الاثنين، 7 يوليو 2025

( الديناصورات في جزيرة العرب )

 د/ أحمد بن حامد الغامدي

السبت 1446/10/21

في منتصف الأسبوع الماضي تبادلت وسائل التواصل الاجتماعي المحلية خبر الإعلان عن عقد مؤتمر صحفي سيتم من خلاله الإعلان عن (اكتشاف أثري عالي الأهمية) وهو ما أثار أجواء من التشوق والفضول لمعرفة مزيد عن التفاصيل هذا (الكشف) الجديد. بالنسبة لي لا أخفي القارئ الكريم أنني دهشت عندما علمت أن الخبر الموعود لم يكن غير تلك المعلومة شبة المكررة والمعروفة مسبقا بأن جزيرة العرب كانت مروجا وأنهارا كما ورد في الحديث الشريف الذي نقله الصحابي الجليل أبو هريرة.

في دنيا الجيولوجيا كل شيء ممكن وغير مستغرب إذا كان مقياس الزمن بوحدة ملايين السنين (أو بمدة 8 ملايين سنة كما ورد في خبر مؤتمر هيئة التراث) لذا فإن معرفة أن صحراء الربع الخالي القاحلة في جنوب الجزيرة العربية تشير الدراسات الجيولوجية بأنها كانت قاع بحر هائل أمر غير مستغرب كثيرا إذا عرفنا أن ذلك كان قبل زمن جيولوجي سحيق نسبيا يقدر بحوالي 2 مليون سنة. وفي هذا المنظور لم أفهم لماذا الحشد لإعلان خبر أن هضبة الصمّان كانت واحة خضراء قبل زمن جيولوجي غابر يلامس ثمانية ملايين سنة لأن أي فترة زمنية سحيقة من التاريخ سوف يكون لها سجلها المناخي الخاص بها.

في الواقع أتوقع أن أغلب الناس يرغبون في معرفة أن التغيرات المناخية الملموسة قد تحدث في أزمان وعصور منظورة في حدود مئات أو آلاف السنين وليس ملايين السنين. قد يكون من المخيف (أو المشجع) أن نعرف أن المناخ قد يتغير خلال مئات السنوات من الأجواء الماطرة إلى الأجواء الصحراوية أو العكس. لقرون من الزمن كانت منطقة السهول الكبرى The Great Plains في ولايات الغرب الأوسط الأمريكي Midwest هي سلة غذاء أمريكا نتيجة لانتشار زراعة القمح بها. ولكن قبل حوالي مئة سنة وفي فترة الكساد الاقتصادي الأمريكي في فترة الثلاثينيات من القرن العشرين توافقت تلك الأوقات العصيبة مع حصول جفاف خطير في تلك المنطقة وبهذا خلال سنوات معدودة تحولت تسمية السهول الكبرى من (سلة الغذاء) إلى تسمية (وعاء أو طاسة الغبار The Dust Bowl). وبسبب الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي تسبب فيها تغير المناخ والجفاف في منطقة السهول الكبرى ومنع هجرة المزارعين الأمريكان إلى موقع سلة الغذاء الجديدة (كاليفورنيا) أنتجت هذه المأساة الإنسانية واحدة من أجمل الأعمال الأدبية وهي رواية (عناقيد الغضب) التي حققت جائزة نوبل للروائي الأمريكي جون ستاينبيك.

والمقصود أن العصور الجيولوجية السحيقة يمكن أن يحصل فيها أي شيء خارق للمألوف بشكل صارخ ولهذا مجرد تجريف منطقة ما كانت جنة خضراء (مثل السهول الأمريكية أو هضبة الصمّان) ثم تحولت إلى صحراء تذروها الرياح ويغطيها الغبار، هذا في السياق الجيولوجي أمر عادي. الناظر اليوم للجزر البريطانية يتوقع أنها جزيرة واحدة متجانسة بينما يشير علم جيولوجيا الصخور أن بريطانيا في الواقع ناتجة من اندماج وتصادم كتلتين ضخمتين قادمتين من منطقتين تفصل بينهما آلاف الكيلومترات. لقد حصل قبل حوالي 400 مليون سنة أن اصطدمت شظية من قارة أفلونيا القديمة المتحركة من جهة الجنوب مع شظية من قارة لورنشيا المتحركة من جهة الشمال ولهذا طبيعة صخور إسكتلندا تختلف عن طبيعة صخور إنجلترا مع أنهما في الشكل الظاهر جزيرة واحدة !!.

وعلى النقيض من ذلك نجد مناطق جغرافية منفصلة اليوم كانت في الزمن الجيولوجي السحيق مترابطة وبالرغم من أن الرئيس ترامب من الناحية السياسية ليس له حق في طلب انضمام أراضي جرينلاند لبلاده. إلا أنه من الناحية الجيولوجية نجد أنه قبل حوالي 60 مليون سنة كانت أمريكا وأيسلندا وجرينلاند متحدة جميعا في صفيحة صخرية واحدة كانت جزءا من غرب أم القارات القديمة (قارة بانجيا) قبل أن تتسبب حركت الصفائح التكتونية في تفرقها عن بعض ونشوء البحر الأطلسي بينها. وعلى ذكر القارة الأم (قارة بانجيا) التي تفككت منها كل القارات الخمس الموجودة اليوم تجدر الإشارة إلى أن في جنوب تلك القارة العتيقة الهائلة الحجم وقبل حوالي 200مليون سنة كانت القارة المتجمدة الجنوبية (أنتاركتيكا) وقارة أستراليا والشبة القارة الهندية كلها مجتمعة ومتحدة معا قبل أن تتفرق ويذهب كلا في طريقة وتصدم القارة الهندية بقارة آسيا وينشأ عن ذلك تكون جبال الهمالايا. وعلى ذمة علماء الجيولوجيا إذا كانت أم القارات هي قارة بانجيا فإن ما يسمى (أبو المحيطات) وهو بحر التيثيس Tethys كان يغطي مساحات شاسعة من سطح الأرض وعندما انحسر أخيرا خلف وراءه عددا من البحار والمحيطات. وما يهمنا هنا أنه في الزمن الجيولوجي القديم قبل حوالي 170 مليون سنة عندما كانت الجزيرة العربية ملتصقة بالقارة الأفريقية كانت كل هذه المناطق العربية العريقة مغطاة بالكامل بالمياه العميقة لبحر التيثيس. وهذا ما يفسر وجود الهياكل العظمية الضخمة والكاملة للحيتان المتحجرة في صحراء وادي الحيتان بمحافظة الفيوم في غرب مصر وكذلك وجود بقايا أسنان أسماك القرش المتحجرة منذ حوالي 50 مليون سنة والمبعثرة في صحراء خريص شرق مدينة الرياض هذا فضلا عن بقايا حوت ضخم عثر في منطقة الجوف بشمال المملكة ويعتقد أنه عاش قبل 20 مليون سنة.

خبر هام .. قريبا اكتشاف المزيد من الديناصورات

من المعلومات والأخبار الجيولوجية والأثرية التي تم تداولاها منتصف الأسبوع الماضي بعد المؤتمر الصحفي لهيئة التراث أنه للتدليل على أن الجزيرة العربية في الزمن الماضي كانت تحتوي على الأنهار والبحيرات والغابات أنه تم اكتشاف قطع من عظام حيوان فرس النهر في صحراء النفوذ الكبير بينما تم اكتشاف هيكل تمساح ضخم في منطقة ضباء على الساحل الغربي للمملكة. ومرة أخرى هذه الاكتشافات الأثرية بالرغم من أنها بالغة الأهمية إلا أنها بدرجة ما (متوقعة). لدى علماء الجيولوجيا مصطلح علمي لفترة من العصور الزمنية القديمة تسمى (العصر المطير الموستيري Mousterian Pluvial) وهي الفترة الزمنية التي كانت فيها الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا منطقة مطيرة ورطبة وذلك قبل حوالي 50 ألف سنة وهذه فترة بالمقاييس الجيولوجية تعتبر من الأمس القريب. وعليه كما تبين النقوش الصخرية المشهورة في منطقة جنوب الجزائر (نقوش طاسيلي البديعة) أنه حتى العصر الحجري الحديث كانت الحيوانات الكبيرة مثل الفيلة والزراف وفرس النهر والأسود والتماسيح تسرح وتمرح على سهول شمال أفريقيا قبل أن تصبح تلك (الواحات الخضراء) ما يعرف اليوم بالصحراء الكبرى. ونفس ذلك العصر المطير كان سائدا في شمال جزيرة العرب ولذا لا عجب أن نجد عظام التماسيح والفيلة وفرس النهر في أرض المملكة.

ولكن في المقابل من العجب أن نجد أنه مع الزمن وتوالي تنوع مواقع الدراسات الاستكشافية الجيولوجية بدأنا نسمع من زمن لآخر أخبار عن اكتشاف بقايا متحجرات تدل على وجد (الديناصورات) في جزيرة العرب. للوهلة الأولى قد يظهر أن اكتشاف هياكل الديناصورات في منطقة صحراوية أو أرض جافة وقاحلة أمر فيه شيء من التناقض فالمتوقع أن الكائنات الضخمة لا توجد إلا في بيئة الغابات والأحراش. قبل مئة عام وبالتحديد في سنة 1920م أُرسلت بعثة أمريكية من علماء الآثار إلى صحراء جوبي في منغوليا للتنقيب عن آثار البشر القدماء، ولكن بدلا من الكشف عن السجل البشري الأثري اكتشفوا أحد أهم مواقع السجلات الجيولوجية لأحافير الديناصورات. ونظرا للأهمية العلمية في مجال علم الأحافير أصبحت صحراء جوبي الحمراء ومنذ سنوات ضمن قائمة اليونيسكو للتراث العالمي لأنها تحتوي ليس فقط على مئات بقايا هياكل الديناصورات، ولكن لأنه اكتشف فيها أكثر من 80 نوعا وجنسا مختلفا من الديناصورات يرجع تاريخ بعضها حتى 120 مليون سنة.

جنة الديناصورات وعلم الأحافير في قارة آسيا هي بلا منازع صحراء جوبي بينما جنة الديناصورات وعلم الأحافير في قارة أفريقيا هي على أطراف الصحراء الكبرى ونقصد بذلك دولة المغرب الشقيق التي أكتشف بهاء أقدم ديناصور بالعالم والذي يعتقد علماء الأحافير أنه وجد قبل حوالي 168مليون سنة. أما أكبر وأضخم ديناصور مشى على سطح الأرض (والعلم عند الله) والذي يبلغ وزنه 70 طنا وطوله 40 مترا فهو ديناصور (أرجنتينوسورس) وكما يتضح من الاسم العلمي لهذا الديناصور والذي معناه (سحلية الأرجنتين) هو مكتشف قي شمال الأرجنتين والتي تعتبر حاليا من أهم مناطق اكتشاف الديناصورات في العالم. بقي أن نقول إن موقع اكتشاف الديناصورات في الأرجنتين هو في صحراء باتاغونيا القاحلة والتي تعتبر خامس أكبر صحراء في العالم.

من هذا وذاك فإذا وجدت اليوم صحراء جرداء في أي موقع في العالم فهذا لا يعني أنها كانت كذلك في العصور الجيولوجية الغابرة ولهذا يتوقع مع الزمن اكتشاف المزيد من أحافير الديناصورات بالمملكة. في عام 2014م تم الإعلان من قبل فريق بحثي من السويد وأستراليا وبالتعاون مع هيئة المساحة السعودية الجيولوجية عن اكتشاف أول ديناصور في المملكة كان من نوع الديناصورات العاشبة يدعى (برونتوسورس) يبلغ طوله حوالي 20 مترا والذي عاش في شرق المملكة قبل حوالي 72 مليون سنة. وعندما نشر ذلك الخبر العلمي المميز تناقلته وسائل الإعلام العالمية بشكل مكثف لأنه لأول مرة يتم اكتشاف أحافير الديناصورات في جزيرة العرب. وما يهمنا هنا أن إحدى المجلات العلمية الأمريكية المهمة (أخبار العلوم ScienceDaily) عندما نشرت خبر ديناصورات السعودية علق الدكتور توم ريتش من متحف فيكتوريا في أستراليا (إن اكتشاف الأحفورة الأولى عملية صعبة، ولكن عندما يعرف أن منطقة ما تحوي أحافير يكون اكتشاف المزيد من الأحافير عملية أسهل بكثير). ولهذا يمكن التنبؤ والتخيل أنه في السنوات القادمة سوف يتم الاكتشاف عن هيكل ديناصور من آكلات اللحوم مثل ديناصورات التيرانوصور (تي ركس) الشهيرة أو السبينوصور الفتاكة وعندها بحق سوف يكون الإعلان عن تلك الاكتشافات الجيولوجية (اكتشاف أثري عالي الأهمية).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق