السبت، 9 مارس 2019

( المخطوطات الاسلامية .. وأطلال الأمة الواحدة )


د/ أحمد بن حامد الغامدي

من ذكريات أيام المجد للسوق الرائجة للكتاب العربي اشتهرت المقولة التي تنسب لطه حسين ( القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ ) لسنوات طويلة كنت اعتقد اننا في اقليمنا المحلي كنّا علي هامش عالم الثقافة العربية ولكن مؤخرا  تأكد لي انه حتى مراكز العروبة المتباهية لم تكن هي الحامل ( الشرعي والوحيد) لمشعل الحضارة الاسلامية الوضاء.
أبرز ما رسخ في شعوري بعد زيارتي لمعرض ( وهج ) للمخطوطات الاسلامية المزخرفة أن للشعوب والامم الاسلامية غير العربية أثر بارز في المورث الاسلامي والعربي. ليس فقط العديد من المخطوطات الاسلامية المعروضة كانت باللغات الفارسية والتركية  بل إن الغالبية العظمي من المخطوطات ( العربية ) كانت مسطرة بخط عربي جميل ولكن من عمل ونسخ الخطاطين والوراقين العجم في بلاد الهند وتركيا وايران . وعليه بدأت اقتنع ان أصل مقولة طه حسين أنها ربما كانت في الزمن الغابر (سمرقند تكتب ودلهي تطبع ودمشق تقرأ !!!).

أليس غريبا ان عاصمة المخطوطات العربية ليست القاهرة او بغداد او الرباط بل هي  مدينة تمبكتو في جمهورية مالي الافريقية والتي تحتضن أكثر من نصف مليون مخطوط باللغة العربية. وعلى نفس النسق من الغرابة نجد منذ قرون أن أسياد فن الخط العربي هم من الاتراك وليس العرب فبعد ان كنا نعرف من مشاهير الخطاطين العرب ابن ملقه وابن البواب أصبحت الساحة يحتكرها احفاد عارف حكمت والحافظ عثمان.
من الوهلة الاولى عند الولوج لمعرض وهج يخطف بصرك اطياف الرسومات الملونة علي صفحات المخطوطات المفتوحة. هذه الرسومات او الصور المزخرفة تشتهر باسم ( المنمنمات ) وهي تستخدم لشرح وتوضيح الافكار الموجودة في الكتب العلمية او المجلدات التاريخية بل وحتى الدواوين الادبية. في جميع هذه الرسومات المنمنمه وبلا استثناء ملامح الوجه للشخصيات البشرية هي ذات طابع   مغولي او تركي وتفتقد تماما للملامح العربية. وبالرغم من وجود مدرسة لفن المنمنمات في بغداد منذ القدم الا ان رسوم مخطوطاتها ذات طابع مغولي وفارسي واضح ولهذا لا غرابة ان أهم وأجمل المخطوطات الاسلامية من هذا النوع رسمت في مدينة هرات الأفغانية أو تبريز الايرانية أو إسطنبول التركية.

الامة الاسلامية أمة خالدة ولكنها كذلك ذات تنوع شاسع في القلب منه اللسان العربي لكنه ليس هو فقط مدار الثقافة الاسلامية. كما هو معلوم اهتم المستشرقون عبر القرون بالحضارة الاسلامية وآدابها المتنوعة لكن ينبغي التنبيه ان الادب العربي لم يلقى صدى وطرب واسع في الغرب. أغلب المثقفين في الغرب يعلمون جيدا من هو الشاعر الفارسي عمر الخيام أو الشاعر التركي جلال الدين الرومي وقل مثل ذلك عن حافظ الشيرازي والشمس التبريزي ولكنني اشك ان عدد قليل منهم يعرف شعراء العربية الكبار مثل جرير والمتنبي فضلا عمن سواهما. المحزن ان اشهر الكتب الاسلامية التي يعرفها الغرب هي مؤلفات غير عربية مثل ألف ليله وليله (هزار أفسان ) او الملحمة الفارسية الشاهنامه للفردوسي بل وحتى منظومة منطق الطير لفريد الدين العطار.
وختاما شعار ميشل عفلق الرنان ينبغي ان يكون في طبعته المنقحة والمزيدة : أمة ( إسلامية ) واحدة ذات رسالة خالدة العروبة هي قلبها النابض.

بقي أن اقول كم كانت تلك اللحظات ماتعة ومترفة بالثراء المعرفي  جراء التطواف بين كوكبة من امهات الكتب العربية والاسلامية ذات الشهرة الطاغية في مجال الشريعة والادب والتاريخ. تحت سقف واحد وخلال نصف ساعة فقط في رحاب ( معرض وهج) والذي هو من تنظيم مؤسسة الملك فيصل الخيرية يمكن أن تشاهد فرائد المخطوطات ونفائس المعروضات من مثل:
مخطوط صحيح البخاري
مخطوط تفسير جلال الدين السيوطي
مخطوط كتاب موطأ الامام مالك
مخطوط عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات للقزويني
مخطوط كتاب كليلة ودمنه لابن المقفع
مخطوط كتاب كنز اللغة لابن معروف
مخطوط كتاب الشهنامه للفردوسي
مخطوط منطق الطير لفريد الدين العطار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق