الأربعاء، 28 يوليو 2021

( من جاكرندا مدينة أبها إلى ساكورا مدينة الطائف )

الورود .. وسيلة جذب سياحي 

د/ أحمد بن حامد الغامدي

في ختام شهر أبريل يوشك مهرجان ( الورد الطائفي ) الذي يقام سنويا في منطقة الهدا والشفا بمدينة الطائف مع بواكير فصل الربيع من نهاية شهر مارس إلى أواخر شهر أبريل، يوشك ذلك المهرجان على الانتهاء وكالعادة دون تغطية إعلامية كافية.
في المقابل تحظى مدينة أبها البهية هذه الأيام بشهرة ذات بهجة مبهرجة بسبب موسم تفتح زهور أشجار الجاكرندا البنفسجية اللون والخلابة والتي تزين طرق وميادين وتقاطعات مدينة أبها عروس الجنوب.
أعتقد أن مدينتي الحبيبة الطائف المأنوس تحتاج (لهجمة مرتدة) في سباق التنافس مع مدن الجذب السياحي ويمكن أن تستفيد من التجربة بالغة النجاح لأشجار الساكورا اليابانية. منذ القدم اشتهرت مدينة طوكيو العاصمة اليابانية بجمال الربيع فيها عند تفتح أزهار شجرة الكرز ( الساكورا ) بأزهارها البيضاء الفائقة الجمال والروعة.
في عام ١٩١٢ ميلادي أهدت اليابان حوالي ٣٠٠٠ شجرة ساكورا إلى الولايات المتحدة الأميركية لتعزير العلاقات بين الشعبين الياباني والأمريكي. وبعد زراعة هذه الأشجار حول ضفاف نهر بوتوماك في قلب العاصمة الأمريكية واشنطن أصبحت تلك المنطقة قبلة السياح والزوار بسبب جمال أزهار شجرة الكرز البيضاء. نفس هذه التجربة الناجحة تم (استزراعها ) في العديد من المدن الدولية الكبرى وذلك عن طريق زراعة أشجار الساكورا وقد (أثمرت) هذه التجربة نجاح باهر بالذات في مدينة هامبورج الألمانية ومدينة فانكوفر الكندية.

لذا نصيحتي لمدينة الورود  أن تحاول منافسة مدينة الضباب أبها في هذه الاجواء الربيعية بزراعة شوارع وميادين مدينة الطائف بشجرة الساكورا اليابانية لكي تنافس شجرة الجاكرندا القادمة في الأصل من أمريكا الجنوبية. علما بأن لمدينة الطائف نفسها تجربة ناجحة في انتشار زراعة شجرة ورد الجوري والتي بدأت قبل قرنين من الزمن بمجرد عدة شتلات من شجرة الورد الدمشقي. العديد من الرحالة العرب زاروا مدينة الطائف وبالرغم من إسهابهم في وصف أشجار وفواكهه ومنتجات الطائف إلا أنهم أغفلوا بشكل غريب الإشارة الواضحة لورد الجوري الطائفي.
ولن نذهب بعيدا في التاريخ لذكر رواد الرحالة العرب الذين زاروا الطائف ولم يشيروا لانتشار شجر الورد بها بل يكفي الإحالة إلى الرحالة المعاصرين مثل شكيب أرسلان وأمين الريحاني. تقول الأسطورة الشائعة أن أحد سلاطين الدولة العثمانية قبل حوالي قرنين من الزمن أهدى شريف مكة عدة شتلات من شجر الورد المجلوبة من الشام. وبحكم أن هذا النوع من الورد لا ينمو إلا في الأجواء الباردة فقد أمر شريف مكة بأن تغرس في قمة جبال الهدا والباقي تاريخ كما يقال.

في مقال نشر قبل فترة حمل عنوان ( النباتات المهاجرة .. النخلة أنموذجا ) أشرت لظاهرة انتقال النباتات بين الدول والشعوب والحضارات. وهو ما يعزز مقترح نقل أشجار الكرز اليابانية لمدينة الطائف ومع ذلك تبقى أغرب قصة في نقل وتهجير النباتات والأشجار ما حدث مع شجرة السرو المجلوبة من كاليفورنيا. في منتصف القرن التاسع عشر جلب ثري إنجليزي لمز عته في مدينة ليفربول نوع خاص من شتلات أشجار السرو أصبحت تعرف باسمه ( leylandii ) وبسبب خواصها المميزة والملائمة لإنتاج سياج شجري كثيف وطويل انتشرت انتشار النار في الهشيم في جميع الحدائق المنزلية في بريطانيا. ومن بضع شتلات استوردت من كاليفورنيا قبل قرن ونصف من الزمن يقدر الآن عدد أشجار السرو ذات الأصول الأمريكية بحوالي ٦٠ مليون شجرة في بريطانيا لوحدها.

وفي الختام في حال تكررت مثل هذه الأحداث الفريدة في سرعة انتشار النباتات المستجلبة يمكن أن نشاهد على سفوح جبال الهدا والشفا بمدينة الطائف عند نشر زراعة أشجار الساكورا ذات الأزهار البيضاء الكثيفة تكرار القصة الطريفة التي حصلت بين الأمير والشاعر الأندلسي المعتمد بن عباد وزجته اعتماد الرميكية. تقول القصة أن تلك الأميرة المدللة شاهدت يوما هطول الثلج على سفوح جبال قرطبة وهو أمر نادر الحدوث في جنوب الأندلس ولهذا طلبت من زوجها أن ينتقل بها للإقامة في منطقة يكثر بها الثلج. وهنا أمر المعتمد بن عباد بزراعة أشجار اللوز بكثافة على سفوح جبال قرطبة لتظهر عند طلوع أزهارها البيضاء وكأن تلك الجبال مغطاة بالثلوج. المعتمد بن عباد كان حاكم إقليمي إشبيلية وقرطبة ولو كان ملكه يمتد إلى مدينة غرناطة لكان ارتاح من هذا العناء فكما هو معلوم تقع مدينة غرناطة بمحاذاة سلسلة جبال (سييرا نيفادا) والتي تعني باللغة الاسبانية بكل بساطة (الجبال الثلجية).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق