الثلاثاء، 5 يوليو 2022

( التعصب الهندوسي يقود إلى أين ؟!! )


 د/ أحمد بن حامد الغامدي

 في فترة من التاريخ كان يقال إن التسامح والتعايش المشترك هو (روح الهند العظيمة) ولهذا ينقل عن أحد الأمراء المسلمين من حكام الهند القديمة وهو آصف الدولة الذي توفي في نهاية القرن الثامن عشر قوله: إن عينه اليمنى مسلمة وعينة اليسرى هندوسية. وقبله بعدة قرون نجد أن السلطان المغولي المسلم جلال الدين أكبر عندما وافق حكمه للهند مرور العام 1000 هجري وصل به التهور والاندفاع في سياسة التسامح الديني لدرجة أنه خرج على الناس بدين جديد سماه (العقيدة الألفية). مدار تلك العقيدة المبتدعة أنه بحكم مرور ألف سنة على ظهور الإسلام فلا بد مع مطلع الألفية الثانية الجديدة من ابتداع شريعة جديدة تدعو للتسامح بين أتباع الديانات والمذاهب وكان من نتائج هذا (الدعوة الإلهية) الجديدة ظهور مبدأ وحدة الأديان واستحسان التقاليد الهندوسية وقبول المسلمين تقديس الأبقار.

ومن تسامح وقبول ملوك ومسلمي الهند للهندوس نصل إلى فترة من التاريخ تقبل فيها بعض أهل الهندوسية الوجود الإسلامي بينهم ونخص بالذكر أشهر رجالات الهند قاطبة ألا وهو الزعيم السياسي البارز المهاتما غاندي صاحب مبدأ اللاعنف والداعي لبث ثقافة التسامح الديني والتعايش السلمي. وعلى خطى السلطان جلال الدين أكبر في بث روح التسامح بين الهندوسية والإسلام دعا المهاتما غاندي بفتح المعابد الهندوسية لأداء الصلاة الإسلامية فيها والعكس بالسماح بالصلاة الهندوسية في المساجد ويقال إن غاندي نفسه قد قرأ آيات من القرآن الكريم أمام جمع من الهندوس في أحد معابد نيودلهي. والجدير بالذكر أنه يقال بأن غاندي قد درس القرآن بتعمق وكان معجبا بسيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كما إنه كان يحضر في شبابه اجتماعات التكية الصوفية عندما كان يقيم في جنوب أفريقيا.

على كل حال عندما نجحت الهند أخيرا في الاستقلال من الاحتلال البريطاني وذلك في عام 1947م حدث ذلك بعد انشقاق سابق في نسيج المجتمع الهندي الذي انشطر إلى دولتين هما الهند وباكستان. وكان من تداعيات ذلك حصول صدامات دامية وعنيفة بين الهندوس والمسلمين خصوصا في مدينة كلكتا والعاصمة نيودلهي. ونظرا لتعرض المسلمين للاضطهاد الأثيم دعا غاندي الأكثرية الهندوسية إلى احترام حقوق الأقلية المسلمة وخاطب الجميع بأنه سوف يصوم حتى الموت ما لم تتوقف أعمال العنف والمجازر المتبادلة. ونظرا لما كان للمهاتما غاندي من نظرة إيجابية بالجملة عن الإسلام وتعاطفه مع حقوق الأقلية المسلمة في الهند وهذا ما تسبب في النهاية في اغتيال غاندي على يد رجل هندوسي متعصب كان يعتقد هو وعشرات الآلاف غيره من الهندوس المتطرفين أن غاندي خائن للديانة الهندوسية بتساهل مع مطالب المسلمين.

كما هو معلوم يعتبر غاندي أحد أشهر الشخصيات السياسية في العصر الحديث وله شعبية كبيرة وواسعة بسبب طرحه لأفكار اللاعنف والتسامح ولذا توجد تماثيل ونصب تذكارية لغاندي في حوالي 70 دولة. الغريب في الأمر أنه في عام 2016م تم في الهند نصب تمثال جديد له علاقة بغاندي أثار جدلا كبيرا حيث إن ذلك التمثال  أقيم في الواقع لتكريم الشخص الذي قتل غاندي. وهذا ما حصل في مدينة ميروت القريبة من العاصمة نيودلهي حيث تم تدشين تمثال خاص للمتطرف الهندوسي ناتهورام جودسي الذي اغتال غاندي ومع ذلك يعتبر الآلاف القاتل جودسي بطلا قوميا لهم لأنه خلصهم بزعمهم من سموم غاندي المفسدة للمجتمع والدين الهندوسي. والأغرب من ذلك أن رئيسة حزب الماهاسابها الهندوسي المتعصب صرحت في تلك المناسبة لصحيفة النيويورك تايمز بأن غاندي يستحق القتل بأن يطلق عليه الرصاص في رأسه كما قامت تلك المرأة المتعصبة والحمقاء والخالية من الدبلوماسية بإطلاق النار من مسدس مزيف نثر الدم على صورة كبيرة لشخصية غاندي. وهذا الحدث يعطي تصور كاشف ومفزع عن حدة حالة التعصب والتطرف والهمجية التي وصلت لها شرائح من المجتمع الهندوسي في الهند المعاصرة.

وبمناسبة الحديث عن التماثيل والنصب التذكارية في الهند ليس من قبيل الصدفة أن يتم في عام 2018م تدشين أكبر تمثال في العالم والذي خصص لتكريم الزعيم السياسي الهندي ساردار فالاباي باتل وهو أول نائب رئيس وزراء في تاريخ الهند وبحكم أنه كان كذلك وزير الداخلية فقد حمل وصف (رجل الهند الحديدي). صحيح أن ساردار باتل ساهم في تجميع الإمارات الهندوسية وتوحيدها ولهذا تم بناء ذلك التمثال الشاهق له (يبلغ ارتفاع نصب تمثال الوحدة 182 متر وهو ما يماثل طول برج مكون من 60 طابق) إلا أن هذا الرجل يشتهر عنه عداءه للمسلمين المقيمين في الهند.

 مستقبل الإسلام في الهند .. كان الله في العون

من هذا وذاك نفهم الأجواء المشحونة حاليا في القارة الهندية ضد المسلمين مع تزايد موجات التعصب والتطرف الداعية لسيطرة الروح القومية الهندوسية وهيمنتها واستعلائها على جميع ما عداها من الأديان والعرقيات والمذاهب الفكرية. منذ مئة سنة وبالتحديد عام 1923م بدأت تظهر في الهند حركة سياسية ذات خلفية هندوسية حملت اسم (الهندوتفا Hindutva) وهي حركة قومية فاشية تدعو إلى هيمنة الثقافة الهندوسية والحكم المطلق العرقي للهندوس وإقصاء جميع الأقليات الأخرى. وبحكم أن الهندوس هم الأغلبية العظمى من الشعب الهندي وبحكم أن تيار الهندكة (الهندوتفا) يقدم القومية العرقية على النظام السياسي فلهذا لا غرابة أن نجد أن العديد من القادة السياسيين للطائفة الهندوسية يسعون لتغير العديد من مواد الدستور الهندي لكي تؤدي في النهاية إلى المزيد من التضييق على الطوائف الدينية والأقليات العرقية وبخاصة الجالية المسلمة. وفي هذا السياق نفهم حرصهم على فرض القانون المدني الموحد الذي يهدد قوانين الزواج والطلاق الإسلامية وكذلك التضييق على استخدام اللغة الأوردية الشائعة بين الجالية الإسلامية بالإضافة إلى محاولة سن قوانين تمنع ذبح أو بيع لحوم الأبقار والبعض من الهندوس يسعى إلى رفع توصيف المساجد بأنها أماكن مقدسة للعبادة وذلك لتسهيل هدمها.

على كل حال منذ مذبحة نيللي التي وقعت عام 1983م وذهب ضحيتها حوالي 1800 مسلم من أصل بنغالي في ولاية آسام الهندية ومرورا بكارثة هدم مسجد بابري الشهيرة عام 1992م وما تلاها من أعمال شغب في بومباي سقط جراءها آلاف القتلى والجرحى وانتهاءً بالتطاول الأثيم والخسيس من قبل المتحدث باسم الحزب الحاكم في الهند بهاراتيا جاناتا ضد الرسول الكريم وزوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كل هذا يدل أن موجة الاضطهاد والأذى والإذلال والتحريض ضد المسلمين هي للأسف في بداياتها والله المستعان.

منذ وصول رئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندرا (مودي) إلى سدة الحكم قبل ثماني سنوات بالتمام والمنظمات والأحزاب الهندوسية المتطرفة (مؤذية) بشكل متزايد ومتصاعد ليس فقط للجالية المسلمة المقيمة في الهند بل كذلك مؤذية لجميع الشعوب العربية والإسلامية من خلال القدح في معتقداتها الدينية والسخرية والاستنقاص من رموزها التاريخية. الجدير بالذكر أن من المبادئ والأهداف التي قد يسعى لها بعض المتطرفون الهندوس تحقيق ما يسمى (الهند الموحدة) وهذا يعنى إعادة السيطرة والهيمنة الهندوسية على كامل الأراضي التي كانت قديما ضمن نطاق حكم الهندوس ولا يستغرب أن يظهر منهم من يطالب بعدوة الباكستان وبنجلاديش وأفغانستان ونيبال والتبت وسيرلانكا تحت حكم هنادكة القرن الواحد والعشرين.

المستقبل في الهند مظلم سواءً بسواء كما كان الماضي القديم فمتطرفي الهندوس لا يقبلون في أرض الهند بوجود وهيمنة أي دين غير الهندوسية فكما هو معلوم ظهرت الديانة البوذية في الهند في القرن الخامس قبل الميلاد. وبالرغم من أن البوذية كانت الديانة الأولى في الهند خلال ألف سنة من ظهورها إلا أنها الآن منحسرة بشكل حاد في الهند. وبالرغم من أن لبوذية هي رابع أكبر ديانة في العالم ومع ذلك فإن عدد البوذيين في الهند قليل جدا في حدود واحد في المئة من الشعب الهندي والغابية العظمى منهم يقيمون في المناطق النائية في جبال الهملايا أو في جزيرة سيلان المنفصلة عن أرض الهند الأم.

والمقصود أن (التعصب الهندوسي قد يقود) إلى محاولة تفريغ الهند من الجالية المسلمة المقيمة فيه وذلك من خلال سياسية التضييق والتطفيش والتهجير ودفعهم للشتات والنزوح الثاني إلى الباكستان. في بداية القرن الخامس الهجري زارع العالم والرحالة الكبير أبو الريحان البيروني أرض الهند وكانت أجزاء كبيرة منها تقع تحت حكم المسلمين. ومع ذلك ينقل لنا البيروني في كتابه المشهور (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة) وجهة نظر الهندوس عن أنفسهم وتصوراتهم عن غيرهم فيقول: (إنهم يعتقدون في الأرض أنها أرضهم وفي الناس أنهم جنسهم وفي الملوك أنهم رؤساؤهم وفي الدين أنه نحلتهم). وما أشبه الليلة بالبارحة وكان الله في عون أهلنا في الهند فالغد والمستقبل بالنسبة لهم مخيف وكئيب.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق