تفاحة نيوتن .. سقطت أم لم تسقط ذلك هو السؤال
د/ أحمد بن
حامد الغامدي
(تاريخ
العالم ليس إلا سيرة الرجال العظماء) تلك كانت رؤية الكاتب والمفكر الاسكتلندي
توماس كارليل حيث طرح في كتابه الذائع الصيت (الابطال: عبادة البطل والبطولة في
التاريخ) نظرية الرجل العظيم Great
Man theory وكيف أن الابطال هم من شكلوا التاريخ من خلال قراراتهم وسماتهم
الشخصية. وعلى نفس النسق تقريبا تم سحب واستطراد نظرية البطولة heroic theory لتشمل العلماء والمخترعين الذين ساهموا في تغيير مسيرة الحضارة
البشرية ونتيجة لدورهم المعرفي الكبير هذا تم التعامل معهم بنوع من (التقديس)
والانبهار والاعجاب. لذا يغلب توصيف هؤلاء العلماء والمخترعين بأنهم عباقرة وعظماء
وأبطال لدرجة أن البعض قد يستغرب أنهم قد يقع منهم الخطأ والزلل فضلا عن ارتكابهم
لأي جريمة وهذا ما لمسته من بعض ردود الافعال والاستفسارات عندما نشرت مقال سابق
حمل عنوان (صراع ديكة العلم). المشكلة تكمن أن نظرة الاعجاب نحو الشخصيات
التاريخية المفصلية لا تقف عند جعلهم أبطال وعظماء وإنما ايضا قد تنزلق كذلك في
خلق مزيد من الهالة والبهرجة تنتهي بصناعة الاسطورة واختلاق الخرافة المرتبطة بتلك
الشخصية.
من ذلك
مثلا أن الاسكندر المقدوني ليس فقط عند البعض قائد عسكري فذ ولكنه في مرحلة المراهقة استطاع ترويض الحصان الجامح
(بوسيفالوس) الذي كان يطرح أعتى الرجال. كما يفضل أحيانا خلق أجواء من الغموض
والاثارة في حياة العباقرة فحتى الان لا نستطيع أن نجزم إن كان الشاعر المتنبي قد
ادعى النبوة أم لا في حين أن أديب الانجليزية الأوحد شكسبير يقول البعض أنه في
واقع الأمر أكثر من رجل واحد!!. بعض أخبار القادة والعظماء لا تكتمل عند البعض إلا
بعد أن يضفي عليها ظلال من الرومانسية حتى وإن كانت مختلقة فنابليون بونبارت ربما
كان يعشق زوجته جوزافين ولكن نظرا للعدد الغفير من العشيقات والمحظيات في حياته
حتى بعلم زوجته، لذا يحق لنا أن نشكك في نسبة عبارة (وراء كل رجل عظيم امرأة) أنها
من حكم أقواله.
ما سبق
مقدمة مطولة بعض الشيء (أعتذر عنها) اضطررت لها لكي أصل لمحاولة تفسير وتبرير
لماذا ترتبط شخصية العديد من رموز و (عباقرة) العلوم ببعض القصص والاخبار والاحداث
المختلقة وغير الدقيقة والتي غالبا ما تكون من نسج الخيال. ما دعاني لكتابة هذا
المقال هو بعض الاستفسارات التي وصلتني عن مقالي الأخير (السياحة العلمية) والتي
تم الاشارة فيه بشكل طفيف إلى أن بعض القصص المنسوبة لمشاهير العلماء مشكوك فيها
مثل سقوط تفاحة نيوتن أو استخدام جاليليو لبرج بيزا المائل. ولهذا سوف أحاول بصورة
مختصرة نسبيا مناقشة بعض النماذج للقصص والاخبار العلمية المشهورة والمشكوك في
صحتها.
سقطت
أم لم تسقط .. ذلك هو السؤال
التمازج
بين نظرية البطولة السابقة الذكر والخرافة العلمية scientific myth أفرز نوع من (الدراما العلمية التشويقية) حيث لم يعد كافي أن نُثني
ونمدح عالم بأنه عبقري ولمّاح ومتفاني في إجراء التجارب، وهذا سياق علمي يفتقد
للإثارة والتشويق لأن أي عالم أو مخترع يظل يعمل في مختبره لفترة طويلة وبجد وتفاني قطعا سوف يصل
لشيء ما. وبدلا من حالة البرود في مسار الاخبار العلمية تدخل الان على مسرح
الاحداث القصص المتكررة بأن العالم توصل لهذا الاكتشاف في لحظة إلهام دراماتيكية
(تفاحة نيوتن) أو من خلال إجراء تجربه في ظروف غرائبية (برج بيزا). ولنبدأ القصة
من أولها منذ ألفين سنة قبل عصر نيوتن الكل يعرف القصة المشهورة عن العالم
اليوناني ارخميدس الذي (حسب الاسطورة العلمية) عندما اكتشف قانون الطفو أخذ يجري
في الطريق وهو عريان صارخاً Eureka وجدتها وجدتها. في واقع
الأمر لم يتم الاشارة إلى هذه الحادثة في أي من كتب أرخميدس الاصلية وأول كتاب ذكرت
فيه هذه القصة الشيقة والطريفة كان بعد أكثر من ثلاثة قرون من عصر ارخميدس حيث
وردت القصة في كتاب اسمه المعمار ألفه مهندس
معماري روماني يدعى ماركو فيتروفيو. السؤال الان هل كان هذا المعماري فيتروفيو هو
من هندس واختلق قصة صرخة اليوريكا العارية أم أشخاص مجهولين قبله وماذا عن اساطير
قيام أرخميدس بتسليح جيش جزيرة صقلية بمرايا ضخمة حارقة أو بروافع وكماشات ضخمة
تحطم سفن الاعداء والغزاة هل هذه الاخبار من نسج الخيال أيضا. لم يثبت حتى الآن أن
أرخميدس ذكر قصة الاغتسال في الحمام وتاج الملك وحتى عندما أعلن في عام 1906 أنه
تم في اسطنبول اكتشاف مخطوط أحد كتب أرخميدس القديمة المسمى (كتاب الطريقة) أصيب العديد
بخيبة أمل عندما لم يوجد في هذا الكتاب أي اشارة لتلك القصة الاسطورية.
الغالب
أن قصة أرخميدس مختلقة وغير صحيحه بدليل أنه لم يذكرها بنفسه مع أنها حادثة غريبة
وجديرة بالرواية وعلى نفس النسق نجد أن قصة سقوط تفاحة نيوتن على أم رأسه ومن ثم
تسبب هذه الخبطة في (جذب) انتباه لربط دوران القمر حول الارض بقوى الجاذبية، نجد
أن هذه القصة الشيقة والنادرة كان المفروض أن يكررها نيوتن كثيرا على زواره وتلاميذه
بل وحتى عجائز قريته فضلا عن أن يتكاسل عن توثيقها في أي من كتبه المختلفة. لكن
الواقع أن نيوتن حتى وإن عُمر طويلا حتى بلغ سن 84 لم تشتهر إطلاقا على لسانه هذه
القصة ولم تظهر إلا بشكل طفيف جدا ومختصر في كتاب نشر بعد وفاته بحوالي 25 سنة. لقد
قام الكاتب وعالم الاثار وليم ستوكلي عام 1752 بنشر كتاب خاص عن السيرة الشخصية لنيوتن
سماه (ذكريات حياة السير إسحاق نيوتن) كان جزء منه مبنى على الحوارات واللقاءات
التي اجراها ستوكلي مع نيوتن عبر السنوات وفي بعض سطور هذا الكتاب تم ذكر قصة سقوط
التفاحة منسوبه أن نيوتن هو من تذكر وقوع هذه الحادثة. بقي أن نقول أن هذه الحادثة
إن حصلت فهي ربما تمت في عام 1665 وهي السنة التي توصف بالسنة العجيبة في حياة
نيوتن (مثل سنة 1905 العجيبة في حياة اينشتاين) حيث كان نيوتن في سن 23 وبعد أن
أقفلت جامعة كامبريدج ابوابها بسبب وباء الطاعون الرهيب رجع نيوتن لمدينته الصغيرة
وولسثروب وهنالك توصل لعدد كبير من بدايات
اكتشافاته العلمية في الميكيانيكا والرياضيات والبصريات وغيرها وعلية فإن شجرة
تفاح نيوتن المزعومة لا يمكن تحديدها لأن نيوتن حسب رواية ستوكلي هو اشار فقط لذكرياته مع سقوط ثمرة
التفاح ولم يحدد له بالضبط مكان شجرة التفاح المزعومة.
ونأتي
الأن للقصة العلمية المشهورة عن أسطورة العلوم الايطالي جاليليو جاليلي حيث يقال
أنه قام في عام 1589 بإثبات خطأ نظرية أرسطو المتعلقة بأن الاجسام المختلفة الكتلة
تسقط بسرعات متفاوتة وذلك من خلال إسقاط حجرين مختلفي الكتلة والحجم من أعلى برج
بيزا المائل. وكما حصل مع أرخميدس من قبل ومع نيوتن من بعد لم يثبت عن جاليليو
بشكل مباشر وصريح انه أشار لقيامه بإجراء هذه التجربة ولم يتم ذكرها في أي من كتبه
التي ألفها. وأول إشارة لهذه القصة ظهرت بعد وفاة جاليليو بعدة سنوات في كتاب
عنوانه (الرواية التاريخية لحياة جاليليو جاليلي) ألفه في عام 1654 أحد تلاميذ
جاليليو الذي يدعى فيفياني. الجدير بالذكر أن تجربة اسقاط الاحجار أو كرات الرصاص
المختلفة الكتلة بهدف أثبات خطأ نظرية أرسطو قد تمت بالفعل عام 1586 أي قبل الوقت
المزعوم لتجربة جاليليو بثلاث سنوات حيث أجراها عالم الفيزياء الهولندي سيمون
ستيفن مستخدما برج إحدى الكنائس ومن ثم قام بنشر تفصيل نتائج تجاربه في كتاب علمي
سماه علم السكون الستاتيكا . إذا علمنا أن نشر كتاب سيمون ستيفن كان في عام 1586
أي قبل ولادة فيفياني تلميذ جاليليو بحوالي 36 سنة نعلم حينها مدى وجاهة الشكوك في
صحة ربط جاليليو بتجربة برج بيزا المائل. المحرج حقا أن مشاكل جاليليو مع الكرات
الساقطة والمتدحرجة لم تقف عند هذا الحد فمن الثابت تاريخيا أن جاليليو في كتابة
المسمى كتاب الحركة نشر نتائج أبحاثه حول قانون الحركة للأجسام الساقطة ذلك القانون المستخلص من تجربة (دحرجة) وليس إسقاط
كرات من الرصاص فوق سطح مائل وقياس سرعة تحركها. وبعد عدة سنوات من نشر هذه
الافكار العلمية حاول بعض العلماء تكرار نفس هذه التجربة ولكنهم لم يتوصلوا لنفس
النتائج بالضبط مما جعل بعض المؤرخين يتهمون جاليليو بأنه قام بشكل متعمد بتعديل
وتلفيق fabricate النتائج لتصبح متوافقة مع القانون الذي توصل
له.
وما
آفة الاخبار إلا رواتها
في
العلم كما في السياسة والادب نجد أن بعض الاخبار المختلقة والمكذوبة مصدرها اشخاص
آخرين غير من نسبة لهم ولهذا قد يكون عذر أرخميدس وجاليليو ونيوتن حول تلك القصص الخرافية
المرتبطة بهم أنها لم تصدر عنهم وأن عذرهم هو عين حال الشاعر العباسي الشريف الرضي
عندما أعتذر قائلاً:
وهم
نقلوا عنّي الذي لم أفُه بهِ وما
آفة الاخبار إلا رواتها
ألبرت
أينشتاين شخصية علمية عبقرية بكل المقاييس واستناداً إلى ما قررناه في أول المقال
من (نظرية البطولة) وما يتبعها من التقديس وعشق الغرائبية لذا لا أن يرتبط بهذه
الشخصية المعاصرة العديد من الاساطير
العلمية. فمن القصص (المفبركة) المتداولة عن اينشتاين أنه عندما نشر نظريته
النسبية المشهورة كان عدد قليل من العلماء يفهما ويدرك أبعادها ويقال من باب
الطرفة أنه حينما سأل صحفي عالم الفلك البريطاني السير آرثر إدنغتون إن كان صحيحا
أنه أحد الاشخاص الثلاثة في العالم الذين يستطيعون فهم النظرية النسبية وعندها
تظاهر إدنغتون بالتفكير العميق ثم أجاب (أنا أحاول أن أفكر من هو الشخص الثالث غيري
أنا وأينشتاين !!). الغريب في الأمر أن هذه القصة الطريفة لها سند من الحقيقة
لكنها شوهت بشكل كبير ففي عام 1919 أثبت عالم الفلك البريطاني السير أرثر إدينغتون
صحة تنبأ النظرية النسبية لاينشتاين فيما يتعلق بانحناء الضوء عند مروره بقرب
الشمس. وبسبب الشهرة العالمية الطاغية التي نالها اينشتاين بعد هذا التأكيد العلمي
قررت جريدة النيويورك تايم أن تجري مقابلة مع أينشتاين ولكنها ولأمر غريبا جدا
وغير مفهوم أرسلت الصحيفة مراسلها لرياضة الجولف !! هنري كراوتش لإجراء المقابلة
مع أعظم العقول البشرية في العالم. وبحكم أن الصحفي المتخصص في الرياضة لم يفهم
شيء علي الاطلاق من كلام اينشتاين العلمي العميق لذا حاول أن يضيف شيء من التشويق
حول هذه النظرية ومكتشفها فزعم كراوتش بكل بساطة أن اينشتاين عندما ألف كتاباً
خاصاً عن النظرية النسبية بالكاد وجد دار نشر توافق علي طباعة هذا الكتاب لأنه لا
يوجد علي مستوى العالم إلا حوالي 12 شخصاً يمكن أن يفهموا هذه النظرية العويصة.
ومن
الاساطير العلمية الملفقة عن العلماء تلك القصة المشهورة في مجال تاريخ المخترعات
العلمية من أن أول جملة تم النطق والتحدث بها عبر جهاز الهاتف قيام المخترع
الامريكي ألكسندر جراهام بيل بنداء مساعده السيد واطسون عندما خاطبه عبر الهاتف
بقوله (سيد واطسون، احضر حالا، أريد أن اراك). إن نجاح أول تجربة في التاريخ بنقل
الصوت البشري عبر جهاز الهاتف حدث مثير جدا ويستحق جو من الحماس أكثر من تلك
العبارة الباردة. ولنفهم هذا البرود المحير تقول الاسطورة العلمية أن سبب اطلاق
هذه الجملة الغريبة أن السيد جراهام بيل اثناء عمله في مختبره قام عن طريق الخطأ
بسكب كمية من حمض البطارية على طاولة المختبر مما جعله يسارع باستدعاء معاونه
السيد واطسون لمعالجة الموضوع. على كل حال لقد تبين من مرجعة سجلات التجارب
العلمية لمختبر السيد جراهام بيل في يوم العاشر من شهر مارس لسنة 1876 (وهو اليوم
الذي حصل تم فيه اكتمال اختراع الهاتف) أنه لا يوجد إي اشارة لحصول حادثة انسكاب
الحمض المزعومة.
ونختم
موضوع اختلاق وتلفيق الاخبار والقصص عن عباقرة العلماء أنه حتى مع الشخصيات
العلمية التي اشتهرت بالمثابرة والجد والاستغراق الكامل في العمل مثل المخترع
الامريكي توماس أديسون إلا أننا نجد أنه لا يشفي غليل البعض أن يكون اختراعه
العلمي الابرز (المصباح الكهربائي) إلا نتيجة ظروف دراماتيكية شيقة وغريبة. من
الثابت تاريخيا وعلميا أن أديسون وظف العشرات من العلماء والفنيين لعدة سنوات
لإجراء الاف التجارب على المئات من المواد المختلفة التي يمكن استخدامها كفتيل
ملائم للمصباح الكهربائي. وبدلا من نسبة الفضل للمثابرة والاجتهاد تقول القصة
المفبركة أن الحظ والالهام كان حليف أديسون عندما لاحظ طرف خيط قطني خارج من سترته
الصوفية ومن هنا بدأت الاسطورة أن فكرة استخدامه للخيط القطني المُكربن كأول مصباح
كهربائي ناجح بدأت من هذه الحادثة المزعومة.
أساطير
عربية في دنيا العلوم
بالإضافة
لما سبق ذكره توجد قصص أخرى من نسج الخيال عن كم غفير من مشاهير العلماء ومن السهل
نسبيا اكتشاف تلك القصص المختلقة لأن المؤرخين والعلماء الغربيين لا ينساقون كثيرا
خلف العاطفة ولديهم حس الجراءة العالية في نقد الاخبار والتاريخ. للأسف الوضع
يختلف تماما في واقعنا العربي والاسلامي حيث تسوقنا العاطفة والحنين لأمجاد
الحضارة الاسلامية الغابرة أن (نتشبث) بأي قصة أو خبر ولو ملفق عن عظمة العلماء
العرب ولهذا قلما تجد من يشكك في صحة الاساطير العلمية في لباسها العربي الفضفاض.
على سبيل المثال يحق لنا مثلا أن نفخر أن الطبيب المسلم الكبير أبن سينا قد يكون
من أوائل من شخّص أعراض مرض (الحب) وأحداث قصته المشهورة مع الامير العاشق في
مدينة همذان تدل على ذلك. وتقول القصة أن ابن سينا شخّص حالة المريض وعرف المرأة
التي يحبها عن طريق جس نبض المعصم الايسر للمريض. ولكن مهلاً فهل هذه القصة حقيقية
أم هي من نسج الخيال ويحق لنا أن نشكك فيها لأن كتب تاريخ علم الطب تذكر قصة
مطابقة تماما حصلت قبل زمن أبن سينا بأكثر من 1300 سنة مع الطبيب اليوناني الاشهر
أبو قراط. وفي هذه القصة الغارقة في القدم بدلا من أمير همذان العاشق نجد أن ابن
ملك مقدونيا بيرديكاس يصاب (بمرض الحب) الذي لم يستطع أي طبيب أن يشفيه منه حتى تم
استدعاء الطبيب الاشهر أبو قراط الذي ليس فقط شخص المرض بل أنه عرف من هي المرأة
التي يحبها هذا الشاب المغرم وأنها إحدى محظيات وجواري أبيه الملك.
لاشك أن العالم العربي الحسن أبن الهيثم أحد
ابرز علماء الفيزياء وخصوصا في علم الضوء والبصريات ومع ذلك لن تجرنا العاطفة
للقبول ببساطة (الاشاعة العلمية) التي تنسب لأبن الهيثم اختراع النماذج البدائية
من الكاميرا وكيف أنه توصل لهذا الاختراع بعد أن كان مختبأ (وقيل محبوساً) في غرفة
مظلمة بها ثقب صغير كان يراقب منه جنود طاغية مصر الحاكم بأمر الله. وبهذا تزعم
الخرافة العربية أنه بذلك الثقب الصغير في جدار الغرفة المظلمة أو قماش الخيمة
المزعومة تم اختراع جهاز الكاميرا (القمرة المظلمة) camera obscura على يد ابن الهيثم. بينما المصادر التاريخية العلمية الأوروبية
تثبت أن أبن الهيثم بالفعل قد استخدم الكاميرا لكنها كذلك تشير إلى أنه في النسخة
اللاتينية المترجمة من كتاب البصريات الذي ألفه أبن الهيثم عام 1027 ميلادي يوجد فيها على لسان أبن الهيثم بعد ذكر
الكاميرا اعتراف صريح مصاغ باللاتيني
الفصيح: Et nos non inventimus ita (نحن لم نخترعها). ومن شبه الثابت تاريخا أن
الاشكال والنماذج الأولى للكاميرا أو القمرة المظلمة معروفة منذ قدماء الصينيين
كما توجد لها اشارات في تاريخ اليونان. وختاما لو حصل في مستقبل الايام نشوء حركة
نقدية جادة في تدقيق التراث العلمي العربي فمن المحتمل أننا سوف نخسر العديد من الأساطير
العلمية العربية من مثل قصة طيران عباس بن فرناس أو اختراع جابر بن حيان لنوع من
الورق لا تحرقه النار أو قصة تحديد الرازي للموقع المناسب لمستشفى بغداد باستخدام
قطع اللحم التي لم تتعفن بسرعة. الحقيقة العارية غالبا بشعة ومنفرة والعيش في
الوهم الخادع أجمل وأريح والبعض منا بعضنا قد حسم الامر على مبدأ القاعدة المشهورة
(كذّاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر !!).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق