الجمعة، 1 أبريل 2022

( زيارة المتاحف .. فرض عين على كل سائح !! )


 

د/ أحمد بن حامد الغامدي

في تصريح عجيب للرئيس السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف قال (إذا كان الناس لا يحبون الماركسية، فعليهم إلقاء اللوم على المتحف البريطاني) وهذا يعكس الأثر الفكري الذي تلعبه المتاحف في تشكيل الحس الحضاري والوعي الفكري لأفراد والمجتمعات على حدا سواء. والأهم من ذلك أن عدد كبير من المتاحف العالمية المشهورة نجد أن تأثيرها الساحر ذاك ليس فقط على شعب نفس البلد الذي توجد فيه، ولكن على كل من يمر ويطوف بها من سياح وزوار شعوب العالم وكثيرٌ ما هم فهذا متحف اللوفر في باريس يدخله سنويا أكثر من تسعة ملايين شخص بينما المتحف البريطاني يمر به سنويا حوالي سبعة ملايين زائر.

بالمناسبة إذا كانت المتحف البريطاني اللندني ينفر ويمنع من قبول الماركسية فإن متحف اللوفر البارسي قد يغري بالشيوعية بمعنى (شيوع المشاركة) فهذا المتحف بالذات هو أول متحف في التاريخ يفتح أبوابه للعامة من الناس وحصل ذلك بعد اندلاع الثورة الفرنسية ذات الشعار البراق (حرية، إخاء، مساواة). وقد كان من باب المساواة ألا تحتفظ الطبقة المخملية من المجتمع بالحق الحصري من دون الشعب بدخول (قصر اللوفر) الذي كان يقيم فيه الإمبراطور لويس الرابع عشر قبل أن ينتقل للإقامة في قصر فرساي ويحول قصره القديم لمتحف (خاص) يعرض فيه على عليه القوم ونبلاء المجتمع مجموعته الملكية من التحف واللوحات والقطع الفنية الباذخة. في عام 1793م أي بعد حوالي أربع سنوات من اندلاع الثورة الفرنسية منح الجمهور الفرنسي إمكانية الدخول المجاني إلى متحف اللوفر كعلامة على السيادة الشعبية وربما ترددت بشكل أو آخر في جنبات هذه المتحف مقولة آخر وزير مالية فرنسي في العهد الملكي السيد رينية دي فوير: دعه يعمل (دعه يمر) وهي عين المقولة التي سوف تصبح لاحقا شعارا للرأسمالية.

يقال إن في مدينة باريس حوالي 136 متحفا ذات مشارب مختلفة من ناحية المقتنيات وفلسفة ورسالة تلك المعارض وتشير التقديرات أن عدد مجموع زوار هذه المتاحف الباريسية يزيد عن ثلاثين مليون زائر سنويا. إذا علمنا أن باريس مدينة الأنوار وبؤرة الرومانسية وعاصمة العطور والموضة يتردد على معالمها السياحية المختلفة المفتوحة والمجانية حوالي سبعين مليون سائح سنويا بهذا نعلم أن شريحة كبيرة من زوار تلك المدينة لديهم الاستعداد لدفع تذاكر الدخول الباهظة والانتظار ربما لحوالي الساعة في طابور الانتظار قبل التمكن من الدخول لمتحف اللوفر مثلا. وبهذا نعلم أن (سياحة المتاحف) هي مظهر يدل على الرقي الفكري والوعي الحضاري يمارسه مئات الملايين على مستوى العالم ومن جميع الشعوب البشرية.

للأسف واقع (سياحة المتاحف) في عالمنا العربي في جانب منه غامض وفي جانب آخر محبط ومخيب للآمال. سبب الغموض أن تلك المتاحف العربية التي قد تشهد إقبال كبير من الزوار هي في الحقيقة تقع في بلدان تحظى بكثافة عالية من السياح الأجانب ولهذا في الغالب من يتردد على هذه المتاحف هو السائح الأجنبي وليس السائح العربي. على سبيل المثال تحتوي مدينة القاهرة على حوالي 24 متحف نصيبها جميعا من الزوار حوالي خمسة مليون زائر حصة المتحف المصري (الفرعوني) منها حوالي مليون زائر. المحرج في الأمر (المتحف المصري) في مدينة تورينو الصغيرة نسبيا في إيطاليا ربما يستطع أن يحقق تقريبا نصف عدد السياح والزوار المتيمين بالحضارة الفرعونية الذين يزورنها في متحفها الأصلي الشهير في ميدان التحرير بقلب مدينة القاهرة.

في العام الأول لافتتاح المتحف المدهش (متحف اللوفر أبوظبي) بلغ عدد الزوار له أكثر من مليون زائر، ولكن إذا استثنينا العدد الهائل من مجاميع رحلات المدارس فإن عدد الزوار العرب لهذا المتحف تعتبر منخفضة بشكل ملحوظ مقارنة بالزوار من الجنسيات الأجنبية. حال كتابتي لهذا المقال كنت في زيارة قبل يوم واحد فقط لمتحف اللوفر أبوظبي العالمي وللأسف عدد الزوار الخليجين والعرب الذين شاهدتهم كان قليل جدا وربما ينطبق هنا المثل العربي القديم: أزهد الناس بالرجل (وفي رواية بالمتحف) أهلة وذووه. ونفس الأمر تكرر بعد ذلك بيومين في مدينة الشارقة ففي الوقت الذي زرت فيه متحف الحضارة الإسلامية بالشارقة لم أجد مهتم بزيارته إلا عدد من السوّاح الأوروبيين وبالفعل كنت أنا وأسرتي بين أفراد ذلك الوفد السياحي الأجنبي كما قال المتنبي: غريب الوجه واليد واللسانِ. وقد حصل وأن ترددت كثيرا على المتحف الوطني بالرياض وعدد زواره قليل جدا والغريب أنك تشاهد عدد لا بأس من الأجانب يترددون عليه لمحاولة اكتساب معرفة ثقافية عن البلد الذي يعملون به.

المتاحف من الذاكرة إلى الترفيه

بالجملة الأهداف الأساسية لأي متحف هي: توثيق الذاكرة الجمعية (حفظ التراث) ومن ثم التعليم وأخيرا الترفيه والتسلية ولا يخفى على أي زائر لأي متحف أن الهدف الأخير (التسلية والترفيه) هو الدافع الرئيسي لأغلب المتطوفين حاليا بالمتاحف. ولهذا على مستوى العالم تعتبر منافسة وسائل التسلية المتعددة هي من أكثر التحديات التي تواجهها المتاحف و(تسرق) منها زوارها وروادها ومن هذا المنطلق تغيرت استراتيجية القائمين على المتاحف بأن تصبح نقطة ترفيه وتسلية ومتعة جمالية وبصرية. حسب توصيف الدكتور عبدالله الغذامي نحن الآن في عصر الثقافة البصرية ولهذا يطغي الاتصال البصري على التواصل المعرفي وعليه لا ملامة على السائح أن يكتفي بالتقاط صورة خارج متحف مذهل مثل متحف المستقبل في دبي وإن لم يدخله كما يكتفي بالتقاط صورة له أمام برج دبي ولو لم يصعد إلى قمته فالصورة بحد ذاتها متعة وترفيه.

في العديد من المدن العالمية الكبرى توجد بها ظاهرة (مجمع المتاحف) وهو وجود حشد كبير للمتاحف المتقاربة في نفس الموقع الجغرافي وهذا ما نجده بوضوح في مجمع المتاحف في قلب العاصمة الماليزية كولالمبور (الحزام السياحي في بيردانا) أو مجمع المتاحف (متاحف كارتييه) في وسط مدينة فيينا النمساوية وبالتحديد في الحي السابع. نفس هذه الظاهرة الثقافية نجدها في مجمع المتاحف في وسط مدينة واشنطن وهي الناحية التي تسمى: المنتزه الوطني The National Mall وهي تلك المنطقة المستطيلة الواقعة ما بين مكتبة الكونجرس ونصب لنكولن التذكاري والمزدحمة بالمتاحف المحصورة بين طريق وجادة الاستقلال وجادة الدستور. هذه المنطقة الغنية بالمتاحف تعرف اختصارا (بالمول) وهنا تكمن المفارقة فعندنا لا نعرف من (المول) إلا أنه المجمع التجاري الضخم وعندما نسأل ونفتش عن (المجمعات) فنحن نسأل أين يقع (مجمع المطاعم) وفي الغالب للأسف لن يحصل أننا سوف نسأل يوما ما أين يقع (مجمع المتاحف).

في السابق كان إنشاء والعناية بقطاع المتاحف شبه منحصر في حقيقة أن عدد وتنوع وجودة المتاحف هي مرآة ومقياس لمدى التقدم الحضاري للشعوب والدول. وبحكم أن سياحة المتاحف والسياحة الثقافية بالمجمل أصبحت من الروافد المعتبرة في دعم الاقتصاد السياحي وهو سوق ضخم تشير التوقعات أنه على مستوى العالم قد يقترب دخل السياحة من رقم مهول جدا يبلغ الثمانية ترليون دولار. ولهذا أصبح التوسع في (سوق المتاحف) الدافع والمشجع للاستثمار فيه حقيقة أن السائح الثقافي يصرف وينفق أكثر من 60% مقارنة بالسائح التقليدي. ومما سبق ندرك جزئيا دوافع حماس وتنافس الدول الخليجية في الفترة الأخيرة لافتتاح عدد من كبرى مشاريع المتاحف العالمية من الطراز الأول فقبل أسابيع قليلة تم في مدينة دبي افتتاح (متحف المستقبل) الذي يقال إنه أجمل مبنى في العالم. وبعد أن لفتت الأنظار مدينة أبوظبي باستقطاب الفرع الوحيد لمتحف اللوفر العريق إذا بها اليوم تشرع في المنطقة المواجه لمتحف اللوفر في بناء أضخم وأكبر متحف في العالم وهو متحف جوجنهايم أبوظبي الحديث وهو الفرع الثاني لسلسلة متاحف جوجنهابم البارزة في مجال الفنون الحديثة والمعاصرة والموجود في مدينة نيويورك وفي مدينة بلباو الإسبانية. 

أما في واقعنا المحلي فقد أعلن قبل فترة من الزمن عن التصور الأولي لإنشاء أكبر متحف في العالم مخصص للحضارة الإسلامية كما تم قريبا تدشين هيئة خاصة للمتاحف من برامجها تطوير المتاحف الموجودة حاليا واستحداث عدد من المتاحف الجديدة في مختلف مناطق المملكة. ونسأل المولى عز وجل أن يتم قريبا تفعيل هذه الخطط التطويرية لقطاع المتاحف في مدننا المحلية وألا يطول الانتظار والترقب كما حصل معي في زيارة متحف الفن الإسلامي في القاهرة فقد ترددت عليه ثلاث مرات في سنوات مختلفة وكان دائما مغلق بهدف التطوير والصيانة إلى أن تمكنت من دخوله في المحاولة الرابعة. ونفس الأمر حصل مع متحف اللوفر في أبوظبي فمروري محدود على هذه المدينة الواعدة وفي آخر زيارتين لمدينة أبوظبي كنت أتابع هل تم الافتتاح له أو لا حتى حظيت بفرصة الدخل له قبل أيام.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق