صورة تذكارية لأعجب مؤتمر علمي في التاريخ شارك فيه 17 من علماء نوبل
د/ أحمد بن حامد
الغامدي
لحظات وامكان
مهد الاكتشافات والاحداث العلمية المفصلية تستحق أن تخلد في التاريخ البشري الجمعي
بأسلوب خاص ولهذا كثر في العقود الأخيرة قيام العديد من الجمعيات العلمية مثل
جمعية تقدم العلوم الامريكية AAAS والجمعية الملكية البريطانية بالاحتفال (بالمعالم العلمية Landmarks of Science ) التي شهدت اكتشافات محورية
كبرى ذات تأثير كبير في مسيرة البشرية ونصب لوحة تذكارية في هذه المواقع العلمية.
ومواقع هذه (الاثار العلمية) تتنوع بشكل كبير فقد تكون مختبر علمي أو مصنع إنتاج أو
منزل عالم أو حتى مطعم خطرت للعالم فيه فكرة اكتشاف علمي بارز بل إن حانة النسر the Eagle pub في مدينة كامبريدج من
المعالم السياحية المشهورة لا لسبب إلا لأن العالمين جيمس واتسن وفرانسيس كريك
احتفلا مع زملائهم بتوصلهم لاكتشافهم العلمي الهائل والمتعلق بمعرفة التركيب
الكيميائي للحمض الوراثي DNA وأنهما بذلك اكتشفا (سر الحياه). الجدير بالذكر أن نصب وتثبيت ما
يسمى اللوحات المعدنية التذكارية memorial plaque هو تقليد شائع منذ أكثر من قرن ونصف للاحتفال بالأحداث السياسية
والادبية والتاريخية المميزة ولهذا تصبح مع الزمن هذه النصب والاماكن من (المعالم)
السياحية الجذابة. وكما أصبح شائع في حياتنا مصطلحات وبرامج السياحة العلاجية
والسياحة الدينية والسياحة الادبية فقد أخذ ينتقل تقليد وظاهرة زيارة المعالم العلمية
من دنيا التاريخ والادب إلي دنيا العلوم. ولهذا نجد حاليا حرص الالاف من السياح
على التصوير مع شجرة تفاح نيوتن في جامعة كامبريدج (مع أن الشجرة الاصلية - لو صحت
قصة سقوط التفاحة - هي في مدينة وولسثروب الصغيرة التي ولد فيها نيوتن) بينما
المئات من السياح الاجانب ربما يرغبون في زيارة (فيلة جاليليو Villa il Gioiello) وهو منزل جميل في ضواحي
مدينة فلورنسا الايطالية حيث تم تنفيذ الاقامة الجبرية (وليس الحبس أو التعذيب)
على جاليليو بعد حكم عليه بالاشتباه بالهرطقة ومخالفة الدين الكاثوليكي. في حين أن
بعض السياحة العلمية لا تكون لزيارة مختبر أو منزل عالم مشهور ولكن لزيارة قبره
وقد لاحظت عند زيارة مبنى البانثيون ذلك المبنى الجميل في قلب العاصمة الفرنسية
المسمى بمقبرة العظماء أن السياح والزوار يحرصون فقط على وضع أكاليل الزهور على
قبر السيدة ماري كوري اسطورة العلم المشهورة والحاصلة على جائزة نوبل مرتين.
كل من اعتاد
السفر بهدف السياحة يعلم شعور اكتشافه (للفرص السياحية الضائعة) فبعد فترة زمنية
من مغادرتك لوجهتك السياحية تعلم لاحقا أن بها مكان أو معلم مميز جدير بالزيارة
والمشاهدة. وعلى نفس النسق إذا كنت مهتم بزيارة المعالم والاماكن العلمية البارزة تكتشف
مع الوقت أنه قد فاتك زيارة معلم أو مكان ذا أهمية كبيرة مرتبط بتطور العلوم.
اثناء دراستي للغة الانجليزية في منتصف التسعينات الميلادية أقمت في مدينة
مانشيستر البريطانية لمدة ستة أشهر وفي ذلك الحين لم اترك متحف و معلم تاريخي وسياحي
لم ازره في مدينة مانشيستر أو في المدن القريبة منها . وبعد ذلك بسنين علمت أن
تجربة العلم الانجليزي المشهور إرنيست رذرفورد الملقب بأبو الفيزياء النووية
والمتعلقة باكتشاف التركيب الداخلي للذرة (نموذج رذرفورد للذرة) تمت في مختبرات قسم
الفيزياء بجامعة مانشيستر وعلى مقربة من معهد اللغة الذي كنت أدرس فيه. ولأن هذه
التجربة تعتبر إحدى أهم التجارب على الاطلاق في تاريخ العلم الحديث كما إنها
التجربة العلمية الوحيدة حتى الان التي يتوصل لها عالم مشهورة بعد ان يحقق جائزة
نوبل وبالتالي تطغى أهميتها وشهرتها على تجربة جائزة نوبل (حصل رذرفورد على جائزة
نوبل عام 1908 في حين تمت تلك التجربة العبقرية عام 1911)، لذلك أحسست أنني أضعت
فرصة معرفية كبيرة بعدم زيارة (مبنى رذرفورد) والذي اعتبر منذ عام 1990 أحد أهم المعالم
التاريخية والعلمية المميزة في بريطانيا.
فرص سياحية
ضائعة
لم تكن تلك
فرصتي السياحية التاريخية الضائعة الوحيدة فعبر السنين قمت بحصر وإعداد قائمة خاصة
بي تشمل على (الفرص السياحية الضائعة ذات الطابع العلمي) لمعالم أو أماكن جديرة
بالزيارة لم أعلم بها إلا بعد فترة من مغادرتي للمدينة أو البلد الذي قمت بزيارته.
لقد زرت متحف التاريخ الطبيعي بلندن أكثر من مرة ولم أنتبه أنه يحتوي على عينات
الطيور التي جمعها العالم المثير للجدل تشارلز داروين من جزر غالاباغوس وبنى عليها
نظرية التطور وأعتقد أن مشاهدة هذه العينات بنفسي رأي العين أمر يثير الفضول. الفرص
السياحية الضائعة في حياتي لم تكن في مجال العلوم فقط فبعد فشلي في الدخول لمتحف
أكاديمية مدينة فلورنسا الايطالية لمشاهدة تمثال ديفيد لمايكل أنجلو بالرغم من
وقوفي في صف طويل في الشارع لمدة ساعة ونصف إلا أن ما زاد في غبني أنني علمت لاحقا
أنه بدلا من ذلك الجهد الضائع كان بإمكاني أن أشاهد أصبع جاليليو (الاصبع الاوسط
لليد اليمنى) المعروض على بعد أمتار قليلة في متحف جاليليو في وسط فلورنسا. ومما
يزيد في الشجن إنني لا أعتبر نفسي حظيت بفرصة سياحية مرتبطة بهذا العالم الاسطورة
فبالرغم أنني ارتقيت وصعدت حتى قمة برج بيزا المائل وبذلك قد أكون تواجدت في (مسرح
الحدث) لإحدى أشهر التجارب العلمية إلا أن العديد من المؤرخين يشككون في صحة وقع
تجربة ألقاء الاحجار المختلفة الكتلة من أعلى برج بيزا بواسطة جاليليو. خطورة
الانزلاق من قمة برج بيزا المائل أمر محسوس مما يجعل محاولة ألقاء الاحجار الثقيلة
(تجربة) غير آمنه وبالقطع لم يرمي جاليليو الاحجار من قمة البرج لأن الطابق الأخير
أصغر من الذي تحته وعلية ربما تمت المحاولة من الطابق السابع. وفي جميع الحالات
سوف تكون تجربة اسقاط الاحجار تجربة غير مريحة فقد شل فكري في تلك الزيارة قلقي
البالغ على سلامة أبني عبدالرحمن الذي رافقني في هذه التواجد التاريخي والعلمي
الشيق على قمة البرج المائل.
من الفرص السياحية العلمية المميزة التي لم يحالفني التوفيق
فيها أن زيارتي لمدينة فرانكفورت
الالمانية كانت بالقطع ناقصة لأنني لم أعرف إلا لاحقا بوجود متحف الاجهزة العلمية الاسلامية
التابع لمعهد تاريخ العلوم العربية الذي اقامه العالم الكبير فؤاد سيزكين. ومن المؤسف
والمخجل معاً أنه لم يكن يوجد لفترة طويلة بالعالم الاسلامي أي متحف متخصص بتاريخ
العلوم الاسلامية ولكن بحمد الله تغير الحال أخيرا حيث ساهم فؤاد سزكين في انشاء
متحف لتاريخ العلوم الاسلامية في اسطنبول افتتح عام 2008 كما ساهم كذلك في انشاء
متحف آخر مصغر في رحاب جامعة الامام الاسلامية. أما تجربتي الشخصية فإن أجمل وأفضل
عرض شيق وشامل عن عراقة الحضارة الاسلامية في مجال العلوم والطب وجدته في متحف
واحة العلوم بمدينة غرناطة ولكن للأسف لم يقم الاسبان بتسميته بجناح تاريخ العلوم
الاسلامية وإنما أطلقوا عليه أسم (جناح العلوم الاندلسية).
بسبب افتتاني
بغموض ورمزية (الخيمياء) سميت مدونتي الخاصة (الخيمائي) ولسنين طويلة كنت أعجب
بلوحة الخيميائي Alchemist لرسام الثورة الصناعية
الانجليزي جوزيف رايت والتي خلد فيها قصة اكتشاف عنصر الفسفور المضيء وكالعادة لم
أعلم إلا قبل فترة قصيرة جدا أن هذه اللوحة المذهلة موجودة في صالة الفنون بمدينة
ديربي البريطانية وعلى بعد نصف ساعة فقط من مدينة لفبرا التي درست بها لمدة خمس
سنوات وبهذا ضيعت مرة أخرى مشاهدة الاعمال الفنية لهذا الرسام والذي تعتبر لوحاته
من (معالم) الثورة الصناعية في بريطانيا حيث خصص العديد من رسوماته لتخليد العلماء
والتجارب العلمية. وعلى ذكر جامعة لفبرا التي درست بها الماجستير والدكتوراه كنت
أشاهد عند مبنى أتحاد الطلبة بالجامعة جهاز ميكانيكي كبير كنت اعتقد أنه فقط (مجسم
أو نموذج مقلد replica) لأحد المحركات البخارية
التي صنعها المخترع البريطاني المشهور جيمس وات أبو الثورة الصناعية. وقبل عدة
سنوات كنت اقرأ في كتاب عن تاريخ التقنية وذكر فيه بشكل عرضي أن (نسخة أصلية) من
أحد المحركات البخارية المستخدمة لضخ الماء موجود في جامعة لفبرا البريطانية. وبعد
مزيد من البحث تبين لي أن هذا المحرك البخاري وإن لم يصنعه جيمس وات بنفسه حيث أنه
صنع بعد وفاته بحوالي ثلاثين سنة إلا أنه وثيق الصلة بالمخترع الاسطوري جيمس وات
حيث أنه صنع بواسطة الشركة التي أنشأها جيمس وات لإنتاج المحركات البخارية. وحتى
الان تعرض صفحة جيمس وات الالكترونية على موقع موسوعة الويكيبيديا صورة هذا المحرك
البخاري الملتقطة من قلب جامعتي العزيزة وبإشارة صريحة لأسم جامعتي وارتباطها بهذا
المخترع البارز. وطبعا لو استقبلت من أمري ما استدبرت لربما حرصت ان ألتقط لنفسي
صورة سلفي مع هذا المحرك البخاري الذي يعتبر أحد اقدم القطع الاصلية في بريطانيا
مهد الثورة الصناعية الكبرى.
بلا شك يعتبر المحرك
البخاري هو أكثر اختراع يرمز لعصر الثورة الصناعية (العصر البخاري) أما أكثر
الشخصيات العلمية المرتبطة بالاختراعات التقنية وبراءات الاختراع فهو بلا منازع
المخترع الامريكي البارز توماس اديسون. وللأسف الشديد ضاعت مني فرصة سياحية علمية
أخرى لمشاهدة جهاز أصلي تم اختراعه وتصنيع بواسطة اديسون ويعرض حاليا في متحف
العلوم في لندن. المشكلة تكمن في أن أول زيارة لي لمدينة لندن كانت بصحبة زوجتي
وبعد أن قضينا الايام الاولى في زيارة المتحف البريطاني (المتعلق بالآثار
والتاريخ) ومتحف الشمع ومتحف التاريخي الطبيعي (المتعلق بعلم الاحياء
والديناصورات) جاء أخيراً موعد زيارة متحف العلوم الضخم في لندن والمكون من سبعة مستويات
ويحتوي حوالي 300 الف قطعة علمية. بعد ساعات طويلة قضيناها في التجوال والتنقل بين
هذه المخترعات المتنوعة والعتيقة ليس من العدل بعد ذلك أن ألوم زوجتي عندما شعرت
أخيرا بالممل وأصبحت تحثني على المغادرة ولهذا فاتني أن أنتبه لوجود جهاز الحاكي
(الفونغراف الذي يعتبره البعض أبو جهاز الراديو). وحيث كان هذا الجهاز الاثري من
اختراع وتصنيع ذائع الصيت اديسون فالحق أقول أنني ضيعت فرصة ثقافية مميزة.
أما أسطورة العلم الحديث ألبرت أينشتاين فقد
فاتني للأسف الالتقاء ببعض المعالم العلمية المرتبطة في ثلاث مواقع على الاقل حيث
كنت أعلم مسبقا أن أينشتاين قد زار جامعة أكسفورد البريطانية عام 1931 وألقى فيها
محاضرة شهيرة عن النظرية النسبية وأن الجامعة لا تزال تحتفظ باللوح الخشبي
(السبورة) التي شرح عليها النظرية. ولكن عند زيارتي لجامعة أكسفورد لم أكن أعلم
تماما موقع حفظ هذه السبورة وبالرغم من أنني سألت عن مكانها في تلك الزيارة أحد
الزملاء الافاضل الذي كان مبتعثاً للدراسة في هذه الجامعة العريقة إلا أننا كنا
نجهل تماما مكان حفظها ولم أعرف إلا قبل سنتين فقط أنها موجودة في متحف تاريخ
العلوم بجامعة أكسفورد والذي هو مفتوح لأي زائر عادي من خارج الجامعة. ربما تكون
افضل مدينة لمشاهدة المعالم الاثرية المرتبطة بأينشتاين هي مدينة بيرن العاصمة
الادارية لسويسرا حيث عاش فيها أينشتاين لعدة سنوات أهمها على الاطلاق سنة 1905
وهي (السنة العجيبة) التي توصل خلالها الشاب أينشتاين لعدد من افكاره
العلمية الخالدة. وعلى كل حال توجد فرصة سياحية للتعرف عن قرب على أينشتاين في هذه
المدينة سواءً من خلال زيارة مكتب تسجيل براءات الاختراع الذي كان يعمل فيه أو
زيارة شقته الصغيرة التي تحولت إلى متحف
مشهور أو على الاقل من خلال متحف تاريخ مدينة بيرن حيث يوجد جناح خاص ومتكامل عن
حياة أينشتاين وانجازاته العلمية التي توصل لها في هذه المدينة. لكن واقع الحال أن
نداء الطبيعة كان أكثر سحراً بالنسبة لي وللرفقة الكريمة من الزملاء الذين كنت
معهم فتواجدي في مدينة بيرن كان قصير جدا وتمثل
فقط في هيئة مرور عابر حيث كنت منتقلا من مدينة جنيف إلى مدينة إنترلاكن المنتجع
السياحي المشهور في أحضان جبال الالب السويسرية.
اجتماع فريد على
مستوى القمة العلمية
حتى الأن كانت
أفضل وأهم فرصة (للسياحية العلمية) بالنسبة لي لزيارة أحد أهم المعالم العلمية
المتعلقة بأينشتاين وكوكبة فريدة من مشاهير العلماء ليست في زيارة مختبر علمي أو
منزل أحد مشاهير العلماء والمخترعين ولكن بكل بساطة بزيارة أحد فنادق مدينة
بروكسيل عاصمة بلجيكا. كما هو معلوم كل سائح يحتاج لإقامة في فندق ولا أفضل (للسائح
العلمي) من الاقامة في فندق المتروبول في وسط مدينة بروكسيل حيث عقد في عام 1927 (أعجب
مؤتمر في التاريخ) وهو مؤتمر سولفي الخامس الذي شارك فيه دفعة واحدة 17 من
العلماء الحائزين على جائزة نوبل في الفيزياء !!. هذا المؤتمر الفريد في تاريخ
العلم من شبه المستحيل أن يتكرر مرة ثانية ليس فقط لصعوبة تجميع مثل هذا العدد الكبير
من الفائزين بجائزة نوبل ولكن ايضا لأن المشاركين فيه كانوا من اشهر وأبرز (القمم
العلمية) في العصر الحديث من مثل اينشتاين ومدام كوري ونيلز بور وماكس بلانك
وشرودنجر وهايزنبرج ودي برولي ووليم براغ وبول ديرك ولانجمير وتشارلز ويلسون وأرثر
كمبتون وماكس بورن وهذه الكوكبة من أسماء العلماء يعرفها كل طلاب الجامعات الذين
درسوا مقررات الفيزياء والكيمياء العامة. إذا علمنا بالإضافة لذلك أن هذا المؤتمر
الاستثنائي في تاريخ العلوم شارك فيه 29 من أبرز وأذكى العقول العلمية حتى وإن كان
بعضهم لم يحصل على جائزة نوبل ولهذا بعض كتب تاريخ العلوم تشير إلى أنه لم يجتمع
منذ فجر التاريخ وحتى الان مثل هذا (الحشد العلمي الفائق) الذكاء في مكان وزمان
واحد.
ولا عجب أن نعلم
أن سبب حشد هذا العدد الكبير من عباقرة العلماء كان لمناقشة ابعاد وتعقيدات
و(غرابة) نظرية ميكانيكا الكم التي ما زالت تحير العلماء حتى الان لدرجة أن
أينشتاين صاحب (النظرية النسبية) المعقدة لم يكن مقتنعا تماما بنظرية (ميكانيكا)
الكم بالرغم من أنه كان هو بالذات من الاشخاص الذين رسخوا مفهوم الكم quantum وذلك في سنته العجيبة
المشهورة 1905 التي سبق الاشارة لها.
وبشكل مختصر
تهدف نظرية ميكانيكا الكم لمحاولة تفسير الظواهر الفيزيائية على مستوى الذرات
والجسيمات الاولية المكونة لها وقد نجحت في ذلك بشكل مذهل ولكن مشكلتها (الفلسفية)
الكبرى أنها ليست فقط معقدة وغريبة بشكل كامل لدرجة أن عالم الفيزياء الامريكي
المعروف ريتشارد فاينمان قال بعد ظهورها بنصف قرن (أعتقد أنه بإمكاني القول بثقة
.. لا أحد يفهم ميكانيكا الكم) علما بأنه نفسه قد حصل على جائزة نوبل لتطوير بعض
جوانب هذه النظرة. مشكلة نظرية الكم ايضا أنها عكس النظريات الفيزيائية الكلاسيكية
هي قائمة على (الاحتمالات) ولا شيء في عام الكم الذري (مؤكد) وثابت ومن هنا ظهرة
نظرية مبدأ عدم اليقين المشهورة لهايزنبرج. لذا ينقل عن أينشتاين قوله (ميكانيكا
الكم جديرة بقدر كبير من التقدير .. لكن يوجد لدى حدس داخلي بأنها ليست الحقيقة).
الجدير بالذكر أن الاعتراض المشهور جدا لأينشتاين ضد نظرية ميكانيكا الكم عندما
قال (إن الله لا يلعب بالنرد) دلالة على اعتراضه لجانب الاحتمالية والضبابية في
سلوك الالكترون والجسيمات الاولية الذرية، هذه المقولة تمت في صالات فتدق
المتروبول في بروكسيل واثناء نقاشات هذا المؤتمر العلمي الفريد ولهذا رد عالم
الفيزياء الدنماركي البارز نيلز بور (صاحب نموذج بور Bohr المشهور لتركيب الذرة) على أينشتاين عندما قال له: توقف عن إملاء
ما يجب على الله فعله.
ولعل الأمر ايها
القارئ العزيز بعد كل هذه الدراما الفلسفية والاثارة الجدلية والحوار العلمي يشف
ويشي بالأهمية التاريخية القصوى لهذا الفندق البلجيكي ومنطقية وضعه على قائمة المعالم
السياحية العلمية الواجب زيارتها خصوصا إن
سلسلة مؤتمرات سولفي Solvay Conferences ما زالت تعقد حتى اليوم في هذا الفندق ويحضرها كالعادة مشاهير
العلماء العديد منهم من حملة جائزة نوبل. بقي أن أقول أنني في واقع الحال كنت أعرف
مسبقا الكثير عن هذا المؤتمر العلمي الفريد ولكنني كنت أعتقد أنه كان يعقد في إحدى
الجامعات الاوروبية ولم أعلم إلا قبل أشهر قليلة فقط أن مكان انعقاده هذا المؤتمر
الاسطوري في ذلك الفندق (المحظوظ). لذا زيارتي الاخيرة قبل سنتين لمدينة بروكسل
أعتبرها الآن ناقصة بشكل صارخ لأنني لم أزر فيها موقع اجتماع القمة لعباقرة العلوم
حتى وإن حظيت بدلا عن ذلك بزيارة موقع
معركة واترلو التي هزم فيها نابليون. وختاماً من المحتمل أن الإقامة في فندق
المتروبول الراقي السابق الذكر مكلف جدا لكن إن حصل وأن فعلت ذلك يوما ما قارئي
العزيز فأعلم أنك بذلك تحقق الحكمة المشهورة (السفر هو الشيء الوحيد الذي تُنفق
عليه لكنك تزداد غنى).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق