الاثنين، 21 فبراير 2022

( البحث عن فتوى: حكم تهنئة (المسلمين) بعيد رأس السنة )


 د/ أحمد بن حامد الغامدي

 بعد أن هدأت عاصفة التهاني (أو التناهي) بحلول السنة الميلادية الجديدة ربما يظهر أن طرح مقالي الجديد متأخر في توقيت النشر، ولكن في الواقع أنا تعمدت عدم النشر حتى نهاية الأسبوع الأول من مطلع السنة الميلادية الجديدة. يوم أمس هو يوم الجمعة السابع من يوم يناير وهو لمن لم يعلم بعد هو (أول) يوم في مطلع السنة الميلادية الجديدة 2022 وذلك لأنه وفق التقويم الكنسي للنصارى الأرثوذوكس وهم الغالبية العظمى في العالم المسيحي الشرقي فإن عيد ميلاد المسيح وبالتالي رأس السنة الميلادية الجديدة يكون في اليوم السابع من يناير. لمن يبرر تسويغ التهنئة برأس السنة الميلادية الجديدة وأنه نوع من المجاملة للأقليات المسيحية التي تعيش في العالم العربي ممن قد يكونون جيران سكن أو زملاء عمل، لمن يفعل ذلك ألا يستشعر الحرج بتهنئة القوم في غير موعد عيدهم الفعلي.

الجميع يعلم النقاش والجدل القائم والمتكرر في تحديد موعد (عيد ميلاد المسيح) وأنه بالقطع ليس في يوم الكريسماس الرابع والعشرين من شهر ديسمبر، ولكن كم منا يعلم أن الخلاف في تحديد موعد (رأس السنة الميلادية) لا يقل حده وهو أحيانا يفسد للود قضية بين الطوائف المسيحية المختلفة والمتخالفة. من الأمور المربكة في موضوع تحديد موعد رأس السنة الميلادية الجديدة أن الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية تبدأ رزنامة الأعياد المسيحية فيها بيوم الأول من شهر سبتمبر. بينما كان غالبية النصارى في القرون الوسطى يحتفلون بعيد الميلاد المسيح في أوقات مختلفة تماما مما هو موجود الآن فالبعض كان يحتفل به في اليوم الأول من شهر مارس والبعض في يوم 25 من شهر مارس أو في يوم 14 من يناير. بل في التقويم القبطي القديم المسمى (الرزنامة الإسكندرية) كان رأس السنة الميلادية يوافق أشهر الصيف وليس الشتاء وذلك في يوم 29 أغسطس في حين تحدده بعض الروزنامات البيزنطية بيوم الأول من شهر سبتمبر. وبالمناسبة يعتبر عيد الفصح Easter أو عيد القيامة ثاني أهم الأعياد الدينية المسيحية ومع ذلك لا يوجد أي توافق على الإطلاق في تحديد موعد هذا (العيد الكبير) في الديانة المسيحية بين الكنائس الشرقية (البيزنطية) التي تعتمد في تحديده على السنة القمرية وبين الكنائس الغربية (الكاثوليكية والبروتستانتية) التي تحدده بناءً على حسابات السنة الشمسية.

والمقصود أن الاختلافات والتباينات بين الطوائف المسيحية في تحديد مواعيد عيد الميلاد المجيد أو رأس السنة الجديدة أو عيد الفصح هي اختلافات حادة وجذرية وغير محسومة. وجزء من المشكلة هو أن الطوائف المسيحية الكبرى تستخدم روزنامات وتقاويم زمنية مختلفة وذلك لأن التقويم الميلادي القديم كان قائم في الأساس على استخدام التقويم الروماني الذي فرضه الإمبراطور يوليوس قيصر عام 46 قبل الميلاد. وبالرغم من أن علماء الفلك الرومان حاولوا تصحيح الخلل في الفرق بين السنة الشمسية الفعلية والسنة الزمنية المقاسة بجعل يوم كبيسة كل أربع سنوات إلا أن التقويم اليولياني القيصري لم يكن دقيقاً بشكل كافي وبعد مرور حوالي 16 قرن أصبح مقدار الخلل كبير ومحرج. وهنا نصل للتصحيح الفلكي المشهور الذي قام به بابا الفاتيكان غريغوريوس الثالث عشر والذي لم يتردد في زيادة عشرة أيام دفعة واحدة للتقويم الزمني ومن هنا ظهر ما يسمى بالتقويم الغريغوري المسيحي وبهذا تغير يوم الخامس من أكتوبر لعام 1582م إلى يوم الخامس عشر من أكتوبر. وبحكم أن من فرض هذه الرزنامة الجديدة هو رأس الكنيسة الكاثوليكية فلهذا لم تتحمس الطوائف المسيحية الأخرى في تبنيها وتقبلها فمثلا الكنيسة البريطانية بحكم أن لها نوع استقلال فإنها لم تتقبل التقويم الجديد (وتحديد موعد رأس السنة) إلا بعد مرور قرنين من الزمن من اقتراحه وهذا ما تكرر مع بعض الشعوب والدول البروتستانتية. بينما أغلب الشعوب والكنائس الأرثوذكسية الشرقية لم تتقبل التقويم الغريغوري إلا في بداية القرن العشرين ومع ذلك ما تزال بعض أشهر الكنائس الشرقية مثل كنيسة المهد وكنيسة القيامة في القدس وغيرها من الكنائس الأرثوذكسية الروسية واليونانية والبولندية ترفض استخدام التقويم الغريغوري. وعليه يقع احتفال هذه الكنائس الأرثوذكسية برأس السنة الميلادية في يوم السابع من يناير والذي هو وفق تقويمها اليولياني الروماني يعتبر يوم الخامس والعشرين من ديسمبر.

 الكنيسة (الأرثوذكسية) يعني اسمها باللغة اليونانية: الرأي القويم أو الاعتقاد الصواب ومع إيماننا الجازم بالانحراف العقدي لهذه الكنيسة وغيرها من الطوائف المسيحية إلا أن في اسمها معنى قد يكون مقبولا فيما يتعلق بموعد رأس السنة الميلادية مقارنة بالكنائس والطوائف المسيحية الأخرى. في أغلب ثقافات الشعوب يكون مطلع العام الجديد أو رأس السنة متوافقا مع حدث تاريخي مهم (الهجرة النبوية في التقويم الإسلامي) أو مع عيد ديني (عيد النيروز في السنة الفارسية) أو ظاهرة فلكية (بداية الدورة القمرية في السنة الصينية). لكن الأمر محير ومربك فيما يتعلق بسبب الاحتفال برأس السنة (( الميلادية )) فإذا كان المقصود به (ميلاد) المسيح عيسى عليه السلام فلا يتوافق موعد عيد ميلاده الذي يقع كما هو معلوم في ليله 24 ديسمبر ونهار 25 ديسمبر مع موعد رأس السنة الذي يقع في الأول من يناير. عدد الأيام (السبعة) التي تفرق بين توقيت عيد الميلاد وموعد رأس السنة هي في الواقع مرتبطة ليس بعيد الميلاد، ولكن بما يسمى (عيد الختان المسيح) Feast of the Circumcision of Christ وهو بهذا مشابه لفكرة (سبوع) الطهور أو سبوع المولود الجديد والذي يحتفل فيه في اليوم السابع للولادة بوليمة feast العقيقة.

العديد منا في المجتمعات العربية والإسلامية يتحرج كثيرا من تهنئة الغير بعيد الميلاد (الكريسماس) بينما يتساهل البعض منا في إرسال وتبادل التهاني بمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة (New Year) وذلك على اعتقاد أنها ليست مناسبة دينية مسيحية. التناقض الذي قد يقع البعض منا فيها أنه إذا كنا نتحاشى التهنئة في يوم الكريسماس لأننا لا نقبل أن نتبادل التبريكات بما يزعم أنه مناسبة (مولد الإله المخلص يسوع) فكيف نقبل ان نشارك في التهنئة في مناسبة دينية في يوم رأس السنة تتوافق مع مناسبة أشنع وأفظع وهو الزعم بأنه عيد (ختان الإله) أو عيد طُهور ابن الرب تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا. الجدير بالذكر أن (عيد ختان المسيح) الذي يتوافق مع رأس السنة الميلادية له قدسية كبيرة عند النصارى لأنه عند لحظة الختان تم لأول مرة (سفك دم المسيح) وذلك في سبيل خلاص البشرية وفداء الإنسان.

وبغض النظر عن الأبعاد الدينية الصارخة والصريحة في مناسبة مطلع السنة الميلادية الجديدة تبقى من دواعي الاستنكار لاحتفال المسلمين بهذا العيد المسيحي أنه في الغالب فإن الفطر السليمة تأنف من تقليد الآخرين في خصوصياتهم الدينية والحضارية الصرفة. على سبيل المثال نجد أنه بعد ثلاثة أسابيع وبالضبط في أول يوم من شهر فبراير سوف يكون توقيت (رأس السنة الصينية) ولنتخيل لو أنا واحد منا قام في ذلك اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بتوزيع ونشر رسائل التهنئة بحلول المناسبة الصينية السعيدة. هل مثل ذلك التصرف الغريب سوف نقبله على أنه مجاملة للشعب الصيني أو زملاء العمل من الصينيين أم سوف نعتبره مبالغة ممجوجة في تقليد الآخرين.

في السابق كانت يكثر في (نهاية) السنة الميلادية تداول فتاوى العلماء والمشايخ في النهي عن (تهنئة النصارى) بعيد الميلاد واحتفالات الكريسماس وأعتقد أننا بحاجة في (مطلع) السنة الميلادية إلى إصدار فتاوى في نهي المسلم عن (تهنئة المسلمين) بعيد رأس السنة الميلادية الجديدة !!.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق