الأحد، 4 ديسمبر 2022

( 1444/4/4 أم 2022/2/22 أيهما تاريخ مميز ؟!! )


 د/ أحمد بن حامد الغامدي

استجابة لاقتراح أحد الزملاء الكرام تعودت منذ بضع سنوات أن أسجل تاريخ موعد نشر (مقالتي السبتية) في نهاية كل مقال جديد وقد تنبهت الأسبوع الماضي أن مقال ذاك السبت سوف يحمل (تاريخ مميز) هو 1444/4/4 هجري. وبحكم أن المقال الأخير كان عن (هجاء المولات) فكدت أن ارتكب حماقة أن أعلق في نهاية المقال إن تاريخ نشر المقال هو يوم مميز فلا ينبغي للقارئ الكريم أن يهدر هذه المناسبة في شيء مبتذل مثل التسكع في المراكز التجارية. ومع ذلك أود أن أعترف للقارئ الكريم أنني لم أهضم كثيرا أن مثل هذا (التاريخ المميز) يعني أي شي ذي بال وأنه في الواقع يوم عادي وتقليدي لا يستحق الوقوف عنده تماما كما حصل قبل ذلك بشهور عندما مر علينا في نفس هذه السنة ذلك التاريخ الميلادي المميز المزعوم (2022/2/22). ومع ذلك الجميع شاهد عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة (الاحتفاء والاحتفال) بهذا التاريخ وهذا قادني مباشرة للتفكير والتأمل لماذا مثل هذه الأمور السطحية تثير اهتمامنا بدرجة لم تحصل من قبل في التاريخ البشري بمعنى أن التواصل والتفكير والتجاوب الجمعي عبر التقنية الحديثة يعزز تضخيم الأشياء العادية التي لن تثير نفس الاهتمام لو فكر فيها الشخص بصورة (معزولة) عن الآخرين.

لنفترض أنه عاد بنا الزمن إلى تاريخ يوم 1111/11/11 من التاريخ الهجري في العالم العربي أو حتى تاريخ 1111/11/11 الميلادي في المجتمعات الأوروبية القديمة هل سنجد مجموعة من الناس تتبادل بينها التعليقات بطرافة وظرافة هذه (التواريخ المميزة). أشك في ذلك لأن الناس في هذه الأزمان في الغالب معزولين عن بعضهم البعض وشغلهم الشاغل عن سفاسف الأمور السعي وراء لقمة العيش. بالفعل لقد كانت تلك الحقبة الزمنية قاسية وبائسة فذلك التاريخ الميلادي (1111/11/11) يوافق مطلع القرن الثاني عشر الميلادي وهو زمان يتوافق مع (عصور الظلام) الأوروبية وكذلك التاريخ الهجري (1111/11/11) اي بواكير القرن الثاني عشر الهجري يتوافق مع ما تسمى (عصور الانحطاط) العربية السيئة الذكر.

المفارقة الكبرى أننا ولله الحمد في الوقت الحالي نعيش في رفاهية وترف ولهذا نشغل أنفسنا أحيانا بهوامش الأمور وكأن حالنا كما في المثل الشعبي الدارج (من شبع تبيصر) ومن الفضاوة بدأنا نلتفت لهذا التواريخ الفريدة ونعتبرها مسلية بل قد يحرص البعض أن يختارها لكي تتوافق مع مناسباته السعيدة مثل حفل زواج أو تدشين مشروع تجاري أو حتى موعد للسفر. بينما في القديم كانت التواريخ المميزة أحيانا نذير شؤم ومحل توجس وتخوف. خذ على سبيل المثال حالة الهلع والتوجس التي أصابت أغلب المجتمعات المسيحية الأوروبية على مشارف حلول الألفية الأولى أي مطلع عام 1000 ميلادي. بالرغم من أننا نؤمن أن نبي الله عيسى عليه السلام سوف ينزل في نهاية الزمان إلا أنه بالنسبة لطوائف المسيحيين انتشر لديهم بشكل منحرف تحديد موعد هذا النزول وأنه سوف يقع في نهاية الألفية الأولى. وعندما ينزل المسيح مرة أخرى للعالم فإنه عائد لكي يحاسب ويقاضي لأحياء والأموات وأن هذا المجيء الثاني هو إرهاص للدينونة النهائية أي يوم القيامة. وغني عن القول إنه في هذا التاريخ المميز (1000 ميلادي) شاع الذعر والهلع الشديد بين الشعوب المسيحية بسبب توقع حلول يوم القيامة لدرجة أنه توقف الناس عن أداء أعمالهم وحبسوا أنفسهم في الكنائس وتعطلت حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية. وقريب من ذلك ما حصل في عشية عام (الألفية الثانية) وهو ما عرف باسم مشكلة عام 2000 أو فيروس عام ألفين Y2K bug عندما انتشر الذعر بين شرائح واسعة من الناس أن أجهزة الكومبيوتر في مطلع الألفية الثانية سوف يصيبها العطب ومن ثم من المحتمل سقوط الطائرات أو اندلاع الحرائق في محطات توليد الطاقة بل وحتى انطلاق صواريخ نووية بالخطأ.

عالم مرعب ذلك الذي تم نسجه وتخيله لبعض السنوات ذات التاريخ المميز وكأنها أوقات يعمّ فيها الشر ويحكم فيها الظلام بل ويسيطر فيها الشيطان نفسه وهذا ربما ما كان يتردد في ذهن بعض المسيحيين الذين عاصروا سنة 666 ميلادية وذلك لأنه هذا الرقم المميز (666) حسب اعتقاد بعض المذاهب المسيحية هو (رمز الشيطان) أو رمز الوحش كما ورد في سفر الرؤيا من الكتاب المقدس. وهذا الهلع والرهاب من الرقم 666 تجدد في سنة الميلادية المميزة 1666 وذلك عندما حصل فيها الحريق الكبير المشهور بمدينة لندن وفي نفس تلك السنة أصيبت بريطانيا بكارثة الوباء العظيم وأيضا تعرضت الأراضي البريطانية في تلك الفترة لأكبر إعصار تورنيدو في التاريخ يجتاح الجزر الإنجليزية. ولا شك أن كل هذه المصائب المتوالية عززت العقيدة الباطلة المتعلقة بالتشاؤم والذعر من أي سنة تحتوي على رقم الشيطان الجهنمي (666).

الجدير بالذكر أنه حتى في التاريخ الإسلامي القديم حصلت بعض المشاكل والمخاوف من حلول السنة الهجرية ذات التاريخ المميز (1000 هجري) ومن هذا أنه ينتشر في بعض الأحيان بين العامة حديثة نبوي مكذوب يقول (الدنيا تؤلف ولا تؤلفان). والمقصود أن لهذا الرقم المميز (ألف سنة أو الألفية) وقعه وتأثيره كبير على الشخصيات الضعيفة لدرجة أنهم يتوقعون أن الدنيا لو مر على أهل الإسلام ألف سنة فلن نصل إلى الألف الثاني إلا وقد قامت القيامة وبالتالي منذ حلول سنة 1000 هجري بدء ضعاف العقول في توقع حلول يوم القيامة في أي سنة قبل حلول سنة 2000 هجري. على خلاف التاريخ المسيحي مرت سنة 1000 هجري ونحن نجهل ماذا حصل في دنيا العرب في تلك السنة المميزة وذلك لأن الأمة الإسلامية كانت تغط في حمأة عصر الانحطاط. ونظرا لخلو زمن الألفية الهجرية الأولى من أي من علماء التاريخ البارزين (يكفي أن نشير أن أشهر مؤرخ في القرن العاشر الهجري وهو ابن إياس صاحب كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور والذي يعتبر من أضعف علماء التاريخ على الإطلاق) ولهذا المراجع التاريخية العربية لم تسجل أي شي ذي بال في هذه السنة (المميزة). في الحقيقة الصورة كانت مختلفة في ذلك التوقيت في بلاد الإسلام الأخرى ففي ذلك التاريخ الألفي المميز كانت جيوش الخلافة العثمانية تغزو أوروبا وتقترب من أسوار مدينة فيينا بينما في إفريقيا كانت مملكة تمبكتو في مالي تسيطر على جزء كبير من القارة السمراء وتعيش عصرها (الذهبي) بالحقيقة وليس بالمجاز فقد كانت دولة ثرية جدا. وفي شرق العالم الإسلامي كانت سلطنة مغول الهند هي إحدى أكبر الإمبراطوريات العالمية في ذلك الزمان وإن كان السلطان جلال الدين أكبر قد أصابته لوثة فكرية عندما قبل الأفكار المنحرفة التي طرحها عليه بعض مستشارية أنه بحلول عام 1000 هجري لم تعد تعاليم الإسلام كافية وتخطاها الزمن ولهذا تبني ذلك السلطان المغولي الأثيم دين جديد هو خليط من الإسلام والهندوسية والمسيحية والمجوسية.

 كيف تصنع تاريخا مميزا من أرقام مبعثرة

وبالعودة مرة أخرى إلى موضوع توظيف الأعداد الرياضية لتوليف وتشكيل أرقام تواريخ سنوات أو مواعيد مميزة يمكن استخدامها (لتوقيت) ذكرى شخصية أو وطنية أو دولية مميزة فيمكن أن نجد شواهد كثيرة لهذه الظاهرة. من ذلك مثلا أن ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني عندما كان شاباً كتب في مذكراته أنه وقف في نافذة منزلية في انتظار سماع صوت دقات ساعة بيغ بين وهي تعلن حلول الساعة الحادية عشرة صباحا من اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر من عام 1918م وذلك هو الموعد (المميز) الذي تم الاتفاق أن يكون لحظة نهاية الحرب العالمية الأولى أسوء حرب في تاريخ البشرية حتى تلك اللحظة.

بلا شك الأحداث المميزة الكبرى ربما في بعض الظروف يتوافق أن يتم لها اختيار (توقيت مميز) وهذا ما قام به الأخوة الكرام في الإمارات عند تم تدشين مترو مدينة دبي في تمام الثانية التاسعة من الدقيقة التاسعة من الساعة التاسعة من اليوم التاسع من الشهر التاسع من عام 2009 ميلادي وهذا التوقيت المميز يمكن كتابته كالتالي (09/09/09  09:09:09). وبحكم أن الرقم ثمانية هو رقم الحظ في الثقافة الصينية لهذا لا غرابة أن يحرص الصينيون على أن يكون افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي استضافتها الصين في تمام الثانية الثامنة من الدقيقة الثامنة من الساعة الثامنة من اليوم الثامن من الشهر الثامن من عام 2008 أي (08/08/08 08:08:08 ).

وبما أن سيرة الانتقاء المتعمد للأرقام لتشكيل تاريخ مميز انفتحت فأحب أن أذكر بمطلع مقال الأسبوع الماضي وإنه بالأساس كان بمناسبة حلول اليوم العالم للمول Mole Day وفي حينها فسرت لماذا يتم بالذات ذلك الاحتفال في اليوم 23 من الشهر العاشر وبين الساعة 6:02 مساءً وحتى الساعة 6: 02 صباحا وأن ذلك مرتبط بما يسمى (عدد أفوجادرو).  وعلى نفس النسق نجد في الرزنامة السنوية يوما ثابتا يعرف باسم (يوم باي العالمي Pi Day ) ويقصد به في علم الرياضيات الثابت (ط) والذي قيمته كما هو معروف: 3.14159 وعليه تم الاتفاق أن يكون الاحتفال بيوم باي العالمي في تمام الساعة 1:59 من اليوم 14 من الشهر 3  وهذا من شأنه تجميع قيم ثابت ط المعروفة (3/14 1:59). وبدون الدخول في التفاصيل سوف نجد أن علماء الرياضيات يحتفلون سنويا بما يسمى يوم أعداد فيبوناتشي (هي متتالية رياضية هامة لها ارتباط بقيمة ما يسمى النسبة الذهبية أي قيمة العدد فاي: 1.618) ويحتفل العلماء به في اليوم 23 من الشهر 11 وذلك حتى تتكون المتتالية البسيطة: 1,1,2,3 أي متتالية فيبوناتشي. وعلى هذا القياس يمكن للعلماء ولأي شخص تقريبا أن يجمع توليفه من أيام الرزنامة السنوية ليشكل اليوم العالم لنظرية فيثاغورس أو يوم وفاة الخوارزمي أو حتى اليوم العالمي لسرعة الضوء أو كتلة الإلكترون أو تسارع الجاذبية أو الوزن الجزيئي للمركب الجلوكوز... إلخ.

ولنختم هذا المقال المثقل والملغم بالأرقام بأن ندمج بين طريقة كتابة التاريخ يوم/شهر/سنة وبين طريقة كتابة التوقيت ثانية/دقيقة/ساعة ولتتخيل نفسك أيه القارئ العزيز أنه كما وقف قبل قرن من الزمن ونستون تشرشل ينتظر ساعة بيغ بين وهي تدق عند الساعة 11 صباحا وقت نهاية الحرب الكبرى، تخيل نفسك وأنت في منتصف سنة 1989م وفي يدك ساعة رقمية من التي ُتظهر كلا من التوقيت والتاريخ على شكل أرقام. ماذا سوف تشاهد في الثانية 45 من الدقيقة 23 من الساعة الأولى من اليوم السادس من الشهر السابع من عام 1989ميلادي؟!! سوف تشاهد جميع الأرقام العددية متسللة تصاعديا من اليسار إلى اليمين بشكل (مميز) كالتالي:

01:23:45 6/7/89

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق