السبت، 4 أكتوبر 2025

( العدو الصهيوني والتخبط في فن الحرب )

د/ أحمد بن حامد الغامدي

السبت 1447/1/24

من أجمل مجالات القراءة التي استمتع بها هي الغوص في صفحات التاريخ مع الاهتمام كثيرا بالمراحل المفصلية في مسيرة التاريخ البشري ومن ذلك المعارك الحربية الكبرى ومسيرة مشاهير القادة العسكريين. وعلى قاعدة (التعلم من الأخطاء) فإنني أعكس عنوان الكتاب الذي ألّفه المارشال الإنجليزي وليام سليم بعد الحرب العالمية الثانية وسماه (هزيمة في النصر Defeat into Victory) بمعنى أن النصر قد يكون أحيانا بطعم الهزيمة بينما أتوقع أن العكس يمكن أن يقع كذلك أي (نصر في الهزيمة) أو هزيمة بطعم النصر. والذي أريد أن أصل إليه أنني كثيرا ما كنت أحرص على قراءة الكتب التاريخية ذات الطابع العسكري التي كانت تناقش أسباب وقوع الهزائم في المعارك الحربية الكبرى وذلك اتبعا للحكمة التي تقول: (النصر يمكن أن يعلمك القليل، ولكن الهزيمة تعلمك كل شيء). ولهذا عبر السنوات جمعت وقرأت بعض الكتب الإنجليزية عن أسباب الهزائم والأخطاء العسكرية الكبرى مثل كتاب (الإخفاقات العسكرية الكبرى) للباحث الإنجليزي جيفري ريجان وكتاب (الكوارث الحربية العظمى) للخبير العسكري الأمريكي جوليان سبيلسبوري وأيضا الكتاب المترجم للعربية (كيف تخسر معركة .. أخطاء الجنرالات عبر التاريخ) للمؤرخ العسكري الأمريكي بيل فاوست.

وبالرغم من أن هذه الكتب وغيرها من الكتب والموسوعات العسكرية تذكر وتبرز أهم الأسباب والعوامل التي تؤدي للهزائم العسكرية الكبرى مثل سوء اختيار قائد المعركة أو عدم التجهيز والاستعداد الكافي للمعركة أو عدم الاهتمام بتضاريس وبيئة أرض القتال أو ضعف التواصل والتنسيق بين قطاعات الجيش أو تدخل رؤساء الدول في التكتيكات العسكرية أو غير ذلك من العوامل المسببة لأخطاء والكوارث في المعارك الحربية. ومع ذلك الكل يجمع على أن أحد أهم وأخطر الأسباب للهزائم العسكرية هو التهور والاندفاع المبني على الثقة الزائدة والاستخفاف بإمكانيات العدو على الصمود والرد. وهذا يقودنا للحديث عن كتاب (فن الحرب) للجنرال والفيلسوف الصيني المشهر سون تزو Sun Tzu الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد. وما يهمنا هنا هو فقرة مشهورة في ذلك الكتاب الذي ربما تدرس بعض أفكاره في أغلب الأكاديميات العسكرية بمختلف دول العالم حيث يقول سون تزو إن الخطايا الخمس أو العيوب الخمسة المهلكة للقائد العسكري والتي قد تقود للهزيمة هي: التهور، الجبن، سرعة الانفعال، الإفراط في طلب الشرف والسمعة والإفراط في إغراء الجنود.

صحيح أن الجنرال الصيني سن تزو يعطي أمثلة سطحية عن عيب (التهور recklessness) في المعركة مثل عبور الجيش للنهر في موقع خاطئ أو اختيار موقع تخييم الجيش في منخفض الوادي بدلا من سفوح التلال ومع ذلك خبراء الاستراتيجيات العسكرية الحديثة طوروا مفهوم (التسرع العسكري) إلى مفاهيم أوسع من مثل: المخاطرة الحربية دون داع أو العدوانية المفرطة أو التصرف القتالي بدون حذر. ومع ذلك أغلب المؤرخين العسكريين يمكن أن يرصدوا بسهولة أن أبرز أسباب الهزائم في المعارك الحربية الكبرى في التاريخ البشري هو خطيئة القائد العسكري عندما يجمع في نفس اللحظة بين كوارث حربية خطيرة مثل التهور الحربي والتوسع العسكري المفرط والمبالغة في الاستهتار بقدرات العدو. فهذا الإسكندر المقدوني في بداية غزواته اجتاح مصر الفرعونية وهزم الإمبراطور الفارسي داريوس الثالث ولكنه بعد عشر سنوات من التوسع المفرط وبعد أن أنهك جنوده وأغضب قواده نجده يهزم أمام الملك هندي بوروس في معركة هيداسبس التي استخدم فيها الهنود سلاح الفيلة. وعلى ذكر الفيلة غامر القائد القرطاجي هانيبال على غزو الإمبراطورية الرومانية في عقر دارها بجيش من الفيلة وبالرغم من أنه نجح في اجتياز جبال الألب إلا أنه بالغ في التوسع العسكري حتى الوصول للعاصمة روما وهنا انتهت مغامرته وتم سحق أغلب جيشة في معركة كاناي. ولن نطيل في سرد الشواهد التاريخية لقادة عسكريين من الطراز الأول الذين وقعوا في خطية التهور العسكر بالتوسع المفرط وفتح جبهات قتال متعددة مما ساهم في النهاية في هزيمة ساحقة لهم كما حصل لنابليون بونابرت أو أدولف هتلر عندما تورطا في الجبهة الروسية والهزيمة أمام الجنرال الثلجي. ولهذا في التاريخ الإسلامي نجد أحيانا أنه من الحكمة عدم التهور والاندفاع غير المنضبط في التوغل في أرض العدو كما طالب عمر بن الخطاب من قائده العسكري عمر بن العاص بعد أن فتح أرض الشامي أن يتريث قبل أن يدخل لأرض مصر وكذلك كانت توجيهات الخليفة الوليد بن عبد الملك لقائد جيشه في المغرب موسى بن نصير بأن يأمر القائد الميداني طارق بن زياد أن يتوقف عند مدينة طليطلة وألا يتقدم بالجيش إلى عمق الشمال الأندلسي.

العدوانية المفرطة للصهاينة .. خطأ وخطيئة

مناسبة هذه الإشارة والتذكرة بمآلات الأخطاء العسكرية التي تكون ثمرة التهور العسكرية والتوسع الحربي هو ما حصل يوم الأربعاء الماضي من العدوان الإسرائيلي السافر على العاصمة السورية دمشق وقصف وزارة الدفاع وهيئة الأركان ومحيط القصر الجمهوري. في الواقع بسبب حالة الارتباك السياسية والخسائر العسكرية والانقسامات الداخلية والضغوطات الدولية التي يتعرض لها العدو الصهيوني نجده في الفترة الأخيرة يتخبط في اتباع قواعد (فن الحرب). كما هو ملاحظ يقوم جيش الكياني الصهيوني الغاشم بالتوسع المفرط في الهجوم على دول الأقاليم وبالتالي لديه عدوانية مفرطة مثل تلك التي يمارسها على سوريا ولبنان كما إنه يدخل في مخاطرة حربية بالعدوان على إيران في حين أنه يتصرف كذلك بعنجهية عسكرية بدون حذر. وبالعودة لكتاب (فن الحرب) نجد أن الجنرال الصيني سن تزو يسدي نصيحة ذهبية للقادة العسكريين حيث يقول (ينتصر من يعرف متى يقاتل ومتى لا يقاتل وينتصر من يعرف كيف يتعامل مع القوات المتفوقة والضعيفة). وبكل وضوح من يحرك المشهد السياسي في الكيان الإسرائيلي ومن يحدد الأهداف العسكرية للجيش الصهيوني هو الأقلية السياسية الدينية المتطرفة من جماعة بن غفير وزير الأمن القومي وسموتريتش وزير المالية. وهنا بالعودة إلى نصائح الجنرال سن توز نجده يحذّر بكل وضوح من أن يكون القائد العسكري (سريع الانفعال) لأنه إذا كان سريع الغضب (كحال أصحاب القرار السياسي والعسكري مثل بن غفير وسموتريتش) فبالقطع سوف يقع في قرارات متهورة بناءً على العاطفة بدلا من المنطق وهذا في خاتمة المطاف سوف يؤدي إلى أخطاء استراتيجية وكوارث سياسية وعسكرية محتملة.

الحاكم السياسي والقائد العسكري سريع الانفعال مثل النتن ياهو وزمرته من المتطرفين اليهود سوف يبالغ في ردة الفعل والعدوان المفرط كما فعلوا بغزة رمز العزة وبالتالي سوف يكشفون عن نواياهم الحقيقة حيال قادة وشعوب المنطقة العربية وأنهم كانوا ولا زالوا وسوف يبقون دوما دعاة حرب وأصحاب عدوان وطغيان. في عام 1993م وبمناسبة مرور 500 سنة على وصول كرستوفر كولومبوس إلى القارة الأمريكية عام 1492م أصدر الكاتب الأمريكي المشهور نعوم تشومسكي كتابا ضخما حمل عنوان (سنة 501 الغزو مستمر). ويقصد بذلك أنه بعد مرور 500 على وصول الأوروبيين للعالم الجديد ما زال أحفاد أولئك الغزاة القساة يثيرون الخراب والحرب في أراضي الشعوب الأخرى. وعلى نفس النسق يمكن أن نقول إنه فيما يخص تاريخ العدوان اليهودي المتصهين على أهلنا في أرض الشام وما حولها من الدول العربية نحن في (سنة 101 والغزو مستمر). قبل حوالي مئة سنة بدء مسلسل العدوان اليهودي الصهيوني على أهل فلسطين عندما قامت مجموعة مسلحة من المستوطنين اليهود بإحداث اضطرابات وشغب في مدينة يافا الفلسطينية في عام 1921م أدت في النهاية سقوط حوالي 157 شهيد فلسطين وأكثر من 700 جريح وها نحن ذا بعد أكثر من قرن من الزمن نجد أن العدوان الإسرائيلي باقي ويتمدد فالغزو مستمر ويصل لعواصم عربية جديدة. 

التوسع في فتح جبهات القتال والإفراط في اكتساب خصوم جدد وتحويل الحلفاء إلى أعداء يعتبر ذلك من أبرز الأخطاء والخطايا في فن الحرب لأن ذلك يستفز الآخرين لكي يحتشدوا ضدك ويتحالفون على إبطال مخططاتك. يوما ما تفاخر وزير الاستخبارات الإيراني السابق حيدر مصلحي بأن إيران تسيطر فعليا على أربع عواصم عربية وهذا ما أثار الانتباه إلى خطر التمدد الشيعي في المنطقة العربية وبالتالي ضرورة الوقوف في وجه المخطط الإيراني الصفوي. وفي السنوات الأخيرة كثيرا ما يعلن النتين ياهو بأن إسرائيل وجيشها يحارب في (سبع جبهات) قتال هي في الغالب: غزة والضفة الغربية والقدس ولبنان وسوريا واليمن وإيران. وإذا علمنا أن العدو الصهيوني الغاشم قد خاض أربع حروب مع مصر واحتل القدس والضفة الغربية من الأردن وقصف المفاعل الذري في العراق وقد قصف عدة مرات قوافل السيارات في شمال السودان (بحجة أنها كانت تحاول تهريب أسلحة لصالح حماس) وقام بعمليات إنزال جنود كوماندوز لاغتيال أبي جهاد (خليل الوزير أحد مؤسسي حركة فتح الفلسطينية) في تونس وعليه نجد أن العدو الغاشم بالفعل قد ارتكب اعتداء سافر على نصف الدول والشعوب العربية. ومثل هذا الإفراط في فتح جبهات الصراع والتهور في اجتياح الأراضي العربية أو العدوانية المفرطة في قصف المدن العربية والتعدي على السيادة الوطنية يثبت بحق أن العدو يقاتل بشراسة لأن المسألة بالنسبة له (حرب وجود) وليست فقط مجرد (حرب حدود).

تنسب مقولة لنابليون بونابرت أحد أشهر القواد العسكريين في التاريخ تقول (إذا رأيت عدوك يرتكب الأخطاء فلا تقاطعه) وكما هو ملاحظ في الشهور الأخيرة فإن عدونا الصهيوني يقع في أخطاء جسيمة بتوسيع جبهات القتال والصدام مع عدد من دول المنطقة بل يوجد تصريح صريح وفج تلفظ به النتين ياهو بأنه فيما يتعلق بالبرنامج النووي فإن إسرائيل (ستستهدف إيران أولاً ثم باكستان ثانياً). وبالرغم من أن الواقع الحالي التعيس للشعوب والدول العربية أضعف من أن يقف في وجه تحركات الكيان الصهيوني ويمنع عدوانه (بمعنى أنه يقطع عليه اجتراحه للأخطاء) إلا أن في ذلك نصر في الهزيمة من جانب أن الشعوب العربية سوف تعود لها حالة الحساسية المفرطة حيال الصهاينة والإسرائيليين. من المهم في هذه المرحلة من تاريخ الصراع العربي الصهيوني أن يتجدد الشعور لدى الشعوب العربية أن الصهاينة (هم العدو فأحذرهم)  وأن معركتنا معهم لن تنتهي إلى سلام الشجعان (كما كان يزعم ياسر عرفات) لأن النتن ياهو ومن لفّ لفّه من متطرفي الصهاينة لن يرضوا إلا بالاستلام المهين أو ما يسمونه (السلام بالقوة).

نصيحة أخيرة للأخوة في سوريا العروبة والإسلام وهي عندما سوف يقومون بترميم ما تهدم من مبنى وزارة الدفاع السورية أن يتركوا آثار بعض الدمار كما هي لتبقى شاهدا للتاريخ وذكرى للأجيال الحالية والقادمة أن لا تطبيع ولا سلام مع المحتل الصهيوني. وإنه في حال طلب العدو التطبيع ما في مستقبل الأيام يمكن أن يشير رجال السياسة في سوريا إلى الجزء المدمر من وزارة الدفاع ويردون على من طلب التطبيع من الصهاينة باستعادة المثل المشهور (كيف أعاودك وهذا أثر فأسك). في الواقع قبل عدة سنوات كنت في مدينة بلغراد عاصمة صربيا وأكثر من مرة عندما كنت أركب مع سائقي سيارات الأجرة ويتوقف عند تقاطع إشارة المرور قرب وزارة الدفاع الصربية كان سائقي التكاسي يشيرون ويلفتون نظري إلى الدمار الذي ما زال موجودا في مبنى وزارة الدفاع جراء القصف الأمريكي لصربيا في حرب كوسوفو عام 1999 ميلادي. ولعله في مستقبل الأيام عندما يزور سياحا أوروبيين أو أمريكان مدينة دمشق سوف يشير لهم سائق التاكسي إلى آثار الدمار المتبقية بشكل متعمد في مبنى وزارة الدفاع السورية وليعبروا للسائح الأجنبي (كما عبر لي سائقي التاكسي في بلغراد) عن غضبهم المتجذر ضد من اعتدى عليهم ومس كرامتهم القومية وحارب دينهم وموروثهم المقدس.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق