د/ أحمد بن حامد الغامدي
يوم أمس وفي خطاب موجه للأمة الأمريكية لتبرير
الهزيمة المخزية للجيش الأمريكي في أفغانستان ذكّر الرئيس الأمريكي شعبة (بزلة
لسان غربية) أن أرض الأفغان لطالما كانت (مقبرة الغزاة) وكأنه يعترف أن وجود الجيش
الأميركي كان جيش غازيا وليس حاميا. وبعد ذلك بساعات علق الرئيس الأمريكي السابق
ترامب بأسلوب ساخر على سوء إدارة بايدن للأزمة في أفغانستان، ولكنه أيضا في ثنايا
الحديث بين خطورة الدخول في أرض الأفغان وأنهم هم السبب في تحويل الإمبراطورية
السوفيتية العظمى إلى مجرد دولة روسيا الاتحادية قليلة التأثير مقارنة بما كانت
عليه الأمة الروسية القديمة.
يتكرر هذه الأيام كثيرا أن أرض أفغانستان هي مقبرة
الغزاة، ولكن هي كذلك الصخرة التي تحطمت عليها الإمبراطوريات الكبرى وبدئت
بالتلاشي والضعف مع الزمن. في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حصل تنافس محموم
بين الإمبراطورية الروسية وبين الإمبراطورية البريطانية لمن يستطيع منهما أن يصيد
(التيس الجبلي الأفغاني). هذه الفترة من الصراع الدولي في وسط أسيا تعرف أحينا
باسم (حملة الصيد الكبرى) great game والبعض يترجمها باللعبة
الكبرى، ولكن الأصح أن كلا من هاتين الإمبراطوريتين شرعت في جهود حثيثة للاحتلال
وصيد دول وسط أسيا الواحدة تلو الأخرى. السبب في ذلك أن بريطانيا العظمى وفي
محاولتها للحفاظ على درة التاج البريطاني أي الهند أرادت أت تقيم أرض فاصلة تحول
دون وصول الإمبراطورية الروسية إلى الهند. وفي المقابل أرادت الإمبراطورية الروسية
القيصرية أن تمنع تغلغل الجيوش البريطانية في دول وسط أسيا (الحديقة الخلفية
لروسيا) ولهذا أرادت احتلال أفغانستان حتى تقطع الطريق على الانجليز.
ما حصل بعد ذلك أن كلا من الهجوم الروسي أو الهجوم البريطاني
لغزو أفغانستان فشل فشلا ذريعا وتعذر عليهما صيد التيس الجبلي الأفغاني. وما تلى
ذلك أن السمعة المرموقة جدا للجيوش البريطاني العظمى أخذت تضعف وتتهاوى لدرجة أنها
خسرت حرب عجيبة أمام مليشيات غير مدربة كما حصل لها في حرب البوير في جنوب أفريقيا
أو حرب السودان. أما الإمبراطورية الروسية القيصرية فبعد خسارتها في غزو أفغانستان
تراجعت مكانتها الدولية إلى أن انهزمت في الحرب العالمية الأولى ثم حصلت الثورة
الشيوعية التي أطاحت بشكل نهائي بحكم القيصر الروسي.
هذا ما كان في نهاية القرن التاسع عشر، أما ما كان
في نهاية القرن العشرين هو أن (حملة صيد) جديدة وتنافس بين الإمبراطورية السوفيتية
والإمبراطورية الأمريكية حول السيطرة على أرض الأفغان. وكما حصل مع الإمبراطوريات
السابقة التي غزت أرض الأفغان وبدأ يتلاشى حكمها مع الزمن حصل مع الإمبراطورية
الشيوعية التي انهزمت وهربت من أرض أفغانستان عام 1989م ثم بعد ذلك بسنة وحدة فقط
تفكك الاتحاد السوفيتي. وفيما يخص الإمبراطورية الأمريكية فالعلم عند الله أنها
كما حصل مع الإنجليز بعد أن هزت هزيمتهم في أفغانستان بسمعتهم الدولية لدرجة أنهم
بعد ذلك بعقود تلاشت تماما إمبراطوريتهم التي لا تغيب عنها الشمس وعادوا إلى
جزيرتهم الإنجليزية الصغيرة، يتوقع أن تبدأ الولايات المتحدة في السير على نفس
المسار من تلاشي هيبتهم الدولية.
في تراثنا العربي القديم يقال إن عنترة بن شداد سأله أحدهم يوما
فقال له: كيف وصلت لما وصلت له من القوة والهيبة فكان رد عنترة أن قال: سر شجاعتي
أنني أضرب الضعيف ضربة ينخلع لها قلب الشجاع. وهذا بالضبط ما كانت الولايات
المتحدة الأمريكية تريد أن تفعله في العقود الماضية عندما غزت الدول الضعيفة مثل
الصومال وأفغانستان والعراق بعد سنوات الحصار. أرادت أمريكا أن تضرب هذه الدول
الضعيفة ضربة قوية ينخلع لها قلب الدول القوية وتخاف من هيبة وقوة الكاوبوي
الأمريكي. وما سوف يحصل الآن هو العكس تماما مثل ما كان سوف يحصل لو أن رجل ضعيف
ومريض قام فلطم عنترة بن شداد لطمة قوية فلابد أن هيبته ومكانته بين صعاليك العرب
سوف تتحطم وتتلاشي فهل يكون هذا مصير العم سام الأمريكي.
العلم عند الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق