خط الجبهه بين سلاح المدفعية الرئاسية وسلاح المدفعية الإعلامية
د/ أحمد بن حامد الغامدي
طوال التاريخ الأمريكي عانى العديد من
رؤساء الولايات المتحدة من مزاحمة ومشاكسة (السلطة الرابعة) وهي وسائل الإعلام
وبالذات الصحافة التي تلقب بالحق أو بالباطل (بصاحبة الجلالة). وبحكم الدور
الرقابي الجماهيري لوسائل الإعلام والصحافة على السلطة التنفيذية وعلى قمتها رئيس
الدولة أو رئيس الوزراء يمكن أن نفهم أن اللقب الثالث للصحافة والإعلام (مهنة
المتاعب) أنه يعني فيما يعني إثارة المتاعب والقلاقل والصداع لصاحب السلطة. من هذا
وذاك ربما نستوعب ألان لماذا أعلن الرئيس الأمريكي ترامب الأسبوع الماضي شن (الحرب
على الإعلام) War
on the Media وكذلك وصف ترامب لرجال الصحافة ومراسلي وسائل الإعلام بأنهم
(أعداء الشعب الأمريكي).
الاتهامات
والخصام المتبادل بين رجال السلطة وبين وسائل الإعلام القديمة (الصحافة) أمر معلوم
منذ عقود طويلة خصوصا مع صحف الإثارة الشعبية (صحف التابلويد في بريطانيا أو الصحف
الصفراء في أمريكا). لكن ما استجد في الفترة الأخيرة هو حرب الاستنزاف وكسر العظم
بين رجال السياسة وبين وسائل الإعلام الحديثة لدرجة المهاترات بين الرئيس الأمريكي
وبين الشبكة الفضائية CNN التي وصفها بأنها قناة كاذبة أو تهجمه على
الموقع الالكتروني العملاق موقع محرك البحث جوجل واتهامه بأنه مزور. الاجواء
المحتقنة بين تلك الخصوم ينتج عنها تصرفات غريبة في خطة الجبهة الفاصل بينهما: ففي
المؤتمرات الصحفية للحكومة الامريكية يتم التجاهل المهين لمراسلي وسائل الإعلام
المشاكسة ولا يسمح لهم بطرح الاسئلة بل وصل الأمر حتى إلى سحب تراخيص الدخول
لبعضهم ومنعهم من حضور اللقاءات الصحفية اليومية في البيت الأبيض.
وكما هو متوقع كان رد وسائل الإعلام سريع
وفي العمق لدرجة أنه لأول مره في تاريخ الصحافة الأمريكية يسند كتابة (المقال
الافتتاحي) في جريدة النيويورك تايمز (أهم جريدة في العالم على الإطلاق هي
والواشطن بوست) لتسريب خطير من شخص متعاون مع الصحافة من داخل الطاقم الإداري في
البيت الأبيض يصف نفسه بأنه: عضو في المقاومة ضد الرئيس. كما تم تنظيم حملة ضخمة
اشتركت فيها حوالي 300 وسيلة إعلامية تهدف إلى إدانة واسعة لما أسمته بالحرب
القذرة من الرئيس على وسائل الإعلام.
شواهد التاريخ المتكررة تثبت أن مهنة
البحث عن المتعاب (الصحافة) بالفعل قد تسببت في العنت والعيش الضنك لبعض أباطرة
وكبار رجالات السياسة. فضيحة ووترغيت التي تسببت في إجبار الرئيس الامريكي ريتشارد
نيكسون على الاستقالة ما كان لها أن تأخذ هذا الزخم لولا ملاحقة المحقق الصحفي
المشهور بوب وودورد ونشره المتتابع عن خبايا وتسريبات القضية في صحيفة الواشنطن بوست
ذات التأثير الطاغي. وقد كان للكتاب الذي قام بتأليفه روبرت (بوب) وودورد عن فضيحة
ووترغيت والذي حمل عنوان (كل رجال الرئيس) دور مؤثر في تحديد أطر النهاية السياسية
المذلة للرئيس نيكسون. وجدير بالذكر أن وودورد قد قام هذا الاسبوع بنشر مقتطفات عن
كتاب صاعق جديد يتعلق بالرئيس الامريكي الحالي أطلق عليه اسم (الخوف Fear)
يدور عن الفوضى والتخبط داخل أورقة البيت الابيض خصوصا في القضية الاخيرة المتعلقة
بتحقيقات المفتش مولر ضد الرئيس. وتجدر الاشارة بهذه المناسبة إلى أن البعض يلقب
الصحفي بوب وودورد بكاشف أسرار البيت الابيض فهو صحفي مشاكس تسبب في الكثير من
الحرج للرئيس الامريكي جورج بوش الابن عندما نشر كتاب (خطة الهجوم) وهو عن كوارث
الحرب الامريكية في العراق كما له كتاب آخر حمل عنوان (حروب أوباما). أما بخصوص
ردة فعل الرئيس نيكسون حيال وسائل الاعلام المناهضة له فإنه حاول أن يلغي ترخيص
إحدى القنوات التلفزيونية التابعة لجريدة الواشنطن بوست كما أنه كان يحذر طاقمه
الاداري من خطورة الاعلام ويقول لهم (الصحافة هي عدوتكم). كما أشتهر عن نيكسون أنه أعدّ ما سماه (قائمة
الأعداء) والتي اشتملت على حوالي خمسين شخصية من رجال الصحافة وبعضهم صدر ضدهم حظر
ومنع من دخول البيت الابيض أو السماح لهم بحضور المؤتمرات الصحفية للرئيس
الامريكي.
الرئيس الامريكي الثاني الذي تضرر كثيرا من الاعلام وخسر منصبه القيادي هو الرئيس ليندون جونسون الذي كان الرئيس الامريكي الوحيد الذي لم يستطع توظيف عدم رغبة الشعب الامريكي في تغيير الرؤساء وقت الحروب كما حصل مع الرئيس ويلسون أثناء الحرب العالمية الأولى والرئيس روزفلت خلال الحرب العالمية الثانية والرئيس جورج بوش الابن بعد حرب العراق الثالثة. في الواقع توافقت الانتخابات الامريكية الرئاسية عام 1968م مع قمة زخم حرب فيتنام الكارثية وبالرغم من وجود أكثر من نصف مليون جندي في ساحات القتال تلك إلا أن الشعب الامريكي فضل اسقاط الرئيس جونسون بالرغم من اصلاحاته الداخلية الملموسة فيما يتعلق بالحركة المدينة أو حقوق السود. مشكلة الرئيس جونسون كانت مع الصحافة ووسائل الاعلام التلفزيونية التي نقلت للشعب الامريكي وبشكل صاعق فضائع الحرب الطاحنة في فتنام والخسائر الهائلة للجنود الامريكان وحرق قرى الشعب الفيتنامي المقهور. ولهذا كان اداء الرئيس جونسون في الانتخابات الامريكية ضعيفا جدا ومخزيا لدرجة أنه خرج من الادوار التمهيدية الاولى ولم ينجح حتى بضمان ترشيح الحزب الديمقراطي له. وبهذا نعلم سبب المرارة التي شعر بها الرئيس جونسون حيال الصحفيين وخصوصا المشرفين على جريدة النيويورك تايمز حيث وصفهم في محادثة خاصة بأنهم (شلة من الشيوعيين a bunch of commies).
الرئيس الامريكي الثاني الذي تضرر كثيرا من الاعلام وخسر منصبه القيادي هو الرئيس ليندون جونسون الذي كان الرئيس الامريكي الوحيد الذي لم يستطع توظيف عدم رغبة الشعب الامريكي في تغيير الرؤساء وقت الحروب كما حصل مع الرئيس ويلسون أثناء الحرب العالمية الأولى والرئيس روزفلت خلال الحرب العالمية الثانية والرئيس جورج بوش الابن بعد حرب العراق الثالثة. في الواقع توافقت الانتخابات الامريكية الرئاسية عام 1968م مع قمة زخم حرب فيتنام الكارثية وبالرغم من وجود أكثر من نصف مليون جندي في ساحات القتال تلك إلا أن الشعب الامريكي فضل اسقاط الرئيس جونسون بالرغم من اصلاحاته الداخلية الملموسة فيما يتعلق بالحركة المدينة أو حقوق السود. مشكلة الرئيس جونسون كانت مع الصحافة ووسائل الاعلام التلفزيونية التي نقلت للشعب الامريكي وبشكل صاعق فضائع الحرب الطاحنة في فتنام والخسائر الهائلة للجنود الامريكان وحرق قرى الشعب الفيتنامي المقهور. ولهذا كان اداء الرئيس جونسون في الانتخابات الامريكية ضعيفا جدا ومخزيا لدرجة أنه خرج من الادوار التمهيدية الاولى ولم ينجح حتى بضمان ترشيح الحزب الديمقراطي له. وبهذا نعلم سبب المرارة التي شعر بها الرئيس جونسون حيال الصحفيين وخصوصا المشرفين على جريدة النيويورك تايمز حيث وصفهم في محادثة خاصة بأنهم (شلة من الشيوعيين a bunch of commies).
السردية التاريخية للصراع بين الرئاسة
والإعلام
ساحات القتال والتراشق بين فخامة رؤساء
أمريكا وبين سفراء صاحبة الجلالة (الصحافة) أمر متجذر في تاريخ الولايات المتحدة
الامريكية ويعود إلى حقبة الاباء المؤسسين للأمة الامريكية. وإذا كان رجال الصحافة
يتسلحون بالتعديل الأول First Amendment للدستور الامريكي الذي تم اعتماده عام 1791م
والذي يكفل في جزء منه حرية التعبير عن الرأي ويمنع التعدي على حرية الصحافة إلا
أن الرد الرئاسي كان حاسما وإن تأخر بعض الشيء. فالرئيس الامريكي جون آدمز (ثاني
رئيس للولايات المتحدة) اصدر بعد ذلك بسبع سنوات أي عام 1798م القانون الصاعق
المسمى (قانون منع التحريض على الفتنة Sedition
Act) والذي جعل من نشر أي نقد للحكومة جريمة يعاقب عليها القانون !!.
هذه المهزلة القانونية لم تستمر طويلا في التاريخ الامريكي فبعد وصول الرئيس
الامريكي الثالث توماس جيفرسون للسلطة ألغى هذا القانون المثير للجدل وقال عبارته
المشهورة (أنا أفضل صحافة بدون حكومة على حكومة بدون صحافة) ومع ذلك لاحقا عبر
جيفرسون نفسه عن امتعاضه من الصحافة عندما قال (الرجل الذي لا يقرأ شيءً على
الإطلاق أفضل تعليما من الرجل الذي لا يقرأ إلا الجرائد).
بلا شك إن أكثر فترة يتعرض فيها الرؤساء
لحرب الاستنزاف مع الصحافة غالبا ما تحصل وقت الحروب وانشغال الحكومة بمشاكل
الصراع الحربي مع الدول الأخرى. ولهذا نجد أن الرئيس الامريكي وودرو ويلسون أثناء
سنوات الحرب العالمية الاولى يفرض الرقابة على التقارير الصحفية التي كان يخشى أن
تؤثر على الجهود الحربية لحكومته كما أنه أنشأ ما سُمي (لجنة الاعلام الأمني)
لمحاولة توجيه الرأي العام لدعم موقف الحكومة من الحرب. وعلى نفس النسق تقريبا نجد
أن الرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت كان شديد الصرامة ضد تأثير الصحافة أثناء
سنوات الحرب العالمية الثانية وكما فعل سلفه السابق انشأ روزفلت (لجنة الاتصالات
الفيدرالية) التي تهدف لخمد أي أخبار صحفية مضره للحكومة كما أنه حاول اصدار قانون
من الكونجرس سمي مشروع قانون التشهير Libel Bill يهدف لتجريم نشر أي تقارير صحفية حساسة تضر
بالحكومة أثناء الحرب.
وفي الختام يمكن استعراض أمثلة متكررة
طوال التاريخ الامريكي لحالة الشحناء والتنافر بين الصحافة والاعلام وبين أبرز
وأشهر رؤساء الولايات المتحدة مثل لينكون وثيودور روفلت وايزنهاور وكيندي وكارتر
وريجان وكلينتون ومع ذلك تبقى (القوة الناعمة) في المجتمع الامريكي مثل حرية
التعبير عن الرأي هي من أهم الضمانات لسلامة الامة الامريكية ومقدرتها على التصحيح
الذاتي وتخطي الازمات والاخطاء المقترفة في دهاليز السياسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق