الروائي ايشيجورو الحاصل على جائزة نوبل في الادب .. هل هو أديب ياباني أم بريطاني
د/ أحمد بن حامد الغامدي
منح جائزة نوبل للأدب ٢٠١٧ للروائي
الياباني الاصل الانجليزي الجنسية كازوا ايشيجورو هذا الأسبوع هل يمثل (عقدة
درامية ) محبوكة. وهل يعتبر هذا انجاز أدبي للأمة اليابانية التي ربما لا يتكلم
الروائي كازوا ايشيجورو لغتها القومية لأنه انتقل مع اسرته الى بريطانيا وهو في عمر
الخمس سنوات وعاش طوال حياته فيها وربما لم يزور اليابان الا كسائح.
اللخبطة الادبية علي الجانب الانجليزية من
الرواية قد لا تقل تعقيدا فهل هذا البلد الذي اشتهر بعمالقة الادب الانجليزي
مثل شكسبير وديكنيز وجين أوستن وجون ميلتون وفرجينيا وولف وجورج إليوت
وبرنارد شو (والقائمة تطول وتطول) اصبح عاقر من ان تلد نسائه ادباء كبار من أصول
انجليزية بحتة.
مأساة الادب الانجليزي المعاصر تكمن في أن
أشهر الادباء ( الانجليز ) حاليا هم من أصول مهاجرة فمثلا آخر شخصية أدبية
بريطانية حصلت علي جائزة نوبل كانت الروائية دوريس ليسينغ ( الحاصلة علي نوبل في
الادب عام ٢٠٠7 ) هي مولودة أصلا في إيران ونشأت وتعلمت في زيمبابوي. وقبلها
الروائي البريطاني فيديادر نيبول الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 2001 لم تطأ
قدمه الجزر البريطانية إلا وهو في عمر الثامنة عشر حيث هو مهاجر من اصول هندوسية
ولد في جمهورية ترينيداد التي تقع جنوب فينزويلا فهو بذلك أديب من أصول هندية عاش
في أمريكا الجنوبية ثم هاجر إلى بريطانيا. والجدير بالذكر أن أكثر شخصية أدبية ذات جنسية انجليزية يتم
ترشيحها كل سنة لجائزة نوبل في الادب هو سيء الذكر الاديب المرتد سلمان رشدي ذي
الاصول الهندية.
الغريب في الأمر
أن (استعارة) الأدب الانجليزي للروائيين والكتاب من الشعوب الأخرى ومنحهم الجنسية
البريطانية لم تقتصر على شعوب العالم الثالث ولكن حتى مواطني الدول الروبية
الأخرى. أوضح مثال في هذا الشأن الروائي والكاتب المسرحي الأنجليزي الجنسية إلياس
كينتي هو في الواقع من أصول إسبانية ولكنه ولد في بلغاريا ثم هاجرت اسرته وهو طفل
صغير إلى مدينة مانشيستر البريطانية والأغرب من ذلك أن أعماله الادبية التي نال
عليها جائزة نوبل في الادب عام 1981 كانت مؤلفة باللغة الالمانية لأنه عاش فترة من
الزمن في مدينة فرانكفورت الالمانية وحصل بها على شهادة الدكتوراه في مجال علم
الكيمياء من جامعة نمساوية. وقبل مغادرة غرائب الكاتب (الانجليزي الالماني
البلغاري الاسباني الأصل) إلياس كينتي لعل من الملائم الاشارة إلى الحادثة الطريفة
التي حصلت اثناء حفل تسليم جوائز نوبل. في عام
1981 أثناء حفل توزيع جوائز نوبل حيث التقى الأديب إلياس
كينتي السابق الذكر (بالرغم من أنه حاصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء لكنه هجر
علم الكيمياء تماما إلى مجال الأدب) مع الكيميائي
الأمريكي روالد هوفمان أستاذ الكيمياء بجامعة كورنيل والحاصل على جائزة نوبل في
الكيمياء في تلك السنة. بقي أن نعرف أنه بعد هذا اللقاء بينهما بفترة من الزمن
تولدت الموهبة الادبية للكيميائي هوفمان لدرجة أنه أنتج خمسة دواوين شعرية
بالإضافة لتأليفه لعدد من الأعمال المسرحية وكما هجر كينتي العلم إلى الأدب يظهر أن هوفمان قد اصابته هذه العدوى
الثقافية.
وبالعودة إلى
موضوع (اختلاط الانساب) في الادب الانجليزي وهجرت الادباء الاوروبيين إلى الجزر
البريطانية نشير كذلك إلى أن إحدى أهم الشخصيات الادبية النسائية البريطانية وهي
الروائية سايبل بيدفورد الحاصلة على جائزة البوكر العريقة في الادب الانجليزي كانت
من أصول ألمانية حيث ولدت بالقرب من مدينة برلين ولم تنتقل إلى بريطانيا لتستقر
فيها بشكل نهائي بعد إلا وهي في سن السبعين بعد أن قضت عمرها في التنقل بين فرنسا
وايطاليا وامريكا. وعلى نفس النسق نجد الروائية البريطانية الجنسية البولندية
الاصل روث براوير والحاصلة على جائزة البوكر في الأدب الانجليزي كانت هي الاخرى من
مواليد ألمانيا وانتقلت مع أسرتها إلى بريطانيا في سن المراهقة أثناء سنوات الحرب
العالمية الثانية مع عشرات الالف من الاسر اليهودية الهاربة من جحيم النازية.
في واقع الأمر أن مشكلة الادب الانجليزي
مع جائزة نوبل في الادب لم تقف عند معضلة (تعدد الجنسيات واختلاط الانساب) بل وصل
الامر أنه تم منح هذه الجائزة المرموقة لشخصيات بريطانية هم في واقع الحال ليسوا بأدباء
او شعراء فلك ان تعلم ان جائزة نوبل في الادب تم منحها عام 1953 لرئيس الوزراء
البريطاني ونستون تشرشل ربما لبلاغة وعمق تأثير خطبه السياسية بالإضافة لرقي
كتاباته التاريخية. الأغرب من ذلك أن هذه الجائزة الأدبية البحتة تم منحها لعالم
الرياضيات والفيلسوف البريطاني المعروف برتراند راسل الذي لم يؤلف اي عمل ادبي او
قصيدة شعرية لكن كانت كتابته الفكرية والفلسفية علي درجة عالية من الرقي اللغوي.
ورطة أخرى مرتبطة بين جائزة نوبل في الأدب والفائزين بها من الجنسية الانجليزية
تمثلت في الحادثة المشهورة عندما تم منح الأديب الانجليزي البارز برنارد شو جائزة
نوبل في الأدب لعام 1925 وهنا حصلت الضجة العالمية لرفض برنارد شو قبول استلام
الجائزة بسبب معارضته لاختراع إلفرد نوبل لمتفجرات الديناميت ويبدو أن أطراف عددية
تدخلت في المضوع من ضمنهم زوجة برنارد شو وحثه على قبولها وهو ما حصل حيث استلمها
في عام 1926 وربما كانت تلك ولا تزال أول مرة يعلن فوز شخص بجائزة نوبل في عام
ويستلم الجائزة في عام آخر.
وختاما علي كثرة الانتقادات والمفارقات
للشخصيات التي تم منحها جائزة نوبل في الادب شبه مغمورة في حين أن لجنة الجائزة
ولأسباب غير مفهومة تعمدت وبشكل متكرر حجب هذه الجائزة عن أدباء عالميين من الوزن
الثقيل جدا مثل الروائي الروسي تولستوي والكاتب الامريكي مارك توين والاديب
الفرنسي أميل زولا. في المقابل وصلت حالة الارتجال في منح هذه الجائزة لشخصيات
ضعيفة الانتاج الادبي أنه تم منحها العام الماضي لفنان الاغاني الشعبية الامريكي
بوب ديلن طبعا يضاف إلى ذلك الاتهامات المتكررة للتأثيرات السياسية في اختيار
الفائزين بهذه الجائزة. ومع كل هذه العشوائية في آليات عمل لجنة هذه الجائزة إلا
أنه لم تتكرر (مجاملة) منح هذه الجائزة لأعراق جنسية متعددة ولهذا يقال أنه تم منح
هذه الجائزة للأديب العربي نجيب محفوظ الذي بالرغم من كل عبقريته الادبية لم تتحمس
لجنة الجائزة بمحه إياها إلا لأسباب سياسية محتملة وكمحاولة منهم للإضفاء نوع
توازن بأن تشمل هذه الجائزة جميع القوميات الانسانية. المحزن في الأمر أن الامة
العربية العريقة بتاريخها الاديب الاصيل وبتعدد سكانها الكبير لم يحصل إلا أديب
واحد منها فقط على جائزة نوبل وهو نفس العدد الذي حصلت عليه جزر موريشيوس وجزر
سانت لوسيا التي لا يعرف أحد موقعها على الخريطة الجغرافية لكن جائزة نوبل في
الادب الممنوحة لأحد أدباءها رسخت مكانتها على الخريطة الثقافية العالمية. وكما هو
معلوم عبر مئات السنين كان للغة الفارسية مكانة كبيرة في مجال الفصاحة الادبية
وربما كان بعض المستشرقين يفضلونها في درجة الرقي اللغوي على اللغة العربية ومع
ذلك لم يحصل أي اديب فارسي على جائزة نوبل. في حين أنه عندما تم منح هذه الجائزة
لثاني شخصية مسلمة إلا وهو الروائي التركي المعروف أورهان باموق كان الدافع السياسي
هو غالبا السبب الرئيس في اختياره لهذه الجائزة عام 2006 لأنه كان في تلك الفترة
بالذات يتم محاكمته في تركيا بسبب تصريحاته المعادية للحكومة والشعب التركي حيال
المذابح التي طالت الارمن والاكراد.
وبعد ماذا بقي من الأدب .. في زمن الحداثة
والعولمة والشركات متعددة الجنسيات والرأسمالية المتوحشة فقد كل شيء جميل وأصيل
قيمته حتى الأدب فقد هالته ورونقه البديع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق