السبت، 4 أكتوبر 2025

( نبوءة إشعياء هل هي مع النتنياهو أو ضده ؟!! )

د/ أحمد بن حامد الغامدي

السبت 1447/2/29

الأسبوع الماضي صدر تصريح بالغ الخطورة من فم النتن ياهو رئيس وزراء الكياني الصهيوني الغاصب أشار فيه بأنه متمسك جدا برؤية إسرائيل الكبرى التي تشمل الأراضي الفلسطينية ومناطق من الأردن ومصر. الكارثة في هذا التصريح شبه العسكري في ضمن أجواء الحرب على غزة أنه مبنى على دوافع دينية وليس فقط تكتيكات سياسية وفذلكات خطابية إعلامية بدليل أنه وصف شعوره في تحقيق حلم إسرائيل الكبرى بأنه في (مهمه تاريخية وروحية) لتحقيق وعد الله لإبراهيم الذي ورد في سفر التكوين (لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات). وبحكم أن النتين ياهو هو من أكثر الرؤساء الصهاينة (العلمانيين) الذين يكثرون من اقتباس العبارات والمصطلحات والأخبار من التوراة في العديد من خطاباته الرسمية لذا ربما من الملائم تسليط الضوء على مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي في إطار ما تسمى (نبوءة إشعياء) التي كثيرا ما تأتي الإشارة لها في خطابات وتصريحات النتن ياهو عندما يريد أن يطمأن شعبه بأن النصر في معركة الوجود والحدود سوف يكون حليفا لهم.

منذ عام 1996م أي منذ حوالي ثلاثة عقود ونحن في عناء مع هذا النتن ياهو وبحكم أنه توالى عليه تولى منصب رئيس وزراء الكيان اٌسرائيلي لستة فترات متقطعة وبمجموع سنوات حكمه تزيد عن 17 سنة فهو بهذا يعتبر أصغر وأطول رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل كلها ولهذا خطاباته الرئاسية متعددة عبر السنوات. وكما ذكرنا كثيرا ما يرد ذكر (نبوءة إشعياء) على لسان النتن ياهو فمثلا في خطابه في عام 2009م بمناسبة دولة يوم القدس وكيف أنها سوف تكون محط أنظار العالم في المستقبل ولهذا ذكر نص نبوءة إشعياء عن مستقبل أورشليم. في ذلك الخطاب يقول النتن ياهو: عيون العالم بأسره مثبته على أورشليم كما تنبأ إشعياء (سيحدث ذلك في نهاية الأيام .. جبل هيكل القدير سيقام بقوة كرأس الجبال، وسيتم رفعه فوق التلال، وستتدفق إليه جميع الأمم ... لأنه من صهيون ستأتي التوراة، وكلمة القدير من أورشليم). وفي عام 2011م وعندما تقدمت السلطة الفلسطينية بطلب الحصول على عضوية الأمم المتحدة وتم مناقشة الأمر في اجتماع الجمعية العمومية لأمم المتحدة ولذا خاطب النتن ياهو الوفود الدبلوماسية لدول العالم محاولا صدهم عن الموافقة الطلب الفلسطيني وفي ثنايا خطابه أشار إلى رؤية إشعياء للسلام من وجهة نظر الصهاينة.

أما أخطر تصريح تلفظ به النتن ياهو وذكر فيه (نبوءة إشعياء) فهو ذلك الخطاب الذي توجه به لشعب الكيان الإسرائيلي بعد حوالي أسبوعين من حادثة طوفان الأقصى حيث قال (نحن أبناء النور بينما هم أبناء الظلام وسنحقق نبوءة إشعياء). ثم أضاف النتن ياهو النص الذي يقصده من نبوءة إشعياء الواردة في التوراة: (لن يُسمع بعد عنف في أرضك، ولا خراب ولا دمار داخل حدودك، بل تسمي أسوارك خلاصًا، وأبوابك تسبيحًا) وكأنه بذلك يتوعد المقاومة الفلسطينية وأنه سوف يقضي عليها تماما وبهذا يتحقق السلام الذي يقصده الصهاينة بعد الاستسلام التام لعدوهم فلا يحصل عنف ضدهم ولا خراب داخل حدودهم. وفي مناسبة أخرى وبالتحديد في عام 2020م عندما وجه النتن ياهو خطاب متزامن مع عيد الميلاد لتلك السنة وذكر فيه (رؤيته للسلام) وما ورد في سفر إشعياء ونبوءته (ويقضى بين الأمم فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل، لا ترفع أمه سيفا ولا يتعلمون الحرب بعد) وكأنه بذلك يريد ان ينزع سلاح المقاومة ضد الاحتلال لدرجة ان تتحقق نبوءة إشعياء فيصبح أعداء إسرائيل مسالمين لها لدرجة أنهم يكسرون ويطرقون سيوفهم ويحولونها إلى سكاكين ويحولون رماحهم القتالية لمجرد مناجل زراعية تحصد القمح.

المسكوت عنه من نبوءات إشعياء

رئيس الوزراء الإسرائيلي النتن ياهو هو رجل سياسة من خلفية علمانية، ولكن نظرا لحاجته في السنوات الأخيرة لدعم الإتلاف الديني اليهودي المتطرف أصبح النت ياهو يكثر من الاقتباسات التوراتية في خطاباته وتصريحاته وبالخصوص الإشارة إلى نبوءات إشعياء وأحيانا نبوءات حزقيال. ولكن في الواقع يوجد في سفر إشعياء ضمن العهد القديم العديد من النبوءات وليس نبوءة واحدة محددة وبحكم أن النتن ياهو يريد أن يدغدغ عواطف الشعب اليهودي خصوصا الطوائف المتطرفة ولهذا نجده يركز فقط على نبوءة إشعياء المتعلقة بخلاص الشعب ليهودي في المستقبل ونبوءته عن تحول الأمم إلى الإيمان بإله إسرائيل ونبوءته عن السلام العام قبل يوم الدينونة. ومع ذلك توجد العديد من النبوءات في سفر إشعياء عن أمور سيئة وكوارث ماحقة سوف تتسبب في زوال إسرائيل وحلول يوم غضب الرب عليها وهنا نجد أن صهاينة اليهود يغفلون ويتناسون تماما ذكر هذه النبوءات وهو ما نحاول تذكيرهم بها هنا.

ولنبدأ بإحدى نبوءات إشعياء التي قد تنطبق على النتن ياهو شخصيا لأنه وبحكم أنه قائد إسرائيل حاليا والحارس الحامي عنها ومع ذلك فهو قد فشل فشلا ذريعا في حمايتها في أحداث السابع من أكتوبر وطوفان الأقصى عندما اندفعت جموع غفيرة من المقاومة الفلسطينية قادمة من الصحراء واقتحمت بوابات العدو بينما الحراس الصهاينة نائمون أو هم عمي لا يبصرون بل وحتى لا يقدرون على إصدار أصوات النباح للتنبيه على الخطر !!. نجد في الإصحاح رقم 56 من سفر إشعياء النبوءة التالية: (تعالي يا جميع وحوش الصحراء للالتهام.. فإن حراس إسرائيل عُمي، كلهم بلا معرفة وكلاب عاجزون عن النباح، حالمون راقدون مولعون بالنوم .. هم رعاة بلا فهم .. وكل واحد يسعى وراء منفعته الخاصة).

وينبغي التنبيه إلى إن (نبوءة إشعياء) هي في الأصل وفي المبدأ والمنتهى تحذير وتنبيه لبني إسرائيل من غضب الله الذي سوف يقع بهم في المستقبل كما وقع بهم وقت السبي البابلي وتخريب بيت المقدس على يد نبوخذ نصر في القرن السادس قبل الميلاد وذلك لأسباب متعددة منها مخالفة شرائع الله ومنها الظلم والقتل للأبرياء. ففي مجال حلول اللعنة والهلاك على بني إسرائيل بسبب مخالفة شريعة الله يقول إشعياء في الاصحاح 24 (تنجست الأرض بسبب سكانها، لأنهم خالفوا الشرائع وتعدوا على الفرائض ونقضوا العهد الابدي، لهذا فاللعنة تأكل الأرض ويحل العقاب بسكانها). وأما فيما يتعلق بحلول الغضب عليهم والهلاك بسبب ظلمهم لغير اليهود وتخريبهم وإفسادهم في الأرض فنجد في سفر إشعياء في الاصحاح 33 نبوءة الوعيد التالي (الويل لك أيها المخرب الذي لم يخربوك بعد، أيها النّاهب الذي لم ينهبوك بعد، حتى تنتهي من التخريب يخربونك، وحين تفرغ من النهب ينهبونك). وبما أن سيرة النهب والسرقة الصهيونية لممتلكات وأراضي الغير قد انفتحت فلعل من الملائم سرد النص التالي من سفر إشعياء (الاصحاح 5) والذي يشير إلى نبوءة خراب إسرائيل في المستقبل لأنها الآن تسرق أراضي الفلسطينيين ومزارعهم: (الويل للذين يُضيفون دارا إلى دار ويصلون حقلا بحقل حتى لا يبقى مكان لأحد فتسكنون في الأرض وحدكم. قال الله القدير في أذني: "الديار العظيمة تصير خرابا والمنازل الفخمة تصبح مهجورة").

بشكل انتقائي نجد أن النتن ياهو عند استشهاده بنبوءات إشعياء أو حزقيال يقفز دائما إلى الجزء النهائي منها وهو نجاة وخلاص بني إسرائيل وإعادة إعمار أورشليم بعد خرابها ولكنه يتناسى أنه دائما يسبق ذلك أن يقع اليهود في إثم الخطيئة والظلم والذي يستوجب حلول غضب الرب عليهم. ولهذا في مواقع متعددة من سفر إشعياء أو سفر حزقيال أو مراثي أرمياء أو سفر عاموس من أسفار العهد القديم بالكتاب المقدس نجد نصوصا متعددة تشير إلى معاصي وذنوب وجرائم وجنايات بني إسرائيل التي سوف يجترحونها في المستقبل ويستحقون بها غضب الرب وعقابه الأليم. من ذلك مثلا ما ورد في الاصحاح 59 من سفر إشعياء عندما يتم تعداد جرائم الصهاينة ضد الأبرياء كما يحدث هذه الأيام (تلطخت أيديكم بالدم وأصابعكم بالإثم، شفاهكم تنطق بالكذب ولسانكم يُتمتم بالشر. ولا واحد فيهم يُقاضى بالعدل ولا واحد يُحاكم بأمانة. يتكلون على الباطل ويتكلمون بالكذب، يَحبلُون غشا ويلدون إثما). وفي نبوءة حزقيال في الاصحاح 22 عبارات مشابه في تصوير فجور وجرائم صهاينة المستقبل (ها إن رؤساء إِسرائيل المُقيمون فيك يسفكون الدم البريء كُلُّ واحد حسب طاقته .. وفي وسطك عاملوا الغريب بالظلم ويضطهدون اليتيم والأرملة .. رجال نميمة كانوا فيك لسفك الدم وفي وسطك صنعوا الفجور).

وصف التوراة للمجاهدين في آخر الزمان

وقبل أن نغادر لعل من الملائم أن نعرج على بعض الصور التي ترد في نبوءة إشعياء عن حال الفلسطينيين والعرب في آخر الزمان وقت الصراع مع بني صهيون. فعلى خلاف الصورة التي يخدع بها النتن ياهو شعبه بأنه يقترب من تحقيق النبوءة التوراتية بالانتصار على العرب لدرجة أنهم سوف يقبلون بالسلام على الطريقة اليهودية بأن يحولوا سيوفهم إلى مجرد سكاكين مطبخ صغيرة ورماحهم إلى مجرد مناجل لحصاد حقول القمح وأنه في خاتمة المطاف يحل السلام الشامل بحيث (لا ترفع أمه سيفا ولا يتعلمون الحرب بعد). والغريب أن واقع أعداء بني صهيون في آخر الزمان يختلف تماما عما ورد في نبوءة إشعياء من أنهم سوف يحولون سيوفهم إلى سكاكين ورماحهم إلى مناجل فمثلا نجد في سفر يُوئيل أن أعداء اليهود سوف يقومون في المستقبل بخلاف ذلك تماما فهم سوف يطرقون محاريثهم ويحولونها إلى سيوف ويحولون مناجلهم إلى رماح. وهذا هو نص الاصحاح الثالث من سفر يُوئيل (نادوا بهذا بين الأمم: استعدوا للحرب، أنهضوا الأبطال .. أطرقوا أسنان محاريثكم وحولوها إلى سيوف ومناجلكم إلى رماح وليقل الضعيف منكم "أنا بطل").

وعلى خلاف نبوءة إشعياء المجتزئه والانتقائية التي يحاول النتن ياهو خداع شعبه بها بأن السلام سوف يعم بعد أن (لا ترفع أمه سيفا ولا يتعلمون الحرب بعد) نجد نصوص أخرى من نبوءة إشعياء ومن غيرها من أسفار العهد القديم كلها تشير بشكل صريح ومتكرر إلى أن خصوم أورشليم سوف يتنادون بينهم ويتسابقون إلى القتال والحرب ويندفعون بكثافة وحماسة وحمية وهذا أمر متوقع أنه لو فتح باب الجهاد وأتيحت الفرصة للقتال في أرض المحشر لتدافع الشيوخ قبل الشباب من كل أرجاء العالم الإسلامي لقتال بني صهيون. وهذه النبوءة التي لا يجرؤا النتن ياهو على نشرها وهي ما نجدها في الاصحاح الخامس من سفر إشعياء (ويُومئ إلى أمّة بعيدة، ويُصفر لها فتخفُ مسرعة من أقصى الأرض، ولا واحد فيهم تعبان أو متعثر أو نعسان أو نائم .. سهامها مسنونة وكل قسيها مشدودة، حوافر خيلها كالصّوان وعجلات مركباتها كالزوبعة. في ذلك اليوم تزمجر تلك الأمة على شعب إسرائيل كزمجرة البحر).

في مطلع عام 2020م وفي كلمة بمناسبة عيد الميلاد الكريسماس خاطب النتن ياهو العالم المسيحي أعرب فيها عن سعادة لأن (المزيد والمزيد من الدول العربية تلتمس الصلح مع الدولة اليهودية) كما أردف يقول بأن بلاده (تتقدم سريعا نحو تحقيق نبوءة توراتيه) ويقصد بذلك نبوءة إشعياء من وجهة النظر الصهيونية كما سبق ذكره. في حين أن النتن ياهو يخدع شعبه بأن نبوءة إشعياء تبشر بالسلام وخضوع العرب لهم نجد أن الواقع في المستقبل والعلم عند الله سوف يكون احتشاد الجيوش الإسلامية لإعادة فتح أورشليم كما أعيد فتحها زمن صلاح الدين. ونختم بذكر المقطع التالي من الاصحاح الثاني لسفر يُوئيل الذي يصف اندفاع جنود الجيش الإسلامي للمعركة الختامية مع الصهاينة في يوم غضب الرب (أنفخوا البوق في أورشليم، أطلقوا صوت الإنذار في جبلي المقدس، ليرتعد كل سكان الأرض، لأن يوم الرب قادم وهو قريب .. فيه يأتي جيش عظيم وقوي وينتشر كالظلام على الجبال، جيش لم يكن له شبيه في القديم ولن يكون له شبيه في الأجيال الآتية). وتكملة ذلك الاصحاح كالتالي وفيه وصف لجسارة وحماسة مجاهدي المستقبل (قدامهم نار تأكل وخلفهم لهيب يحرق .. ولا ينجو منهم شيء، منظرهم كالخيل، يقفزون كالفرسان يقفزون على قمم الجبال .. يهجمون كأبطال وكرجال الحرب يتسلقون السور .. تطير السهام نحوهم لكنهم يتقدمون ولا ينكسرون، ينقضون على المدينة، يقفزون على الأسوار، يصعدون إلى البيوت، يدخلون من النوافذ .. أمامهم ترتعد الأرض وترتعش السماء)


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق