د/ أحمد بن حامد الغامدي
يوافق يوم (27) من شهر يناير من كل سنة ما
يسمى اليوم العالمي لذكرى الهولوكوست وإن كان يقصد به التذكير بجرائم النازية ضد
ضحايا شعوب متعددة مثل اليهود والبولنديين والغجر بل والمعاقين إلا أن مصطلح (الهولوكوست
Holocaust)
أصبح يقصد به في الغالب المحرقة والتصفية بالغازات السامة لليهود داخل معسكرات
الاعتقال أثناء الحرب العلمية الثانية. ومن هنا يظهر التناقض فبدلا من التعاطف مع
(جميع) الضحايا من كل الأجناس أصبح الأمر مقصورا على ضحايا الشعب المختار. المغرر
بهم من المتعاطفين مع بني صهيون ربما احتفلوا معهم يوم الجمعة الماضي الموافقة
(27) يناير بذكرى المحرقة النازية للضحايا الشعب اليهودي ولكنهم للأسف لم لن
يهتموا في الغالب بالمحرقة التي سبقت ذلك بيوم واحد أي يوم الخميس (26) يناير عندما
نفذت شرذمة من الجيش الاحتلال الصهيوني مجزرة دامية في مخيم جنين الفلسطيني استشهد
على أثرها عشرة من إخوتنا في العروبة والإسلام.
الجدير بالذكر أن الجمعية العمومية للأمم
المتحدة كما تعترف باليوم العالم لذكرى ضحايا الهولوكوست هي كذلك تعترف قبل ذلك
بسنوات طويلة بما يسمى (اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني) والذي يحتفل به
سنويا في يوم (29) من شهر نوفمبر. وما يستحق الذكر هنا أنه في آخر مرة لهذه الذكرى
أي قبل حوالي شهرين تجددت جرائم الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل فتم في
ذات يوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني قتل أربعة من الشهداء. وهذا مؤشر ولا
شك أن جرائم المحارق والمذابح الصهيونية على أهل فلسطين متواصلة ومتزايدة لدرجة أنه
في شهر يناير الحالي اغتالت الأسلحة الآثمة للعدو الغاشم أرواح حوالي35 شهيدا
فلسطينيا.
وعلى ذكر شهر يناير الذي يقع فيه اليوم
العالمي لذكرى محرقة الهولوكوست لعل من الواجب استرجاع ذكرى (ضحايا المحرقة) من
العرب والفلسطينيين وليس فقط من اليهود الصهاينة. وللأسف نظرا للكم الهائل للمجازر
والجرائم الإسرائيلية المستمرة بالقطع سوف يستحيل استعراضها في مقال مختصر، ولكن سوف
نركز فقط وبشكل سريع على الإشارة إلى محارق الهولوكوست الصهيونية ضد أهل فلسطين في
أيام يناير القريبة من توقيت اليوم العالم لذكرى الهولوكوست في (27) يناير. فمثلا في
يوم (28) من يناير تكررت فيه جرائم العدو من مذبحة حيفا في عام 1948م التي ذهبت
ضحيتها 20 بريئا فلسطينيا إلى مجزرة حي الزيتون بمدينة غزة عام 2004م عندما توغلت
قوات الاحتلال واغتالت 13 شهيدا. أما يوم (26) يناير فهو الآخر قد شهد محرقتين
وجرائم إسرائيلية في سنتين مختلفتين هما مذبحة بيت لحم التي وقعت في عام 1952م
وذهب ضحيتها عشرة شهداء وكالعادة يشهد حي الزيتون المجازر المتكررة منها تلك التي وقعت
في يوم 26 يناير من عام 2003م وأسفرت عن مقتل 13 ضحية من الأبرياء.
ومن المذابح وجرائم القتل الجماعية للمدنيين
الفلسطينيين التي حدثت في شهر يناير (شهر ذكرى الهولوكوست) نذكر مثلا مذبحة مدينة
يافا (عام 1948م) ومجزرة القدس (1948م) ومجزرة بيت جالا (1952م) ومذبحة بيت لاهيا
(2005م) ومجزرة بوابة يافا (1948م) ومجزرة مدينة حيفا (1948م) ومجزرة قرية يازور
جنوب يافا (1948م). وربما لاحظت أيه القارئ العزيز كثرة توالي وتتابع جرائم القتل
الجماعي ومجازر تصفية الشعب الفلسطيني التي حصلت في عام 1948م بالذات. وللوهلة
الأولى يمكن تفسير كثافة هذه الجرائم الصهيونية في عام 1948م على أنها متزامنة مع
إعلان قيام الكيان الصهيوني الغاشم على أرض فلسطين السليبة وأن سياسية الترويع
والقتل والمذابح كانت متعمدة من قبل الصهاينة لتشريد الشعب الفلسطيني وتدعيم قيام
أركان دولتهم محل الحكم العربي.
وما نود الوصول له أنه يوجد ترابط وثيق ما
بين جرائم النظام النازي ومحرقة الهولوكوست ضد الجالية اليهودية في أوروبا وبين نكبة
فلسطين واحتلال أرضها بجحافل الناجين من المحرقة النازية بعد فرارهم وهجرتهم غير
الشرعية إلى أرض الميعاد المزعوم. كما هو معلوم وافق هتلر في عام 1942م على الخطة
النازية المسماة (الحل الأخير) للقضية اليهودية وذلك بالترحيل القسري المنظم لجميع
اليهود إلى معسكرات الاعتقال ثم لاحقا تطور الأمر إلى تصفيتهم بالقتل بالغاز ثم
حرق الجثث. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية واندحار النازية واجهت حكومات دول الحلفاء
مشكلة مشابهه مع (الناجين) اليهود من محارق الهولوكوست ماذا يفعلون بهم وبدل من
محاولة (إعادة تأهيلهم) واستيعابهم في المجتمع الأوروبي كما هو حالهم لقرون طويلة
كان (الحل الأخير) في نسخته الجديدة للمشكلة اليهودية الأزلية أن يتم ترحيل اليهود
مرة ثانية، ولكن هذه المرة من أوروبا إلى أرض الإسراء العربية أرض فلسطين. وفي
الواقع قبل نهاية الحرب ذلك كانت الحكومة الأمريكية قد بدأت بالفعل في عمليات
إخراج اليهود من الأراضي التي تحتلها ألمانيا النازية وأقامت لهذا الغرض مكتبا
خاصا أطلق عليه (مكتب مهاجري الحرب). ومباشرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية
طالب الرئيس الأمريكي هاري ترومان من حكومة الانتداب البريطاني على أرض فلسطين أن تسمح
بدخول وهجرة مائة ألف يهودي إلى فلسطين.
وفق المصادر التاريخية وصلت إلى سواحل فلسطين
ما بين عامي 1945-1948م حوالي 65 سفينة مهاجرين يهود غير شرعيين بلغ عددهم نحو 79
ألف يهودي. ونخص بالذكر هنا السفينة المسماة (إكسودوس 1947) والتي كانت
تحمل مهاجرين غير شرعيين يهود معظمهم كانوا ممن نجو من محرقة الهولوكوست النازية وتم
نقلهم إلى أرض فلسطين. ومن هنا جاء تسمية السفينة بذلك الاسم: إكسودوس The Exodus
وهي كلمة عبرية تعني (الخروج) ويقصد بها تاريخيا ودينيا خروج بني إسرائيل من مصر
إلى أرض الميعاد في فلسطين زمن نبي الله موسى عليه السلام ولهذا حصل تشبيه خروج
يهود أوروبا هربا من محرقة هتلر بخروج يهود مصر هربا من طغيان فرعون. وبالعودة إلى
السفينة البخارية المسماة إكسودوس 1947 نجد أنها كانت مكتظة بالنازحين اليهود المرحلون
من أوروبا والناجين من معسكرات الاعتقال النازية أي معسكرات الهولوكوست ونظرا لأن
تلك السفينة الصغيرة نسبيا كانت تحمل 4515 مهاجرا يهوديا في ظروف صعبة فقد تعاطف
الغرب معهم بشكل كبير لدرجة أنه تم انتاج عدد من الأفلام السينمائية الهوليوودية
عن دراما رحلة (الخروج) اليهودية تلك. وبما أن هؤلاء اليهود المهاجرين وصلوا بتلك
السفينة في المراحل الأولى لظهور دولة العدو الصهيوني لهذا أصبحت تلك السفينة توصف
بأنها (السفينة التي أطلقت أمة the ship that launched a nation)
بمعنى أنها السفينة التي ساهمت في نشوء وظهور الأمة والدولة الإسرائيلية.
الأمر البالغ الأهمية ذكره الآن أن هذه
السفينة البخارية الأمريكية الأصل تم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية شرائها
بواسطة المنظمة الصهيونية الإرهابية الشنيعة (الهاجاناه Haganah)
التي ليس فقط مثلت نواة جيش العدو، ولكنها نفذت كذلك سلسلة المجازر والإبادة
الجماعية للشعب الفلسطيني في عام 1948م. وهذا يعني أن أكثر الجماعات الصهيونية
إرهابا وقسوة هي من تولت تنفيذ تهجير يهود أوروبا من طائفة الأشكناز إلى أرض
فلسطين في عملية منظمة متشعبة حملت اسما رمزيا هو (عاليا بت). وبالتأكيد بعد وصول
عشرات الآلاف من اليهود انخرط الشباب منهم في العمليات القتالية ضد عرب فلسطين
وكذلك عمليات الإبادة الجماعية الإرهابية ضد الأبرياء من سكان المدن والقرى الفلسطينية.
الجدير بالذكر أن في سنة 1948م لوحدها قامت عصابة الهاجاناه الإرهابية المطعمة
بالمقاتلين اليهود الناجين قريبا من محرقة الهولوكوست النازية بتنفيذ مذابحها
الشنيعة مثل مذبحة دير ياسين التي ذهبت ضحيتها حوالي 350 من الأبرياء العرب ومذبحة
بلد الشيخ التي خلفت أكثر من 17 قتيلا فلسطينيا ومذبحة قرية الخصاص الفلسطينية
والتي قتل فيها حوالي عشرة مدنيين على يد عصابة الهاجاناه.
والمقصود أن الغرب ومن لف لفهم ربما وهم
يتذكرون جرائم هتلر النازي وفظائع محرقة الهولوكوست هم في نفس الوقت يذكرون
المكاسب التي نالوها من تهجير ألمع العقول العلمية إلى بلدانهم. في حين أننا وفي
ذكرى (اليوم العالمي لضحايا الهولوكوست) نعلم أنه هذه اللحظة التي تم توقيتها بمناسبة
تاريخ اقتحام معسكر أوشفيتس الشنيع في بولندا و(تحرير) اليهود هي بداية لحظة (اعتقال)
الشعب الفلسطيني وتصفيته وتهجيره على يد المجرمين من بعض ضحايا الهولوكوست الذين انخرطوا
في الأعمال الإجرامية لعصابات الهاجاناه الإرهابية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق