الأحد، 4 ديسمبر 2022

( غياب أدباء نوبل عن المشهد الثقافي )


د/ أحمد بن حامد الغامدي

 منذ عشر سنوات وفي زخم موجة التنظير (لاقتصاد المعرفة) كان للجامعات السعودية دور ملموس في استقطاب العديد من العلماء البارزين دوليا بل أطلقت جامعة الملك سعود (برنامج استقطاب علماء نوبل). وسرعان ما قامت جامعات وجهات علمية وصحية أخرى بنفس هذا النشاط والذي كان من أبرز مخرجاته اتاحة فرصة التواصل والتعارف والنقاش مع هذه القامات العلمية على هامش محاضراتهم العلمية المقامة في الرياض وجدة والمدينة المنورة والظهران. ولأسباب لا تخفى كان التركيز على استقطاب علماء نوبل في الطب والكيمياء والفيزياء وبدرجة أقل في الاقتصاد بينما لم يحصل قط استقطاب أي من (أدباء نوبل). للأسف لم تتح الفرصة للجمهور العام من محبي الأدب وعشاق الثقافة أن يلتقوا بشكل مباشر مع أدباء أو شعراء مشهورين على مستوى العالم من خلال استضافتهم في المناسبات والمهرجانات الثقافية الكبرى. صحيح أنه تم هذا الصيف وكذلك في صيف العام الماضي استقطاب العديد من الفائزين بجائزة نوبل للمشاركة في اجتماعات فعالية (عقول نوبل) وهو تجمع نخبوي لأصحاب الفكر والمعرفة من الحاصلين على جوائز نوبل وجائزة الملك فيصل وغيرها من الجوائز المرموقة مثل جائزة بوليتزر الأمريكية (ثالث أهم جائزة أدبية بعد نوبل وجائزة البوكر البريطانية)، لكن ذلك التجمع الفكر ي كان بطبيعته مغلق وخاص وليس موجها للجمهور العام. الغريب في الأمر أنه ليس فقط لم تتح الفرصة للمثقفين والأدباء والمفكرين والعامة اللقاء المباشر مع هذه النخب الفكرية من الطراز الأول أثناء مشاركتها في (مؤتمر الحِجر الأول والثاني) التي أقيمت في محافظة العلا إلا أن الأخبار الصحفية كانت شحيحة جدا لدرجة أننا لا نعلم بالضبط من هم الأدباء الحاصلون على جائزة نوبل في الأدب الذين شاركوا في هذا التجمع الفكري. والجدر بالذكر أن تجمع عقول نوبل Nobel Minds له أشكال مختلفة أشهرها ذلك البرنامج التلفزيوني بنفس هذا الاسم والذي تبثه إذاعة بي بي سي في شهر ديسمبر وكذلك يوجد ما يسمى تجمع نوبل The Nobel Collection وهو تجمع صيفي يقام سنويا في مدينة لينداو الألمانية. بل إن مؤتمر الحِجر هو تقريبا امتداد لمؤتمر البتراء الذي يقام من حوالي عشرين سنة بنفس المبدأ العام (حشد علماء وأدباء نوبل).

على كل حال ما نود الإشارة له أنه حتى يوم الأربعاء الماضي (9 ربيع الأول) لم يحصل قط على حد علمي أن اتيحت الفرصة للجمهور العام الدخول لمحاضرة أدبية أو ندوة فكرية يشرك فيها أيا من أدباء نوبل وفي حين كان (اقتصاد المعرفة) في السابق يستقطب العشرات من الفائزين بجائزة نوبل نجد أن (اقتصاد الثقافة) لم يتم بعد تفعيله ولهذا كان الحوار قبل أيام في معرض الرياض الدولي مع الأديبة الأوكرانية سفيتلانا أليكسييفيتش الحصالة على جائزة نوبل في الأدب لعام 2015م هو بمشيئة الله باكورة استقطاب المزيد والمزيد من أدباء نوبل لتحفيز وتنويع وتسويق المشهد الثقافي والفكري في بلادنا.

من المنطقي أن الفعاليات الثقافية الكبرى مثل مهرجانات ومعارض الكتب الدولية التي تتطلب ميزانيات ضخمة من الملائم أن يخصص جزء من هذه المصاريف المالية لاستضافة أدباء عالميين من الوزن الثقيل وهذا بالفعل ما حصل مثلا مع معرض القاهرة الدولي للكتاب حيث استضاف في سنوات ماضية الروائي التركي أورهان باموك الحاصل على جائزة نوبل في الأدب وفي سنة أخرى استضافت القاهرة الأديبة نادين غورديمير الحاصلة كذلك على جائزة نوبل. والجدير بالذكر أن معرض الشارقة الدولي للكتاب استضاف العام الماضي الروائي البريطاني والتنزاني عبد الرزاق قرنح الحاصل على جائزة نوبل في الأدب بينما سبق وان استضافة الشارقة الروائي الأمريكي المشهور دان براون صاحب رواية (شيفرة دافنتشي). اللافت للنظر أن بعض المدن العربية أصبحت محل جذب لمشاهير الكتاب والأدباء الدوليين لترويج كتبهم وروايتهم الجديدة من خلالها كما حصل مع الأديب البرازيلي البارز باولو كويلو (صاحب رواية الخيميائي). والذي قام في عام 2007م بإطلاق روايته الجديدة في حينها (ساحرة بورتوبيلو) في مدينة دبي حيث أقيم حفل كبيرلتدشين هذه الرواية بحضور باولو كويلو والذي قام بالتوقيع على نسخ الرواية المباعة للقراء. ولاحقا أنتقل كويلو لمدينة بيروت للتعريف والتسويق لتلك الرواية الجديدة والتي تدور أجزاء من أحداثها في مدينتي دبي وبيروت. وعلى ذكر مدينة بيروت وارتباطها ببعض المشاهير من الكتاب العالميين البارزين تجدر الإشارة إلى أن الروائية التشيلية ايزابيل الليندي إحدى أكثر الأدباء المعاصرين غزاره في الإنتاج وشهرة أدبية، عاشت طفولتها في بيروت عندما كانت تعيش مع والدتها وزوج أمها الدبلوماسي وبهذا ترتبط بنوع حنين مع الشرق العربي. روائي ومفكر عالمي على درجة عالية من الشهرة كانت ولادته في البلاد العربية وهو الكاتب الفرنسي البارز ألبير كامو الحاصل على جائزة نوبل في الأدب والذي ولد في قرية صغيرة في غرب الجزائر ثم أكمل دراسته في التعليم العام والتعليم الجامعي في العاصمة الجزائرية. وبسبب هذا الترابط الوثيق بين ألبير كامو والجزائر كان من الأشخاص (مع الفيلسوف والكاتب جون بول سارتر) الذين ساندوا استقلال الجزائر عن فرنسا.

 رموز أدبية بارزة تزور بلاد العرب

من الأمثلة السابقة لأسماء مشاهير الأدباء والكتاب العالميين الذين زاروا أو ارتبطوا بالبلاد العربية في الزمن المعاصر ومع المقارنة بأن أول حضور لشخصية أدبية عالمية مرموقة للمشهد الثقافي المحلي حصل فقط قبل يومين نعرف أن استقطابنا للرموز الأدبية الدولية ضعيف جدا ولا يكاد يذكر. للأسف هذا الأمر تكرر بشكل أعمق في التاريخ الماضي وبالرغم من أن الجزيرة العربية كانت منطقة جذب لكبار ومشاهير الرحالة الغربيين من مثل يوهان بوركهارت وتشارلز داوتيي وريتشارد بيرتون والليدي آن بلنت وويليام بلغريف إلا أنها على خلاف البلدان العربية الأخرى لم يرغب مشاهير الأدباء الأوروبيين في زيارتها. من المعروف أن الأديب الألماني الكبير يوهان غوته كان له عشق متجذّر بالشرق وبالحضارة الإسلامية ومن ذلك أننا نجد أنه في ديوانه الشعر المعروف (الديوان الشرقي الغربي) يحث الشعراء بالارتحال وزيارة البلاد العربية (بلاد الشعر) حيث يقول:

من يرغب في استيعاب الشعر / فعليه الذهاب إلى بلاد الشعر

ومن يرغب في فهم الشعراء / فعليه الذهاب إلى أرض الشعراء.

 ربما كان الشاعر الفرنسي لامارتين من كبار الأدباء الذين استجابوا لنصيحة غوتية بالسفر إلى بلاد المشرق وأرض الشعر فنجده تقريبا في عام 1832م يرتحل إلى لبنان وفلسطين وسوريا لينشر بعد ذلك كتابه الشيق (رحلة إلى الشرق) وفيه يقول: إنه ولد شرقيا وسيموت شرقيا وأن الشرق وليس فرنسا هو وطنه الأم. بعد ذلك بحوالي قرن من الزمن وبالتحديد في عام 1926م وصل الشاعر الهندي الكبير طاغور (الحاصل على جائزة نوبل لعام 1913م) إلى أرض مصر ولا غرابة أن نجد جميع شعراء وأدباء مصر في استقباله. حيث استضافة أمير الشعراء أحمد شوقي في منزله (كرمة بن هانئ) وأقام له حفلا حضره حافظ إبراهيم وكبار رجال السياسة والأدب وهنا خاطبهم طاغور بقوله (قديما كان الشرق مهبط الشعر ومهد الشعراء، وقديما كان الشرقيون أشد الناس احتراما للشعر وإعزازا للشعراء وتلك ميزة الشرق المعنوية).

ومع ذلك يؤسفنا القول أن ليس كل مشاهير الشعراء والأدباء العالميين قضوا أوقاتا سعيدة في رحاب الشرق ونثروا الأقوال والأوصاف في مدحه ففي عام 1880م وصل إلى مدينة عدن الشاعر الفرنسي الشاب آرثر رامبو (ربما أهم شاعر فرنسي في العصور الأخيرة) والذي يبدو أنه في تلك الفترة كان يعاني درجة عالية من الاكتئاب فهو قد توقف منذ سنوات عن نظم أي قصائد جديدة. وهذا ربما من حسن حظ مدينة عدن التي لم يدبج رامبو فيها قصائد الهجاء بعد أن أقام فيها لمدة أربع سنوات وإنما اكتف في وصفها في رسائله إلى شقيقته بأنها (أضجر مكانا في العالم) كما وصفها بالجحيم وأنها قعر بركان خامد.

من الناحية المبدئية زيارة أديب عالمي مشهور لأي بلد عربي تعتبر نقطة إيجابية وقد تكون تلك الزيارة مدعاة للفخر، ولكن الأهم من ذلك ما هي الانطباعات والمشاهدات التاريخية التي قد يسطرها ذلك الأديب عن البلدان العربية التي زارها. وعلى نسق الفرنسي آرثر رامبو الذي صرح بمعاناته في إقامته بمدينة عدن نجد أن الأديب الأمريكي البارز مارك توين يكتب بكل عنصرية وعنجهية عن زيارته لبلاد الشام. في كتاب أدب الرحلات لمارك توين المعنون (الأبرياء في الخارج) نجده يسطر مشاهداته التالية عن زيارته لسوريا ولبنان: إنها بلاد حزينة وكئيبة وفيها مناظر ومشاهد مملة وتتخذ لنفسها مدنا من الجلد والرماد وأما سكانها العرب فهم أساسا أناس متسولون بطبيعتهم ولا يتبعون سوى غرائزهم.

يقال إن الجمال في عين الرائي فحتى لو كانت البلاد العربية في نهاية القرن التاسع عشر في وضع سيء إلا أنها لا تستحق مثل تلك الانطباعات الشنيعة والموحشة من أدباء مكتئبين أو عنصريين. وللدلالة على ذلك نجد أن الروائية الإنجليزية ذائعة الصيت أجاثا كريستي تسجل في مذكراتها الحال التعيس لمدينة بغداد في بداية القرن العشرين ومع ذلك عبرت في مواقع متعددة من مذكراتها وروايتها عن عشقها للشرق وبلاد الرافدين وتقديرها للشعب العراقي المضياف والمكافح. ومن ذلك مثلا في كتابها الماتع (تعال قل لي كيف تعيش) وهو عن ذكرياتها في سوريا والعراق وهنا نجدها تصف بشيء من الطرافة المحببة علاقتها مع النساء العربيات وفضولهن وإعجابها بجمال النساء الكرديات وروحهن المرحة.

للأسف ليس كل الأدباء والرحالة الغربيين نظروا للمرأة العربية بعين التقدير والاحترام والأسوأ والأشنع من ذلك أن بعض كبار مشاهير الأدباء الأوروبيين كان الدافع لهم أصلا للحضور للشرق هو البحث عن الشهوة. هذا أمر يحزن ويشق الحديث عنه ففي فترة لاحتلال الغربي للدول العربية انتشرت لدى الأوروبيين فكرة غريبة بأن الشرق (وليس الغرب !!!) يطفح بالمغامرات الجنسية والانفلات الأخلاقي ولهذا تقاطر العديد من الأدباء إلى الشرق لإرواء غرائزهم من مباهج الشرق المتخيلة. الروائي الفرنسي جوستاف فلوبير شخصية مثيرة للجدل ليس فقط بسبب روايته (مدام بوفاري) سيئة السمعة، ولكن أيضا لسلوكه الجنسي المنفلت في بيوت الدعارة في باريس ومع ذلك يزعم أنه أصيب بداء السفلس الجنسي بسبب امرأة مومس عاشرها في بيروت بينما يقول عن مومس أخرى تعرف عليها في مدينة أسوان بأن (اللقاء بها حمل رائحة الطاعون والجذام).

انحطاط ما يسمى (الأدباء) الغربيين قاد بعضهم لممارسة شذوذهم الجنسي في البلاد العربية وهذا ما ناقشته في مقال سابق حمل عنوان (أسطورة الأدب الغربي الرفيع) ونشر بمناسبة اكتشاف الفضيحة التي وقع فيها الفيلسوف والناقد الأدبي الفرنسي المعروف ميشيل فوكو بأنه قام في فترة إقامته في تونس في نهاية الستينيات بالاغتصاب والانتهاك الجنسي للعديد من الأطفال. والأشنع من ذلك أن الروائي الفرنسي أندرية جيد (الحاصل على جائزة نوبل في الأدب لعام 1947م) لم يتورع عن الاعتراف بأنه ذهب للجزائر بهدف إشباع شذوذه الجنسي مع المراهقين وهنالك تقابل مع الكاتب الإيرلندي أوسكار وايد البالغ الشهرة في الشذوذ هو الآخر وكانا يتعاونان معنا في اصطياد المراهقين والعبث بهم. أما مدينة طنجة المغربية فكانت تحت الاحتلال الفرنسي وكرا للفساد والشذوذ ولهذا جذبت كتابا بارزين بهدف ممارسة الرذيلة مع الأطفال. ولهذا ارتحل لمدينة طنجة أندرية جيد السابق الذكر وكذلك والشاعر الفرنسي جان جينيه والعديد من الكتاب الأمريكان ذوي الشهرة الأدبية البارزة مثل تينيسي وليامز وترومان كابوتي وويليام بوروز.

 وفي الختام بعد أن شرقنا وغربنا كثيرا مع محاولة استقصاء ورصد تواجد الكتاب والأدباء الغربيون البارزون في العديد من المدن والدول العربية بالمقارنة مع خواء المشهد الثقافي المحلي لدينا من أي حضور يستحق الإشارة إليه أود أن أنبه إلى أن استقطاب مثل هذه الشخصيات الأدبية المشهورة يمكن بالإضافة لتحفيزه للمشهد الثقافي المحلي أن يتم توظيفها (كقوة ناعمة) في تعزيز الصورة الإيجابية عن مجتمعنا وحضارتنا الإسلامية والعربية. لعقود زمنية طويلة تمتع اليمن الشقيق بعشق وأقبال عشرات الآلاف من السياح الألمان وعندما تضررت كثيرا السياحة في اليمن نتيجة زيادة ظاهرة اختطاف السياح الأجانب فكرت الحكومة اليمنية في حل (ثقافي). في الواقع قامت الحكومة اليمنية في عام 2004م باستضافة ووفد ثقافي كبير من ألمانيا كان على رأسه الأديب الألماني غونتر غراس الحاصل على جائزة نوبل لعام 1999 وتم توظيفه هذه الزيارة (كقوة ناعمة) لتحسين صورة الأوضاع الأمنية في اليمن وأنه لا خوف على السائح الألماني عند تنقله بين المدن والقبائل اليمينة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق