الأحد، 4 ديسمبر 2022

( نساء في سدة الحكم )


 

د/ أحمد بن حامد الغامدي

 العام الماضي وبمناسبة (اليوم العالمي للمرأة في ميدان العلم) كتبت مقال حمل عنوان (نساء العلم .. أقلية متوثبة) رصدت فيه وفي مقالات أخرى سابقة مثل مقال (النساء قادمات .. ولو بعد حين)، رصدت الظاهرة المتصاعدة في أعداد النساء والفتيات الآتي ينافسن ويزاحمن الرجال ليس فقط على مقاعد الدراسة وطاولات البحث العلمي ولكن أيضا في التميز والإبداع والحصول على أعلى الجوائز العلمية وأرقى المناصب الأكاديمية والبحثية (ولهذا ظهر لي المقال الآخر: نون النسوة يزاحم واو الجماعة على جوائز نوبل).

وهذا الأسبوع ومع الإعلان عن انتخاب السيدة ليز تراس لمنصب رئيسة وزراء الحكومة البريطانية لعل من الملائم تسليط الضوء على مزاحمة النساء للرجال على تولى دفة قيادة المجتمعات والجلوس على كرسي السلطة وسدة الحكم. في الوقت الحالي توجد 27 دولة تتولى النساء فيها مناصب سيادية وسياسية كبرى مثل منصب رئيسة الوزراء أو رئيسة الدولة ولكي نستوعب ضخامة ذلك الرقم (27) يكفي أن نشير إلى أنه حتى عقود زمنية قريبة لم يكن أحد يتوقع (والبعض ربما لا يقبل) أن تتولى النساء مثل هذه المناصب القيادية العليا. وفي واقع الحال أنه حتى عام 1980م (وهو تاريخ غير بعيد) حصل لأول مرة في تاريخ البشرية أن تولت امرأة السلطة بطريق الانتخاب المباشر من الشعب وليس بطريقة وراثة كرسي الملك من والدها أو بدعم وتنصيب من الحزب الحاكم الذي تنتمي له. وهذا ما حصل السيدة فيغتيس فينبوغادوتير والتي عندما تولت منصب رئيسة دولة أيسلندا وذلك عام 1980م وذلك دخلت التاريخ بوصفها (أول امرأة في العالم تنتخب لتولى مهام رأس السلطة التنفيذية). صحيح أن العجوز الشمطاء الصهيونية جولدا مائير قد شغلت قبل ذلك بسنوات منصب رئيسة وزراء الكيان الصهيوني الغاصب ولكنها في الوقع لم تصل لسدة الحكم بالانتخاب المباشر وإنما تقريبا بالصدفة وذلك عندما هلك فجأة رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول فتقلدت جولدا مائير المنصب بحكم نفوذها في حزب العمال الإسرائيلي.

على كل حال لا شك أنه حصلت قفزة كبرى في مسيرة المرأة وتمكينها في العقود الأخيرة على مستوى العالم من المناصب الإدارية ومع ذلك ينبغي التنبيه أن أغلب الدول 27 التي تتولى النساء فيها مناصب الرئاسة هي دول هامشية والدول الكبرى منها في الغالب ما تمر فترة حكم النساء لها من دون شهرة ملموسة لتلك القيادة النسوية. أعتقد أن الغالبية العظمى من القراء الكرام ربما لم ينتبهوا أن رئيسة الوزراء الحالية في فرنسا هي سيدة تدعى إليزابيث بورن والأغرب من ذلك أننا كلنا لم نشعر على الإطلاق أن البلد العربي الشقيق تونس توجد سيدة تسمى نجلاء بودن يزعم أنها تتولى منصب رئيسة الوزراء. كما ينبغي ألا نغفل أن الدول الكبرى وذات التأثير الطاغي في عالم السياسية والاقتصاد مثل أمريكا والصين وروسيا ليس فقط لم تتول المرأة فيها منصب الرئاسة، بل حتى لا يوجد بها حالياً شخصيا سياسية نسائية مرموقة ولها ثقل سياسي تستطيع أن تنافس على منصب الرئيس.

الاستثناء الواضح والفريد لتتابع تولي النساء للمناصب الرئاسية العليا هو ما نجده في بريطانيا حيث اضطلعت بمنصب رئاسة الوزراء ثلاث من النساء (المرأة الحديدة تاتشر والعجوز البكاءة تيريزا ماي والوجه الجديد ليز تراس). ومع ذلك ينبغي ألا نغفل العوامل (الاجتماعية) المساعدة لوصول المرأة لسلطة الحكم في بعض المجتمعات فكما هو معلوم المجتمع البريطاني متعود على وجود المرأة في المنصب السيادي المرموق أي منصب (الملكة) فبالإضافة للملكة الراحلة قبل يومين إليزابيث الثانية شهد التاريخ البريطاني تنصيب ستة ملكات. وعلى نفس النسق نجد أن من عادات شعوب دول القارة الهندية أن تحظى المرأة بدور كبير في إدارة الأسرة ولها سلطة قد تفوق سلطة الأب ولهذا حتى اليوم تشهد دول الهند وباكستان وبنجلاديش وسريلانكا ونيبال وغيرها انتخاب عدد ملموس من النساء في منصب رئيسة الوزراء. وبحكم أن دول الشمال الإسكندينافية تنتشر فيها ظاهرة المساواة بين الجنسين لذا فرصة المرأة عالية للوصل لسدة الحكم بينما الدول المجاورة لها أي دول البلطيق مثل ليتوانيا وأستونيا ولاتفيا هي من أكثر الدول التي تكون فيها أعداد الإناث أعلى من أعداد الذكور ففي تلك الدول المذكورة تزيد نسبة النساء عن 80% من أعداد السكان ولذا مرة أخرى فرصة النساء عالية لحكم تلك البلاد.

وفي نفس السياق نجد أن بعض أشهر النساء اللواتي تولين سلطة الحكم وجدت العديد من العوامل المساعدة لهن فمثلا قد تكون هي أصلا من أسرة مشهورة ولها ثقلها السياسي كما هو حال رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي التي هي في الأصل ابنه عملاق السياسية الهندية جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء للهند. وفي عالمنا الإسلامي نجد نفس القصة تتكرر فهذه بناظير بوتو رئيسة وزراء باكستان السابقة هي كما هو معلوم ابنة الرئيس الباكستاني ذو الفقار بوتو وكذلك رئيسة الحكومة الإندونيسية السيدة ميجاواتي سوكارنو هي ابنة الرئيس الإندونيسي سيئ الذكر أحمد سوكارنو. بالمناسبة ليس شرطا أن ترث الابنة الحكم من والدها فربما يمهد لها زوجها سبيل الوصول للحكم بطريقة أو أخرى فهذه مثلا كورازون أكينو رئيسة الجمهورية الفلبينية لم تكن تصل للحكم لولا التعاطف معها بعد اغتيال زوجها السياسي الفلبيني البارز بنينو أكينو. وكذلك السيدة إيزابيل بيرون سهل لها زوجها الرئيس الأرجنتيني خوان بيرون أن تصل للسلطة عندما جعلها أولاً نائبة رسمية له ثم أورثها الحكم بعد وفاته.

وهذا يقودنا إلى أن عددا كبيرا من النساء الذين وصلوا لسدة الحكم لهن خاصية غريبة في دنيا السياسية وهي أنهن كن صغيرات نسبيا في السن وليس هذا وحسب، بل أنهن في الأصل ليس لديهن سابق خبرة سياسية ملموسة قبل وصولهن للحكم. هذا التناقض الغريب بين الرجل والمرأة في الوصول للحكم يمكن أن نفهمه في ضوء أن بعض المجتمعات الشرقية وشعوب العالم الثالث تتأثر كثيرا بالعاطفة وتنحاز للمظلوم كنتيجة طبيعية للاستبداد الذي تعيشه هذه الشعوب. وعليه عندما يتعرض سياسي للاضطهاد أو حاكم للاغتيال وتقوم من بعده زوجته أو ابنته وتطالب له (بالثأر) تتعاطف معها شرائح واسعة من المجتمع وهذا قد يقود في النهاية لإيصال تلك الزوجة أو الابنة لسدة الحكم. وهذا ما حصل مع السيدة سونيا غاندي والتي بالرغم من أنها إيطالية الأصل إلا أنها تأهلت أن تصبح رئيسة وزراء الهند بعد أن فاز حزبها بالانتخابات. بقي أن نقول إن السيدة سونيا لم يكن لها أي إسهام سياسي إلى اللحظة التي تم فيها اغتيال زوجها راجيف غاندي رئيس وزراء الهند وهنا انخرطت سونيا في دهاليز السياسية لإكمال مسيرة وأرث زوجها السياسي وبالرغم من استحقاقها تولي سدة الحكم إلا أنها رفضت استلام زمام السلطة خشية من أن يتم اغتيالها هي الأخرى. المدافعة عن الزوج السياسي المضطهد أو المطالبة بثأر الزوج أو الأب أوصل العديد من النساء لسلطة الحكم كما الحال مع رئيسة وزراء بورما أونغ سان سوتشي (بل حصلت كذلك على جائزة نوبل للسلام) ورئيسة وزراء سريلانكا سيريمافو باندرانايكا ورئيسة نيكاراغوا فيوليتا باريوس ورئيسة جمهورية لاتيفيا السيدة فيرا فريبيجا والسيدة أغاتي رئيسة وزراء جمهورية روندا.

 نساء السلطة في لحظة الانكسار

منذ اختيار السيدة سيريمافو ياندرانيكا لكي ترأس الحكومة السريلانكية عام 1960م وحتى انتخاب السيدة ليز تراس لكي ترأس الحكومة البريطانية قبل أيام نجد أنه خلال تاريخ النضال السياسي للجنس اللطيف تمكنت بالضبط 120 سيدة من استلام مقاليد السلطة ورئاسة الحكومة. وقبل ذلك ومنذ فجر التاريخ البشري سادت العديد من النساء في هيئة (ملكات) ربما أقدمهن على الإطلاق الملكة الفرعونية ميرت نيت التي حكمت مصر قبل حوالي خمسة آلاف سنة أو الملكة السومرية كوبابا التي جاءت بعدها بخمسمئة سنة. على كل حال خلال هذا السجل الطويل من حكم الملكات والإمبراطورات أو السيطرة الحديثة لنساء السياسية المعاصرات إلا أننا نجد أن الغالبية الساحقة منهن ليس لهن أي تأثير واضح وحضور بارز في صفحات التاريخ. وللدلالة على ذلك نجد أن كتاب (الخالدون المئة) للباحث الأمريكي مايكل هارت لم يذكر في كتابة البارز ذاك إلا أسماء سيدتين فقط: الملكة الإسبانية إيزابيلا التي أنهت الحكم الإسلامي في الأندلس وتسببت في اكتشاف القارة الأمريكية ومع ذلك وضعت في تصنيف متأخر جدا (الترتيب رقم 68). في حين أن المرأة بالغة الشهرة وهي ملكة بريطانيا القديمة إليزابيث الأولى وضعت حرفياً في ذيل القائمة (الترتيب رقم 95) بينما السيدة التي أطلق اسمها على العصر الفيكتوري (أي الملكة البريطانية فيكتوريا) لم تذكر أصلا ضمن قائمة (أكثر 100 شخصية تأثيرا في التاريخ).

الأعجب من ذلك في بيان وكشف ضعف تأثير النساء ممن جلسن على كرسي الملك أو تولين منصب سلطة الحكم أنه عندما قامت الباحثة الأمريكية ديبورا فيلدير بتأليف كتاب حمل عنوان (أكثر 100 امرأة تأثيرا في كل العصور) وبالرغم من أن المنافسة والمقارنة الآن بين النساء إلا أنه لم يذكر من أسماء (الملكات وسيدات السياسة) إلا تسع نساء فقط. وأفضل ترتيب لسيدات السياسة والملك في ذلك الكتاب كان من نصيب الملكة الإنجليزية إليزابيث الأولى التي جاءت في المرتبة 16 بينما سبقها في التصنيف بعض المتخصصات في العلوم مثل السيدة كوري (جاءت في تصنيف متقدم جدا وهو الترتيب رقم 2) أو حتى بعض الأديبات مثل الروائية الإنجليزي جين أوستن (الترتيب رقم 13). بل إن أشهر وأهم شخصية سياسية من العيار الثقيل في المشهد السياسي في الزمن المعاصر وهي رئيسة الوزراء البريطانية والمرأة الحديدة مارغريت تاتشر جاءت في ترتيب متأخر جدا بين النساء المؤثرات في التاريخ البشري (الترتيب رقم 68).

والمقصود أن النساء حتى وإن وصلن لسدة الحكم فهن بالجملة أقل بكثير من الرجال في إحداث تأثير ملموس في صفحات التاريخ أو دنيا السياسية فضلا عن أن يكن لهن أثر في ساحات الحروب والصراع الدولي. بالجملة نقرّ ونعتقد أن النساء شقائق الرجال وأنه لا فرق جوهري في التكوين النفساني والروحي بينهم، ولكن يبقى للقوارير من النساء لحظات ضعف عاطفية أو هزات نفسية تخل بقدرتهن على القيادة التامة. فهذه الشمطاء رئيسة الوزراء الصهيونية جولدا مائير التي يزعم أنها كانت تخيف القادة العرب، عندما وقعت بالكيان الإسرائيلي بواكير هزيمة حرب السادس من أكتوبر لعام 1973م تشير التقارير الصحفية الإسرائيلية أن جولدا مائير أكدت بأنها فكرت في الانتحار في بدايات تلك الضربة الخاطفة المباركة في العاشر من رمضان. وفي التاريخ القديم ألم تنتحر بالفعل الملكة المصرية كيلوبترا بعد هزيمتها في معركة أوكتيوم البحرية وذلك بعد اعتقادها الخاطئ أن عشيقها وحليفها الحربي القائد الروماني ماركوس أنطونيوس قد قتل.

وما أكثر لحظات الانكسار في المسيرة السياسية لنساء الحكم والسلطة وذلك عندما تتدخل ومضات الخلل العاطفية في سياق اتخاذ القرارات المصيرية فهذه السلطانة شجرة الدر تثير الإعجاب بحكمتها في إدارة الدولة وقت الغزو الصليبي للديار المصرية ثم إذا بها بحماقة عجيبة تقتل زوجها السلطان المملوكي عز الدين أيبك بسبب غيرتها عليه لأنه أراد أن يتزوج عليها أو يرد لعصمته طليقته وأم أولاده. وكما قتلت شجرة الدر زوجها بسبب الغيرة فكذلك نجد أن الإمبراطورية الروسية كاترين الثانية تتهم بأنها تسببت في اغتيال زوجها الإمبراطور بطرس الثالث لكي يخلو لها الجو لسلوكها المشين والداعر مع عدد كبير من العشاق لدرجة أنها عندما توفيت وهي عجوز شمطاء أثيرت شائعة جنسية شنيعة عن سبب موتها. لطالما كانت النساء من سيدات الحكم والسلطان عرضه أكثر من الرجال لإطلاق الشائعات عن حياتهن الجنسية كما حصل مع الملكة العزباء إليزابيث الأولى والأرملة المتشحة بالسواد دوما الملكة الإنجليزية فيكتوريا والملكة المسترجلة الشاذة كريستينا ملكة السويد والقائمة تطول.

من هذا وذاك وبسبب أنه يسهل أحيانا كسر نفسية وعزيمة نساء السلطة العليا أكثر مما يحصل مع الرجال وخصوصا في زمن الحروب والكوارث لذا أنا أميل للرأي الفقهي المشهور بعد جواز تولية المرأة منصب (الولاية الكبرى) أي مهام رأس السلطة السيادية العليا وذلك استنادا للحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري (لن يفلح قومُ ولوا أمرهم امرأة). وبالمناسبة لمن قد لا يقتنع إلا بالفكر الفلسفي القديم فهذا المعلم الأول أرسطو مؤصل الفكر الغربي يقرر في كتابه الذي يؤطر لإدارة المجتمع (كتاب: السياسة) أن النساء خاضعات للرجال وأن لا سلطة لهن وكان يعتقد أن على الزوج ممارسة الحكم السياسي على زوجته. بينما نجد سلفه ومعلمه الفيلسوف أفلاطون ينص على تفوق الرجل في السياسة وغيرها على المرأة بقوله في كتابه (الجمهورية) والذي ينظّر فيه لكيفية سياسة وإدارة المدينة الفاضلة وهنا كتب أفلاطون متسائلا: هل يمكنك التفكير في أي نشاط بشري لا يكون فيه الذكر متفوقا على الأنثى ؟!!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق