الثلاثاء، 9 يونيو 2020

( إطلالة دولية من شرفة المنزل )

إطلالة مميزة على أربع دول


د/ أحمد بن حامد الغامدي

يُنقل عن الناشطة الامريكية هيلن كيلر المصابة منذ الطفولة بالعمى والصمم قولها (الشيء الوحيد الأسوأ من العمى أن تكون تبصر ولكن بدون رؤية) وفي أجواء الحظر المنزلي التي نمر بها حاليا الأمر الذي يزيد من مرارة الأسر أن تكون شرفة منزلك تطل على منظر بديع ولكن لا تستطيع الذهاب إليه. الرغبة في (التعويض) وسد النقص الشعوري بإشباع رغبة الانطلاق والانعتاق من المرابطة الالزامية للمنزل قادتنا إلى تبادل مقاطع الفيديو والصور الفوتوغرافية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لبعض المعالم السياحية والطبيعية التي كان يصعب رؤيتها من بعيد بسبب تلوث هواء الغلاف الجوي.
البعض يقول إنه لأول مره أصبح بالإمكان لسكان المنازل المشرفة على كورنيش مدينة الخبر مشاهدة أطياف الأبراج الشاهقة في مدينة المنامة عاصمة مملكة البحرين. كما يتداول مقطع بديع واحترافي لمصور أردني يوثق من مرتفعات البلقاء (شمال مدينة عمان) مشهد ثلاث دول هي فلسطين السليبة وأطراف حدود سوريا ولبنان بالإضافة للصور الشيقة لمدينة نابلس الفلسطينية ولزهرة المدائن القدس. أما من أعلى جبال فيفا فقد قام أحد المواطنين الكرام بالتصوير المنزلي من سطح بيته لمعالم مدينتي صبيا وأبو عريش وغيرها من حواضر سهل تهامة بالإضافة لقمم جبل رازح من أرض اليمن.
الاطلالة الجميلة على منظر طبيعي منساب أو أثر تاريخي خلاب أو معلم حضاري جذاب هي من الأشياء التي تنعش الروح وتزيد في رونق الفندق أو قيمة الدار. وحتى على مستوى الدول والممالك الكبرى نجدها تتزاحم على موطئ قدم لإطلالة على نهر متدفق أو بحيرة فسيحة ولهذا لن نستغرب عندما نعلم أن شلالات المياه الكبرى كثيرا ما تتشارك في الاطلالة عليها أكثر من دولة. كما هو الحال في تقاسم الولايات المتحدة الامريكية وكندا لشلالات نياجارا وإطلالة كلا من زامبيا وزيمبابوي على شلالات فيكتوريا واشتراك كلا من سكان البرازيل وأهالي الارجنتين بالتمتع بسلسلة شلالات إجوازو الهائلة والمذهلة. وبسبب هذا التزاحم الدولي حول هذه المعالم الطبيعية الفريدة تتقارب كثيرا الحدود بين الدول لدرجة أن تتلاقى أطراف ثلاثة دول في نقطة واحدة ليست بعيدة عن تلك الشلالات. فمثلا على بعد عدة كيلومترات فقط من شلالات إجوازو تقع مدينة بويرتو جواسيو الأرجنتينية التي يتمتع سكانها ليس فقط بالإطلالة الخلابة على منظر نهر بارانا المتدفق الذي يغذي الشلالات ولكن أيضا موقع هذه المدينة الفريد يمكن سكان المدينة من الاطلالة المباشرة من نوافذ منازلهم على أراضي البرازيل وكذلك حدود دولة الباراجواي. قد تكون الاطلالة من شرفة منزلك على دولتين مختلفتين أمر يستحق التفاخر به فما بالك إذا كان توجد نقطة جغرافية تجتمع فيها حدود أربع دول دفعة واحدة. غير بعيد عن شلالات فيكتوريا تقع مدينة كازنقولا على نهر زامبيزي وتتميز هذه المدينة الزامبية الصغيرة بأمر فريد لا تشاركه فيها أي مدينة أخرى في العالم حيث إن سكان الضاحية الجنوبية من تلك المدينة بإمكانهم الانفراد بالنظر إلى أراضي ثلاث دول هي زيمبابوي وناميبيا وبوتسوانا.
بلا شك المناطق الجغرافية التي تدعى بالنقطة الحدودية الثلاثية tripoint يكون لها بريق خاص وغالبا ما تصبح مناطق وأقاليم سياحية مميزة وهي وإن كانت جاذبة للسياح والأموال إلا أنها أحيانا قد تكون جاذبة للمصائب والخراب. خذ على سبيل المثال مدينة بان سوب رواك في أقصى شمال تايلند والتي بعد انتعاشها من الناحية السياحية لأنها تقع عند ملتقى نهري رواك ونهر ميكونغ وكذلك لتمتع العديد من فنادقها منازلها بإطلالة على أراضي دولتي بورما ولاوس (وما الصين عنهم ببعيد) إلا أن هذه المنطقة بالذات أصبحت نقطة جذب مكثف لتجار المخدرات لدرجة أن اشتهر تسميتها (بالمثلث الذهبي) لسهولة تهريب وتوزيع المخدرات بها. وبحكم أن هذه المنطقة أصبحت إحدى أكثر المناطق في العالم في تجارة المخدرات أصبحت منطقة مشبوهة وحظيت بسمعة دولية سيئة لدرجة أن الاستخبارات الامريكية CIA هي من أطلق عليها تسمية المثلث الذهبي لتجارة المخدرات وذلك خلال الحملة الامريكية للحرب على المخدرات.
منطقة جغرافية أخرى ثلاثية الحدود واجهت المشاكل المتواصلة بسبب موقعها الفريد هي تلك التي تعرف في كتب التاريخ باسم (ركن الامبراطوريات الثلاثة) وهي تلك الزاوية الحدودية التي كانت قديما تلتقي عندها الإمبراطورية النمساوية والامبراطورية الألمانية والامبراطورية الروسية. وبسبب صراع الجبابرة بين تلك الامبراطوريات المتناحرة لم يكتب الاستقرار والأمان لإقليم الركن الثلاثي وعاصمته الرئيسية مدينة ميسوفيتسه (تقع حاليا جنوب بولندا) حيث عبر التاريخ كثيرا ما تم انتقال ملكيتها لواحدة من تلك الممالك المتصارعة.
في الختام أود أن أتقدم باعتذار خاص لعشاق الأسفار ورواد الأمصار لأنه ربما نتج من هذا المقال تعذيبهم بذكر أخبار الانتقال ومتعة الارتحال ولكن لعل الله أن يفرج عنا جميعا ما نحن فيها ويسعدنا بنعمة السلامة من الوباء وبهجة اللقاء بالأهل والأصدقاء ومتعة السفر للآفاق والارجاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق