الأحد، 10 ديسمبر 2023

( المأساة الفلسطينية في روايات الأدب الغربي والعبري )

د/ أحمد بن حامد الغامدي

 القضية الفلسطينية عنوان القضية العادلة وإن كان بعض المحامين من أهلها فشله إلا أنه كثيرا ما يقيض الله لها محامين من الأغراب فمثلا هذا المفكر الأمريكي (اليهودي) المعروف نعوم تشومسكي قام بتأليف حوالي أربعة كتب خصصها عن فلسطين والقضية الفلسطينية كان أحدها بعنوان (غزة في أزمة) ينتقد فيه بشدة العمليات العسكرية الصهيونية وأضرارها الإنسانية على أهل غزة. وبدرجة أقل في دعم القضية الفلسطينية، ولكن بصورة أكثر غرابة نجد أن الضابط الإسرائيلي نير كوهين وهو برتبة رائد في جيش العدو وبالرغم من أنه حمل السلاح للدفاع عن الكيان الصهيوني إلا أنه مع ذلك ألّف كتابا حمل عنوان (أحب إسرائيل وأدعم فلسطين). ونظرا لتبني الإسرائيلي نير كوهين لأفكار التعايش السلمي وبحكم أنه يعتبر نفسه ناشطا في مجال حقوق الإنسان لهذا تحول مع الزمن لمعارض للاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين. لا شك أن لهذا الضابط الإسرائيلي معارضة حادة للحكومات الإسرائيلية دفعته لمحاولة الكشف عن جرائم الجيش الصهيوني وهو بهذا يتعاطف بشجاعة مع الضحية في مقابل الجلاد.

بقي أن نقول إن تكملة عنوان الكتاب الذي ألفه نير كوهين عن الصراع العربي الإسرائيلي هو: أحب إسرائيل وأدعم فلسطين (قصة إسرائيلية An Israeli Story) بمعنى أن الكاتب سوف يسرد ويذكر القصة من زاوية نظر الراوي الإسرائيلي المشاهد للأحداث. وفي الواقع نشر قبل فترة قصيرة كتاب أشبه برواية أدبية تحوي سردية من وجهة نظر فلسطينية (قصة فلسطينية A Palestine Story) عن الأبعاد المأساوية للصراع الدائم في أرض فلسطين. ذلك الكتاب الروائي كان من تأليف الصحفي الإسرائيلي ناثان ثرال وحمل عنوان رئيسي (يوم في حياة عابد سلامة) والعنوان الفرعي له هو (تشريح لمأساة القدس). قصة المأساة الفلسطينية الواردة في ذلك الكتاب مبنية على واقعة حقيقة حصلت بالقرب من مدينة القدس في عام 2012م عندما اصطدمت حافلة مدرسية بمؤخرة شاحنة نقل مما نتج عن ذلك الحادث المروري مصرع ثمانية من أطفال الروضة الصغار ومعلمتهم وإصابة العشرات. ولهذا قام الكاتب الإسرائيلي ناثان ثرال بصياغة قصة متخيلة ومستوحاة من تلك المأساة وتدور عن رجل حقيقي يدعى عبد السلام سلامة الذي فقد ابنه الصغير ميلاد في ذلك الحادث. وكيف ظل ذلك الأب لمدة يوم كامل يحاول البحث عن جثمان ابنه الذي نقل لمستشفى داخل إسرائيل والتعقيدات الأمنية والمعاناة الإنسانية التي تعرضت لها أسرة عابد سلامة جراء الصراع والانقسام بين العرب واليهود بسبب جدار العزل العنصري البغيض. وأود تنبيه القارئ العزيز أن تلك المأساة التي حدثت لأطفال المدرسة هي ناتجة عن حادث مروري ومع ذلك قام المؤلف الإسرائيلي بتوظيف هذه الكارثة لمحاولة (تشريح) أسباب الواقع المأساوي لأهل فلسطين. وبالجملة هذا الكتاب المصاغ بأسلوب الرواية الأديبة يهدف إلى تجسيد المعاناة والشقاء الذي يعيشه الفلسطينيون في ظل الاحتلال الصهيوني وذلك من خلال محاولة الكاتب تتبع تفاصيل الحياة اليومية المأساوية للأفراد والعوائل الفلسطينية.

من الأمثلة السابقة للحالة الفريدة والغريبة من تعاطف (بعض) اليهود من المقيمين في إسرائيل وخارجها مع ما يتعرض له أهلنا في أرض فلسطين السليبة يتبين لنا أن (القضية الفلسطينية العادلة) تلقى دائما وأبدا من يتعاطف معها ويناصرها. وهذا ما انعكس في الأسابيع الماضية في المظاهرات غير المسبوقة في ضخامتها وتعددها وتنوعها لنصرة القضية الفلسطينية في مختلف بلدان العالم. وقبل عد سنوات كتبت مقال خاص حمل عنوان (النضال الفلسطيني وتعاطف الغرباء) استعرضت فيه أمثلة عديدة لأشخاص وجماعات ومنظمات من مختلف الجنسيات والدول ليس فقط تعاطفوا وتفهموا ضرورة (النضال) الفلسطيني بل العديد منهم شارك في الحرب ضد الاحتلال الصهيوني وبعضهم قتل وبعضهم سجن لسنوات طويلة. ونحن اليوم نهدف إلى محاولة رصد صدى القضية الفلسطينية العادلة وانعكاسها في الإعمال الأدبية والقصص الروائية التي تم تأليفها من قبل (بعض) الكتاب الغربيين أو العبريين الذين ناصروا حقوق الشعب الفلسطيني ووظفوا الأدب والرواية في توثيق مآسي أهل فلسطين.

 أدب عبري متعاطف مع العربي

لقد كان (أدب المقاومة) أحد وسائل الكفاح التي استخدمها المناضل الفلسطيني والمناصر العربي في حربهما الطويلة مع العدو الصهيوني الغاشم ولهذا عبر العقود الزمنية السابقة ظهرت العديد من الأعمال الأدبية العربية عن مأساة الشعب الفلسطيني. ونخص بالذكر هنا الروايات القصصية التي ناقشت التهجير القصري للفلسطينيين خلال نكبة عام 1948 والتي يصفها البعض بـ (التغريبة الفلسطينية) ومن أشهر الروايات التي يمكن ذكرها على عجالة رواية عائد إلى حيفا لغسان كنفاني ورواية البحث عن وليد مسعود لإبراهيم جبرا إبراهيم ورواية زمن الخيول البيضاء لإبراهيم نصر الله ورواية المتشائل لإميل حبيبي ورواية الطنطورية لرضوى عاشور وغيرها كثير. والغريب أن أغلب روايات (التغريبة الفلسطينية) حديثة نسبيا في تاريخ صدورها حيث إن أغلبها ظهرت بعد عام 2000م وأقدم رواية منا هي رواية عائد إلى حيفا التي صدرت في عام 1969م أي بعد النكسة بالرغم أن أحداث الرواية تدور في زمن النكبة.

في الواقع غير مفهوم تأخر الأدباء العرب في توظيف الروايات والأعمال الأدبية في خدمة القضية الفلسطينية العادلة وفي المقابل تعجب كيف أنه في عام 1962م أصدرت الأديبة الإيرلندية إيثيل مانين رواية خاصة عن النكبة الفلسطينية حملت عنوان (الطريق إلى بئر السبع). تبدأ تلك القصة بداية دراماتيكية ودرامية مزدوجة حيث نحبس أنفاس الإثارة وعبرات ودموع التأثر ونحن نتابع أحداث هروب طفل الفلسطيني الصغير يدعى منصور مع عائلته من مدينة اللد في حر الصيف والهلع من قصف الطائرات وبطش جنود الصهاينة وهم يهجرونهم إلى مدينة رام الله قبل ان ينتقلوا للعيش في مدينة أريحا في ظروف تشرد عصيبة.

الطفولة المعذبة جراء الاعتداء الوحشي الصهيوني الذي يسرده ويحكيه بطل الرواية الطفل منصور ذو الإثنى عشر ربيعا نجد إلى حد ما شبيه له مع الطفل الآخر يدعى أحمد بطل رواية (شجرة اللوز) وهو يتطابق مع منصور في نفس العمر (12 سنة) وفي تكرار المأساة. الجدير بالذكر أن مؤلفة رواية (شجرة اللوز) هي كاتبة أمريكية تدعى ميشيل كوهين وهي من أصول يهودية وقد عاشت عدة سنوات في بداية شبابها في أرض الكيان الصهيوني وتخرجت من الجامعة العبرية في القدس. ومع ذلك لهذه الكاتبة اليهودية تعاطف واضح مع المأساة الفلسطينية فنجدها في مطلع تلك الرواية تسرد معاناة الشعب الفلسطيني المحتل ممثلة في أسرة الطفل أحمد حيث يجتاح الاحتلال الصهيوني قريتهم في زمن النكبة. وبالإضافة إلى قمع وترويع سكان تلك القرية يتعرض أحمد لكارثة مقتل أخته الصغيرة بأحد الألغام التي نشرها العدو وكذلك لسجن والده ظلما لمدة 14 سنة.

وبحكم أن مأساة الشعب الفلسطيني متجددة ومتنوعة عبر السنين ففي الواقع أصبحت فاجعة التهجير والتغريبة الفلسطينية قبل حوالي 75 سنة أمر من الماضي الأليم وللأسف استجدت للشعب الفلسطيني مآسي جديدة مثل جريمة (جدار العزل العنصري). وهذا ما انعكس لدى عدد من الروائيين والكتاب الغربيين الذين أصبحوا يركزون أكثر في سرد مأساة الشعب الفلسطيني من خلال معاناتهم مع حالة العزل والحجز الإقصائي لأهل الضفة الغربية بسجنهم معنويا وراء بوابات الحواجز الأمنية وأسوار الجدران الخرسانية الشاهقة. وبالرغم من أن الكاتب الأمريكي تيموثي نيدرمان متخصص في مجال القانون وله اهتمامات صحفية متنوعة ولم يسبق له كاتبة أي أعمال أدبية إلا أن أول رواية فنية يكتبها كان عن المأساة الفلسطينية بعد أن تعاطف معها بشكل كبير. في رواية (جدار الغبار) نجد نيدرمان يوظف جدار العزل العنصري كرمز مكثف لتجسيد المعاناة الفلسطينية وذلك من خلال سرد قصة معلمة فلسطينية تدعى عائشة تسببت طائرة حربية إسرائيلية في مصرع أغلب الطلاب الذين تدرسهم وذلك بعد قصف مدرستهم الابتدائية. ونظرا لرمزية جدار الفصل الإسمنتي الإسرائيلي ودوره في تعميق مأساة الشعب الفلسطيني تقوم المعلمة المفجوعة عائشة والمشوشة عقليا باتخاذ عادة قذف ذلك الجدار بالحجارة وهي تذكر اسماء طلابها واحدا واحدا مع كل الحجارة التي تقذفها. 

القارئ العزيز أود أن أشير بأن رجل القانون الأمريكي تيموثي نيدرمان السالف الذكر ربما استشعر الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني ولهذا كانت روايته الأدبية الأولى عن معاناتهم وكذلك يبدو أن المحامية الأمريكية السيدة تيريزا لوريلا ربما هي الأخرى تعاطفت مع القضية الفلسطينية العادلة ولهذا دافعت عنها من خلال أحداث روايتها الأدبية التي حملت عنوان (حمائم فلسطين The Doves of Palestine). الجدير بالذكر ان الغلاف الخارجي لهذه الرواية يحمل رسمة لطفلة فلسطينية صغيرة تطلق تسع حمامات كانت محبوسة في شنطة سفر ومن ثم تحلق وتطير تلك الحمائم فوق الحاجز الإسمنتي لجدار العزل العنصري.

رواية أدبية إضافية تربط بين فلسطين والانقسام وبين الجدار هي رواية (جدار حي Living Wall ) ومع ذلك ينبغي التنبيه أنها نموذج مختلف للأدب العبري الذي يكون محورة القضية الفلسطينية. ما سبق ذكره ورصده من الروايات العبرية والغربية هي أعمال أدبية لها رسالة واضحة وثيمة محورية تدور حول التعاطف مع المأساة الفلسطينية في حين نجد أن رواية (جدار حي) للكاتبة الإسرائيلية ذات الأصول الإيرانية دوريت رابينيان الخط الدرامي يختلف حيث إن (الجدار) في عنوان الرواية يقصد به الحاجز المعنوي الذي يفصل الفرد الفلسطيني عن الفرد الإسرائيلي وتلك الرواية في الحقيقة تدور عن قصة حب رومانسية بين فتاة إسرائيلية وشاب فلسطيني.

 في التوازي مع الأعمال الأدبية الغربية والعبرية التي تتفهم المأساة الفلسطينية نجد بعض الأدباء الغربيين والعبريين يهتمون أكثر بنشر ثقافة التعايش والتسامح بين الشعب العربي والشعب العبري وبث مفاهيم قبول الآخر والسلام. ومن الطرائف أن الروائي الكندي كولين مالارد من شدة حماسته لفكرة التعايش السلمي ونبذ العنف والصراع حرص أن تكون رسالته واضحة حتى في صفحة عنوان غلاف الرواية. فهو قد كتب رواية بعنوان ينفع للكتب الأكاديمية والتاريخية وليس للروايات الأدبية وقد كان العنوان الذي اختاره كالتالي: (نقطة ثابتة: رواية عن الحرب والسلام والسياسة وفلسطين).

 وفي الختام أود أن أذكر بأنه في تاريخ (الأدب العبري) المعاصر وجدت منذ أكثر من نصف قرن حركة أدبية في الشعر الإسرائيلي تسمى (أدب الاحتجاج السياسي) شارك فيها بعض أشهر وأهم الأدباء اليهود من مثل شموئيل عجنون الحاصل على جائزة نوبل. وبعض هؤلاء الأدباء الإسرائيليين كان لهم موقف ضد المجازر التي وقعت على الشعب الفلسطيني وبعضهم رفض المشاركة في تجميل صورة الحكومات الإسرائيلية من خلال القوة الناعمة للأدب. وعلى كل حال وبحكم أن اليهود والصهاينة ليسوا كتلة صلدة وليسوا على قلب رجل واحد فربما من الملائم الاستعانة بالتيارات الدينية اليهودية مثل حركة ناطوري كارتا التي تعارض نشوء الدولة الصهيونية. أو دراسة ظاهرة بعض التيارات السياسية اليسارية الإسرائيلية التي تحارب توسع المستوطنات الصهيونية وكذلك لعل من الملائم النشر والتعريف بما تطرحه بعض المدارس الأدبية الإسرائيلية من حركة الاحتجاج السياسي أو تبنيها لثقافة التعاطف مع مأساة فلسطين وقضيتها العادلة.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق