السبت، 15 يناير 2022

( آباء وقنابل )

الدعاء لي أو الدعاء على آباء القنابل الذرية الإسلامية والهندية 

د/ أحمد بن حامد الغامدي

 

أعلن اليوم عن وفاة العالم الباكستاني الشهير عبدالقادر خان مهندس البرنامج النووي الباكستاني والمعروف بجداره بلقب (أبو القنبلة الذرية الباكستنانية) والبعض يتسهل في المديح حين يصفونه (بأبو القنبلة الذرية الإسلامية). توفي عبدا القادر خان رحمه الله عن عمر يناهز 85 سنة وبعد إصابته بمرض الكورونا وهو بهذا ختم حياته الطويلة والتي تذبذبت بين الانتصارات والهزائم والتكريم والتحجيم. لكامل الشعب الباكستاني يعتبر عبد القادر خان بطل قومي ولغالبية الشعوب العربية والإسلامية يعتبر كذلك شخصية جديرة بالتقدير والإعجاب بينما هو في عين الحكومات الغربية شخصية خطيرة تم اتهامها بالمساهمة في نشر أسلحة الدمار الشامل. ونظير الحرج الذي وقعت فيه الحكومة الباكستانية تم التضييق وفرض الإقامة الجبرية على عبد القادر خان عام 2004م بعد اتهامه بنقل خبرة تصنيع القنبلة الذرية لدول مثيرة للجدل مثل إيران وليبيا وكوريا الشمالية.

يقال إن المعرفة قوة وأحيانا هذه المعرفة قد تسبب الشقاء لمن يمتلكها وهذا ما حصل مع مجموعة من العلماء الذين شاركوا أو حاولوا المشاركة في تصنيع القنابل الذرية. ربما بعلم الحكومة الباكستانية وبموافقتها حاول عبد القادر خان نشر البراعة التقنية (know-how) في تصنيع القنبلة الذرية لدول أخرى كمحاولة لإكساب الحكومة الباكستانية قوة ناعمة متفجرة تعزز من مكانتها في المجتمع الدولي. ولكن هذه لعبة خطرة وسهل جدا أن تعطي نتائج معاكسة ولهذا انقلبت الحكومة الباكستانية على أبو القنبلة الذرية الباكستانية كما انقلبت سابقا الحكومة الأمريكية على أبو القنبلة الذرية الأمريكية.

على نفس النسق يعتبر الشعب الأمريكي عالم الفيزياء الأمريكي روبرت أوبنهايمر بطل قومي رفيع المستوى وذلك لقيادته العلمية لمشروع مانهاتن لتصنيع السلاح النووي ولهذا يوصف أوبنهايمر بأنه أبو القنبلة الذرية. المشكلة أنه كما حامت الشكوك والشبهات حول عبد القادر خان بأنه يحاول نشر المعرفة العلمية لتصنيع القنبلة الذرية تعرض كذلك أوبنهايمر لشيء مشابهة تقريبا. بعد تفجير أول قنبلة ذرية في التاريخ على يد أوبنهايمر وفي بداية سنوات الحرب الباردة حصل اشتباه بأن أوبنهايمر يتعاطف مع الشيوعيين وأنه ربما يسهل تسريب المعرفة العلمية لتصنيع القنبلة الذرية إلى الاتحاد السوفيتي. ولهذا تم منع أوبنهايمر من العمل في هيئة الطاقة الذرية ولاحقا في فترة المكارثية الشهيرة تعرض للعديد من المضايقات لدرجة أنه حصل بالفعل محاكمته بتهمة الشك في ولائه للولايات المتحدة. ومن المهازل في تاريخ العلم أن العالم الأمريكي اليهودي إدوارد تيللر الملقب بأبو القنبلة الذرية الهيدروجينية شهد في المحكمة ضد أوبنهايمر وحاول تثبت تهمة ارتباطه برجال من ذوي الفكر اليساري. بينما نجد في المقابل نجد أن عالم الفيزياء الإيطالي الشهير أنريكو فيرمي (يستحق لقب الأب الروحي لأول قنبلة ذرية في التاريخ) يشهد في تلك المحاكمة مع أوبنهايمر ويحاول ابعاد التهمة عنه ومع ذلك ظل أوبنهايمر شخصية مشكوك فيها وتعرض للمراقبة المستمرة لمدة تسع سنوات.

ومع ذلك وبشيء من الصراحة ربما تكون الحكومة الأمريكية على حق في التشدد في منع نشر المعرفة التقنية لتصنيع القنابل الذرية والشك في ولاء العلماء الذين أنتجوا (أو نقول ولّدوا) القنابل الذرية. ومن الطريف أن (أبو القنبلة الذرية السوفيتية) ليس عالم فيزياء روسي بل هو عالم فيزياء ألماني وهذا ما كان من عالم الفيزياء الألماني كلاوس فوكس والذي كان في الواقع جاسوس استطاع الشيوعيين زرعه في مشروع مانهاتن لتصنيع القنبلة الذرية وبهذا استطاع أن يسرب معلومات على درجة عالية من الأهمية. ولذا يقال إن كلاوس فوكس هو من ساعد علماء الفيزياء في لاتحاد السوفييتي في تسريع تصنيعهم لأول قنبلة ذرية والتي فجروها عام 1953ميلادي.

عدد كبير من العلماء الذين ارتبطوا بتصنيع القنابل الذرية واجهتهم المشاكل السياسية المتعددة في حياتهم فهذا عالم الفيزياء الألماني الشهير فيرنر هايزنبرغ المعروف لجميع طلاب المدارس الثانوية والجامعات بقانونه (قانون هايزنبرغ لعدم اليقين) في نظرية الكم والحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1932ميلادي. ومع كل هذا البريق في دنيا العلوم إلا أن سمعته تلطخت عندما أصبح يقلب (بأبو القنبلة الذرية النازية). لقد تولى هايزنبرغ القيادة العلمية لمشروع تصنيع القنبلة الذرية النازية بتكليف مباشر من الزعيم الألماني أدولف هتلر ولهذا حاول الغرب ارسال جواسيس لاغتيال هايزنبرغ. طبعا كما هو معلوم لم يتمكن هايزنبرغ من إكمال تصنيع القنبلة الذرية ويوجد شك (عدم يقين على وفق مبدأ هايزنبرغ الشهير) أنه تعمد أن يعطل تصنيع القنبلة النووية النازية. في الواقع جواسيس الدول الغربية لم يجدوا حاجة ماسة لاغتيال أبو القنبلة الذرية النازية مع أنهم كانوا في لحظة حاسمة اثناء الحرب العالمي الثانية ولذلك لم يكرروا المغامرة مره ثانية عندما تعلق الأمر باغتيال (أبو القنبلة الذرية الإيرانية). كما هو معلوم تم العالم الماضي اغتيال أستاذ الفيزياء الإيراني محسن فخري زاده ورئيس البرنامج النووي الإيراني علي يد الاستخبارات الإسرائيلية وقد تم مناقشة هذا الأمر والحوادث التاريخية المشابهة له في مقال حمل عنوان (علماء على قوائم الاغتيال).

 بلا شك موضوع القنابل الذرية موضوع شائك وخطير ولهذا عندم يرتبط عالم برابطة (أبوه) ببرنامج تصنيع قنبلة ذرية سوف يكون محل تقدير مطلق أو محل تجريم ولعن مطلق وهذا أمر متوقع عندما يكون الشخص (ذريته) وابنائه ونسله من بعده قنابل (ذرية). وهذا الأمر كما هو متوقع لن يقف عند (الآباء) بل قد يصل حتى (للأمهات) وهذا ما حصل مع (أم القنبلة الذرية). لقد تعرضت عالمة الفيزياء الذرية النمساوية ليز مايتنر مكتشفة الانشطار النووي والملقبة تجاوزا بأم القنبلة النووية، لقد تعرضت للاضطهاد العلمي والتميز والاجحاف ضدها بسبب أنها امرأة ولهذا تم تجاهل منحها جائزة نوبل بينما تم منح زملائها من الرجال هذه الجائزة مع أن اسهامهم العلمي أقل منها بكثير.

وبقي أن نقول في الختام أن (الأب) الوحيد الذي ساهم في تصنيع القنبلة الذرية لبلده ولاقى تكريم كامل من حكومته هو العالم والمهندس الهندي أبو بكر زين العابدين أبو الكلام والذي يحزننا ويؤسفنا أن نقول بأنه يلقب (أبو القنبلة الذرية الهندية). لقد وصل من تكريم الشعب الهندي لهذا الرجل أن تم انتخابه عام 2002م في منصب رئيس الجمهورية الهندية. لقد خان العلم الهندي أبو بكر (أبو الكلام) أمته الإسلامية ولهذا جلب على نفسه الكلام وربما يستحق أن نلقبه بأبو رغال الهندي وقد توفي غير مأسوفٍ عليه عام 2015م بينما نحن اليوم ندعو بالرحمة والمغفرة للفقيد الكبير أبو القنبلة الذرية (الإسلامية) عبد القادر خان رحمة الله رحمة واسعة وجعل مثواه الجنة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق