الخميس، 12 مارس 2020

( الحب في زمن الكورونا )

هل حان الوقت لإصدار الجزء التالي من روايات أدب الكوارث والاوبئة

د/ أحمد بن حامد الغامدي


بدون منازع يعتبر الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز آخر أهم الادباء العالمين وبالرغم من الشهرة المدوية لروايته المتشعبة (مائة عام من العزلة) وحصوله على جائزة نوبل في الادب عام 1982م إلا أن أكثر ما يستدعي ذكراه هذه الأيام هي روايته الرومانسية (الحب في زمن الكوليرا). ثنائية الموت والحياة والحب والفراق منتشرة كثيرا في العديد من الاعمال الأدبية الذائعة الصيت ولتعدد الشواهد الأدبية التي يمكن حصرها في هذا المجال سوف نقتصر فقط على سرد أعمال الادباء الحاصلين على جائزة نوبل في الأدب.
 
فهذا الروائي الألماني البارز توماس مان تؤهله رواية (الموت في البندقية) للحصول على جائزة نوبل في الادب عام 1929م وفيها يروي بأسلوب أدبي رفيع حالة الهلع النفسي والركود الاقتصادي من جراء انتشار وباء الكوليرا في منتجعات مدينة البندقية والذي يتسبب في نهاية الأمر بمصرع العجوز المتصابي بطل الرواية.
أديب آخر من حملة جائزة نوبل ساهم الهلع من انتشار الامراض الوبائية الفتاكة في بروز شهرته العالمية ومن ثم حصوله على جائزة نوبل في الادب ألا وهو الروائي الفرنسي المعروف ألبير كامو صاحب رواية (الطاعون) والتي تقع أحداثها في مدينة وهران الجزائرية وقت أن كانت تحت الاحتلال الفرنسي وهي رواية أدبية رمزية حيث لم يحصل انتشار لوباء الطاعون بشكل فعلي في تلك المدينة الساحلية الجميلة. وإذا كانت رواية الطاعون متخيلة وغير حقيقة فتوجد رواية تدور عن وباء متخيل وغير حقيقي وكأنها بذلك من روايات (الخيال العلمي) إلا وهي رواية (العمى) للكاتب البرتغالي جوزية ساراماغو الحاصل على جائزة نوبل في الأدب لعام 1995ميلادي. وتدور أحداث هذه الرواية عن وباء غامض ينتشر بسرعة في العالم أجمع ويتسبب في إصابة البشر بالعمى وما يتبع ذلك من الفوضى والتخريب وانهيار الحياة المدنية.


وكما هو معلوم في عالمنا العربي والإسلامي لم يحصل على جائزة نوبل في الأدب إلا الروائي العربي الكبير نجيب محفوظ ونجد أن الوباء هو مدخل روايته المشهورة (الحرافيش) لدرجة أن بطل الرواية وهو عاشور (الناجي) سمي كذلك لأنه استطاع هو واسرته أن يفر بهم وينجو من الوباء القاتل الذي فتك بجميع سكان المدينة التي كان يعيش بها. بينما الأديب التركي المعاصر أورهان باموق الحاصل على جائزة نوبل في الأدب سنة 2006 وكان من أبرز أعماله الأدبية التي لفت الأنظار له على المستوى العالمي رواية (القلعة البيضاء) والتي يدور أحد محاورها عن انتشار وباء الكوليرا في مدينة إسطنبول في القرن السابع عشر.

وبحكم أن أصداء أحداث الصين ما زالت حاضره في الاذهان لعل من المناسب الاشارة إلى أن الروائي الصيني مو يان الحاصل قريبا على جائزة نوبل في الادب (في عام ٢٠١٢م) لم يكون هو الآخر بعيد أن أجواء أدب الكوارث والاوبئة. في رواية (مكابدة الحياة والموت) يناقش بأسلوب رمزي التأثير السياسي والفكري للشيوعية على المجتمع الصيني ممثلا في قرية صينية ينتشر فيها وباء غريب يصيب الحيوانات ويتسبب في نفوق الخنازير ثم حيرة أهل القرية في الطريقة الامثل للتخلص من جثث الحيوانات النافقة إما بالحرق أو بالغمر. يحصل هذا الوباء المريع في نفس يوم وفاة الرئيس الصيني تسي تونغ مما يشغله أهل القرية عن هذا الحدث الجلل وبهذا كأن الرواية هي نقد رمزي لذلك النظام الشيوعي الشمولي. الجدير بالذكر أن تلك الرواية الصينية نشرت في عام ٢٠٠٨م أي بالتزامن تقريبا مع حمى القلق من تفشي مرض إنفلونزا الخنازير.

وبالعودة إلى رواية ( الحب في زمن الكوليرا ) نجد أن غابرييل ماركيز وظف الرومانسية في سياق الموت عندما جعل بطل الرواية العجوز يحتال في الاستفراد بمحبوبته عندما خدع ركاب أحد القوارب بأنه توجد اصابات بوباء الكوليرا بينهم مما يجعلهم يهرعون لمغادرة القارب. وبحكم أن القوانين في تلك الفترة تلزم أصحاب القوارب الموبوءة أن تبقى في عرض النهر وان ترفع على ساريتها راية العلم الاصفر فلهذا تمكن فلورينتينو الكهل بعد مرور نصف قرن من الحب اليائس والبائس أن يحظى بالخلوة الطويلة مع محبوبته الارملة المكلومة.
بكل الصدق لا أعلم ما هي العقدة الدرامية للرواية المتخيلة (الحب في زمن الكورونا) لكن لو جاز لي أن أقترح علي أي روائي أو أديب صيني عن الحبكة الفنية للربط بين الغرام والألآم والهناء والفناء لاقترحت التالي:
في ثقافة الحضارة الصينية توجد مكانة خاصة وطقوس معينة للعطاس والزكام فمثلا يعتقد أهل الصين وبعض شعوب شرق آسيا أنه ( أذا عطس رجل مرتين بشكل مفاجأ ومن دون سبب واضح فهذا يعني أن شخصا ما قام بأغتيابه وقدح فيه،  أما اذا عطس الرجل ثلاث مرات متتالية فهذا يعني أن شخصا ما يحبه. وعليه في رواية ( الحب في زمن الكورونا ) لنا أن نتخيل أن شخص يهيم عشقا بامرأة ما ولكن لا يعلم هل هي تبادله الحب أو لا وتزداد حالته شكوكا وحيرة عندما يصاب بمرض الكورونا والتي من أعراضه السعال والرشح والعطاس.  فهل إذا حصل وان عطس بطل الرواية ثلاث مرات متتاليه وقت اصابته بالكورونا فهل هذا يعني أنه يوجد بالفعل شخص يحبه أم أن الامر لا يعدو رشح زكام ونزلة بردوكما كان المعري رهين المحبسين فكذا حال المتيم المفتون بأرض الصين رهين الحجر الصحي وأسير الحيرة وقلق الشك هل بالفعل هنالك من يعشقه أم أن عطساته الثلاث مجرد وهم باطل وأمل زائل.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق