الأربعاء، 11 ديسمبر 2024

( من نساء الموساد المنمقة إلى جوالات الصهاينة المفخخة )

د/ أحمد بن حامد الغامدي

 السبت 1446/3/18

 قبل فترة من الزمن وعند قراءتي لكتاب (نساء الموساد) من تأليف عضو الكنيست والصحفي الإسرائيلي مايكل بار زوهار شعرت أثناء قراءة الكتاب المطول (والذي يعطي تفاصيل تجنيد ومساهمة حوالي 20 امرأة يهودية في عمليات الموساد ضد العرب) شعرت بالغضب ليس فقط لتعدد حالات اختراق نساء العدو للدوائر العليا في العالم العربي، ولكن كذلك لأن بعض هؤلاء المقاتلات الأمازونيات الزانيات (عنوان الكتاب الأصلي باللغة الإنجليزية أمازونيات الموساد The Mossad Amazons) يزعمن في شهادتهن أنهن توصلن لأسرار خطيرة حتى بدون استخدام الجنس أثناء عملياتهن التجسسية وكأنهن يترفعن عن الاعتراف بإقامة علاقة مع الرجل العربي الذي يحتقرنه.

وفي ضوء الأحداث الصادمة التي حصلت في الأيام الماضية في لبنان من التوظيف المخيف لتقنية اختراق أجهزة الاتصال وتنفيذ عمليات اغتيال واسعة النطاق، وعليه ما يهمنا هنا هو ربط ما حصل في لبنان بقصة الجاسوسة الصهيونية سيليفا رافائيل والتي اشتركت في إحدى أنجح عمليات الموساد الانتقامية ضد المقاومة الفلسطينية وهي عملية (غضب الرب). في عام 1972م وأثناء انعقاد دورة الألعاب الأولمبية الصيفية تسلل بعض المناضلين الفلسطينيين من أتباع منظمة أيلول الأسود إلى القرية الأولمبية في مدينة ميونخ الألمانية وقتلوا عددا من أفراد البعثة الرياضية الإسرائيلية واختطفوا مجموعة منهم. ولهذا بعد ذلك بفترة قصيرة صدرت الأوامر إلى جهاز الموساد بتصفية واغتيال قيادات منظمة أيلول الأسود مثل علي حسن سلامة (الأمير الأحمر) ووائل عادل زعيتر ومحمود الهمشري. لقد اشتركت سيلفيا رافائيل في عملية رصد واغتيال وائل زعيتر في مدينة روما كما أنها سافرت بعد ذلك لمدينة باريس للمساعدة في تنفيذ تصفية الدكتور محمد الهمشري الممثل الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية في باريس وقد كان دورها التنكر في هيئة صحفية تقوم بدعوة الهمشري لأحد مقاهي باريس بحجة عمل لقاء صحفي معه في حين يقوم زملاؤها من الموساد بالتسلل إلى شقته بالقرب من شارع الإليزيه.

لقد كانت الخطة المتبعة من قبل أولئك الجواسيس أن ينتظروا خروج زوجة محمد الهمشري وطفلته الصغيرة من الشقة حتى يقع ضرر عملية التفجير عليه فقط وما يثير الحنق والاشمئزاز أن الفيلم السينمائي الأمريكي (ميونخ) الذي صدر عام 2005م والذي تدور أحداثه عن مطاردة الموساد للأعضاء منظمة أيلول الأسود، نجد المشهد الإنساني المزعوم لتردد أعضاء فريق الاغتيال الصهيوني في تنفيذ العملية حتى التأكد من عدم وجود طفلة الهمشري في المنزل. بينما في الواقع الصارخ لجرائم جواسيس الصهاينة أنه قبل أشهر قليلة من اغتيال محمود الهمشري بواسطة التفجير عن بعد حصلت، نفسه عملية التصفية ضد الأديب والمناضل السياسي الفلسطيني المسالم غسان كنفاني وقد تم تفجير سيارته أمام منزله عندما ركب فيها هو ابنة أخته الطفلة لميس والتي قتلت في تلك الجريمة الشنعاء.

على كل حال ما يهمنا هنا وبالعودة لعملية اغتيال محمود الهمشري فحسب وصف كتاب (نساء الموساد) أنه بعد أن غادرت زوجة الهمشري الفرنسية وابنتها الصغيرة الشقة أتصل أحد أفراد الموساد على هاتف المنزل للتأكد من وجود الهمشري وأنه بالقرب من جهاز الهاتف وذلك لأن الشحنة المتفجرة كانت مخبأة تحت طاولة الهاتف وليس في سماعة الهاتف كما يشاع. وبمجرد أن سمع عملاء الموساد صوت الهمشري في الهاتف قاموا مباشرة بتفجير الشحنة الناسفة بجهاز التحكم عن بعد. يزعم مؤلف كتاب (نساء الموساد) أن محمود الهمشري بعد أن تعرض لإصابة قاتلة ودخل المستشفى همس لأحد أصدقائه قبل موته (إنه الموساد .. لا أحد غيرهم يمكنه أن يفعل ذلك). لا شك أن لجواسيس الموساد في القديم والحديث قدرة كبيرة في الرصد والتسلل إلى المنازل والمكاتب ووضع أجهزة التنصت أو حتى المتفجرات كما حصل لعملية اغتيال حسين البشير من جماعة أيلول الأسود في غرفة فندقه بجزيرة قبرص. ومع ذلك من يطلع على الكتب والمؤلفات عن عمليات الموساد الكبرى مثل كتاب (جواسيس جدعون: التاريخ السري للموساد) أو كتاب (عن طريق الخداع : قصة الموساد من الداخل) سوف تمر عليه عشرات النماذج لمثل هذه العمليات الصغيرة مثل زرع أجهزة التصنت أو إخفاء المتفجرات والتي يتدرب عليها عملاء أغلب أجهزة المخابرات العالمية، ولهذا لا معنى كبير من وجهة نظري للعبارة المنسوبة إلى محمود الهمشري رحمة الله (إنه الموساد .. لا أحد غيرهم يمكنه أن يفعل ذلك).

 التقنية في خدمة العدو

تميز وكالة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) في التخطيط والتنفيذ لإجراء العمليات الإجرامية (النوعية) المذهلة لا يتمثل في المهام التجسسية العادية مثل رصد وتتبع واغتيال (الهدف) باستخدام المسدسات الكاتمة للصوت ولا حتى تفجير العبوات الناسفة عن بعد. هذه العمليات الجاسوسية التقليدية تعتمد بشكل جذري على مطاردة الهدف والاقتراب الخطر منه والعمل من على أراضي الدول الأخرى مما قد يسبب لحصول أزمة دبلوماسية للكيان الصهيوني في حال انكشفت عملية الاغتيال كما حصل بين النرويج وإسرائيل عندما قتل الموساد عن طريق الخطأ شخصا مغربيا بريئا في عام 1973م وهم يعتقدون بأنه الأمير الأحمر على حسن سلامة قائد عمليات منظمة أيلول الأسود.

ولهذا في زمن الأنترنت والعالم الرقمي وشبكات الاتصالات تميز الموساد بتنفيذ عمليات تخريبية وتجسسية تستحق أن يطلق عليها توصيف المناضل الهمشري (أنه الموساد .. لا أحد غيرهم يمكنه أن يفعل ذلك). ومن ذلك مثلا عملية الهجوم السيبراني الذي نفذه عملاء استخبارات العدو الصهيوني بالتعاون مع عناصر جهاز الاستخبارات الأمريكية CIA في عملية التخريب الإلكترونية ضد البرنامج النووي الإيراني وذلك في صيف عام 2010 ميلادي. وفي حين كانت عمليات الموساد القديمة تتمثل في تسلل عناصرها البشرية إلى المنازل والمكاتب والسيارات لزرع أجهزة التنصت أو المتفجرات، نجد أن مقدرة العدو الأثيم تطورت لدرجة استخدام البرمجيات الإلكترونية والتغلغل عن طريق الهاكرز إلى الأنظمة الإلكترونية في البلد الهدف. وقبل ذلك الصيف الساخن بفترة تمكن الموساد من تسريب فيروس إلكتروني يدعى (ستوكس نيت) وهو دودة حاسوبية تصيب نظام تشغيل الويندوز وتتسبب في تعطيل أجهزة الكمبيوتر التي تتحكم وتراقب عمل المنشآت النووية الإيرانية. وهذا ما أسفر عن تعطل أكثر من ألف جهاز من أجهزة الطرد المركزي المستخدمة لتخصيب اليورانيوم الإيراني وتسببت عملية التخريب تلك في اشتعال الحرائق في بعض وحدات المنشآت النووية الإيرانية.

من المشهور عن الصهاينة كثرة تبجحهم وتفاخرهم بقوة الجيش الإسرائيلي وسطوة ونفوذ جهاز الاستخبارات العبري ولهذا وكمحاولة لبث الإحباط في نفوس أعدائهم وخصومهم تكثر الكتب والأفلام المخصصة لإبراز وبهرجة نجاح عمليات الموساد. حتى وإن كانت بعض تلك العمليات التجسسية مجرد ملاحقة واختطاف ضابط ألماني نازي يدعى أدولف إيخمان هرب وتخفى في الأرجنتين ومع ذلك ظهر كتاب كبير الحجم بعنوان (اصطياد إيخمان) هو عبارة عن بروباغندا ودعاية مبالغ فيها. ولهذا مع تعقيد عملية التخريب والتجسس الإسرائيلية ضد البرنامج النووي الإيراني لذا لا غرابة أن تصدر بعض الكتب المخصصة عن نشاط جهاز الموساد في الدولة الفارسية ومن ذلك الكتاب الذي حمل عنوان (استهداف طهران: كيف تستخدم إسرائيل التخريب والحرب السيبرانية والاغتيالات).

وعلى نفس النسق أتوقع في المستقبل المنظور سوف تخرج كتب وتصور أفلاما سينمائية وتنشد أغاني وأهازيج عن نجاح وتفوق استخبارات العدو الصهيوني في توجه ضربة استباقية قوية ومفاجأة لقادة وكوادر مليشيات حزب الله اللبناني. قفزة كبيرة قفزها العدو وجواسيسه من مجرد استخدام الجنس والنساء قبل نصف قرن من الآن في أغلب عملياته الاستخباراتية إلى التوظيف المعقد والمحكم للتقنية الحديثة في مجال الحروب السيبرانية والهجوم الإلكتروني الرقمي المتطور وباستخدام أسلحة غير متوقعة مثل الجوالات وأجهزة نداء البيجر. للأسف عدونا ربح أكثر من معركة في العديد من ميادين القتال العسكرية والاستخباراتية والتقنية والنفسية، ولكن بمشيئة الله أنه في نهاية والمطاف ولو بعد حين سوف يخسر الحرب أمام صمود المقاومة بمختلف جبهاتها الصالح منها والطالح (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق