نساء العلم أصبحن بالفعل يحققن فكرة النقش على ميدالية جائزة نوبل العلمية
د/
أحمد بن حامد الغامدي
كَمُلَ
من الرجال كثير في السياسة والأدب والعلم لكن حتى مطلع القرن العشرين لم يسجل
التاريخ البشري من الأسماء النسائية في هذه المجالات إلا أقل القليل. فمثلا لقد
فاز بجائزة نوبل من الرجال 875 شخص عبر السنوات بينما لم يتجاوز عدد النساء
الفائزات بهذه الجائزة المرموقة (أم الجوائز) إلا 48 سيدة فقط. الإشكال الصارخ أنه
إذا كانت نسبة النساء الفائزات بجائزة نوبل هن في حدود 5% من الفائزين نجد أن أغلبهن حققن هذا الانجاز
بالفوز بالجائزة في مجال السلام أو الأدب والقلة النادرة منهن كسبن المجد بتحقيق
هذه الجائزة في مجال الفيزياء أو الكيمياء أو الطب. يكفي أن نقول إنه حتى قبل عدة
أيام مضت استمر انقطاع النساء عن عدم الفوز بجائزة نوبل في الفيزياء لفترة زادت عن
نصف قرن وبالجملة إن كان عدد النساء اللاتي حزن جائزة نوبل في الفيزياء ثلاث سيدات
فقط فهذا الرقم المتواضع لا يقارن مع العدد المذهل للرجال الفائزين بها والبالغ
عددهم 210 عبقري.
(النساء
قادمات ولو بعد حين) هذا ما يشعر به المجتمع العلمي الدولي فبصورة متزايدة منذ
مطلع القرن الواحد والعشرين تنامى حضور الجنس اللطيف للمشاركة في حفل جوائز نوبل
في عاصمة السويد. ولغة الأرقام تعزيز هذه النبوءة فخلال القرن العشرين بأكمله لم
يفز بجائزة نوبل في المجالات العلمية والطبية إلا 12 سيدة ولكن خلال السنوات العشر
الماضية فقط نالت تسع نساء من سيدات العلم والطب جائزة نوبل وهذه قفزة كبيرة بكل
المقاييس. وقبل ايام حدث لأول مرة في تاريخ العلم أن فازت سيدة بجائزة نوبل في
الفيزياء في نفس توقيت فوز امرأة أخرى بجائزة نوبل في الكيمياء بينما ما زالت سنة
2009م هي السنة الذهبية لأكبر عدد من النساء الفائزات بجائزة نوبل (فائزة واحدة في
مجال الكيمياء وسيدتين في مجال الطب).
قبل
قرنين من الزمان وبالضبط في عام 1818م كتبت الاديبة الانجليزية المشهورة جين أوستن
(لقد كان للرجال الأفضلية الكاملة علينا في أن يرووا قصتهم من دوننا، لقد كان
التعليم ملكا لهم وكانت الأقلام في أيديهم) ولعقود طويلة كانت ايضا الاجهزة
المختبرية والتجارب العلمية محتكره من قبلهم ولهذا كانت النساء في الظل دائما. ومع
ذلك فمن الواضح أن وضع النساء يتحسن مع الزمن وأن كان ببطء شديد ففي القرن الثامن
عشر لم يكن يسمح للمرأة حضور المحاضرات العلمية وفي القرن التاسع عشر تحسن الوضع
فأصبح فقط لا يسمح لهن بالعمل في المختبرات العلمية أما في القرن العشرين فأصبحت
المرأة شقيقة الرجل على مقاعد الدراسة. في وقتنا الحالي قد لا نصدق أنه حتى
الثمانينات من القرن العشرين 1980s نادر جدا ما كان يسمح للفتيات بالدراسة في جامعتي
اكسفورد وكامبريدج العريقتين. ذلك تاريخ قد تلاشى الأن تماما فقد كسبت النساء
معركة المساواة في دخول الجامعات بل وصل الأمر لدرجة أنه بعد أن كان عدد الطالبات
الأمريكيات اللاتي يدرسن في التخصصات العلمية في المرحلة الجامعية في منتصف
الستينات من القرن الماضي كن حوالي 20% نجد أنه قد تضاعف عددهن حاليا ليصل رقم
يتخطى 50% وفق إحصاءات المركز الوطني الأمريكي للإحصاءات التعليمية. وبالرغم من
تأخر دخول المرأة العربية لمجال الدراسات العلمية إلا أن دورها وإسهامها في هذا
المجال شهد خلال العقود الأخيرة تطورا كبيرا. حيث نجد وبصورة عامة أن الفتاة
العربية أصبحت تقبل وبشكل متزايد على دراسة التخصصات العلمية والتكنولوجية في
الجامعات. فوفقا لدراسة عن واقع المرأة المسلمة والعلم نشرت قبل سنوات في مجلة
الطبيعة Nature البريطانية الشهيرة نجد أن متوسط نسبة الفتيات
العربيات اللاتي يدرسن في التخصصات العلمية في الجامعة في مطلع التسعينات كانت
تبلغ 35% على مستوى الدول العربية بينما تصل الأن هذه النسبة إلى 70% في بعض دول
الخليج كالبحرين وقطر والكويت.
وبالعودة
لمزاحمة النساء للرجال على الحصول على الجوائز العلمية المرموقة فالوضع متغير بلا
شك وزخم المنافسة والمزاحمة من قبل الجنس اللطيف تزداد خشونة وعزيمة مع مرور
الزمن. ولكن مع ذلك الهيمنة الحقيقة ما زالت بيد الرجال لسبب بسيط ومباشر وهو أن
النهضة العلمية للحركة النسوية تفتقر لوجود العدد الكافي من النساء في قمة الهرم
العلمي والبحثي. ففي دراسة إحصائية تجريها الجمعية الكيميائية الأمريكية بشكل دوري
كل سنة عن عدد النساء في أقسام الكيمياء في أفضل 50 جامعة أمريكية تبين أنه في عام
2006 كانت نسبة النساء الأكاديميات في أقسام الكيمياء تبلغ 14% فقط ونسبة الحاصلات
على درجة الأستاذية 10% فقط بينما كان الوضع في الجامعات البريطانية أكثر مأساوية
حيث كانت نسبة الكيميائيات الحاصلات على درجة الأستاذية تبلغ حوالي 1% فقط.
المشكلة العويصة حاليا ليست في عدم رغبة الفتيات في دراسة التخصصات العلمية
والطبية وإنما في كيفية إقناعهن بإكمال دراستهن العليا في هذه المجالات المتقدمة
والمعقدة. ولذلك تقام حاليا في الدول الغربية العديد من المؤتمرات وحلقات النقاش
واللجان والدراسات لمعرفة سبب ظاهرة ما تسمى (أنبوبة المياه المكسورة pipeline leakage) حيث توجد وفرة من الفتيات في بداية شبكة التعليم
الجامعي لكنهن يتسربن ويهدرن لاحقا في شبكة الحياة والعمل.
تجدر
الاشارة إلى أنه حتى في المجتمعات الغربية المنفلتة أخلاقيا والمنفتحة فكريا تشير
الاحصائيات إلى انه عدد قليل جدا من الفتيات من الجنس اللطيف يرغبن في خسارة
طبائعهن الانثوية والتسجيل في تخصصات علمية تمتاز بالعبقرية والريادة مثل علم
الفيزياء والرياضيات والتخصصات الهندسية على العكس من تقبلهن لفكرة الدراسة في
التخصصات الطبية وعلوم الاحياء. وهذا ربما يفسر عدم وجود أي امرأة بارزه في علم
الرياضيات أو أن عدد السيدات الفائزات بجائزة نوبل في مجال الفيزياء ثلاث فقط
مقارنه مع العدد الكبير نسبيا (12) للفائزات بجائزة نوبل في الطب وعلم وظائف
الأعضاء.
بقي
أن نقول إن (الحكمة والمعرفة) في بعض الحضارات القديمة مرتبطة بالمرأة أكثر من
الرجل ففي الاساطير اليونانية نجد أن أثينا هي ربة الحكمة وهي نفسها مينيرفا عند
الرومان أو إيزيس عند الفراعنة. ومن هنا نفهم لماذا الميدالية الذهبية التي يحصل
عليها الفائزون بجائزة نوبل في الكيمياء أو الفيزياء نقش عليها رسم يمثل امرأة
محجبة (تمثل الطبيعة الأم) بينما تقوم امرأة أخرى (الحكمة) بإزاله الغطاء والحجاب
عن الطبيعة الأم وكأن العلم والعلماء يزيلون الغموض ويكشفون الحقيقة. طوال القرن
العشرين كان هذا النقش على ميدالية نوبل محل تندر من العلماء لأن الرجال وليس
النساء هم من كان يكشف الحقيقة ويزيل الغطاء عن وجه الطبيعة الأم ولكن في السنوات
الأخيرة أصبح نقش ميدالية نوبل يعبر عن الواقع فسنه بعد أخرى يزداد عدد النساء
الذين ينطبق عليهم واقع ذلك النقش الذهبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق