الاثنين، 20 مارس 2023

( عائلة مولر والانقلابات السياسية في ألمانيا !!! )


 

د/ أحمد بن حامد الغامدي

وقع بالأمس حدث غريب وصادم للجميع وهو الإعلان عن إفشال محاولة انقلاب عسكري في ألمانيا تم من جرائها القبض على العشرات من الأشخاص منهم عناصر في الجيش الألماني وبعضهم من رجال السياسة. مثل هذه الأجواء المشحونة في أرض الرايخ حصلت قبل قرن من الزمان بالتمام والكمال وذلك عندما حاول هتلر مع الحزب النازي القيام بانقلاب عسكري للاستيلاء على السلطة في مدينة ميونخ عاصمة إقليم بافاريا الألماني وهي الحادثة السياسية التي دخلت التاريخ الألماني باسم: انقلاب بير هول. كل من يعلم أن أدولف هتلر ألّف كتابه المشهور (كفاحي) أثناء اعتقاله في السجن يستحسن أن يعلم أنه في واقع الأمر سجن بسبب محاولة الانقلاب الفاشلة تلك وبالرغم من أنه اتهم بالخيانة العظمى وحكم عليه بعقوبة السجن لمدة خمس سنوات إلا أنه فعليا تم إطلاق سراحه بعد عام واحد فقط. وخلال سنوات قليلة انتقل (الانقلابي) هتلر من الاتهام بالخيانة العظمى إلى تولي السلطة الكاملة للبلاد ليصبح المستشار الألماني الفوهرر أدولف هتلر.

ما سبق يلخص ميزة واضحة في تاريخ السياسة الألمانية في العصور الحديثة أنها ليست ثابته وهي سريعة (التقلب) لهذا كان من المستغرب أن نستغرب باحتمالية حصول انقلاب سياسي جذري ومحور في مناخ الرايخ الألماني.

لنفترض أنه يوجد شخص ألماني طاعن بالسن يسمى مثلا (هانز فريدريك مولر) ويعيش في مدينة برلين. لنرجع بالوراء إلى زمن أجداد صاحبنا هانز وإلى منتصف القرن التاسع عشر حيث نجد جده الأكبر يعيش في مدينة برلين في فترة لم تكن بعد (توحدت) الولايات والأقاليم الألمانية المتناحرة والتي جمعها ووحدها السياسي الألماني المعروف بسمارك الملقب بصانع الوحدة الألمانية. في عام 1871م حصل التغير البارز في التاريخ الألماني الحديث وهو ظهور الإمبراطورية الألمانية وهنا نتوقع أن جد هانز موللر كان يعيش في كنف الإمبراطور الألماني فيلهام الأول وخلفه فيلهام الثاني. وبالتالي توجد احتمالية أن هذا الجد عاصر في طفولته صعود العرق الآري الألماني من حالة التشرذم والانقسام إلى الوحدة وصولا إلى قمة القوة والعنجهية عندما حاصرت القوات الألمانية مدينة باريس لأول مرة في التاريخ وذلك في عام 1871 ميلادي. في أواخر حياة الجد مولر دار الزمان دورته وسرعان ما انهارت الإمبراطورية الألمانية في أقل من نصف قرن وذلك بعد نهاية الحرب العالمية الأولى عندها تم خلع الإمبراطور فيلهام الثاني ونفي إلى خارج ألمانيا. وننتقل الآن إلى ابن الجد مولر والذي اقترحنا أن اسمه فريدريك حيث نجده في أوائل حياته ينتقل مع الأمة الألمانية من كونها ملكية إمبراطورية إلى كونها دولة جمهورية ديمقراطية ولكن سرعان ما سوف يتغير حال السياسة الألمانية لتنتكس وتصبح نظام شمولي على يد هتلر والحزب النازي البغيض وكل ذلك خلال سنوات معدودة هي الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية. وها نحن ذا مع صاحبنا هانز مولر الذي ربما يكون ولد في زمن حكم النظام النازي وعاش معظم حياته خلال سيطرة الحكومة شيوعية في ألمانيا الشرقية والتي يهمن عليها الاتحاد السوفيتي. وبالتالي كان نظام حياة هانز مولر في شبابه يختلف تماما تماما عن واقع حياته في شيخوخته وهو يعيش الآن في ظل نظام رأسمالي ديمقراطي يهمن بسبب رخائه الاقتصادي ونفوذه السياسي على كامل القارة الأوروبية.

والآن بعد أن تتبعنا أفراد عائلة مولر المتخيلة عبر التاريخ القريب نسبيا وكيف عاصروا تغير الواقع السياسي والعسكري والاقتصادي للأمة الألمانية من الضعف والتشرذم إلى نشوء الإمبراطورية ثم التدهور المريع بعد ظهور النازية ثم الشيوعية. وحاليا هم في قمة الصعود الثاني في ظل الدولة الديمقراطية والرفاه الاقتصادي والاجتماعي هل سوف يكون من المستغرب تماما أن يعيد التاريخ نفسه وتبدأ الأمة الألمانية بالتقهقر مرة أخرى.  

يشتهر عن رجال الفكر الألمان اهتمامهم الفلسفي بحركية التاريخ كما نجده عند كارل ماركس وهيغل حيث التاريخ عندهم نجد أنه بالجملة يسير باستقامة وحتمية تصاعدية. لنعود الآن لحمولة عائلة آل مولر ولنفرض أن حفيدهم الجديد المسمى يوهان تخصص في فلسفة التاريخ وعاصر بنفسه في المستقبل غير البعيد عودة انهيار الأمة الألمانية كما بدأت إرهاصاتها يوم أمس بحادثة الانقلاب العسكري الفاشلة. فلو حصل ذلك هل سوف يستمر الفيلسوف يوهان مولر على أفكاره القديمة أن التاريخ يسير باستقامة أم يغير رأيه ويقتنع أخيرا أن التاريخ يسير في دوائر متكررة كما يرى ذلك ابن خلدون وغيره من فلاسفة الشرق.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق