د/ أحمد بن حامد الغامدي
الجدير بالذكر أن سبب تأليف شيخ الإسلام ابن
تيمية لهذا الكتاب كان انعكاس لتبعات الحادثة المشهورة من قيام أحد نصارى الشام
يدعى عساف النصراني بسب النبي عليه الصلاة والسلام ولهذا بادر شيخ الإسلام مع بعض
المشايخ بالانتصار لرسولنا الكريم وطلب الاقتصاص ممن تجرأ عليه. وكما نافح شيخ
الإسلام وذب عن الرسول بلسانه دافع عنه بسنان قلمه ولهذا كتب وألف ذلك الكتاب
الفريد.
وما أشبه الليلة بالبارحة فما زلنا ومنذ
سنين نبتلى ونمتهن ونستفز بالاستنقاص والتعرض لنبي الإسلام على يد بعض الأوباش
الأنجاس من أهل المسيحية. والغريب من أن عداوة اليهود وإن كانت أشد وحقدهم أكثر
إلا أنهم كانوا أعقل من استفزاز المسلمين بمثل ذلك العمل الشنيع. وبحكم أن بعض
النصارى تغلب عليهم العاطفة ويفتقدون الحكمة في التصرف فلذا نجد الشواهد التاريخية
في سب الرسول الكريم مرتبطة بهم أكثر من غيرهم. تعايش المسلمون مع اليهود في
المدينة وخيبر فلم يكن منهم حماقة سب نبي الإسلام إلا ما كان من الحالة الفردية
لشاعر يهود بني النضير كعب بن الأشرف وهي حادثة ليست واضحة تماما أنه سب الرسول
الكريم وإن كان آذاه بشعره والتعرض للصحابيات. في حين أن أول لقاء بين أهل الإسلام
وأهل النصرانية والذي حصل في السنة التاسعة للهجرة عندما قدم وفد نصارى نجران شهد
حادثة غريبة في شتم رسولنا الكريم. ففي الواقع قبل أن يصل الوفد للقاء الرسول
تعثرت بغلة كبيرهم الأسقف أبو حارثة بن علقمة فقال أخوه وكان بقربه تعس الأبعد
يقصد شتم الرسول الكريم. وبقية القصة أن الأسقف اعترف بصحة نبوة الرسول ولكن منعه
حب الدنيا والعطايا التي كان يأخذها من أن يتبعه ولهذا بادر أخوه لاحقا في الدخول
لدين الإسلام عندما علم أنه الحق.
في مثل هذه الأجواء ربما قد نفهم لماذا وجدت
ظاهرة شتم وسب وتشويه الرسول الكريم في أوساط النصارى قديما وحديثا فأما قديما حتى
لا ينجرف الشباب المسيحي المقيم في البلاد العربية لدين الإسلام. وأما حديثا فكردة
فعل منفلتة من خوف المجتمعات الغربية الأوربية المعاصرة من سرعة انتشار دين
الإسلام في المجتمعات الغربية ومن إقبال عدد كبير من الشباب وبخاصة النساء لاعتناق
الإسلام ولهذا البعض من الخبثاء منهم يحاولون افتعال المشاكل حول الإسلام ورسوله
العظيم. الجدير بالذكر أنه كما انتشرت في العصر الحديث حملة ظالمة وخبيثة لتشويه
وشتم رسول الإسلام في البلاد الأوربية حدث أمر شبيه نسبيا قبل أكثر من ألف عام. ولله
الحمد دين الإسلام الخالد له هالة جذب مؤثرة ولهذا في زمن (التعايش) السلمي بين
الأديان يكسب الإسلام المزيد من الاتباع ولا يخسرهم. في منتصف القرن الثالث الهجري
كانت بلاد الأندلس تمثل حالة تجانس و(تعايش) مميزة بين الأديان السماوية وفي مثل
هذه الأجواء بدأ الشباب المسيحي يميل للطباع والمظهر الإسلامي. بشكل عفوي أو بصورة
مدبرة حاول بعض نصارى الأندلس افتعال أحداث صادمه يهدف منها تعكير أجواء التعايش
السلمي ومن ثم قد تتسبب في انكفاء الجالية المسيحية حول نفسها وعدم الانفتاح على
بقية المجتمع المسلم. يقال إنه في عام 237هـ قام القسيس بيرفيكتوس بشكل متعمد بشتم
والسب النبي في سوق مدينة قرطبة وبعد إدانته بالجرم المشهود حكم عليه بالقتل بحد
الصارم المسلول. ثم بعد ذلك مباشرة ظهر راهب نصراني متعصب يدعى إسحاق وجاهر بنفس تلك
الفعلة الشنيعة وهي شتم الرسول الكريم ودين الإسلام وبعد أن قبض عليه تم قتله هو
الآخر. وللأسف سرعان ما انفرط الأمر ووجد أهل التعصب والتطرف المسيحي فرصتهم
لادعاء الشهادة والتضحية بأنفسهم من خلال تقدم العشرات منهم وتكرار نفس العمل
القبيح من إهانة مقدسات الإسلام وسب رسوله وبالتالي خلال عدة شهور بلغ عدد من قتل
منهم حوالي 48 وهم من عرفوا في التاريخ المسيحي باسم (شهداء قرطبة). ولم تنس أبدا
النصرانية المتعصبة هؤلاء الشهداء المزعومون فألفت فيهم العشرات من الكتب ودبجت
فيهم القصائد وخلدت بطولتهم المزيفة في العديد من اللوحات الفنية.
وفي الختام عودٌ على بدء للتذكير باستنباط
شيخ الإسلام ابن تيمية أن رسول الله قد أغناه الله عن نصرتنا وأن فتنة التعرض
والاستنقاص للمصطفى المختار هي في جزء كبير منها اختبار لنا (ليعلم الله من ينصره
ورسله بالغيب). وكما للبيت ربٌّ يحميه فكذا لرسوله الكريم جند من جنود الله يدافعون
عنه في حياته وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام. ولذا تذكر الأخبار في التاريخ
الإسلامي أن عتبة بن أبي لهب عندما تعمد إهانة الرسول سلط الله عليه كلاب من كلابه
فقتله السبع وهو نائم بينما ويذكر الإمام ابن حجر العسقلاني أنه في زمن المغول أخذ
أحد دعاة النصارى في شتم النبي فانفلت عليه كلب مربوط فقتله. ولا يعلم جنود ربك
إلا هو فكل من يتطاول على رسول الله سوف يصيبه من هذا الوعيد إما في شكل مرض أو
حادث أو مصيبة ولعذاب الآخرة أشد وأبقى. ومع ذلك ينبغي علينا كأفراد وشعوب وحكومات
في الدول التي يشملها حكم الإسلام أن نشدد النكير ونزيد في التنكيل كل من يسئ
الأدب مع مقام النبوة. أما الأفراد والجماعات الإسلامية المقيمة خارج ديار الإسلام
فعليهم التحلي بالحكمة والتجنب تماما تماما أي ردود أفعال عنيفة أو ترويع وتفجير وإرهاب
ففي الواقع حالهم أشبه بالمسلمين في صدر الإسلام عندما كان التوجيه الرباني لهم في
مكة كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة) وهم يشاهدون الكفار وهم يتعرضون للرسول ويضع
الملعون منهم سلا الجزور (وهو قذر ما بعد الولادة) على ظهره الشريف وهو ساجد أمام
الكعبة. ومع هذا ينبغي بالطرق السليمة أن تقوم الدول الإسلامية وأفراد الجاليات
المسلمة في الغرب وكيانات المنظمات والجماعات العربية بالضغط على هيئات المنظمات
الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بأن تصدير قوانين تجرم بث الكراهية
من خلال التهجم على الرموز الدينية.
في العام السادس للهجرة سافر الرسول عليه
الصلاة والسلام بجمع غفير من الصحابة يريد أداء العمرة لكن قريشا منعوه وكادت تقع
حرب بينهم وهنا أرسلت قريش عروة بن مسعود الثقفي لكي يكون وسيط بينهم وبين
المسلمين. فلما عاد عروة إلى رجالات قريش قال لهم (أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك كسرى وقيصر والنجاشي والله
ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً. والله ما انتخم نخامة إلا
وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا
يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له).
وبمجرد ما نبههم عروة الثقفي بشدة تعلق المسلمين بدينهم ونبيهم حتى عرفوا قوة
المسلمين الحقيقة ولهذا بادرت قريش بقبول الصلح. نحن اليوم بين الشعوب والدول
كالهمل وسقط المتاع ولو أحسّت دول الغرب منا غضبة حقيقة حيال رسول الله لعلموا أنه
قد بقي فينا جذوة كرامة وبذرة شهامة وربما احترمونا وهابونا ولكن من كان لنبيه ودينه
مفرط فلا خوف منه ولا كرامة له.
أحسنت بارك الله فيك ورفع قدرك .
ردحذف