الأحد، 4 ديسمبر 2022

( سبتمبر شهر أدب الإرهاب !! )


 

د/ أحمد بن حامد الغامدي

 لفترة من الزمن ارتبط شهر سبتمبر في العالم العربي بما يمكن تسميته (بأدب الثورة) وذلك لحدوث بعض الثورات العربية السياسية في هذا الشهر مثل الثورة العُرابية في مصر وثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا وثورة 26 سبتمبر في اليمن. وبحكم أن العرب ظاهرة صوتية لذا عبر السنين كثيرا ما كان يتم تدبيج القصائد الشعرية وكتابة المقالات الخطابية في التغني بهذه الثورات السبتمبرية (المجيدة بزعمهم). وشهادة للتاريخ بعض هذه القصائد جديرة بإعادة القراءة ليس فقط لجودتها الشعرية، ولكن لقيمتها التاريخية من مثل قصائد الشاعر اليمني الفحل عبد الله البردوني وكيف تغيرت عبر الزمن أبياته الشعرية من مدح الثورة اليمنية إلى انتقادها وأخيرا التشكيك بها.

كل هذا الارتباط الأدبي بين شهر سبتمبر وأدب الثورة تحول منذ حوالي عشرين سنة إلى نوع جديد من الأدب الصادم والكئيب والذي يمكن تسميته (بأدب الإرهاب) وسبب هذا التغير الجذري كما هو معلوم ارتباط هذا الشهر بالذات بالإرهاب بعد وقوع أحداث 11 سبتمبر الإرهابية الهائلة على الأراضي الأمريكية في عام 2001 ميلادي. وخلال العقدين الماضيين حرص العديد من الأدباء وبعض المفكرين لمحاولة (تشريح وتشخيص) ظاهرة الإرهاب من خلال إنتاج أعمال أدبية (روايات في الغالب) تكون فحواها محاولة فهم أسباب ودوافع الأعمال الإرهابية وكذلك سبر غور النفسية المعقدة للشخصية الإرهابي. وبحكم أن أغلب هذه الروايات الأدبية تدور مجرياتها بصورة محورية عن أحداث 11 سبتمبر أو يرد فيها على الأقل الإشارة إلى هذا الحدث التاريخي الجلل ولذا ربما كان من الملائم نشر مثل هذا المقال في ذكرى يوم الحادي عشر من سبتمبر ومع ذلك فضلت نشرها في التاريخ من نهاية شهر سبتمبر وذلك لتقاطع وتزامن ختام شهر سبتمبر مع افتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب فربما أثار المقال شهية بعض القراء للبحث عن الروايات التي سوف تتم الإشارة لها هنا.

مفارقة تاريخية جديرة بتسليط الضوء عليها وهي أن أغلب الأعمال الأدبية العربية المعروفة التي شخصت ظاهرة الإرهاب لم تظهر إلا بعد أحداث سبتمبر 2001 بالرغم من أن بعض الدول العربية مثل مصر والجزائر عاشت تجربة مريرة مع الإرهاب والإرهاب المضاد في فترة التسعينيات وهي المرحلة الزمنية التي استحقت بجدارة ذلك اللقب الشنيع (العشرية السوداء). التأخر الكبير في المناقشة الروائية والتصوير الأدبي لهذه الظاهرة الخطيرة صاحبة كذلك التشنج الحاد في طرح أغلب الروايات التي ناقشت هذا الموضوع الخطير، وذلك من خلال التحيز الكامل لشيطنة وتشويه وتجريم البيئة التي أفرزت الأعمال الإرهابية وشكلت شخصية المتطرف والمتشدد. في المقابل نجد مثلا أن الروائية البريطانية دوريس ليسينغ الحاصلة على جائزة نوبل في الأدب لعام 2007م عندما أرادت أن تناقش ظاهرت الإرهاب التي يقوم بها الجيش الإيرلندي الجمهوري عبر تفجيرات الفنادق والمتاجر الفخمة في لندن مثل ما حصل بتفجير متجر هارودز عام 1983م، وعليه كتبت دوريس رواية متوازنة ومتفهمة لأسباب وظروف نشوء الإرهاب. في تلك الرواية ذات العنوان الصادم (الإرهابي الجيد The Good Terrorist) نجد دوريس ليسينغ تطرح شخصية الإرهابي في نموذج السيدة أليس التي تحتوي مجموعة من الشيوعيين الثائرين وتشعر نحوهم بالأمومة الحانية وبالرغم من أن هؤلاء الرفاق كانا يقومون بأعمال القتل والتفجير والمفخخات إلا أنها وهي تتحفظ ضد أعمالهم هذه فإنها مع ذلك تحاول تبرير أفعالهم للآخرين.

التعاطف مع الإرهاب أمر شائن والدفاع عنه جرم أثيم، ولكن أيضا لا ينبغي عند الدراسة والتشريح الأدبي لظاهرة الإرهاب أن نقابل ذلك بالشطط والغلو في شيطنة كامل المجتمع الذي يظهر من بين أفراده بعض الإرهابيين لأسباب ودوافع معقدة. خذ على ذلك مثلا طريقة الكاتب عبد الله ثابت في محاولة تشريح أسباب ظاهرة الإرهاب لدى بعض الشباب السعودي وهو ما طرحة في روايته المثيرة للجدل (الإرهابي 20) وهو يشير بهذا العنوان لعدد الأشخاص المتهمين بتنفيذ أحداث 11 سبتمبر وعددهم 19 إرهابيا وأنه لو قدر ووجد شخص إضافي يشترك معهم فقد يكون بطل الرواية (زاهي الجبالي). المشكلة إن تلك الرواية تخطت محاولة تفسير وجود عدد كبير من المتهمين بتنفيذ أحداث سبتمبر من الشباب السعودي إلى المبالغة (والسطحية) أحيانا في الاكتفاء باتهام مظاهر التشدد والمحافظة في المجتمع السعودي فيما يخص الموسيقى وحجاب المرأة والفصل بين الجنسين وأجواء التربية الدينية في المخيمات الصيفية بأنها كافية لتفسير ظاهرة الإرهاب والبرمجة النفسية والفكرية لتفريخ الإرهابيين.

مشكلة طرح التيار الليبرالي في تفسير القضايا الاجتماعية والسياسية المعقدة أنه يختزلها في خانه المناكفة وتصفية الحسابات مع التيارات الدينية المحافظة وشيطنة وتشويه جميع أفعالهم. في رواية (ريح الجنة) للكاتب والروائي تركي الحمد تركيز مكثف لفكرة أن المجاهدين والإرهابيين على حد سواء تسوقهم دوافع جنسية للتضحية بأنفسهم أو قتل الآخرين ومن أجل الوصول للجنة حيث (الحور العين). الكبت الجنسي هي الثيمية التي يمكن منها تفسير جذور دوافع الأفعال الإرهابية ففي تلك الرواية نجد أن الشاب المصري محمد وهو العقل الإجرامي المخطط لهجمات أبراج مانهاتن نجده في بداية أمره يسافر لمدينة لندن ويسهر بالخطأ في حانة للشواذ جنسيا وبعد أن يمارس معهم خطيئة تناول المخدرات والعلاقات الجنسية المنفلتة وبعد الشعور بالذنب لهذا لسلوك الجنسي تبدأ رحلته في الانتقام من هذا المجتمع الغربي المنحط.

 سبتمبر من أدب الإرهاب إلى أدب السجون

الروايات الأدبية السابقة كانت تحاول إعطاء تفسير لما (قبل الحدث) والجواب على سؤال ما هي دوافع خروج فئام من شبابنا المحلي لتنفيذ تلك الضربة الكبرى بينما نجد روايات سعودية أخرى تركّز أكثر على رصد (ما بعد الحدث) وهو تداعيات تنفيذ الهجمات الإرهابية على كرامة رجل الكاوبوي الأمريكي العنيف.  وهنا نشير إلى رواية الأكاديمي والكاتب السعودي محمد الحضيف (نقطة تفتيش) والتي محورها الأساسي النفير الذي حصل لبعض المتدينين للسفر والانضمام إلى كتائب المجاهدين في أفغانستان بعد تعرضها للغزو الأمريكي تحت حجة أن حركة طالبان يؤوون قادة وأعضاء تنظيم القاعدة المتهم بتدبيره لغزوة مانهاتن. ومن خلال هذه الرواية نتابع بطل الرواية الشاب أحمد وهو ينتقل إلى أفغانستان لمحاولة إعادة أخية المجاهد القديم والملقب بأبي القعقاع النجدي والذي يقتل في أثناء القصف الأمريكي للمجاهدين المحاصرين في قبو قلعة جانجي. وعلى ذكر مذبحة الأسرى في قلعة جانجي بالقرب من مدينة مزرا شريف الأفغانية لعل من الملائم الإشارة إلى الرواية التي كتبها الروائي طاهر الزهراني وحملت عنوان (جانجي) وأهمية هذه الرواية في أنها تستند لأحداث واقعية وكذلك لأنها تفتح لنا الطريق للحديث عن روايات (ما بعد سبتمبر) وبالخصوص تلك التي تتعلق بالأسرى العرب المحتجزين في سجن غوانتنامو سيء السمعة. أحد الشخصيات المهمة في رواية جانجي هو شاب سعودي (يُعطى اسم مستعار: خالد القرشي) يذهب للجهاد بعد أحداث سبتمبر ويتم أسره في قلعة جانجي وبعد حركة التمرد لهؤلاء الأسرى وتعرضهم للتصفية سواء بالقصف أو الحريق ينجو خالد القرشي مع عدد قليل جدا ويتم شحنهم جميعا إلى المعتقل الأمريكي في غوانتنامو حيث يتعرضون للتحقيق والتعذيب. اعتقال المجاهدين العرب من قبل الأمريكان على أرض أفغانستان بعد أحداث سبتمبر وتعرضهم للتعذيب في سجن غوانتنامو الرهيب نجد لها شهادة أدبية من دوله عربية هي أرض الكنانة مصر. سبق وأن ذكرنا أن شهر سبتمبر كان قديما يرتبط بأدب الثورة ثم هو الآن محرك ومحفز أساسي لأدب الإرهاب ومع ذلك وبالوصول للروايات التي تتحدث عن سجن غوانتنامو يمكن أن نربط شهر سبتمبر بالنوع الفني الأدبي القديم/المتجدد (أدب السجون). منذ البداية ومن عنوان الرواية التي كتبها الروائي المصري المعروف يوسف زيدان وحملت اسم (غوانتنامو) نعلم بأنها سوف تكون رواية كاشفة للصلف والظلم الذي اشتهر به رجل البراري الأمريكي العنيف ولهذا يشير المؤلف أنه بروايته تلك يريد أن يتناول (البؤر السوداء في العالم). وكما هو متوقع تصف تلك الرواية ويلات التعذيب والتحطيم النفسي والجسدي لذلك المعتقل الشاب المصري البريء أصلا والذي يعمل في مجال الإعلام لتغطية الغزو الأمريكي لأفغانستان حيث يتم اعتقاله من جراء صفقة رخيصة قامت بها القوات الأمريكية لشراء أكبر عدد من المجاهدين العرب الذين غدرت بهم القوات الباكستانية حسب وصف الرواية.

 كلمة أخيرة قبل أن نغادر، كثيرا ما تطرح فلسفة (العلاج بالأدب والفن) بمعنى أنها قد تساعد في (تفريغ) النفس من (الداء) الذي يمرضها مثل القلق والخوف والعنف والكراهية ولهذا أحيانا يوصف الأدب كعلاج ودواء. في واقعنا المحلي والعربي العديد من الأدباء ومن باب الشعور بخطورة الإرهاب أو من باب استغلال الحدث، لذا نجدهم يبالغون في عملية (التطهير) لدرجة التجريح للمجتمع المحلي والعربي في حين أن المطلوب هو توظيف الأدب في تشخيص الداء ومن ثم استخدام الرواية كعلاج ودواء لأمراض المجتمع الفكرية والسلوكية والأخلاقية. بقي أن نقول إنه بعد الهجوم العنيف على أمريكا في أحداث سبتمبر أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن (الحرب على الإرهاب) وبعد ذلك بفترة من الزمن تبنى بعض الأدباء والشعراء في أمريكا وخارجها هذه المعركة وتطوعوا للمشاركة في (الحرب على الإرهاب من خلال الرواية والقصيدة). ويمكن الاطلاع على نماذج من هذه الروايات والأشعار في كتاب (11 سبتمبر وأدب الإرهاب) للباحث الأمريكي مارتن راندال والذي استعرض كذلك نماذج اخري من (روايات سبتمبر) التي تناقش أثر الكارثة على (ضحايا الإرهاب) في تشويه واقعهم النفسي والاجتماعي.

على طاري (خلطة) ذكر الكارثة وأثارها النفسية والاجتماعية والتوظيف الأدبي لإخراج روايات مشهورة تباع في معرض الرياض الدولي للكتاب أحب أن أذكر أنه في يوم الأربعاء القادم (العاشر من ربيع الأول) سوف تقام أمسية ثقافية عبارة عن حوار مع الروائية الأوكرانية سيفتلانا أليكسييفيتش الحاصلة على جائزة نوبل في الأدب عن روايتها المشهورة (صلاة تشرنوبل) والتي تجسد فيها الآثار النفسية والتغيرات الروحية والعاطفية لضحايا كارثة انفجار المفاعل النووي في مدينة تشرنوبل الأوكرانية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق