الاثنين، 20 مارس 2023

( شهر ديسمبر وبداية ونهاية الأدب النسوي )


 

د/ أحمد بن حامد الغامدي

يتداول أهل الأدب مقولة (بدأت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد) والمقصود أن صناعة الكتابة وفن البلاغة في مجال النثر العربي ابتدأ ظهورها بشكل متفوق ومبدع مع الأديب الأموي عبد الحميد الكاتب وأختمت مع الوزير البويهي الملقب بذي الكفايتين (السيف والقلم) ابن العميد. الجدير بالذكر أن الأمة العربية هي أمة شعر وليس أمه نثر ولهذا ليس فقط تأخر ظهور النشر العربي لكن أيضا فترة ازدهاره كانت قصيرة نسبيا فالفترة الزمنية الفاصلة بين عبد الحميد وابن العميد لا تزيد عن قرنين من الزمن. في المقابل دولة الشعر العربي أقوى وأطول ومتواصلة ولم تنقطع حتى وإن تداول أهل الأدب مقولة (بدأ الشعر بملك وختم بملك) ويقصدون بذلك أن الشعر كانت بدايته على يد الملك الضليل القتيل امرؤ القيس ونهاية مجده على يد الأمير الأسير أبي فراس الحمداني.

والمقصود مما سبق أن الأدب الذي يأتي على السليقة ومن دون تكلف مثل الشعر العربي يكون أصيلا ومؤثرا وممتدا عبر التاريخ على خلاف النثر وفن كتابة الرسائل الذي لا تعرفه العرب من قبل فما أسرع أن تلاشى وأندثر. وهذا يقودنا إلى مقارنة الأدب النسوي (المستحدث والمتكلف) مع الأدب (الإنساني !!) الطبيعي والضارب في عراقة التاريخ البشري. في مجال الأدب الإنجليزي (والآداب الأوروبية إجمالا) نبغ ولمع من الرجال كثير وكثير بينما لا تحفظ الذاكرة أي شاعرة نسائية مشهورة. الحال يختلف طبعا في مجال الرواية والقصة القصيرة فلا شك أن من الأسماء النسائية البارزة في دنيا وسماء الأدب يمكن أن نذكر الروائية البريطانية فرجينيا وولف (صاحبة رواية: السيدة دالواي) أو أجاثا كريستي أو الأديبة الأمريكية مارغريت ميتشل (مؤلفة رواية: ذهب مع الريح) أو هيريت ستو (كوخ العم توم) أو لويزا ألكوت (نساء صغيرات) أو ماري شيلي (فرانكشتاين) أو جين وبيستر (صاحب الظل الطويل) أو الروائية التشيلية إيزابيل اللندي (بيت الأرواح) أو حتى كاتبة قصة (هاري بوتر) المؤلفة البريطانية جي كي رولينغ.

على كل حال الأسماء الأدبية النسائية السابقة الذكر لامعة وهامة وأنتجت بعض أهم (روائع الأدب العالمي) وفي الواقع أغلب هذه الروايات نشرت في بدايات القرن العشرين ومع ذلك ينبغي أن لا نغفل أن أهم وأشهر الروايات الأدبية التي أنتجتها النساء كانت في القرن التاسع عشر وكانت شبه محصورة في ثلاث نساء جميعهن لهن ارتباط بشهر ديسمبر !!. وبشيء من المقايسة والمقاربة كما بدأت صنعة الكتابة في الأدب العربي بعبد الحميد وختمت بابن العميد نجد أن زخم وهج وأوج ألق أدب الروايات النسائية كان قصيرا نسبيا فقد ابتدأ بالروائية الإنجليزية جين أوستن واختتم بالأديبة الإنجليزية إيميلي برونتي وبقي أن نقول إن جين أوستن بداية ولادتها في 16 ديسمبر (1775م) في حين أن خاتمة وفاة إيميلي برونتي كانت في 19 ديسمبر (1848م). كمتذوق لجماليات الأعمال الكلاسيكية في الأدب الإنجليزي لا مقارنة في روعة الإبداع والعمق الفني لروايات ذلك العصر الذهبي في القرن التاسع عشر بما جاء بعد ذلك من روايات القرن العشرين أما الروايات الحديثة في العقود والسنوات الأخيرة فهي باهتة الإبداع وخافتة التألق لأدبي. ويكفي أن نشير إلى أن أشهر الروايات الأدبية الإنجليزية الذائعة الصيت والمؤلفة من قبل نساء هي لجين أوستن (مثل روايات: كبرياء وهوى / مانسفيلد بارك / إيما) بينما للكاتبة إيميلي برونتي الرواية الرائعة (مرتفعات ويذرينغ). العصر الذهبي للرواية الأدبية النسائية يمكن أن يتوقف عند إيميلي برونتي أو يمكن تمديده قليلا ليقف عند وفاة أختها الكبرى شارلوت برونتي التي توفيت عام 1855م ولها الرواية الرومانسية المذهلة (جين أير) بينما التمديد المنطقي للعصر الذهبي يجب ألا يغفل الروائية البريطانية البارزة جورج إليوت (هذا اسمها المستعار أما اسمها الحقيق فهو ماري آن إيفانس). وبحكم إن رواية (مدل مارش) للروائية جورج إليوت قد انتخبت ضمن أفضل مائة رواية أبية في كل العصور فهذا أحد المسوغات على تمديد العصر الذهبي للروايات النسائية لكي يشمل هذه الكاتبة المميزة والأمر الآخر أن لها ارتباط بشهر ديسمبر كما كان لكلا من جين أوستن وإيميلي برونتي ارتباطا بهذا الشهر فهي قد توفيت في يوم 22 من شهر ديسمبر. حتى الآن قصرنا الحديث عن الأدب الإنجليزي فيما يخص الروايات القصصية ولو فتحنا المجال لذكر القصائد الشعرية فربما من الملائم أن أهم وأبرز امرأة كتبت الشعر باللغة الإنجليزية هي الشاعرة الأمريكية إيملي ديكنسون. والتي لن نستغرب الآن أن نعلم أنها عاصرت العصر الذهبي للإبداع النسوي في القرن التاسع عشر ومع ذلك الغريب في أمرها أنها مثل من سبق ذكره من السيدات الأديبات لها هي الأخرى ارتباط بشهر ديسمبر فقد ولدت في العاشر منه وذاك في سنة 1830 ميلادي.

التحيز غير النبيل من جائزة نوبل ضد أو مع المرأة

وبحكم أن سيرة يوم العاشر من شهر ديسمبر انفتحت وحيث إننا حاليا في اليوم العاشر من شهر ديسمبر وهذا يوم مميز كل سنة لأنه يحصل فيه توزيع جوائز نوبل بحكم أنه اليوم الذي توفي فيه السيد النبيل نوبل. الليلة وبعد ساعات سوف تحصل الكاتبة الفرنسية غير المعروفة آني أرنو على ميدالية ومكافأة جائزة نوبل في الأدب والغريب في هذا الحدث أنه بالرغم من أن الأدباء الفرنسيين (الرجال) هم أكثر من فائز بجائزة نوبل في الأدب (15 فائزا بالمقارنة مع 10 فائزين بريطانيين أو أمريكان) إلا أن أول امرأة فرنسية تفوز بها وهي العجوز آني أرنو ليست ذات شهرة كبيرة مثل أديبات فرنسا البارزات مثل سيمون دي بوفوار أو فرانسواز ساغان. بالمناسبة في مقابل الكم الهائل من الروائيين والشعراء الرجال البارزين الناطقين والمؤلفين باللغة الفرنسية نجد أن أشهر روائية فرنسية هي السيدة جورج ساند (اسمها الحقيقي أمانتين دوبين صاحبة رواية فالنتاين) والتي نجدها مرة أخرى تكتب في فترة العصر الذهبي للأدب النسوي أي في القرن التاسع عشر. والمقصود أننا وإن كنا في زخم مرحلة التمكين للمرأة وتقديمها بالحق أو بالمجاملة ينبغي عندما نشاهد صور السيدة آني أرنو وهي تستلم جائزة نوبل للأدب أن نستشعر أن الجيل الذهبي لسيدات الأدب الرفيع قد انتهى قبل أكثر من قرن من الزمن.

طبعا سوف يكون الكلام مكرورا في الحديث عن عدم حيادية بل وأحيانا عدم مهنية طريقة منح جائزة نوبل بل وصل الأمر لوقوع فضيحة الجنسية تسببت بشكل أو آخر في حجب جائزة نوبل لأدب لعام 2018م واستلزمت تغييرات في تشكيلة اللجان الأدبية بالأكاديمية السويدية الجهة المسؤولة عن جائزة نوبل في الأدب. وقبل ذلك بسنتين أي في عام 2016م حصلت ضجة (وفضيحة) كبرى في الأوساط الثقافية والأدبية في العالم بعد الإعلان عن منح جائزة نوبل في الأدب للمغني الشعبي الأمريكي بوب ديلان وهذا أشبه في واقعنا العربي بمنح الجائزة العالمية للرواية العربية (جائزة البوكر العربية) للمغني الشعبي المصري أحمد عدوية !!. وفي الوقت الذي يُتساهل فيه إعطاء هذه الجائزة الكبرى للرعاع من أهل المغنى (المطرب الشعبي الأمريكي بوب ديلان كان من الصفاقة أنه حتى لم يحضر حفل تسليم جوائز نوبل) نجدها تحجب عن مشاهير الأدباء المعاصرين مثل البرازيلي باولو كويلو (صاحب رائعة رواية الخيميائي) أو الأديب الإيطالي أومبيرتو إكو (مبدع رواية اسم الوردة).

الجدير بالذكر أنه منذ بدايات توزيع جوائز نوبل واجهتها الكثير من الفضائح والقبائح من مثل المحاباة والشللية في اختيار الفائزين أو في المقابل تأثير العداوات الشخصية بين سكرتير الأكاديمية السويدية وبين المرشحين في حرمانهم من أحقية الفوز. الطريف في الأمر أن التحيز والتمكين المبالغ فيه للمرأة موجود في تاريخ جائزة نوبل المبكر وأشهر الأمثلة على ذلك أن أول امرأة في التاريخ تحصل على جائزة نوبل في الأدب هي شخصية أدبية مجهولة وهي السيدة سلمى لاغرلوف والتي حصلت عليها في تاريخ مبكر جدا من تاريخ الجائزة إي في عام 1909م. حصول السيدة سلمى لاغرلوف على جائزة نوبل كان بكل تأكيد بسبب (التحيز الإيجابي لصالحها) وذلك لأنها كانت بكل بساطة سويدية الجنسية ولهذا رغبت الأكاديمية السويدية أن تمنح هذا الشرف لامرأة من بلد السيد ألفريد نوبل. في حين أن لجنة الجائزة كانت (ويا للفضيحة) تتعمد حجب هذه الجائزة المرموقة عن عمالقة الأدب العالمي الروسي من مثل تولستوي ودوستويفسكي وتشيخوف ومكسيم غوركي بل وحتى مشاهير الأدب الإنجليزي مثل مارك توين وجيمس جويس وجورج أورويل وفرجينيا وولف والقائمة تطول وتطول !!.

وفي الختام نود أن نؤكد أن المرأة مثل الرجل يمكن أن تنتج أعمال أدبية رفيعة المستوى بشكل مذهل فالأخوات برونتي الثلاث (إيملي وشارلوت وآن) نادرا ما كن يغادرن المنزل وعشن أغلب حياتهن في مدينة صغيرة في يوركشاير وتوفين في سن مبكرة وبالرغم من قصر تجربتهن في الحياة إلا أن تنوع الشخصيات وعمقها في رواياتهن الأدبية أمر محير. في حين نجد أن الروائية الأمريكية المعاصرة توني موريسون (الحاصلة على جائزة نوبل في الأدب لعام 1993م) صدمت وأبكت تقريبا جميع من قرأ روايتها الحزينة (محبوبة) التي تناقش معاناة العبيد في أمريكا علما بأن العديد من الروايات الطنانة ناقشت هذا الأمر مثل معاناة العبد كونتا كونتي في رواية الجذور للكاتب الأمريكي أليكس هيلي أو معاناة العبدة إليزا في رواية كوخ العم توم. والمقصود أن الأدب النسوي في زمن عصره الذهبي أي في القرن التاسع عشر كان على درجة عالية من الجودة والتميز بينما هو في الوقت الحالي أدب ضعيف لأنه مؤدلج وصدامي يهدف لمناكفة الرجل والانشقاق عنه. مساء اليوم سوف تستلم لأول مرة امرأة فرنسية جائزة نوبل في الأدب بعد مرور 121 سنة على هذه الجائزة الرفيعة المستوى. حتى الآن عدد النساء الآتي حصلن على جائزة نوبل 17 امرأة فقط وفي حين حجبت هذه الجائزة عن أبرز أديبات القرن العشرين مثل الإنجليزية فرجيينا وولف والروسية آنا أخماتوفا والفرنسية سيمون دي بوفوار والتشيلية إيزابيلا أللندي إذا بنا في العشر سنوات الأخيرة نلاحظ ظاهرة متزايدة لمنح الجائزة وبشكل متكرر ومتسارع لكاتبات شبه مجهولات لأسباب لا تخفى !!.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق