضت عمرها في التنقل بين فرنسا وايطاليا وامريكا. وعلى نفس النسق نجد الروائية البريطانية الجنسية البولندية الاصل روث براوير والحاصلة على جائزة البوكر في الأدب الانجليزي كانت هي الاخرى من مواليد ألمانيا وانتقلت مع أسرتها إلى بريطانيا في سن المراهقة أثناء سنوات الحرب العالمية الثانية مع عشرات الالف من الاسر اليهودية الهاربة من جحيم النازية.

في واقع الأمر أن مشكلة الادب الانجليزي مع جائزة نوبل في الادب لم تقف عند معضلة (تعدد الجنسيات واختلاط الانساب) بل وصل الامر أنه تم منح هذه الجائزة المرموقة لشخصيات بريطانية هم في واقع الحال ليسوا بأدباء او شعراء فلك ان تعلم ان جائزة نوبل في الادب تم منحها عام 1953 لرئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل ربما لبلاغة وعمق تأثير خطبه السياسية بالإضافة لرقي كتاباته التاريخية. الأغرب من ذلك أن هذه الجائزة الأدبية البحتة تم منحها لعالم الرياضيات والفيلسوف البريطاني المعروف برتراند راسل الذي لم يؤلف اي عمل ادبي او قصيدة شعرية لكن كانت كتابته الفكرية والفلسفية علي درجة عالية من الرقي اللغوي. ورطة أخرى مرتبطة بين جائزة نوبل في الأدب والفائزين بها من الجنسية الانجليزية تمثلت في الحادثة المشهورة عندما تم منح الأديب الانجليزي البارز برنارد شو جائزة نوبل في الأدب لعام 1925 وهنا حصلت الضجة العالمية لرفض برنارد شو قبول استلام الجائزة بسبب معارضته لاختراع إلفرد نوبل لمتفجرات الديناميت ويبدو أن أطراف عددية تدخلت في المضوع من ضمنهم زوجة برنارد شو وحثه على قبولها وهو ما حصل حيث استلمها في عام 1926 وربما كانت تلك ولا تزال أول مرة يعلن فوز شخص بجائزة نوبل في عام ويستلم الجائزة في عام آخر.

وختاما علي كثرة الانتقادات والمفارقات للشخصيات التي تم منحها جائزة نوبل في الادب شبه مغمورة في حين أن لجنة الجائزة ولأسباب غير مفهومة تعمدت وبشكل متكرر حجب هذه الجائزة عن أدباء عالميين من الوزن الثقيل جدا مثل الروائي الروسي تولستوي والكاتب الامريكي مارك توين والاديب الفرنسي أميل زولا. في المقابل وصلت حالة الارتجال في منح هذه الجائزة لشخصيات ضعيفة الانتاج الادبي أنه تم منحها العام الماضي لفنان الاغاني الشعبية الامريكي بوب ديلن طبعا يضاف إلى ذلك الاتهامات المتكررة للتأثيرات السياسية في اختيار الفائزين بهذه الجائزة. ومع كل هذه العشوائية في آليات عمل لجنة هذه الجائزة إلا أنه لم تتكرر (مجاملة) منح هذه الجائزة لأعراق جنسية متعددة ولهذا يقال أنه تم منح هذه الجائزة للأديب العربي نجيب محفوظ الذي بالرغم من كل عبقريته الادبية لم تتحمس لجنة الجائزة بمحه إياها إلا لأسباب سياسية محتملة وكمحاولة منهم للإضفاء نوع توازن بأن تشمل هذه الجائزة جميع القوميات الانسانية. المحزن في الأمر أن الامة العربية العريقة بتاريخها الاديب الاصيل وبتعدد سكانها الكبير لم يحصل إلا أديب واحد منها فقط على جائزة نوبل وهو نفس العدد الذي حصلت عليه جزر موريشيوس وجزر سانت لوسيا التي لا يعرف أحد موقعها على الخريطة الجغرافية لكن جائزة نوبل في الادب الممنوحة لأحد أدباءها رسخت مكانتها على الخريطة الثقافية العالمية. وكما هو معلوم عبر مئات السنين كان للغة الفارسية مكانة كبيرة في مجال الفصاحة الادبية وربما كان بعض المستشرقين يفضلونها في درجة الرقي اللغوي على اللغة العربية ومع ذلك لم يحصل أي اديب فارسي على جائزة نوبل. في حين أنه عندما تم منح هذه الجائزة لثاني شخصية مسلمة إلا وهو الروائي التركي المعروف أورهان باموق كان الدافع السياسي هو غالبا السبب الرئيس في اختياره لهذه الجائزة عام 2006 لأنه كان في تلك الفترة بالذات يتم محاكمته في تركيا بسبب تصريحاته المعادية للحكومة والشعب التركي حيال المذابح التي طالت الارمن والاكراد.


وبعد ماذا بقي من الأدب .. في زمن الحداثة والعولمة والشركات متعددة الجنسيات والرأسمالية المتوحشة فقد كل شيء جميل وأصيل قيمته حتى الأدب فقد هالته ورونقه البديع.

السبت، 7 أكتوبر 2017

(خسارة عربية مع اعلان جائزة نوبل الاخيرة في الكيمياء)

هل كان بالإمكان أن يتكرر المشهد ويحصل الدكتور أحمد زويل على جائزة نوبل ثانية

د/ أحمد بن حامد الغامدي

تم قبل عدة أيام الاعلان عن اسماء الفائزين بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 2017 وهو خبر مر مرور الكرام على أغلب وسائل الاعلام العربية. ما يهمنا كعرب في هذا الموضوع أن الجائزة لهذا العام تم منحها لعلماء وباحثين رواد في مجال (تجميد الجزيئات الحيوية بتقنية Cryo electron microscopy  ) وهذا المجال العلمي بالذات هو ما كان يشغل ذهن ووقت العالم العربي الكبير أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 .
في مناسبات صحفية عديدة وفي بعض اللقاءات التلفزيونية عندما كان الدكتور أحمد زويل يُسأل هل سوف يحصل على جائزة نوبل مرة أخرى كان يكرر أنه يعمل حاليا في مجال علمي بالغ التقدم وعلى درجة عالية من الاهمية في علوم الطب والعقاقير الصيدلانية وهو ما كان يسميه تقنية (التصوير الميكروسكوبي الالكتروني رباعي الابعاد ) ولهذا كان الدكتور زويل يتوقع بكل ثقة حصوله على جائزة ثانية من جوائز نوبل. ودلالة على الريادة العلمية للدكتور زويل في هذا المجال البحثي فقد قد ألف كتاب علمي ذائع الانتشار أسمه (4D electron microscopy) والذي تم نشره عام 2009ميلادي.
في الوقت الحالي يعتبر مؤتمر الجمعية الاوروبية للعلوم الكيميائية والجزيئية EuChemMS أهم مؤتمر وتجمع علمي في مجال علوم الكيمياء وتخطىت أهميته  بمراحل أهمية مؤتمر الاتحاد الدولي للكيمياء العامة والبحتة (IUPAC Congress) وقد تم عقد  أول مؤتمر لـ EuChemMS في عام 2006 في مدينة بودابست الهنغارية. وبالرغم من حرصي في حينها لحضور هذا المؤتمر المميز إلا أن تأخر اصدار تأشيرة الدخول من السفارة الهنغارية في الرياض حرمني من مشاهدة الدكتور أحمد زويل وهو يحاضر في هذا المؤتمر. لقد تم الاعلان مسبقا بأن هذا المؤتمر سوف يشارك فيه ستة علماء ممن حصلوا على جائزة نوبل في الكيمياء وكدلالة على المكانة العلمية للدكتور أحمد زويل كانت المحاضرة الافتتاحية الأولى لهذا المؤتمر المميز من نصيب الدكتور أحمد زويل حيث كان عنوانها: تقنية الميكروسكوب الالكتروني رباعية الابعاد .. التصوير بالمكان والزمان (4d electron microscopy: imaging in space and time).
لا شك أن قيام الدكتور أحمد زويل بإلقاء محاضرة افتتاحية أمام عدد كبير من أشهر وأبرز علماء الكيمياء واختياره لموضوع المحاضرة عن تقنية التصوير الميمروسكوبي الالكتروني الرباعية الابعاد دلالة حاسمة لريادته في هذا المجال العلمي الذي تم منح جائزة نوبل للكيمياء لعام 2017 في هذا الحقل العلمي المتقدم.
والعلم عند الله هل لو كان الدكتور أحمد زويل ما زال حيا بيننا اليوم هل كان سوف يتم اشراكه مع الفائزين بهذه الجائزة أم لا ولكن ما يجدر التنبيه له أن الدكتور أحمد زويل في مناسبات عديدة كان يعبر بأسلوب الواثق من مكانته العلمية أن جائزة نوبل ثانية في طريقها إليه.
من غرائب الصدف أن الدكتور أحمد زويل توفي قبل سنه واحدة وبذا (ربما) حرم من جائزة نوبل ثانية في الكيمياء وكذلك في الايام الماضية أثير نقاش في المجتمع العلمي عن تكرر مأساة مشابه حيث توفي عالم الفيزياء السويدي دريفر مات قبل عدة شهور فقط من منح جائزة نوبل للفيزياء لهذا العام لثلاثة علماء أمريكان حصلوا عليها في مجال (أثبات وجود موجات الجاذبية) ولهذا أثير النقاش هل لو كان الدكتور دريفر مات ما زال علي قيد الحياة هل كان سوف يشاركهم في الجائزة أم لا.
رحم الله الدكتور أحمد زويل وغفر له ذنبه وتجاوز عنه فلو كان على قيد الحياة بيننا لربما أدخل شيء من البهجة للشعوب العربية وخصوصا للشعب المصري الشقيق.



الاثنين، 28 أغسطس 2017

( المكتبات .. وجهه سياحية منسية )

سياح في بهو مكتبة الكونجرس مشغولون بالتصوير .. من ثقافة الكتاب إلى ثقافة الصورة

د/ أحمد بن حامد الغامدي

قبل عدة سنوات قام زميل فاضل بزيارة عدة دول عربية لتجميع مادة علمية لأطروحة رسالته في الماجستير ولذا قام بالتردد على عدد من المكاتبات العامة والتجارية وعندما تقابل مع أحد الشباب السعودي وتجاذب معه أطراف الحديث ذكر له الزميل العزيز أنه هنا لزيارة المكتبات فما كان من الشاب الظريف إلا أن رد من فوره (مكتبات  هاه .. علينا هالحركات). للأسف الشديد مفهوم السياحة والسفر الهادف غائب عن الوعي الجمعي في مجتمعنا ولو حصل فنجده في أحسن أحواله يقتصر على المعالم الأثرية والمنتجعات الطبيعية وربما شيء من المتاحف المشهورة أما زيارة المكتبات العامة ودور النشر التجارية فهو ترف يزهد فيه السواد الأعظم من السياح العرب. 

ربما يتناقض مع هذا أن معرض القاهرة الدولي للكتاب كان ولا يزال أحد أهم المعارض الدولية الثقافية ويشهد حضور كثيف من الزوار العرب ولكن متعة شراء وتملك الكتاب تختلف في حدة الدرجة عن متعة مجرد مشاهدة أرفف الكتب التقليدية. بالجملة توجد عدة شواهد حضارية في تاريخنا العريق لبعض الاهتمام من قبل الرحالة ورجال السفر بالوقوف على الأطلال المعرفية بزيارة المنارات المكتبية وتوثيق ذلك وذكره حيث يرد مثلا في كتاب رحلات ابن بطوطة أن بمدينة النجف بالعراق (مكتبة عامرة) في حين يصف مكتبة مدينة دمشق بأنها (مكتبة غنية بالمجلدات والكتب النفيسة) وأما جامع صنعاء فيذكر عنه أن (له مكتبة تضم أمهات الكتب). المحزن حقا أن ابن بطوطة ليس فقط لم يشر في رحلاته لمكتبات بغداد الأسطورية بسبب دمارها على يد المغول ولكنه كذلك أغفل الإشارة إلى مكتبة (دار العلم) الضخمة التي كانت توجد في مدينة طرابلس التي يقال إنها كانت تحوي ثلاثة ملايين كتاب ومخطوط لأنه عندما زار طرابلس في منتصف القرن الثامن الهجري كان قد مر على زوال تلك المكتبة العظيمة زمن طويل منذ أن أصابها الخراب بعد احتلال الصليبيين لمدينة طرابلس. وعلى نفس النسق نجد أن الرحالة المعروف ابن جبير الاندلسي كان قد زار العراق بعد سنوات قليلة من سقوط بغداد على يد التتار ولهذا نجده في كتابه (رحلة ابن جبير) لم يكن لمكتبات بغداد الرائعة (وبالخصوص مكتبة بيت الحكمة) أي نصيب من الذكر في هذا الكتاب إلا إشارة عابرة عن مكتبة المدرسة النظامية في بغداد حيث كانت من المعالم الحضارية العباسية النادرة التي نجت من الدمار.

عبر العصور كان للمكتبات دور رئيس في التقدم الانساني ومع ذلك لم ينعكس أثرها الحضاري بدرجة مقبولة في كتابات الرحالة وأهل الاسفار فهذا أبو التاريخ الرحالة والمؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت أهم من زار ووصف مصر القديمة يكتفى فقط بوصف مخطوطات ورق البردي في معابد مدينة ممفيس الفرعونية ولا ملام عليه أنه لم يذكر مكتبة الاسكندرية لأنها لم يتم بنائها إلا بعد وفاته بأكثر من قرن من الزمن. الغريب في الامر أنه بالرغم من الشهرة الطاغية لمكتبة الاسكندرية والتي يصفها البعض بأنها أهم مكتبة في التاريخ إلا أنها فشلت لسبب أو آخر في جذب اهتمام الرحالة والمؤرخين القدامى فالمؤرخ اليوناني سترابو في القرن الاول قبل الميلاد وصف مدينة الاسكندرية بالتفصيل لكنه ولأمر مبهم أغفل ذكر مكتبتها الفريدة في حين أن المؤرخ والجغرافي الروماني المعروف بليني الأكبر وهو من نقل لنا وصف صناعة ورق البردي الفرعونية لكنه مع ذلك شبه أغفل ذكر مكتبة الاسكندرية وأهتم أكثر في كتابة (التاريخ الطبيعي) بذكر أخبار ثاني أهم مكتبة في التاريخ القديم وهي مكتبة برغام في منطقة الاناضول بآسيا الصغرى.

صحيح أن الرحالة الاإطالي ماركو بولو ربما يكون أشهر سائح في التاريخ والغريب في الأمر أن العديد من المؤرخين والباحثين في العصر الحديث يشككون في أنه قد سافر بالفعل للصين بدليل أنه وقع في أخطاء جغرافية كثيرة وكما أنه أغفل ذكر أمورا بالغة الأهمية عن الصين مثل وجود سور الصين العظيم أو عادة الصينيين في شرب الشاي. من وجهة نظري الشخصية لتدعيم احتمالية عدم سفر ماركو بولو الحقيقي للصين يمكن أن نضيف أنه لم يذكر في كتابه فن صناعة الورق الذي اشتهرت به الصين (فضلا عن أن يشير لاختراع الطباعة بالقوالب الخشبية المتحركة) وكذلك لم يوثق لذكر مشاهدته لأي مكتبة في العدد الغفير من المدن التي زارها في الصين وغيرها ولا أقل مثلا من أن يذكر المكتبة الإمبراطورية الضخمة في العاصمة القديمة خانجو بحكم أنه زعم العمل في البلاط الإمبراطوري الصيني.

مقومات الجذب السياحي للمكتبات

مما سبق يبدو فعلا أن (المكتبات وجهة سياحية منسية) في كتب الرحلات القديمة ومع ذلك وفي عصرنا الحالي لا يجدر بمن اعتاد السياحة والسفر أن يُسقط من قائمة برنامجه السياحي زيارة المكتبات العامة المشهورة والمكتبات الأثرية التاريخية أو الاطلاع على ما يتم تسويقه في المكتبات التجارية ودور النشر. توجد أمثلة متعددة للكثير من المكتبات العامة التي هي أيقونة تاريخية أو معلم حضاري وعمراني بارز ينبغي على كل سائح مثقف أن يقف بنفسه ويشاهد هذه المعالم الإنسانية المعرفية الخالدة. وبحكم أن دوافع وأذواق البشر مختلفة في جذبهم إلى المعالم والوجهات السياحية المختلفة ولهذا من حسن الطالع أن للعديد من هذه المكتبات عوامل جذب متنوعة ترضي جميع الاذواق والاتجاهات السياحية والثقافية.

على سبيل المثال بعض المكتبات ربما يكون المحفز لك لزيارتها هو بعض الاعتبارات والابعاد السياسية المرتبطة بها فالزائر مثلا للمكتبة البريطانية قد تتاح له الفرصة الاطلاع على وثائق سياسية وتاريخية حساسة من مراسلات وزارة الخارجية البريطانية عن الدول العربية (قبل فترة أعلنت المكتبة البريطانية أنها سوف تنشر عبر الانترنت نصف مليون وثيقة عن المنطقة العربية). زيارة مبنى الكونجرس الامريكي هو خيار سياحي مفضل لألاف من السياح يوميا والمئات منهم يفضلون بعد ذلك زيارة مبنى مكتبة الكونجرس المشهورة (أكبر مكتبة في العالم على الاطلاق) والسبب في ذلك وجود نفق تحت الارض يربط بين مبنى البرلمان الامريكي وتلك المكتبة وبالتالي أصبح من طقوس زيارة المعالم السياسية الكبرى في العاصمة واشنطن زيارة مكتبتها العريقة. وعلى نفس النسق أتصور أن أي زائر مثقف للعاصمة الكندية مدينة أوتاوا غالبا سوف يدفعه الفضول لزيارة مكتبة البرلمان الكندي خصوصا عندما يعلم أن صورة هذه المكتبة مطبوعة على العملة النقدية لورقة العشر دولارات فلو لم تكن هذه المكتبة المثيرة للجدل (أحترق جزء منها في ظروف غامضة !!) مهمة في تاريخ كندا السياسي لما تم تقديرها بوضع صورتها على ورقية نقدية واسعة التداول.

بعض السياح قد يجذبهم لزيارة المكتبات عراقتها التاريخية والحضارية اكثر من خلفية أبعادها السياسية ففي عالمنا العربي بعد اندثار مكتبة بيت الحكمة في بغداد ومكتبة دار الحكمة في القاهرة الفاطمية ومكتبات قرطبة لم يبق لنا من التاريخ المجيد في هذا المجال إلا زيارة المكتبة الظاهرية في دمشق (هي مكتبة حديثة نسبيا لكنها تقع في مبنى أثري عريق هو المدرسة الظاهرية التي بنيت زمن الظاهر بيبرس وفيها قبره) ومكتبة الأزهر ومكتبة الحرم المكي الشريف. للأسف الشديد أقدم مكتبة عربية ما زالت قائمة حتى الآن (دار الكتب الظاهرية) عمرها أقل من قرن ونصف في حين أن تاريخ المكتبات الاوروبية أقدم من ذلك بكثير وإذا أغفلنا ذكر مكتبات أديرة الكنائس المسيحية الغارقة في القدم والتي لم تندثر بعد نجد أن مكتبة مدينة فلورنسا الايطالية (مكتبة ميديتشي العامة) أنشأت قبل خمسة قرون تقريبا وبعدها بقليل دشنت مكتبة القديس مارك بمدينة البندقية (مكتبة مارسيانا) في حين أن مكتبة البابوات في روما (مكتبة الفاتيكان) والتي تأسست رسميا في عام 1475م هي بلا شك من أقدم المكتبات الموجودة اليوم. إن العراقة والاقدمية التاريخية لأي مكتبة هي عامل جذب حاسم في التحفيز لزيارتها ومن ذلك أن البعض قد يرغب في زيارة مكتبة جامعة هارفرد لا لشي إلا لأنها أقدم مكتبة (جامعية) في التاريخ حيث افتتحت عام 1676م في حين لو حصل وأن وفقت لزيارة مدينة لشبونة عاصمة البرتغال فلا تتردد أن تزور مكتبة بيرتراند لأنها بكل بساطة هي أقدم مكتبة تجارية bookstore ما زالت تمارس عملها التجاري والثقافي منذ 285 سنة !!.

وبالرغم من أن لعبق التاريخ رونقه وألقه ولكنه في أحيان كثيرة ليس بحد ذاته عامل جذب حاسم لزيارة المعالم السياحية ولنعترف أن العديد من السياح يجذبهم (الجمال والأناقة) سواء في المناظر الطبيعية أو الآثار العمرانية البشرية. إن الجمال وروعة وفخامة التصميم البنائي لقصر أو حديقة أو حتى دار عبادة هي ما تجذب السياح بشكل كثيف ومن هذا المنطلق نجد أن كم غفير من المكتبات العامة تستحق الزيارة السياحية لروعة تصميمها المعماري وزخرفتها ورياشها الداخلية والخارجية. وبالعودة لمكتبة ميدتشي في مدينة فلورنسا (المكتبة اللورنسية) نجد أنها تستقطب جم غفير من السواح ليس فقط لقيمتها الثقافية ولكن الأهم من ذلك لأصالتها الجمالية حيث إنها من تصميم عملاق عصر النهضة الايطالي النحات والمهندس المعماري البارز مايكل أنجلو. خلال القرون الماضية تم الاعتناء بشكل كبير لأسباب دينية وسياسية بالمكتبات التي تتبع الأديرة والكنائس ومن ثم في العصر الحديث أصبحت هذه المكتبات مزارا للسياح والباحثين وطلاب علوم العمارة الذين يرغبون في معرفة فنون واساليب العمارة الاوروبية القديمة (فن عمارة العصر القوطي والباروك والركوكو).

إن زخرفة ورونق مكتبة دير القديس غال في سويسرا تضاهي أجمل القصور الامبراطورية الاوروبية في حين نجد أن مبنى المكتبة الوطنية النمساوية هو بالفعل جزء من قصر هوفبورغ مقر الاسرة الملكية الحاكمة في مدينة فيينا وبذلك كانت هذه المكتبة (مكتبة البلاط) للإمبراطورية النمساوية ولهذا لا تسأل عن جمال وروعة بهو هذه المكتبة وكأنها ديوان العرش الملكي. قاعة مكتبة أخرى تأسر الالباب وتخطف الابصار ليس لزخرفتها ولكن لهيبة فضائها الداخلي وتلك هي مكتبة كلية ترنيتي في مدينة دبلن الايرلندية وهي حاليا واحدة من أكثر مناطق الجذب السياحي في ايرلندا. أبرز ما يميز هذه المكتبة هي قاعة الكتب المهيبة المشتهرة باسم الغرفة الطويلة والتي تتسع لأكثر من 200 ألف كتاب وبجمال خشب هذه المكتبة الغامق اللون ربما تكون من أكثر المكتبات جمالا ولهذا من وجهة نظري أنها أحق باللقب الفخيم (كاتدرائية الكتب) من مكتبة جونز هوبكنز الأمريكية.

بحكم أن نمط العمارة المعاصرة أختلف بشكل حاد في العقود الزمنية الأخيرة وهو ما يمكن ملاحظته مثلا في ثورية تصاميم المطارات أو ناطحات السحاب لذا ليس من المستغرب أن يصيب هذا الفيروس (الحميد ربما !!) طريقة بناء وتصميم المكتبات الحديثة. إن روعة التصاميم المعمارية للمكتبات الجديدة في عدد من المدن ليس فقط أصبحت تلفت وتخطف الابصار eye catching بل أصبحت هذه المكتبات الحديثة معالم حضارية بارزة landmark تدل وترتبط باسم تلك المدن كما يرتبط تمثال الحرية بمدينة نيويورك وبرج ايفل بباريس. ولهذا لا غرابة أن المبنى الجديد للمكتبة المركزية في مدينة سياتل الامريكية زرها في عامها الاول عند افتتاحها سنة 2004م أكثر من مليوني زائر وسائح وهو رقم ضخم يصعب على أشهر معلم سياحي في مدينة سياتل تحقيقه وهو برج الطبق الفضائي المعروف باسم (ابرة الفضاء). ومن الأمثلة الاضافية للمكتبات العامة التي تم بناؤها في السنوات الاخيرة بطراز عمراني فاتن ومذهل مكتبة الاسكندرية ومكتبة مدينة سدني الاسترالية ومكتبة مدينة برمنجهام البريطانية ومكتبة مدينة كانازوا اليابانية

في حين نجد مكتبات حديثة أخرى تمتاز وبشكل ساحر وحابس للأنفاس بروعة تصميم بهوها الداخلي أو قاعات القراءة فيها وأبرز مثال في هذا المجال البهو المذهل لمكتبة مدينة شتوتغارت الألمانية أو بهو هيكل الحوت العجيب لمكتبة مدينة ميكسيكو أما مكتبة جامعة برلين الحرة فهي مصممة على هيئة العقل البشر (وبعضهم يصفها بمكتبة الجمجمة). وأخيرا البعض منا قد يكون أحد أهم جوانب التحفيز له للسياحة والسفر هو تعلقه بالتسوق والتسكع في الشوارع التجارية العلمية المشهورة مثل الشانزليزيه في باريس أو شارع أكسفورد في لندن

من حسن الطالع أن أهم شارع للتسويق في مدينة نيويورك وهو شارع الجادة الخامسة fifth avenue تقع بشكل مباشر عليه واحدة من أشهر المكتبات العالمية وهي مكتبة نيويورك المركزية وبهذا يمكن التوفيق في مشوار سياحي واحد بين الثقافة والتسوق. على نفس النسق نجد أن المكتبة العامة الرائعة لمدينة تورنتو الكندية تقع على مقربة من شارع يونغ أهم وأفخم شارع تجاري في كندا.  ومن نافلة القول التذكير بأن مكتبة الملك فهد الوطنية هي محصورة بين أهم شارعين تجاريين في المملكة هما طريق الملك فهد وشارع العليا. وعلى ذكر ارتباط التسوق التجاري بالتسوق الفكري قد تكون المكتبة المركزية لمدينة فانكوفر الكندية أكثر المكتبات مزجا بين التسوق والثقافة ليس فقط لأن مبناها الحديث يقع في قلب المنطقة المالية في وسط المدينة ولكن لأنها ربما المكتبة الوحيدة التي تحتوي داخل مبناها الضخم (المصمم على هيئة حلبة المصارعة الرومانية) على بعض المحلات التجارية بالإضافة لبعض المطاعم والمقاهي وبهذا يجتمع ثالوث غذاء العقول والبطون والجيوب (للتجار طبعا أصحاب المحلات).

 تجربة شخصية في السياحة المكتبية

في بدايات دراستي للغة الانجليزية في مدينة مانشستر الانجليزية عام 1995م كنت اعتقد بأنني سوف اتردد كثيرا على مكتبتها المركزية العريقة والمصممة على هيئة مبنى البانثيون الروماني الانيق ذو الشكل الكروي لكن اقتصار توزيع الكتب على الجدار الداخلي الدائري اصابني بالإرباك لأنني معتاد على تصفح ومطالعة الكتب في جو من الاستقلالية بين الصفوف المتوازية لدواليب وأرفف الكتب. كما إني المستوى اللغوي للكتب التاريخية والعلمية التي نالت إعجابي كان أعلى من قدراتي اللغوية في ذلك الحين ولذا لم أزر اتردد كثيرا على تلك المكتبة. وقرب الانتهاء من إكمال دراسة الدكتوراه صممت على زيارة المقر الجديد شمال لندن للمكتبة البريطانية الذي افتتح قبل نهاية التسعينيات وكان حديث وسائل الاعلام الانجليزية لفترة من الزمن. الساحة الخارجية لهذه المكتبة الحديثة توحي بالحداثة وما بعد الحداثة ولكني أصبت بإرباك آخر بعد الولوج لداخل المكتبة (الحديثة) فمن بين الأربعة عشر مليون كتاب التي تحتويها المكتبة (هي ثاني اكبر مكتبة في العالم بعد مكتبة الكونجرس الامريكية) تم اختيار مجموعة الكتب العتيقة المسماة (مكتبة الملك جورج) لتكون في واجهة الشخص الداخل لبهو المكتبة. وعندما تقع عينك على البرج الزجاجي الشاهق الذي وضعت في هذه الكتب العتيقة الضخمة والبالية تشعر بأنك عدت لزمن العصور الوسطى وهو ما أربكني لأنني كنت متحمس لتصفح الكتب الحديثة والعلمية منها بوجه خاص. كما أن الجو الانجليزي الرصين والمترفع في قاعة القراءة يشعرك ان هذا مكان محترم وجاد لا يرحب بالهواة فضلا عن السواح حيث إنني كنت بصحبة زوجتي وأطفالي في تلك الزيارة !!.

تم إعادة إحياء وافتتاح مكتبة الإسكندرية العريقة في عام 2002 ومن سوء حظي أنني زرتها في نفس ذلك العام وبعد الانبهار من الموقع الاستراتيجي لهذه المكتبة على كورنيش الساحل ومع روعة تصميم المكتبة على هيئة قرص الشمس الوالج في البحر إذا بي أدخل على مكتبة ذات أرفف ودواليب كتب شبه فارغة. يبدو أن الجهود والأموال كانت مسخرة في البداية لإكمال إنشاء مبنى المكتبة أما الكتب نفسها فسياسة اقتنائها في البداية ربما كانت قائمة على أسلوب الإهداء من المجتمع الدولي ولهذا ربما احتاج تكامل هذه الكتب لعدة سنوات بعد الافتتاح. وفي مقابل أنني لم أوفق كثيرا في زيارة مكتبة الإسكندرية في بدايات افتتاحها فإنني وفقت كثيرا في عدم التأخر في زيارة المكتبة الظاهرية في دمشق وهي أقدم مكتبة عربية في وقتنا المعاصر. سبب التوفيق أنني زرت المكتبة في موقعها الأصلي في المدرسة الظاهرية قرب سوق الحميدية والجامع الأموي وذلك قبل نقل أغلب مخطوطاتها إلى مكتبة الأسد الوطنية قرب ساحة الأمويين. لقد دخلت المكتبة الظاهرية كسائح ولكني كنت في لحظتها متقمص شخصية الشيخ ناصر الدين الألباني رحمة الله الذي أفنى شبابه في تحقيق مخطوطات هذه المكتبة ولهذا قمت بتجميع بعض كتب الحديث وجلست على طاولة القراءة وأنا أستحضر شخصية هذا المحدث الجليل الذي نهل العلم قبل أن تنقل هذه المخطوطات إلى مكان جديد يحمل اسم شخص بغيض ومجرم (مكتبة الأسد).

في آخر زيارة لي لمدينة باريس مع بعض الفضلاء كنت قد صممت على زيارة المكتبة الفرنسية الوطنية لعراقتها التاريخية من جهة ولتميز تصميم مبناها الجديد من جهة أخرى حيث صممت على هيئة أربعة كتب مفتوحة ومتقابلة (البعض يصف التصميم بالطاولة المقلوبة). وبحكم أننا أقمنا في فندق في الحي اللاتيني بباريس أخذت أتردد على بعض المكتبات التجارية المنتشرة فيه ووجدت الغالبية العظمى منها لا تحتوي إلا الكتب الفرنسية فقط (على عادة الفرنسيين للتعصب للغتهم القومية). ولهذا خشيت أن تكون زيارتي للمكتبة الفرنسية الوطنية غير مفيدة إذا لم أجد إلا الكتب الفرنسية ولهذا عُدّل جدول الزيارات للمرور على جامعة السوربون ومقر منظمة اليونيسكو.

أما هذا الصيف فهو يعتبر بالنسبة لي قمة سياحة المكتبات حيث زرت فيه مكتبة الكونجرس الأمريكية بواشنطن وهي أكبر مكتبة في العالم على الإطلاق في حيث تحتوي على أكثر من 38 مليون كتاب تم تجميعها من جميع أنحاء العالم وبشتى اللغات وهي محفوظة في ثلاثة مبان ضخمة بالقرب من مبنى البرلمان الأمريكي

عدد كبير ممن يدخل المكتبة عبر مبناها الرئيس (المسمى على الرئيس توماس جيفرسون ثالث رؤساء أمريكا) هم من السياح ولذلك تجد قاعة بهو المكتبة حاشدة بشكل كثيف بأشخاص مشغولون بالتصوير. للأسف الشديد الكتب المتاحة للعامة في مكتبة الكونجرس محدودة جدا ولابد أن تحصل على عضوية المكتبة (وهي عضوية مجانية تمنح للباحثين والمتخصصين) لكي يسمح لك بالدخول لقاعة القراءة الرئيسية المهيبة. في المقابل وجدت أن الأمر يختلف قليلا مع المكتبة المركزية لمدينة نيويورك فالوصول للكتب فيها أسهل وإن كان عدد السياح فيها أقل نسبيا بالرغم من الشهرة الطاغية لهذه المكتبة وورودها في العديد من الأفلام الوثائقية وأفلام هوليوود السينمائية حيث من أشهرها ذلك المشهد المميز في فلم (يوم ما بعد الغد) عندما تصاب الأرض بموجة جليدية عامة ويلجأ بعض سكان مانهاتن للاحتماء بهذه المكتبة وحرق كتبها طلبا للتدفئة.

أما تجربتي مع المكتبة العامة لمدينة تورينتو الكندية فهي تجربة فريدة بكل المقاييس ليس فقط لروعة بهو هذه المكتبة ولكن لكونها مثال نموذجي لمفهوم (المكتبة الشاملة) التي هي نقطة ارتكاز ومحور توزيع hub للأنشطة الثقافية والمعرفية في المجتمع، ففيها في نفس اللحظة روضة ومجموعة قراءة للطفال وورشة عمل للمراهقين ودورة تدريبية للبالغين ويشغل مسرحها الرئيس ندوة علمية بالإضافة لوجود مكتبة تجارية ومقاهي وأماكن استرخاء ونوافير.

صحيح أن الزائر للمكتبات العامة يقصد في الغالب القراءة والاطلاع ولكن الاستثناء الذي حصل معي من زيارة المكتبات وقع في المكتبة الوطنية النمساوية في قلب فيينا، فهذه المكتبة في الأصل جزء من قصر الحكم للإمبراطورية النمساوية القديمة ولهذا كانت تلك المكتبة أجمل مكتبة على الإطلاق زرتها في حياتي فهي في قمة البذخ ورونق الجمال. ولكن مشكلة تلك المكتبة الإمبراطورية أن الكتب العتيقة التي فيها هي مجرد ديكور ولا يسمح لمسها أو تناولها ولهذا ليس للزائر إلا أن يتصور مع رفوف المكتبة المذهلة دون القراءة الحقيقة لنفائسها الورقية. من الناحية الثقافية والقراءة الحقيقة لم استفد كذلك من زيارة المكتبة المركزية الضخمة في عاصمة المكسيك والسبب في ذلك أن الغالبية العظمى من الكتب كانت باللغة الإسبانية ويصعب جدا البحث عن الكتب الإنجليزية المتناثرة ومع ذلك خرجت من تلك بمجموعة صور (سياحية) للذكرى مع هيكل الحوت الضخم في بهو المكتبة و حاويات الكتب من حولنا.

وفي الختام بقي أن أقول إنه لطالما سعدت بالمرور على العديد من المكتبات العامة والجامعية والتجارية كباحث أو كسائح ومطلع، ولكن لي تجربة وحيدة عملت فيها (كمرشد سياحي) في مجال المكتبات عندما تلقيت اتصال من أحد الزملاء الافاضل اثناء دراستي للدكتوراه في مدينة لفبرا البريطانية يذكر فيه أن الدكتور مانع الجهني رحمة الله أمين عام الندوة العالمية للشباب الاسلامي وعضو مجلس الشورى في حينها يرغب بزيارة المكتبات التجارية والمكتبات الخاصة بالكتب النادرة في مدينتنا ويحتاج لمن يدله عليها. ربما كنت في حينها ولا أزال مؤهل تماما لمثل هذه المهمة لأن لي خبرة طويلة مع عدد كبير من المكتبات التجارية فلله الحمد أحتفظ حاليا في مكتبتي الشخصية بكتب قمت بشرائها من حوالي من 50 دولة مختلفة.