الخميس، 23 أغسطس 2018

( واشنطن وأثينا والدولار )

هل قامت (أثينا الجديدة بنهب الذهب الاحتياطي للعالم)

د/ أحمد بن حامد الغامدي

العديد من المؤرخين والسياسيين يشبهون (الامبراطورية الامريكية) الحالية بالإمبراطورية الرومانية وهذا قد يكون صحيح في بعض الجوانب والابعاد ومع ذلك قله من المؤرخين تفضل تشبيه أمريكا (بالإمبراطورية اليونانية). ومع ذلك وفي الواقع الأمر لا أمريكا ولا اليونان القديمة أعلنت نفسها إمبراطورية حقيقة إلا أنه توجد نقاط تقاطع متعددة بينهما.

كلتا الأمتين كانت قوتها الضاربة في أسطولها البحري ذو الكفاءة العالية وكلا منهما تعرضت لحرب ضروس مع عدو خارجي (الفرس في حالة أثينا واليابان وألمانيا .. ثم الروس في حالة أمريكا). ونتيجة لهذا الأمر اضطرت كلتا الدولتين لتشكيل أحلاف عسكرية تحميها فمدينة أثينا شكلت ما يسمى الحلف الديلي Delian league المكون من تجمع حوالي مائتين مدينة أو جزيرة وهدفه منع أي غزو للإمبراطورية الفارسية لأرض اليونان. أما الولايات المتحدة الامريكية فشكلت كما نعلم جميعا حلف شمال الاطلسي (الناتو) لمقاومة وصد الاتحاد السوفيتي وحلفائه. وبالطبع مثل هذه الاحلاف العسكرية تحتاج إلى تكاليف ماليه هائلة ولهذا الحلف اليوناني القديم ألزم كل مدينة أن تسلم جزء من المال phoros تم تجميعها بشكل غريب في (جزيرة ذهبية) تدعى ديلوس Delos  ومن هنا جاءت تسمية ذلك الاتحاد بالحلف الديلي.

أما أمريكا فمباشرة بعد نهاية الحرب العلمية الثانية كانت جزيرتها الذهبية هي اتفاقية بريتون وودز التي تمت عام 1944 ومن أهم قراراتها اجتماع الدول المتحالفة مع واشنطن (اثينا الجديدة) وإن كان تحت مظلة الامم المتحدة لأنشاء ما يسمى (صندوق النقد الدولي) IMF وطبعا كان مقره في مدينة واشنطن. فيما يتعلق باثينا القديمة كان الدخول في الحلف العسكري في البداية اختياري ولكن مع الوقت أصبحت أثينا قوة طاغية لدرجة أنها أصبحت تأخذ بالقوة الإتاوة أو الجزية المالية phoros من جميع المدن والجزر بدون انتظار موافقها بل وصل الأمر لقيام الحاكم اليوناني الطاغية بريكليس بنقل جميع الذهب من جزيرة ديلوس إلى مدينة اثينا واستخدم جزء من المال لإقامة المعبد الاغريقي الأشهر البارثينون على قمة هضبة الأكروبولس.
وفي الصيغة الامريكية من القصة قام الرئيس الامريكي نيكسون عام 1971 بعملية تعويم الدولار وبالتالي بشكل أو اخر نتيجة لسحب تغطية الدولار بالذهب أصبحت الولايا المتحدة المهيمنة على صندوق النقد الولي والبنك الدولي وغيرها من المؤسسات الاقتصادية الكبرى غير ملزمة (برد الارصدة الذهبية) التي التزمت وفق اتفاقية بريتون وودز بتوفير المقابل الذهبي: لكل 35 دولار أونصة من الذهب. وكما بنى بريكليس معبد البارثينون بنى في اثينا القديمة مباشرة بعد نهب الذهب بنى سدنة المال في أمريكا عائلة روكفلر مباشرة بعد نهب الذهب العالمي (برفع الغطاء عن الدولار) البرجين التوأمين لمركز التجارة العالمي في مانهاتن السفلى وبالقرب من بورصة نيويورك. 
 
(الطمع ضيع ما جمع) فالمعاملات الاقتصادية والسياسية أساسها غالبا الثقة فليس غريبا أن نعلم أنه في عالم اليونان القديمة حدثت العديد من الاحقاد السياسية بين اثينا وبين المدن الصغيرة الاخرى بسبب الهيمنة الاقتصادية والعسكرية المنفردة لأثينا. وهذا تقريبا ما بدأنا نشاهده ونلمسه منذ اعلان الرئيس الامريكي جورج بوش الأب ما سماه (النظام العالمي الجديد) حيث أخذ الاتحاد الاوروبي يوما بعد آخر يبتعد عن الهيمنة الأميركة وهو ما ينعكس في بداية تصدع حلف الناتو.
المدن والجزر اليونانية القديمة نفرت من هيمنة أثينا ولهذا أعادت تحالفاتها السياسية والعسكرية مع (مدينة أسبارطة) ومن هنا تم هزيمة أثينا المخزية في الحروب البيلوبونيزية ومن دولة اضعف منها وأكثر همجية. مستقبل الأحداث في علم الباري سبحانه وتعالى ولكن هل إرهاصات (أسبارطة الجديدة) هي ما نشاهده هذه الايام من تنامي القوة المعنوية لما يسمى (مجموعة البريكس) وهي تحالف لعدد من الدول القوية اقتصاديا والسابحة في خارج الفلك الامريكي من مثل روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ويقال أن تركيا تطلب الانضمام لهذا التحالف الذي يهدف ضرب الاحتكار الاقتصادي الامريكي على العالم.

أسم مجموعة البريكس BRICS مكون من الحرف الأولى لأسماء الدول السابقة المشكلة لهذا التحالف ولكن لو تم تحرفه قليلا إلى BRICKS لظهرت كلمة طوب أو قرميد وبهذا كأن الأمر هو القيام ببناء جدار جديد ينافس جدار مانهاتن المالي في شارع المال والاعمال والبورصة Wall Street في عاصمة المال العالمية مدينة نيويورك. ذلك الجدار القرميدي القديم لم يحول دون هزيمة الهولنديين واحتلال الانجليزي لجزيرة منهاتن فهل الجدار المالي الجديد الذي تضعضع (زمن الكساد العظيم في الثلاثينات وانهيار البورصة يوم الاثنين الاسود وقريبا في كارثة الرهن العقاري) سوف يحول دون ضعف الهيمنة المالية الامريكية أمام الخصم الجديد مجموعة البريكس. العدو عندما يكون متحفزا يكون خطرا جدا ونختم بالتذكير أن من اسباب اندلاع الحرب بين أثينا وأسبارطه هو منع أسبارطة لأثينا من بناء (جدار) لحمايتها من أعدائها فهل يعيد التاريخ نفسه !!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق