الشاعر الالماني غوتيه .. حامل لواء شعر قصائد المديح النبوية في نسختها الاوروبية
د/
أحمد بن حامد الغامدي
في نظرة ثاقبة للحياة يقول الأديب الأمريكي البارز
مارك توين: الاشياء ليست كما تبدو عادةً (والبعض يضيف: وكذلك الاشخاص) وهذا ما
تبين لي حقيقته بصورة غير متوقعة عندما اكتشفت أن قراءة رواية من الأدب المكشوف قد
تولد تأثير واعظ. جال بفكري هذا الأمر خلال الايام الماضية عندما شرعت في قراءة
رواية (عوليس Ulysses)
للروائي الايرلندي جيمس جويس الذي يعد أحد أشهر الادباء في بداية القرن العشرين
بينما اختيرت روايته تلك في قائمة أهم 50 كتاب غيرت تاريخ البشرية. مثار الاستغراب
أن تلك الرواية الادبية المثيرة للجدل كان مصيرها في بداية الامر أن منعت من النشر
في بريطانيا وفي الولايات المتحدة نظرا للحكم المسبق عليها بأنه رواية إباحية ولكن
ما لفت نظري أنها في نسختها العربية على الأقل تم تشذيبها وإعادة تأهيلها ليس فقط
ليتم تقليل مشكلة أجواء الأدب المكشوف عنها ولكن لأن بعض المقاطع الأصلية منها
تتحدث عن الموت والقبور والجثث بكفاءة تؤهل توظيفها في سياق الوعظ والزهد من
الدنيا.
على كل حال في مثل هذه الاجواء المشبوهة لهذه الرواية
كان من الغريب أن نلتقي فيها بذكر خبر للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وكأن
سيرته في هذا المساق (وجه غريب في أرض غريبة) وربما يرجع السبب في ذلك أن الكاتب
الايرلندي جيمس جويس كان على درجة عالية من الثقافة لدرجة أنه شحن روايته تلك
بالعديد من الاحداث والاشخاص والمعلومات فعلى سبيل المثال ليس فقط ناقش فيها
القانون الثاني للحركة لنيوتن ولكن ايضا اشار لإعجابه بفن العمارة الاسلامية في
الاندلس وعلق على طريقة تناول الطعام المصري فضلا عن الاشارة لشخصية هارون الرشيد.
أما فيما يتعلق برسولنا الكريم فقد ذكر الكاتب جيمس جويس طرف خبر يدل على مدى
(الرحمة والشفقة) التي يتمتع بها (نبي المرحمة) في تعامله مع الحيوانات فضلا عن رحمته
بالبشر وذلك أنه لم يرد أن يزعج هرة كانت نائمة على طرف ردائه وبدلا من أن يسحب
ثوبه من تحتها بما يتسبب في إيقاظها قام بقطع ردائه من الطرف البعيد عن الهرة. في
هذا المقطع من الرواية يقول السيد بلوم Bloom بطل القصة (ليس من الشفقة أن تزعج الهرة، قد مزق محمد نبي
المسلمين شقاً من عباءته حرصاً على نوم الهرة وراحتها) وإن كانت هذه القصة غلبا
غير صحيحة وهي قصة مجهولة تماما في الثقافة الاسلامية إلا أننا من جانب آخر نستشف
أنه بالرغم من حملة التشويه والتشنيع الحاقدة للنبي الكريم في غالب التاريخ
الاوروبي إلا أنه تسرب لهذه الحضارة أمثال هذه الاخبار والقصص التي تدل على سمو أخلاق
نبي الاسلام وصحة دينة وشريعته. والجدير بالذكر أن قصة الهرة النائمة على بردة
النبي تم ذكرها في كتاب تاريخي رصين للكاتبة البريطانية المشهورة كارين أرمسترونج
خصصته لذكر سيرة الرسول الكريم وكيف أنه (يتميز بأقصى درجات الشفقة ورقة المشاعر)
مما يشر لدرجة شيوع انتشار هذه القصة في الثقافة الغربية.
صورة النبي في الغرب .. تشويه متعمد أم مشكلة معرفية
للأسف الشديد لم يكن في التراث الاوروبي القديم أي شيء
يساعد الغربيين (الفرنجة) على فهم الاسلام كديانة أو معرفة حقيقية نبي الاسلام
الكريم وبحكم أن (أهل الثقافة) والمتعلمين الاوروبيين الاوائل كانوا بالدرجة
الاساسية من الرهبان لذا غلب عليهم العداء المبرمج ضد الاسلام ونبيه الكريم كما وقعوا
في خطيئة الرغبة في (عدم المعرفة) وهو ما أنعكس في جهل كبار رجال الكنيسة المسيحية
بحقيقة دين الاسلام بالرغم من أن طائفة من كبار رهبان الكنيسة الشرقية (مثل يوحنا
الدمشقي) كانوا ممن عاشوا في ظل الدولة الاسلامية في الخلافة الاموية. وعليه إذا
كان الرعيل الأول من رجال الفكر والعلم والدين المسيحي جهلوا أو تجاهلوا حقيقة
الاسلام وسمو نبيه الكريم فلذا لا عجب أن نجد مشاهير الادباء والشعراء الغربيين
وحتى عصر شكسبير يجهلون مكانة النبي الكريم وصحة رسالته.
ربما تكون الملحمة الشعرية (الكوميديا الالهية) التي
ألفها شاعر فلورنسا البارز دانتي في بداية القرن الرابع عشر هي أول عمل أدبي غربي
يتم فيه ذكر نبينا الكريم وبالرغم من أنه توجد اشارات على أن الشاعر الايطالي
دانتي كان على اطلاع بشي من الحضارة الاسلامية (غالبا فكرة الرحلة الخيالية للجحيم
التي تقوم عليها الكوميديا الالهية مقتبسه من كتاب رسالة الغفران لأبو العلاء المعري)
إلا أن دانتي تعمد (عدم المعرفة) ونسب للنبي الكريم أقبح الصفات ومن ثم زعم لعنه
الله أنه شاهده في الخندق التاسع لدائرة الجحيم الثامنة ووصف له طريقة تعذيب شنيعة
هو وابن عمه الامام على رضي الله عنه. في تاريخ الأدب الاوروبي غلبا ما تأتي رواية
(دون كيشوت) الرجل الذي حارب طواحين الهواء للكاتب الاسباني ميجل سيرفانتس والتي
نشرت في بدايات القرن السابع عشر كثاني أهم قصة أدبية من ناحية تطور الروايات
الادبية الغربية. وبالرغم من أن المحور الرئيسي للرواية يدور حول (أخلاق الفروسية)
التي تشير المصادر الغربية نفسها إلى أن (الفرنجة) اكتسبوها من العرب أثناء
احتكاكهم بهم وقت الحروب الصليبية إلا أن الكاتب الاشبيلي الاسباني سيرفانتس سليل
حضارة الاندلس الباهرة وصف في هذه الرواية الرسول الكريم واتباعه بأنهم (مخلوقات
دنيئة الصفة).
خلال عصر النهضة الاوروبية خفت تدريجيا حدة النقد
والتشوية والعداء للنبي الكريم في الاعمال الأدبية والقصائد الشعرية وبدلا من
اتهامه صلى الله عليه وسلم بالعنف والشر والشهوانية أصبح الاتهام يتردد بأنه (نبي
زائف أو مخادع). ومن أشهر الامثلة على الاطلاق في هذا السياق أن الأديب الانجليزي
البارز وليم شكسبير على الرغم من ثقافته الواسعة لم يشر للنبي الكريم بشكل صريح
إلا في سطر واحد فقط وبالتحديد في مسرحية هنري السادس حيث قال فيها (أما كان محمد
تلهمه يمامة was Mahomet inspired with a dove) وكأنه يشير للقصة المنتشرة في الثقافية الاوروبية قديما للدلالة
على أن الرسول الكريم كان محتال في نبوءته (حاشاه ربي) حيث كان يضحك على السذج من بدو
الصحراء وذلك بأن قام بتدريب حمامة أن تلتقط الحب من أذنه وبهذا كان يخدع أصحابه
أن روح القدس جبريل يبلغه الوحي بالهمس في أذنه.
عصر الانوار وبداية رؤية الأنوار المحمدية
من المعروف أن الصراع الديني والطائفي كثيرا ما يسوق
لظاهرة (الفجور في الخصومة) بمعنى أن الشخص المتعصب دينيا لا يعترف على الاطلاق
بأي فضيلة لخصمة ويحرص دائما على نسبة جميع الشرور والنقائص له ويكون من جراء ذلك
الوقوع في (خطيئة الرغبة في عدم المعرفة) كما سبق ذكره. ولهذا عندما بزغ عصر
الانوار في اوروبا في بداية القرن الثامن عشر خفت بشكل ملحوظ شدة (العداوة) للدين
الاسلامي ليس فقط بسبب ضعف هيمنة الديانة المسيحية المتعصبة ولكن لأن الاوروبيين
بدأوا في التعرف على العالم الاسلامي من خلال ترجمة القرآن الكريم والعديد من
الكتب العربية والاسلامية (ظاهرة الاستشراق) وكذلك من خلال قيام العديد من
الاوروبيين بالرحلات الاستكشافية للبلدان العربية وايضا وصول العديد من البعثات
الدبلوماسية الاسلامية إلى عواصم الدول الاوروبية. وبحكم أن مرحلة (التعارف) بين
المجتمعات الاسلامية والمجتمعات الاوروبية احتاجت لبعض الوقت لهذا لا غرابة أن نجد
بعض الادباء والشعراء والمفكرين يقعون في حالة (الحيرة والتناقض) في نظرتهم لشخصية
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك أن أهم
الرموز الادبية والفكرية لعصر الانوار وهو الاديب الفرنسي المشهور فولتير في بداية
أمره كان قد كتب مسرحية سماها (التعصب أو النبي محمد) والتي وصم فيها الرسول
الكريم بالخداع والاستبداد والنفاق. ويقول بعض المفكرين ومن ضمنهم مصطفى العقاد أن
فولتير لم يقصد انتقاد شخصية الرسول حرفيا لكنه اراد انتقاد سلطان الدين المسيحي
بطريقة غير مباشرة أي كأنه يهاجم من خلال الاسلام الدين بشكل عام. على كل حال لقد
تغيرت نظرة فولتير كثيرا للنبي الكريم بعد أن تقدم في العمر ونضج فكريا فنجده بعد
حوالي ثلاثين سنة من نشر تلك المسرحية المهينة يقول عن الرسول الكريم في كتابه
دراسة عن الأخلاق: (لقد كان بالتأكيد رجلا عظيما جدا .. لقد قام بأعظم دور يمكن أن
يقوم به إنسان).
وفي سياق تذبذب حكم الشخص حول موضوع ما نتيجة انتفاء
الجهل في مرحلة لاحقة كما حصل مع فولتير
وموقفة المتناقض في الحكم على النبي الكريم يمكن بدرجة ما أن نفهم الظاهرة المحيرة
لبعض رموز شعراء الحركة الرومانسية في الادب الانجليزي في القرن التاسع عشر حيث
نجد ان بعض مشاهير هؤلاء الشعراء كتبوا قصائد تصب في الذم والانتقاص من الاسلام
ونبيه الكريم ولكن في نفس الوقت كان لبعضهم قصائد أخرى تأتي في سياق تقديرهم
وأعجابهم بالدين الاسلامي وشخصية نبيه. من ذلك مثلا أن كلا من الشاعر الانجليزي
وليم وردزورث وصامويل كولريدج كان قد كتب قصيدة حملت اسم النبي الكريم (محمد) احتوت
على تهجم على شخص النبي الكريم في حين أن شعراء آخرين بارزين جدا مثل اللورد بايرون
والشاعر بيرسي شيلي لهم قصائد واعمال اشتهرت بمدح الاسلام ونبيه كما لهم في نفس
الوقت أشعار أخرى على النقيض من ذلك تماما.
قصائد المديح النبوية .. النسخة الالمانية
وبعيدا عن (مرحلة التيه) المؤقتة لبعض الشعراء اللسان
الغربي في موقفهم من الرسول الكريم نصل إلى (مرحلة الانبهار) الادبي بشخصية الرسول
الخالد للعديد من مشاهير الادباء والشعراء الغربيين وعلى رأسهم شاعر ألماني الأوحد
يوهان غوتيه الذي من شدة اعجابه بالإسلام ونبيه يزعم بعضهم انه ربما كان قد أسلم
بالخفاء. لقد كان للشاعر غوتيه موقف عجيب
من القرآن الكريم ومن نبي الاسلام وهو يعترف صراحة بأنه مدين لشاعريته للشرق الذي
منحه الثراء الروحي لذا كان كثير ما يستشهد و (يقتبس) في كتاباته بالآيات القرآنية
أما إعجابه بالرسول الكريم فقد أنعكس في تأليفه مسرحية أدبية سماها (الدراما
المحمدية) هدف منها بالدرجة الأولى الرد على مسرحية فولتير في ذم الرسول الكريم. ثم
بعد ذلك قام غوته بتأليف قصية شعرية في مدح الرسول الكريم سماها (أنشودة محمد Mahomets
Gesang) والتي تعتبر أول تبجيل للرسول الكريم من
شاعر أوروبي وفيها يظهر شدة انبهار غوته بشخصية الرسول الكريم.
وكما أعجب أشهر اديب ألماني بالرسول الكريم فكذلك هو حال
أهم واشهر رموز الأدب الروسي روسيا إلا وهو الروائي المعروف تولستوي (صاحب رواية
الحرب والسلام) الذي ليس فقط اعترف بشكل جلي أنه (أحد المبهورين بالنبي محمد) بل
أنه قام بتأليف كتاب خاص سماه (مختارات من أقوال الرسول) قام فيها بانتقاء حوالي
ستين حديثا من الاحاديث النبوية الحكيمة يمكن تسميتها على نسق (الاربعين
النووية) بالستين الروسية. ومن سياق أخبار
شدة انبهار بعض مشاهير الادباء الالمان والروس بالرسول الكريم ودين الاسلام لا
نستغرب كثيرا الاخبار غير المؤكدة أن أشهر أديب فرنسي وهو الروائي الاسطورة فكتور
هوغو (مؤلف رواية البؤساء الخالدة) قد اعتنق الاسلام في آخر حياته وغير أسمه إلى
أبو بكر هوغو. وكما سطر غوته قصائد مديح الشمائل المحمدية وأهتم تولستوي بجمع الاحاديث
النبوية الشريفة أهتم فكتور هوغو بأحداث السيرة النبوية فكتب قصيدة شعرية طويلة
سماها (سنوات الهجرة التسع) استعرض فيها سيرة الرسول الكريم ابتداءً من احتفال
الصحابة رضوان الله عليهم بوصوله للمدينة المنورة وانتهاءً بالأيام الاخيرة لمرض
الرسول الكريم ووفاته مستعرضا في ثنايا ذلك خصال الرسول الكريمة ومواقفة النبيلة.
وختاما لو استفضنا في ذكر إعجاب وانبهار بقية مشاهير
الادباء الغربيين بالنبي الكريم مثل الشاعر الفرنسي لامارتين والروائي الانجليزي
إتش جي ويلز والاديب الروسي بوشكين والروائي الفرنسي بلزاك لطال بنا المقام
(والمقال) لكن لا يجدر أن نختم قبل أن نذكر بالأعجاب والثناء الحماسي للأديب
الانجليزي المشهور جورج برنارد شو في حق الرسول الكريم وتأتي أهمية شهادة برنارد
شو الحاصل على جائزة نوبل في الادب (وإن كان رفض استلامها !!) أنه بعد وفاة قبل
نصف قرن أنه لم يأتي بعده أي أديب غربي يفوقه أهمية. في الوقت الذي تتنامى فيه في
الغرب حملات التشوية والاستنقاص للرسول الكريم عبر الرسومات المسيئة واتهامه
بالتعصب والارهاب يجدر أن نذكر بالكلمات الخالدة لبرنارد شو الذي يصف فيها الرسول
بأنه (منقذ الانسانية) ومقولته الخالدة في حق الرسول الكريم (ما أحوج العالم اليوم
إلى رجل كمحمد ليحل قضاياه المعقدة بينما هو يتناول فنجاناَ من القهوة).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق