د/ أحمد بن حامد الغامدي
من أشد اللحظات التاريخية الكارثية في
تاريخنا الإسلامي هي سنوات سقوط الأندلس ولكن في المقابل تلك الفترة التاريخية
عينها هي ما تسمى في التاريخ الاسباني والأوروبي بفترة ( حروب الاسترداد )
Reconquista والتي
لم تكتف باستعادة السيطرة على الأراضي الاسبانية وانتزاعها من الحكم الاسلامي ولكن
ايضا إعادة فرض الطقوس الدينية على دور العبادة القديمة. في فترة ما من زمن حكم الرومان
للأراضي الاسبانية يعتقد أنها في زمن الإمبراطور كلوديوس أقيم معبد روماني وثني
في مدينة قرطبة الاسبانية ولاحقا بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية وانتشار المسيحية
زمن القوط الغربيين تم أنشاء كنيسة مسيحية كاثوليكية محله. وكما هو معلوم في زمن
الخلافة الأموية في الأندلس أمر عبد الرحمن الداخل بتحويل تلك الكنيسة إلى جامع
قرطبة الكبير. ولهذا لا غرابة أنه كان من آثار ونتائج ( الاسترداد ) أن يحرص حكام
قرطبة الجدد ان يعيدوا تحويل الجامع السليب إلى كاتدرائية مسيحية. وقبل ذلك بعد عقود
من الزمن وعندما سقطت أشبيلية تم تحويل مسجدها الضخم إلى كاتدرائية كاثوليكية كانت
تعتبر في القرون الوسطى أكبر كنيسة مسيحية ومتفوقة بذلك حتى على كنيسة آيا صوفيا
في القسطنطينية.
من مظاهر الصراع ( والسيطرة ) بين الحضارات
والأمم والإمبراطوريات المتنازعة التعبير عن الهيمنة السياسية بأشكال متعددة قد
تصل حتى الحرص على السيطرة على دور العبادة واعتبارها من غنائم الحرب. فمثلا عندما
استطاع الإسكندر الأكبر المقدوني اجتياح مصر الفرعونية في وقت ضعفها لم يتردد أن
يقيم معبد وثني مصغر في قلب قدس الاقداس للديانة الفرعونية في معبد الكرنك وهو ما
يعرف باسم (مقصورة الإسكندر). وحذو القذة بالقذة عندما غزا مصر الشاه الفارسي الإمبراطور
قمبيز الثاني واستولى عليها لمدة أربع سنوات أدعى (كما أدعى الإسكندر من قبل بأنه
ابن رع إله الشمس لدى الفراعنة. كما أنه أرسل جيش مدجج إلى واحة سيوة في الصحراء الغربية
للسيطرة على معبد آمون أحد أهم آلة الديانة الفرعونية.
وفي مثل هذه الأجواء ندرك أن ظاهرة تحوير
وتحويل دور العبادة من ديانة إلى ديانة أخرى أمر متكرر جدا وشائع في جميع الحضارات
فعدد كبير جدا من المعابد الوثنية الرومانية تم تحويلها إلى كنائس ومن ثم لاحقا
حولت إلى مساجد وهذا ما حصل بالضبط مع الجامع الأموي في دمشق ومسجد آيا صوفيا في إسطنبول.
كما هو متوقع عندما تختلط الحزازات الدينية
بالصراع السياسي فغالبا ما تكون هذه الخلطة سبب لكثير من التوتر الحضاري. أحد أهم
المعالم الأثرية للحضارة الإغريقية هو معبد البارثينون المشرف على مدينة أثينا.
وأثناء فترة الحكم العثماني لبلاد اليونان تم ولمدة قاربت القرنين من الزمن بناء
مسجد على الطراز العثماني داخل هذا المعبد الذي كان في فترة ما كنيسة. وبعد استقلال اليونان عن حكم بني عثمان تم مباشرة إزالة أي معلم يدل
على وجود المسجد وهذا شيء متوقع بسبب الصراع السياسي والديني الحاد جدا. في المقابل وبسبب انعدام وجود مثل هذا النوع من الاحتقان الديني والسياسي
توجد قصة مشابهة لا تثير أي ردة فعل أو اعتراض. في الحضارة الفرعونية القديمة
يعتبر معبد الأقصر ثاني أهم معبد ديني فرعوني بعد معبد الكرنك ومنذ العصر الأيوبي
تم إنشاء مسجد داخل هذا المعبد الفرعوني وحتى زمان الناس الحالي لم يعترض أحد
وربما لم يعلم الكثير بوجود هذا المسجد. وكذلك يعتبر دير سانت كاترين بالقرب من جبل
الطور في جنوب سيناء ربما أقدم دير كنسي في تاريخ المسيحية ومنذ حوالي ألف عام
وحتى الآن يوجد مسجد فاطمي داخل الدير ومع ذلك يوجد حالة تعايش وتفاهم.
بلا شك سوف يبقى أمر (الاحتلال وإعادة
الاسترداد) للمواقع الدينية بؤرة توتر وصراع مستمر (كما حصل مع المسجد بابري في
الهند) ولكن ما حصل قد حصل وإن كان خلاف الأولى وأنه ربما كان من الأفضل اختيار
بقعة العبادة في منطقة محايدة وطاهرة أصلا من أرجاس الوثنية والانحراف العقدي
والديني.
والله أعلم بالصواب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق