د/ أحمد بن حامد الغامدي
الإدمان كلمة سيئة السمعة، ومع الأسف قد يكون لها حالات وأصناف متعددة قد نقع في حبال بعضها دون أن نشعر فالإدمان ليس فقط مرتبط بتعاطي المخدرات. من الحالات المشهورة لبعض صور الإدمان صعوبة الإقلاع عن التدخين ومن الطرائف في هذا الشأن مقولة الأديب الأمريكي مارك توين (الإقلاع عن التدخين أمر سهل .. لقد قمت بذلك مئة مرة !!). وهنا تكمن مشكلة الإدمان على شيء ما تظن بأنك قادر على هجرة أو التقليل من استخدامه أو تعاطيه بينما في الواقع أنت لا تملك (الإرادة) الجازمة لذلك ولهذا ينقل عن الزعيم الروحي الهندي مهاتما غاندي (القوة لا تأتي من القدرة البدنية وإنما من الإرادة التي لا تقهر).
من صور الإدمان الحديثة شدة التعلق والتواصل المستمر مع أجهزة الهواتف الذكية أو الدخول على مواقع التواصل الاجتماعي لدرجة أن بعض الأشخاص مصابون بما يعرف في مجال علم النفس بمرض (النوموفوبيا Nomophobia) وهو رهاب فقدان الهاتف المحمول. للأسف الشديد تتزايد بيننا مع الزمن شدة التعلق بالهاتف الجوال لدرجة أن البعض قد يصاب بالهلع الشديد لمجرد توهمه أنه أضاع جواله أو أنه نسيه في المنزل أو يفزع بمجرد وجوده في منطقة هي خارج نطاق بث شبكة الإنترنت لهاتفة الذكي. وهذا ينعكس على التصرفات السلوكية الغربية مثل الحرص دائما على حمل شاحن الجوال أو تكرار تفقد رسائل الجوال و مواقع التواصل الاجتماعي أو الأغرب من ذلك تكرار لمس الجوال لمجرد الشعور بالطمأنينة بقرب الحبيب القريب من الكف والقريب من العين والقلب.
وفقا لأحدث الإحصائيات من الولايات المتحدة
عن مدة استخدام الهواتف الذكية يعتقد بأن الغالبية من الأشخاص يستخدمون الهواتف
المحمولة لمدة تزيد عن خمس ساعات يوميا أغلبها في استخدام تطبيقات الهاتف الجوال والمصيبة
الكبرى أن الإحصائيات تشير أن بعض شرائح المراهقين قد يقضون على جولاتهم أكثر من
12 ساعة باليوم. من الشائع تسمية جهاز الهاتف (بالهاتف المحمول) وهذا توصيف حرفي
لواقع حالنا مع الجوال فهو تقريبا دائم في أيدينا فوفق تقديرات شركة أبل للهواتف
الذكية يقوم مستخدمو الهاتف المحمولة بتكرار تفقد والتحقق (التشييك) من رسائل
جوالاتهم مرة كل حوالي 11 دقيقة بمعنى أننا ننظر لشاشة الجوال حوالي ثمانين مرة في
اليوم الواحد. ووفق دراسة لشركة بحثية متخصصة في الاستبانات والاستقراءات يتوقع
بأن الشخص العادي يقوم بلمس أو النقر على شاشة الجوال للكتابة أو التصفح حوالي
2617 مرة في اليوم وهذا العدد الضخم في النقر على شاشة الهاتف راجع لاستخدام
الجوال في تبادل المحادثة بالرسائل النصية بل وحتى إرسال الإيميلات. من الطرائف
والغرائب أن للبعض توصيف الهاتف (بالمحمول) ينطبق حتى في النوم ففي دراسة استقرائية
أخرى تشير الأرقام إلى أن حوالي 80% من جيل الشباب ينام والهاتف الجوال بالقرب من
مخدته أو على فراشة وأن النصف منهم قد يقوم بتفقد والتشييك على جهاز الهاتف في
منتصف الليل.
ما سبق ذكره من أرقام وإحصائيات مفزعة هو في
الواقع جزء من الكارثة وكما في المثل الشعبي (ما شفت من البعير إلا أذنه) فلا بد من
أن نأخذ في عين الاعتبار أن هذه الساعات الطوال الضائعة في رفقة (شاشة الجوال) يجب
أن ينضاف لها كم يقضي الطفل أو الشاب اليافع أو حتى الرجل البالغ من وقت إضافي يوميا
وهو ينظر في شاشة الأيباد أو الكمبيوتر أو شاشة التلفزيون. من هذا وذاك نفهم قلق الآباء والمربين والمهتمين
بصحة عيون وعقول ونفسية الكبار والصغار نتيجة لوقوعهم في مشكلة (إدمان الجولات
الذكية).
القارئ العزيز عنوان المقال الحالي هو
(القطيعة) والانفصال بدل الاتصال مع وسائل التواصل الاجتماعي وهذا ولا شك أمر دونه
خرط القتاد كما يقال فحالة الإدمان متجذرة في الروح والبدن. ولهذا بدلا من ذلك سوف
نميل للواقعية أكثر ليس فقط لصعوبة الفطام من التعلق بالهاتف الذكي ولكن لأنه
بالفعل يصعب الاستغناء عنه فالكثير من مهامنا الإدارية والتعليمية والمالية والمعرفية
تتم من خلال جهاز الهاتف المحمول. وعليه سوف يكون من الحكمة أن نحاول التقليل
والترشيد في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وحسب استراتيجية مواجهة الصعوبات
المبثوثة في كتاب (فن الحرب) للفيلسوف والجنرال الصيني القديم سون تزو سوف نستخدم
استراتيجية (الأعمال الكبيرة تتكون من أفعال صغيرة). بمعنى أن هدفا صعبا ومعقدا
والمتمثل في التعافي من الإدمان المفرط في استخدام الهواتف الذكية يمكن التوصل له
من خلال سلسلة من الخطوات والمراحل الصغيرة المتلاحقة. وعليه تم اقتراح خطة من
(سبع نصائح) تساعد على ترشيد التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي وسوف يتم بمشيئة
الله وبمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك تدشين حملة خاصة تحمل عنوان (ترشيد
استخدام وسائل التواصل الاجتماعي). هذه الحملة التوعوية والإرشادية من تنظيم لجنة
التوعية والإرشاد بكلية العلوم بجامعة الملك سعود وبالتعاون مع الأندية الطلابية
في كلية العلوم.
لاحقا بمشيئة الله سوف يتم تحميل الملف
الإرشادي الخاص بالحملة على الموقع الإلكتروني لكلية العلوم بجامعة الملك سعود
والذي سوف يحتوي على مزيد تعريف بالنصائح السبعة والتي هي:
· تقوية العلاقات الاجتماعية الحقيقية بدل الصداقة
مع الغرباء عبر الإنترنت
· مارس هوايات وألعابا لا يوجد فيها شاشات
· قلل من عدد التطبيقات على جهازك المحمول
· الأوقات الفاضلة لا يليق شغلها بتوافه الأمور
· دع هاتفك يمت أحيانا
· أهجر الجوال في غرفة النوم
· تحكم في الزمن مع الجوال
وبالجملة القاعدة الذهبية في التعامل مع وسائل التقنية هو التوسط والترشيد الفطن بين (التفريط) المتمثل في القطيعة المعرفية والردة التقنية بالهجر التام لهذه المخترعات التقنية وبين (الإفراط) من خلال الإدمان والاعتماد الكلي عليها والاندلاع التعلق الوجداني والجسدي بهذه المخترعات.
وفي الختام ومع إقبال الشهر الكريم نود أن نؤكد على النصيحة الرابعة بالأعلى (الأوقات الفاضلة لا يليق شغلها بتوافه الأمور) ويبدو أننا بحاجة إلى أخذ العهود والمواثيق ألا نتجاوز الحد في استخدام تقنية الجولات الذكية. كلنا نعلم ما يسمى (قسم أبوقراط) والمقصود منه الالتزام الأخلاقي الأول من قبل الأطباء: ألا يتسببون في أي ضرر للمريض (First, do no harm). وفي العصر الحديث وبعد تعدد أنواع التقنية والمخترعات التي يمكن أن تسبب الضرر للبشرية أخذ بعد العلماء والمفكرين يطرحون فكرة (قسم أرخميدس Archimedes Oath) وهو أن يتعهد ويقسم العلماء ألا يساهمون في اختراع أي شي مؤذ وضار. وأكثر المجالات التقنية التي تشهد دعوات لتفعيل هذا اليمين و(القسم العلمي) هو مجال تقنية المعلومات ومجال الذكاء الصناعي. فكرة التعهد والحلفان العلمي من قبل المخترعين والباحثين ألا يضرون الغير في مجال الإنترنت وتقنية المعلومات ويمكن أن نوسع هذا المفهوم بأن نقسم ونتعهد ألا نضر أنفسنا في هذا الشهر الكريم. وعليه دعوتنا للجميع أن يكون (قسم رمضان): أحلف وأتعهد ألا استخدم وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من ساعة في شهر رمضان وفقط لما فيه الفائدة وبعيدا عن الإثم والسفه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق