الأربعاء، 28 يوليو 2021

( من المنتصر ؟!!)

بعد هدنة الحرب .. كثير ما يتغير التاريخ بشكل صارخ

د/ أحمد بن حامد الغامدي

من المعارك الفاصلة في التاريخ الإنساني تلك التي وقعت أحداثها بالقرب من مدينة حمص السورية وحملت عنوان (معركة قادش) والتي تطاحنت فيها قوات جيوش الإمبراطورية الفرعونية وجيوش المملكة الحيثية. في عام 1274 قبل الميلاد فشل الفرعون المصري البارز رمسيس الثاني من هزيمة عدوه ملك الحثيين مواتللي الثاني وبعد خسائر حربية كبرى من الطرفين تم بعد ذلك بعد سنوات عقد ما يمكن تسميته (معاهدة قادش) وهي هدنة سلام بين تلك الأطراف المتحاربة. الطريف في الأمر أنه عند توثيق بنود هذه المعاهدة باللغة الهيروغليفية على جدران معبد الكرنك بمدينة الأقصر زعم الفرعون رمسيس الثاني أن ملك الحثيين مواتللي الثاني هو من بادر بطلب الصلح مع الفراعنة. وفي المقابل نجد أن نص المعاهدة التي كتبت على لوح من الفضة باللغة الحيثية التي عثر عليها في أحافير عاصمة الحيثيين في منطقة الأناضول تشير إلى أن ملك المصريين رمسيس الثاني هو من جاء يتوسل عقد الهدنة.

لقد بالغ كثير الفرعون رمسيس الثاني في محاولة إظهار أنه هو المنتصر في تلك المعركة التاريخية الفاصلة فنجد له تلك اللوحة الشهيرة المرسومة على أعمدة معبد أبو سمبل في أسوان والتي تمثل ذلك الفرعون وهو يقود بنفسه مركبة حربية في معركة قادش ويطلق السهام على أعدائه وفي منظر آخر نجده وهو يقتل بيده أحد الجنود الحيثيين بينما يدوس بقدمه جندي آخر منبطح على الأرض. ونفس تلك الدعاية المبهرجة عن انتصار رمسيس الثاني نجدها تقريبا بصور مشابهة منقوشة على معبد الرامسيوم المخصص بالكامل لرمسيس الثاني في مدينة طيبة الجنائزية الفرعونية الواقعة حاليا بمحافظة الأقصر. ومن المقرر في صفحات التاريخ أن رمسيس الثاني هو بلا جدال أحد أشهر وأهم فراعنة الحضارة المصرية القديمة وقد أقام وإنشاء العديد من المعالم الأثرية الفرعونية البالغة الأهمية في جميع ربوع مصر القديمة.

ولكن ما هي حال الحضارة الفرعونية بعد ذلك النصر المزعوم في معركة قاديش علما بأنه لا مقارنة من ناحية القوة العسكرية والقدرة الاقتصادية والعمق التاريخي بين الحضارة الفرعونية في ذلك الوقت وبين الحضارة الحيثية. بعد حوالي ثلاثة عقود من وفاة رمسيس الثاني تولى الفرعون رمسيس الثالث مقاليد الحكم وهنا تعرضت الأراضي المصرية لغزو الجيوش القادمة من الغرب من ليبيا والجيوش القادمة من الشمال من جهة رفح وهذا ما شكل نقطة البداية في نهاية قوة الهيمنة للإمبراطورية الفرعونية.  وبعد ذلك بعدة قرون أصبحت مصر الفرعونية في درجة مريعة من الضعف والهوان لدرجة أنه في عصر الفرعون أحمس الثاني أصبحت محل مهانة من الإمبراطوريات المنافسة. وهذا ما دفع الإمبراطور الفارسي قمبيز الثاني بأن يتجرأ ويطلب الزواج بكل صفاقة من ابنة الفرعون أحمس الثاني وعندما حاول أن يتحايل عليه بأرسال ابنة الفرعون السابق له تسبب ذلك في غزو واجتياح الفرس لكامل الديار المصرية الفرعونية. الغريب في الأمر أنه على الرغم من الصورة النمطية لقوة وعنجهية الإمبراطورية الفرعونية إلا أنها تعرضت عبر التاريخ لغزو واحتلال العديد من الشعوب مثل الهكسوس والنوبيين والليبيين والفرس والبطالمة المقدونيين والرومان وغيرهم.

كم تغير التاريخ بعد هدنة وقف الحرب بين الإمبراطورية الفرعونية بالغة القوة وبين المملكة الحيثية الفتية. فهل يعيد التاريخ نفسه ونشهد بداية النهاية للكيان الصهيوني المحتل والغاشم والذي بالرغم من قوته العسكرية الطاحنة يجبر على الموافقة على هدنة إيقاف القتال بينه وبين أهل فلسطين المرابطين والمجاهدين.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق