من أمام فندق هوليدي إن في سراييفو .. من هنا أنطلقت شرارة الحرب الاهلية اليوغسرفية
د/ أحمد بن حامد الغامدي
في عالم الدراما تعتبر كواليس وخلفيات
المعارك العسكرية والحروب الاهلية والصراع الطائفي مادة خصبة للإبداع أبرز الأعمال
الروائية الادبية، في حين يتم في الغالب تجيير التوظيف الادبي للمنتجعات الترفيهية
والفنادق السياحية كمسرح لأحداث الاعمال الأدبية الرومانسية. وبحكم أن لكل قاعدة
شواذ فلهذا أبدع الروائي والفيزيائي اللبناني الموهوب ربيع جابر (نال جائزة البوكر
العربية في الادب عام 2012م) في توصيف مآسي الحرب الأهلية اللبنانية من خلال
التركيز على (معركة الفنادق) في وسط مدينة بيروت ولهذا لا غرابة أن تحمل روايته
الرائعة عنوان (طيور الهوليدي إن) إشارة إلى الفندق الشهير الذي جرت حوله حرب
طاحنة عام 1975م. في جبهة القتال تلك في وسط بيروت تم تحويل فنادق الخمسة نجوم
(مثل الهوليدي إن والبالم بيتش وسانت جورج والنورماندي) إلى منصات لإطلاق الصواريخ
وشرفات لتسديد رصاص القناصة. ومن هذه المنتجعات السياحية الرائقة انطلقت شرارة
الحرب وانتشر أوراها ليشمل جميع الطوائف الدينية والسياسية والعرقية في أرض لبنان
الكبير.
دراما تغير ارتباط الفندق بالبهجة والسكون
إلى ارتباطه بالفظائع والاهوال لم تتمثل في مكان آخر أكثر مما تمثلت في فندق (دي
ميل كولين) في قلب العاصمة الرواندية كيجالي. في عام 1994م حصلت الكارثة الانسانية
الفظيعة عندما نشبت حرب الابادة الجماعية في جمهورية راوندا الافريقية وهنا تمت
المجازر الوحشية بقتل مئات الالف خلال
أشهر قليلة تم فيها تصفية 75% من أفراد قبيلة التوتسي على يد المتطرفين من قبيلة
الهوتو. وبمناسبة مرور عشر سنوات على هذه الكارثة الانسانية غير المسبوقة في
التاريخ البشري قام الكاتب والمخرج الايرلندي تيري جورج الحاصل على جائزة الأوسكار
بكتابة سيناريو واخراج فلم (فندق رواندا). تدور أحداث الفلم عن قصة حقيقة تمثلت في
قيام مدير ذلك الفندق (وهو من قبيلة الهوتو) بإنقاض حياة أكثر من 1200 شخص من
قبيلة التوستي وحمايتهم داخل ذلك الفندق الذي تم محاصرته بأفراد ميليشيا عصابات
الهوتو المتعطشة للقتل والاغتصاب. وبهذا تحول فندق الرفاهية والترف إلى ما يشبه
مخيم الاعتقال تحاشرت فيه عدة اسر في الغرفة الواحدة لتستمر هذه المأساة لعدة شهور
حتى تدخل وفد من الامم المتحدة لتأمين خروجهم الآمن من فندق الموت ذلك.
ومن الحرب الاهلية اللبنانية والرواندية
ننتقل إلى الحرب الأهلية اليوغسلافية الشنيعة التي سبقت بسنوات قليلة كارثة راوندا
ومرة أخرى نجد أن الفنادق السياحية كان لها دور في مجريات الأحداث المأساوية في
تلك الحروب الشنيعة. في زيارتي السياحية قبل فترة قصيرة لمدينة سراييفو عاصمة
البوسنة علمت على أرض الواقع لماذا كان موقع فندق (الهوليدي إن) يقع في أخطر موضع
للقتل في أرض البلقان. وحتى هذا اليوم وبعد مرور أكثر من عقدين من الزمان على
انتهاء الصراع المسلح في أرض البوسنة ما زالت المنطقة القريبة من فندق الهوليدي إن
في سراييفو تعرف باسم (زقاق القناص Sniper Alley) في حين ان البعض يصفها بأنها منطقة (أرض
الصفر ground
zero) وهو المصطلح المستخدم لتوصيف المنطقة القريبة من (بؤرة) الكوارث
أو الحروب أو الزلازل أو الوباء حيث تقع اشد انواع الضرر والاصابات. مدينة سراييفو
كانت (ولا تزال) تفتقر لفنادق ضخمة من طراز رفيع والاستثناء الوحيد لها هو فندق
الهوليدي إن الذي تم بنائه بشكل خاص عندما استضافت تلك المدينة الحدث الرياضي
الضخم الذي ما زالت تفخر به وهو الالعاب الأولمبية الشتوية لعام 1984م. لهذا السبب
اصبح هذا الفندق بالذات مقر إقامة كبار الزوار للمدينة وبالطبع الخيار الامثل
لرجال الصحافة والاعلاميين الذين قدموا لاحقا لتغطية أخبار الحرب الاهلية
اليوغسلافية.
ومن الطرائف المترتبة من وقوع الفندق في
قلب ساحة المعركة أن مراسل هيئة الاذاعة البريطانية BBC
في سراييفو مارتن بيل قال (من هذا الفندق أنت لا تحتاج أن تذهب لتغطية أخبار الحرب
.. الحرب هي التي تأتي إليك إلى مقر اقامتك). وبالفعل العديد من المراسلين
الاعلاميين في العاصمة البوسنوية وصفوا في تقاريرهم الاخبارية تعرضهم وهم في
الفندق للقصف بالقنابل فضلا عن مئات الحالات المتكررة لتعرض غرف الفندق لطلقات
الرصاص من القناصة من جهة المباني العالية القريبة من الفندق.
الجدير بالذكر أنه كما كانت ساحة الفنادق
(ومنها فندق الهوليدي إن) في وسط بيروت هي نقطة بداية اشتعال الحرب الأهلية
اللبنانية فكذلك شهد فندق الهوليدي إن في
سراييفو انطلاق شرارة الحرب الاهلية اليوغسلافية. في مطلع شهر مارس من عام 1992م
تم الاعلان الرسمي عن استقلال البوسنة والهرسك وذلك تحت معارضة شديدة من صرب البوسنة.
وبعد ذلك بشهر وبالتحديد في يوم 6 أبريل تم حشد مظاهرة ضخمة مؤيدة للاستقلال أمام
مبنى البرلمان في وسط سراييفو والقريب جدا من موقع فندق الهوليدي إن. وعندما بدأت
المظاهرة البشرية الحاشدة في التحرك نحو فندق الهوليدي إن الذي يقيم فيه الصحفيين
الاجانب تم إطلاق النار من داخل الفندق نحو المتظاهرين السلميين. وهنا تدخلت القوات الحكومية البوسنوية وقصفت الفندق
ثم تمكنت من القبض على القناصة التابعين لمجرم الحرب اللعين رودوفان كارادتش قائد
ميليشيا صرب البوسنة والتي ردت بحصار مدينة سراييفو وقصفها من أعلى الجبال المحيطة
بها ومن هنا بدأت الحربية الاهلية الشنيعة.
هل الفنادق من ضحايا الحروب
الصحافة (مهنة المتاعب) كما يقال والاخطر
من ذلك مهنة المراسل الاعلامي في ساحات الحروب والصراع والكوارث وفي الغالب ومن
باب المحافظة على سلامة رجال الصحافة هؤلاء يفضل دائما أن تتم إقامتهم في فنادق
محددة ومعروفة من قبل جميع الجهات المتصارعة. وكما هو متوقع كم من الجرائم
والكوراث يتم ارتكابها أثناء الحروب ولهذا غالبا ما يكون المراسل الصحفي شخصية غير
مرحب بها حتى من الدول التي تدعي الديمقراطية وحرية الرأي بزعمهم.
بالرغم من جرائم الصرب في الصراع المسلح
في أرض البلقان إلا إن فندق الهوليدي السالف الذكر استمر لمدة ثلاث سنوات وهو مقر
إقامة العشرات من رجال الاعلام الاجانب الذين كانوا ينقلون للعالم الخارج الكوارث
المصاحبة لحصار مدينة سراييفو. قارن هذا الامر بما حصل مع الجيش الامريكي وقت حصار
وغزو مدينة بغداد عام 2003م عندما قام جش الغزو الامريكي بعملية شبه متعمدة لترويع
رجال الصحافة ودفعهم بطريقة أو أخرى لمغادرة ساحة الصراع حتى لا يتم توثيق
العمليات العسكرية العدائية. وكما حصلت مأساة شنيعة يوم السادس من أبريل من عام
1992م في فندق الهوليدي إن بمدينة سراييفو حصل أمر مشابه بعد ذلك بعشر سنوات تقريبا
في يوم الثامن من ابريل عام 2003 في فندق فسطين (الميريديان سابقا) بمدينة بغداد.
كما هو معلوم اليوم الموثق تاريخيا لاحتلال مدينة بغداد كان يوم 9 أبريل عام 2003م
ولهذا كانت القوات الامريكية تجهز لهجوم كاسح على المدينة ولهذا ليس من باب
المصادفة حصول حادثة الاعتداء على فندق فلسطين قبل ذلك بيوم واحد حيث قامت دبابة
أمريكية بإطلاق قذيفة نحو الفندق الغاص برجال الاعلم والصحفيين الاجانب من جميع
الجنسيات. وبحكم أن سطح وغرف فندق فلسطين كانت تستخدم كغرف أخبار لنشر أحداث الغزو
الامريكي لهذا كانت خسائر عملية الترويع الامريكية فادحة: مقتل مصور وكالة رويترز
للأنباء ومقتل مراسل قناة الاخبار الاسبانية واصابات ثلاثة صحفيين اجانب بجروح
خطيرة.
الجدير بالذكر أنه بعد اندلاع الحرب
الاهلية في العراق بعد الغزو الامريكي تعرض فندق فلسطين المنكوب لعملية تفجير
بواسطة شاحنة مفخخة وهذا ما تكرر مع العديد من فنادق بغداد الكبرى مثل فندق
الحمراء (والذي انتقل له رجال الصحافة الاجانب)
وفندق الشيراتون وفندق بابل وفندق القدس وفندق جبل لبنان وغيرها.
وبحكم أن عمليات تفجير الفنادق (سيرة
وانفتحت) لعل من الملائم الاشارة السريعة إلى ظاهرة (تلازم السياسة والفندقة) فليس
فقط ارتبطت الفنادق والمنتجعات السياحية بحصول بعض كبرى الاحداث والاتفاقيات
السياسية وهو موضوع شيق يستحق مقال مستقل
إذا علمنا مثلا أن الدستور الايرلندي كتب في غرفة فندق أو أن رؤساء بريطانيا وامريكا
وفرنسا (تشرشل وروزفلت وديغول) كانوا يعقدون اجتماعاتهم اثناء الحرب العالمية
الثانية في فندق الرتز بلندن. لكن في
المقابل نجد كذلك ان الفنادق ونزلائها تعرضوا لمصائب السياسية وكانوا من ضحايا
الحروب والصراعات المسلحة. ربما كانت أقدم وأشهر عملية تفجير لفندق سياحي بسبب
الخلفيات السياسية قيام العصابات الصهيونية بتفجير فندق الملك داود بالقدس عام
1946 آخر زمن الانتداب البريطاني لفلسطين حيث كان هذا الفندق يستخدم كمركز لإقامة
حكومة الانتداب البريطانية وذهب ضحية هذه الجريمة النكراء 91 قتيل. ومن ذلك
التاريخ وحتى يوم الناس هذا والفنادق السياحية تتعرض للهجمات والتفجيرات الارهابية
والقائمة المخزية تطول وتطال كل بلد وشعب ومنها على سبيل التذكير: تفجير فندق
الراديسون ساس بمدينة عمان الاردنية وتفجير فندق الماريوت بالعاصمة الباكستانية
وتفجير فندق الهيلتون بمدينة طابا السياحية المصرية وتفجير فندق غزالة في شرم الشيخ
وتفجير فندق ماجيستك بالدار البيضاء وتفجير فندق الرتز كالرتون في جاكرتا وطبعا
خبر عادي ومتوقع ألا وهو تفجير العديد من الفنادق في العاصمة الصومالية مقديشو أو
تفجير فندق كورنثيا بالعاصمة الليبية طرابلس أو تفجير فندق المريديان بدمشق.
وإذا كانت بعض الفنادق تعرضت للأعمال
التفجيرية الارهابية (مع استثناء تفجير المقاومة الكويتية لفندق الهيلتون الذي كان
تقيم فيه قيادات الجيش العراقي التي غزت الكويت عام 1991م) فإن بعض الفنادق تعرضت
للهجوم المسلح والاقتحام المباشر للفندق وقتل أو خطف النزلاء المقيمين به. من اشهر
عمليات الهجوم واقتحام الفنادق تلك كان قتل 31 شخصا اثناء الهجوم المسلح على فندق
تاج محل العريق بمدينة بومبي الهندية واقتحام فندق إمبريال بمدينة سوسة التونسية
الذي خلف أربعين قتيل واقتحام فندق بيلا فيستا بمدينة الغردقة الساحلية وقبل اشهر
قليلة قام عدد من المهاجمين باقتحام فندق إنتركونتيننتال بالعاصمة الافغانية كابل
مما أسفر عن اصابة ومقتل عدد من (السياح)
علما بأن نفس هذا الفندق قد تعرض لاقتحام مسلح قبل ذاك بسبع سنوات.
لا أعلم قارئي العزيز هل انتبهت لتوصيف
نزلاء فندق كابول بأنهم (سياح) ولكن هذا بالفعل توصيف واقع الحال فتوجد حاليا بعض
الشركات السياحية العالمية تنظم لبعض المجانين في هذا الكوكب رحلات سياحية لمناطق
الصراع المسلح كما في أفغانستان أو العراق بل وحتى سوريا والصومال. يبقى أن نقول
أن حب المغامرة والاثارة بالإضافة للطيش والسفه لن يمكن لأي سائح للسفر لهذه المناطق
الخطرة ما لم يكن كذلك شخص ثري فمثلا في عام 2010 كانت (الرحلة السياحية) إلى
مدينة بغداد تكلف السائح الغربي مبلغ لا يقل عن عشرة الاف دولار !!.
عندما يصبح الفندق بحد ذاته أيقونة سياحية
بقي
أن نقول بعد هذه الجولة السياحية في العلاقة بين السياسة والفنادق وتأثير
كلا منهما بالآخر أن للسياسة فضل على بعض الفنادق لدرجة أنها أصبحت بحد ذاتها
(معلم سياحي مشهور) يزوره السياح ليس للإقامة فيه ولكن لمشاهدته والتصوير معه.
مدينة لندن هي وجهة سياحية من الطراز الاول ولكن أهل لندن أنفسهم في كل صيف
يتوجهون نحو اقرب منتج سياحي لهم وهي مدينة برايتون الساحلية. ومن (المعالم
السياحية) البارزة في مدينة برايتون زيارة (فندق برايتون الكبير GBH)
وسبب شهرته أنه تمت فيه عام 1984م محاولة اغتيال رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت
تاتشر حيث تم تفجير هذا الفندق من قبل حركة الجيش الايرلندي الجمهوري IRA
أثناء إثناء إقامة المرأة الحديدية فيه هي وجميع افراد طاقهما الوزاري. وعلى نفس
النسق تقريبا أصبح فندق الأمباسدور في لوس انجلوس موقع زيارة للعديد من الاشخاص
المتعاطفين مع أسرة كينيدي الامريكية حيث حصل في هذا الفندق حادثة اغتيال
السيناتور والمرشح الرئاسي روبرت كيندي شقيق الرئيس الامريكي المقتول جون كينيدي.
بينما الموتيل أو فندق لورين في مدينة ممفيس الامريكية حيث تم اغتيال مارتن لوثر
كنج الناشط السياسي الامريكي في حقوق الانسان والحاصل على جائزة نوبل للسلام تم
تحويله الآن إلى متحف تذكاري لحركة الحقوق المدنية الامريكية التي ناضل في سبيلها
ذلك القس الاسود ذائع الصيت.
بلا أدنى شك قد يكون (فندق الرشيد) في وسط
بغداد أكثر فندق تردد أسمه في وسائل الاعلام لعقود طويلة وله شهرة طاغية لارتباطه
الوثيق بالحروب ودنيا الاعلام المرئي. شهرة فندق الرشيد متجذرة ليس فقط لأنه تمت
فيه محاولة اغتيال نائب وزير الدفاع الامريكي بول وولفيتز عن طريق رشق الفندق
بثمانية صواريخ، ولكن كذلك لأن فندق الرشيد ربما يكون الفندق الوحيد الذي تم قصفه
من قبل القوات الامريكية بصاروخ كروز اثناء انعقاد مؤتمر لنصرة العراق زمن حرب
الخليج الثانية. وبعد هذه الحادثة أصبح فندق الرشيد مزار لسكان مدينة بغداد ليس
لمشاهدة اثار الدمار علية ولكن للالتقاط الصور لنزلاء الفندق من الغربيين وهم
يدخلون بوابة الفندق الرئيسية بعد ان يطؤوا بأقدامهم لوحة أرضية مرسوم عليها الرئيس الامريكي جورج بوش الاب ومكتوب
عليها (المجرم جورج بوش). في تاريخ الاعلام المرئي والقنوات الفضائية قد يكون فندق
الرشيد هو نقطة بداية شهرة قناة CNN العالمية أهم وأشهر قناة اخبارية فضائية على
الاطلاق وكل ذلك بدأ بالبث الحي (صوت فقط) لمراسلي شبكة السي إن إن بيتر آرنت
وبرنارد شو وذلك من داخل إحدى غرف فندق الرشيد. من هذا وذاك يستحق فندق الرشيد بحق
لقب (شاهد على العصر) ولو لا وجوده الان في المنطقة الخضراء بوسط بغداد المحظور
دخولها على الاشخاص العاديين لجزمت أن العديد من المترددين على مدينة بغداد يرغبون
بشدة في رؤية وتصوير هذا الفندق الفريد.
بينما كان العالم يحبس انفاسه لسماع
مراسلي شبكة سي إن إن من فندق الرشيد وهم ينقلون تفاصيل الانتصار الامريكي اثناء
حرب الخليج الثانية عام 1992م كان مراسلي الصحف الأمريكية قبل ذلك بحوالي عشرين
سنة ينقلون أخبار هزيمة الجيش الامريكي المخزية في حرب فيتنام. في تلك الفترة لم يوجد
بعد الاعلام الفضائي أو التلفزيوني المباشر ولهذا كان غالبية الصحفيين الاجانب
يكتبون تقاريرهم الصحفية عن الحرب من داخل غرفهم في فندق القصر القاري Continental
Palace بمدينة سايغون عاصمة فيتنام الجنوبية. ولعل من أشهر هؤلاء
الصحفيين مراسل صحيفة الواشنطن بوست هيو غريينوي الذي استمر في ارسال تقارير عن
الحرب الفيتنامية لعدت سنوات. ولكن أشهر تقرير صحفي له كان توثيق اللحظات الاخيرة
لسقوط مدينة سايغون في الثلاثين من شهر أبريل لعام 1975م. كما أنه وصف آخر يوم له
في ذلك الفندق ومغادرته له إلى مبنى السفارة الامريكية قبل أن يتم اخلائه مع
الاخرين بواسطة طائرة مروحية في مشهد لم تنساه الذاكرة الامريكية بالرغم من تعاقب
الاجيال.
ومما عزز كذلك الشهرة العالمية لفندق
القصر القاري بمدينة سياغون أن الأديب والصحفي البريطاني غراهام غرين اثناء اقامته
فيه كمراسل صحفي لمجلة التايمز ألهم تأليف روايته المشهورة (الأمريكي الهادئ)
والتي تحولت لفلم سينمائي. وبهذا أصبح هذا الفندق أيقونة تاريخية ورمز للحرب
الفيتنامية (الامريكية والفرنسية قبلها) وظهر في العديد من الافلام أو الكتب
المتعلقة بتلك الحرب ولهذا عند زيارتي لمدينة سايغون (مدينة هوشي منه حاليا)
الفيتنامية حرصت على زيارة هذا الفندق الشهير.
في بداية هذا المقال بدأنا بالحديث عن
الاعمال والروايات الادبية وارتباطها بالفنادق وقت الحروب وختمنا هذا المقال
بالرواية الادبية التي استشرفت وقوع الحرب الفيتنامية الامريكية ونتائجها الكارثية
ومع هذا يصعب علينا أن نختم قبل الاشارة إلى عمل روائي بارز يجمع بين حياة الفنادق
والحرب الاهلية. فبعد الحديث عن فنادق الحرب الاهلية اللبنانية والرواندية
واليوغسلافية ننتقل إلى الحرب الأهلية الاسبانية حيث نجد أن المسرحية الوحيدة التي
ألفها الأديب الامريكي المشهور إرنست همنغواي الحاصل على جائزة نوبل في الادب كانت
تدور أحداثها في فندق فلوريدا في وسط العاصمة الاسبانية مدريد. وبحكم أن الحبكة
الفنية لهذا العمل الادبي تدور عن حياة الجاسوسية للعميل السري الامريكي فيليب
الذي يعمل لصالح الجمهورية الاسبانية المحاصرة في مدينة مدريد لهذا تم تسمية هذه
المسرحية بعنوان ملائم نسبيا حيث كان عنوانها (الطابور الخامس). في الواقع لقد
اقام إرنست همنغواي في هذا الفندق بالفعل اثناء عمله كمراسل صحفي عن اخبار الحرب
الاهلية الاسبانية وفي هذا الفندق تعرف على عشيقته وزوجته الثالثة الصحفية والروائية
الامريكية مارثا جيلهورن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق