د/ أحمد بن حامد الغامدي
الطباع والصفات المرذولة في اليهود كثيرة ومن ضمنها سرعة تغيير المواقف والأحكام كما هي القصة المشهورة في السيرة النبوية عن إسلام الصحاب الجليل عبدالله بن سلام فعندما تحول من اليهودية للإسلام طلب من الرسول الكريم أن يسأل اليهود عنه قبل أن يعلموا بأنه اسلام وذلك لأن (اليهود قومٌ بُهت) سرعان ما (تتغير) أحكامهم من المدح إلى الذم. وعندما حاول يهودي أن يطعن في الصحابة بأنهم سرعان ما اختلفوا بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، فكان الرد المفحم الذي قاله الإمام علي رضي الله عنه (وأنتم لم تجف اقدامكم من ماء البحر حتى قلتم لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة). والشاهد في القصة أنه بعد النعمة العظيمة من الله سبحانه وتعالى لليهود عندما أنجاهم وأنقذهم وأبعدهم عن عدوهم الشنيع فرعون وشق لهم البحر، فإذا بهم بمجرد شعورهم بالأمان بعد الوصول لصحراء سيناء وخروجهم من الماء، سرعان ما حل التغيير والتحول عليهم بسبب طباعهم السيئة وصفاتهم الدنيئة فإذا بهم يطلبون بأن يكون لهم أوثان وأصنام يتعلقون بها.
وذاك كان تحول الجيل القديم من بني إسرائيل بعد
النجاة من القهر والقتل على يد الفرعون أما الجيل الحديث من بني صهيون فقد ورثوا
دناءة الطبع وخساسة الجبلة من أجدادهم وآبائهم اليهود فما كادوا ينجون من فرعون
العصر (هتلر ونظامه النازي) الذي سامهم سوء العذاب، وما كادت تجف أرجلهم من ماء
البحر الأبيض المتوسط وهم ينزلون من سفنهم التي أبحرت بهم من أوروبا إلى أرض
فلسطين، وإذا بهم سرعان ما يتحولون من حال الضحية المضطهدة إلى مآل الجلاد
المعتدي.
ولنلخص قصة التحول الشنيع هذه كالتالي:
وفق المصادر التاريخية وصلت إلى سواحل
فلسطين ما بين عامي 1945-1948م حوالي 65 سفينة مهاجرين يهود غير شرعيين بلغ عددهم
نحو 70 ألف يهودي. ونخص بالذكر هنا السفينة المسماة (إكسودوس 1947) وهي سفينة
بخارية صغيرة نسبيا كان مكتظة بشكل كثيف (كانت تحمل 4515 راكب) بالمهاجرين اليهود معظمهم
كانوا ممن نجو من محرقة الهولوكوست النازية وتم نقلهم إلى أرض فلسطين. وما يهمنا
هنا أن عملية نقل اليهود وتهجيرهم من أوروبا وبالذات من ألمانيا إلى فلسطين حملت
اسم (عليا بيت Aliyah
Bet) ومن قام بتنفيذها المنظمة الصهيونية الإرهابية الشنيعة (الهاجاناه
Haganah)
التي نفذت سلسلة المجازر والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في عام 1948م.
الجدير بالذكر أنه قبل الإعلان عن قيام
الكيان الإسرائيلي بسنة أي في عام 1947م قام قادة اليهود في فلسطين وعلى رأسهم
المجرم الأكبر والإرهابي الأثيم ديفيد بن غوريون (أول رئيس وزراء للإسرائيل)
بإعلان التجنيد الإلزامي على جميع الرجال والنساء الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و25
سنة وبهذا تم تجنيد حوالي 21 ألفا من شباب الصهاينة بل أنه لاحقا تم الاستدعاء
والتعبئة العامة لجميع الرجال تحت سن 40 عاما. كل هذا الحشد العسكري المتصاعد لأن
الصهاينة كانوا يتوقعون حصول مقاومة من قبل الفلسطينيين والعرب بمجرد الإعلان عن قيام
دولة إسرائيل ولهذا في عام 1948م تم تجنيد المزيد والمزيد من الرجال والشباب
القادرين على حمل السلاح وبالقطع كان من ضمنهم أولئك السبعون ألفا من اليهود الذين
نجوا من الهولوكوست ووصلوا في عام 1948م إلى أرض فلسطين وكأنهم السبعين ألفا من
اليهود الذين يخرجون من الدجال في آخر الزمان. بالمناسبة تشير المصادر التاريخية
أن عشرات الآلاف من اليهود المهجرين من أوروبا تم في بداية الأمر تحويلهم إلى
جزيرة قبرص وجمعهم في معسكرات توقيف، ولقد كان من خبث الوكالة اليهودية التي يديرها
ديفيد بن غوريون أنها رتبت لتدريب المئات من الشباب اليهودي الناجين من الهولوكوست
على حمل السلاح واكتساب الخبرة القتالية أثناء إقامتهم في قبرص حتى يكونوا على أهبة
الاستعداد لحرب العرب بمجرد الوصل لأرض فلسطين المحتلة من قبل البريطانيين.
وبالفعل تذكر الصفحة الرسمية على شبكة الإنترنت
لمنظمة (الهاجاناه) أن ذلك الجهاز الصهيوني العسكري في عام 1948م كان مؤلفا من 12
لواء وفرقة حربية مقاتله ما يهمنا منها في حديثنا هذا هو (اللواء السابع). هذا
اللواء أو الفرقة السابعة (باللغة العبرية هاتيفا شيفا) كان مشكل بالدرجة الأساسية
من اليهود الناجين من المحرقة النازية وهو لواء مدرع شارك في العديد من المعارك
الحربية والعمليات العسكرية المهمة في بداية قيام الكيان الصهيوني. فقد شارك هذا
اللواء السابع من الهاجاناه في معركة احتلال مدينة الناصرة الفلسطينية والسيطرة
على منطقة الجليل الأعلى في شمال فلسطين كما قاتل في معارك اللطرون ضد الفيلق
العربي الأردني كما واجه أيضا وحدات من الجيش العراقي وذلك في حرب عام 48.
الأخطر والأشنع من ذلك أن هذا اللواء السابع
الصهيوني وبحكم كونه جزء من منظمة الهاجاناه الإرهابية كان له دور في ترويع وتهجير
السكان الفلسطينيين من خلال تعمد تنفيذ مجاز دموية شنيعة مثل مذبحة دير ياسين
ومذبحة الطنطورة. المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه له شهرة واسعة في السنوات الأخيرة
بعد نشره لكتابه بالغ الأهمية (عشر خرافات عن إسرائيل) ولكن ربما الأهم من ذلك
اهتمامه الكبير بتوثيق تاريخ النكبة العربية بعد حرب عام 1948م ومن هنا ظهر كتابه المميز
(التطهير العرقي في فبسطين). الأمر البالغ الأهمية هنا هو ذكر شهادة إيلان بابيه
عن جرائم اللواء السابع سيئ السمعة والمكون في غالبية من (يهود الهولوكوست)
الناجين من جرائم النازية وبالتالي المتحولين من كونهم ضحية مستضعفة إلى كونهم
جلادا قاتلا. يقول إيلان بابيه عن اللواء السابع في كتابه التطهير العرقي في
فلسطين (في العديد من الروايات الشفهية الفلسطينية (عن النكبة) .. تظهر أسماء
ألوية (عسكرية إسرائيلية) قليلة، ومع ذلك يتم ذكر اللواء السابع مرارا وتكرار إلى
جانب صفات مثل: إرهابي وبربري).
الضحية عبري وضحية الضحية عربي
وكمثال على إرهاب وبربرية يهود الهولوكوست
الذين تحول بعضهم من مظلوم إلى ظالم ومن ضحية إلى جلاد نذكر قصة اليهودي الصهيوني
الشاب حاييم ابن أبراهام فيسناد الذي ولد في عام 1925م في مدينة صغيرة في جنوب
بولندا والذي اعتقل وهو في سن الثامنة عشرة مع عائلته وتم إرسالهم إلى معسكر
اعتقال نازي في داخل بولندا. وبعد فترة تم فصله عن أسرته وترحيله إلى معسكر
الاعتقال النازي بوخنفاد غرب مدينة دريسدن الألمانية. وبعد سقوط ألمانيا النازية
تم تحرير الشاب حاييم فيسناد مع عشرات الآلاف من اليهود وهنا تنتهي قصة الضحية المظلومة
لتبدأ قصة الظالم والمعتدى حيث انخرط الشاب حاييم لعدة سنوات في عمليات تهريب
اليهود من النمسا وإيطاليا إلى أرض فلسطين. في يوم 14 مايو من عام 1948م تم
الإعلان عن قيام دولة الكيان الصهيوني المغتصب وبعد أيام معدودة من إعلان قيام
دولة إسرائيل وصل الشاب حاييم فيسناد عبر البحر إلى أرض فلسطين وكما حصل توصيفه سابقا
لم تكد رجلاه تجف من ماء البحر عندما هبط على ساحل مدينة حيفا حتى تم تجنيده على
الفور في كتائب الهاجاناه.
الأمر الفائق الدلالة في قصة أحداث الشاب
الصهيوني حاييم فيساند أنه شارك من خلال قتاله مع مجرمي كتائب الهاجاناه فيما يسمى
معركة الطنطورة أو بالمعنى الأصح (مذبحة الطنطورة) وهي بلدة ساحلية صغيرة تقع
بالقرب من مدينة حيفا التي نزل بها الشاب الصهيوني حاييم. قتل في تلك المجزرة حوالي
300 رجل من سكان بلدة الطنطورة وهذا العدد وإن كان يبدو مخفضا بالقياس بجرائم
العدو الصهيوني اليوم إلا أنه ينبغي ألا نغفل بأن المذابح الصهيوني في بداية حرب
48 مثل مجزرة دير ياسين والطنطورة ومذابح مدن حيفا ويافا وغيرها كان هدف مجرمي
الهاجاناه عند تنفيذها إيقاع أقصى درجات الرعب لدى الفلسطينيين للخوف من قتل
الرجال واغتصاب النساء لكي تحصل نكبة التهجير وإخلاء المدن العربية من سكانها
وبهذا تتم جريمة (التطهير العرقي).
وهذا ما حصل بالفعل فبلدة الطنطورة التي كان
يسكنها حوالي ألفي فلسطيني من نجى منهم من المذبحة تم اعتقالهم وتهجيرهم بالكامل
من مدينتهم وبعد ذلك بعدة أسابيع فقط وبالتحديد في 13 يونيو من ذاك الصيف الساخن
والحزين تم تأسيس مستوطنة صهيونية في نفس موقع مدينة الطنطورة. في الواقع تلك
المستوطنة التي تحمل اسم مستوطنة نحشوليم أغلب سكانها من الصهاينة هم من (يهود
الهولوكوست) وبالذات من يهود بولندا (بلد الشاب حاييم فيسناد سالف الذكر) الذين
نجوا من محرقة الإبادة النازية وهم هم من ساهم في بداية الإبادة الفلسطينية
واحتلال الأراضي العربية المسلوبة. المؤرخ الإسرائيلي ألون كونفينو نشر مقال استقصائي
عنوانه (الرمال الدافئة لشاطئ الطنطورة .. التاريخ والذاكرة في إسرائيل بعد حرب
عام 1948م). في هذا المقال ينقل المؤرخ كونفينو شاهدة أحد الصهاينة الذي استوطنوا
في بلدة الطنطورة مباشرة بعد تهجير العرب منها فقال (استقرينا في الطنطورة ولم
نضطر إلى عمل الكثير لنبدأ حياة جديدة .. كانت القرية مهجورة والأملاك كثيرة وكان
وقت جنى الغلال .. اسمع لن أبالغ إذا قلت إننا كنا في حالة ذهول .. كانت التربة
خصبة والظروف مريحة والبحر والشاطئ لا مثيل لهما .. لقد رأينا حلمنا يتحقق).
وهنا قمة المأساة .. شعب يهودي مشرد ومعذب
ومضطهد يهاجر إلى أرض شعب فلسطيني مسالم ومستقر في منازله ومزارعه، وفجأة أحلام
اليهود تتحقق وكوابيس الفلسطينيين تتجسد. فمن كان ضحية انقلب إلى جلاد يستضعف غيره
ويجعله هو الضحية الجديدة ويصبح الحال كما قال المفكر الفلسطيني البارز إدوارد
سعيد بأن العرب زمن النكبة أصبحوا ضحايا الضحايا (victims of victims).
قد تكون بلدة الطنطورة تجسيدا صارخا لعمق المأساة الفلسطينية وارتباطها بيهود
الهولوكوست (ولهذا وظفتها بذكاء بالغ الروائية المصرية رضوى عاشور لتسليط الضوء
على أبعاد المأساة الفلسطينية وذلك في عمل أدبي حمل عنوان مباشر ومركز: رواية
الطنطورية)، ولكن مذبحة أخرى لا تقل شهرة وأهمية تلخص التناقض الصارخ والأثيم لسلوك
اليهود الذين يتباكون على الظلم الواقع على ضحايا المحرقة النازية. ونتكلم هنا عن
المذبحة الأشهر والأبرز (مجزرة دير ياسين) التي حصلت قبل حوالي شهرين من مذبحة
الطنطورة وما يهمنا هنا في ربط هذه المذبحة الشنيعة بالمحرقة النازية في معسكرات
الاعتقال الألمانية أنه في عام 1953م عندما بدأ الصهاينة في بناء مركز ومتحف
الهولوكوست (مركز ياد فاشيم) لتذكير الشعب اليهودي وشعوب العالم بالظلم الفادح
الذي وقع على (الضحية) اليهودية، كان من وقاحتهم أنهم أقاموا تلك المنشأة الضخمة
على قمة جبل هرتزل في القدس الغربية. والمعنى أن من سوف يزور متحف الهولوكوست ذاك لكي
يستعرض عذابات اليهود في المحرقة النازية لو نظر إلى الأسفل جهة الغرب فسوف تقع
عينه مباشرة على بقايا أثار قرية دير ياسين المنكوبة وبهذا يمكن أن يستوعب المرء كيف
يتحول اليهودي الصهيوني الأثيم من ضحية إلى جلاد.
وقبل أن نغادر أود أن أعود لمرة أخيرة لذكر
(اللواء السابع) من ألوية الهاجاناه ففي الواقع تلك المنظمة الإرهابية الشنيعة
تحولت منذ لحظة الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني من مجرد جهاز ووحدة عسكرية إلى ما
يسمى جيش الدفاع الإسرائيلي الذي يشيع ذكره في وسائل الإعلام الأجنبية بحروفه
المختصرة (IDF).
وما يهمنا هنا أن أغلب الألوية العسكرية الاثنا عشر التي كانت تشكل الهاجاناه
تلاشت مع الزمن ولم يبق منها موجودا حتى الآن إلا (اللواء السابع). بمعنى أن تلك
الوحدة الحربية الصهيونية التي يشير التاريخ أن أغلب جنودها كانوا من (يهود
الهولوكوست) كان لهم إسهام في المذابح الشنيعة واحتلال المدن الفلسطينية ولاحقا
تلك الفرقة الحربية (اللواء السابع) شاركت في أغلب الحروب بين العرب والإسرائيليين
فهي شاركت في حروب النكبة كما شاركت في حروب النكسة وهي الآن تشارك مع بقية ألوية
الجيش الصهيوني في الحرب الشاملة ضد إخوتنا في فلسطين. يقولون الحية لا تلد إلا
حية والصهيوني لا يلد إلا صهيوني وإذا كان
اليهودي الأوروبي الأشكنازي المظلوم وضحية المحرقة النازية بمجرد أن نزل من
السفينة وقدماه لم تجف من ماء البحر سرعان ما حمل البندقية وركب العربة المصفحة
لقتل وتصفية الفلسطيني الأعزل، فهل نستغرب الآن لماذا كل هذا الظلم والاعتداء
الأثيم والمتواصل من قبل اليهودي الضحية قديما ضد الفلسطيني الضحية الجديدة. ربما
ما سبق يفسر لماذا ظلم الصهاينة اليهود وبربريتهم وإرهابهم استمر لمدة 75 سنة ضد
فلسطين والقصف والتدمير المتواصل الحالي يستمر لمدة ثلاثة شهور ضد سكان قطاع غزة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق