د/ أحمد بن حامد الغامدي
من المعروف أنه لضمان الانتشار الإعلامي
والربحية المالية لأي عمل روائي أدبي يوجد إغراء حقيقي بأن تكون أحداث الرواية
واقعة ضمن إطار (الثالوث المحرم) ومجمع التابوهات المتمثل بالسياسة والدين والجنس
ولهذا سوف نناقش مسارات سرديات الرواية العربية في تصوير الحياة الجامعية ضمن هذه
المحاور الثلاثة.
العمل السياسي الطلابي داخل الجامعة ظاهرة
سياسية قديمة في التاريخ العربي المعاصر تجاوزت القرن من الزمن منذ مشاركة أعضاء
الاتحادات الطلابية في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) في مظاهرات ومسيرات
مناهضة للاحتلال الإنجليزي لمصر. وبحكم أن أغلب الحركات الثورية ذات الطابع
السياسي المقاوم والمعارض مصيرها القمع والاعتقال بل التعذيب والقتل لهذا نجد أغلب
الروايات العربية التي سلطت الضوء على جوانب النشاط السياسي لطلبة الجامعة ركزت
على مصير هؤلاء المناضلين الشبان في المعتقلات والسجون ولهذا فيما يلي من عرض تصوير
الاعمال الادبية للحراك السياسي الطلابي لا أملك إلا أن أحذر القارئ الكريم مقدما
كما قال رئيس الوزراء البريطاني تشرشل (لا أعدكم إلا بالدم وبالدموع والبكاء
والالم).
إحدى أهم الروايات العربية على الاطلاق في
مجال أدب السجون والقمع السياسي هي رائعة نجيب محفوظ رواية (الكرنك) والتي تستعرض
تفاصيل الاعتقال المتكرر لثلاثة من طلبة الجامعة (حلمي وإسماعيل وزينب) بسبب
اتهامهم بالانتماء السياسي للتيار الديني أو للأفكار الشيوعية. ومع ذلك لا تناقش
الرواية تفاصيل النشاط السياسي لهؤلاء الطلاب داخل الجامعة وفي حال أردانا رواية
أدبية كاشفة لهذا المجال السياسي والاجتماعي الخصب لا أفضل من الاطلاع على رواية
(الطلياني) للأديب التونسي شكري المبخوت والتي فازت بجائزة البوكر العربية للرواية
لعام 2015م. هذه الرواية تدور حول الطالب الجامعي عبد الناصر الملقب بالطلياني
لوسامته وقد كان زعيم التيار اليساري الطلابي في كلية الحقوق بالجامعة التونسية في
فترة بداية الثمانينات زمن أواخر حكم الرئيس بورقيبة. ونظرا لقدراته التنظيمية في
حشد واستقطاب طلبة الجامعة للانضمام للحزب الشيوعي طلب منه قيادات التنظيم أن
يتأخر في الدراسة بشكل مقصود لأطول فترة ممكنة وألا يتخرج ويغادر الكلية إلا بعد تعزيز
الهياكل النقابية فيها. كما تناقش الرواية بشكل عام حالة الصراع السياسي بين طلبة
الجامعة من التيارات اليسارية مع طلبة الجماعات الإسلامية وتنافسهم على السيطرة على
الاتحاد العام لطلبة تونس كما تمت الإشارة للمضايقات والمواجهات الأمنية التي تعرض
لها طلاب الحراك الجامعي. مرحلة الحياة الجامعية للطالب عبدالناصر الطلياني كانت
حاشدة بأحداث سياسية وعاطفية حادة غيرت مستقبل مسار حياته ولهذا لا عجب أن قام المؤلف
شكري المبخوت بعنونة فصل مرحلة الحياة الجامعية لبطل الرواية بعنوان (المنعَرَج).
يبدو أن فترة الثمانينات تزامنت مع زخم
الحراك السياسي الطلابي في العديد من الدول العربية ولهذا من المصادفات أنه تقريبا
في نفس وقت نشر رواية (الطلياني) نشرت رواية أخرى للكاتب الأردني ذي النجم الصاعد
في عالم الرواية أيمن العتوم وعمله الأدبي الذي سبب له المشاكل والاعتقال
والمحاكمة وهي رواية (حديث الجنود). محور هذه الرواية هو سرد أحداث (الثورة/الانتفاضة
الشبابية) لطلاب جامعة اليرموك الأردنية عام 1986م والتي ابتدأت بمطالب معيشية
بخصوص تخفيض رسوم الدراسة وانتهت بحراك شبه سياسي يتعلق بالقضية الفلسطينية مرورا
بالتجمع والتظاهر والاعتصام للمطالبة بإقالة مدير الجامعة والاحتجاج ضد استخدام
القوة الأمنية لتفريق المظاهرات والمهرجانات الخطابية. كما هو متوقع تم إخماد
الثورة الشبابية بقوات من الجيش والأمن المركزي وقوات البادية ونتج عن ذلك مقتل
عدد من الطلاب والطالبات واعتقال الآلاف وفصل العشرات من أساتذة الجامعة المتعاطفين
معهم. وفي رواية (حديث الجنود) الطويلة سرد شبه تفصيل لدوافع ومراحل ومائلات هذا
الحراك الطلابي وكيف شارك فيه جميع التيارات السياسية الأردنية مع التركيز على
القائد الأساسي لهذا الحراك الطالب ذو الاسم المستعار (شاهر ورد) ذو الاتجاه الإسلامي
من حركة الإخوان المسلمين بينما القائد الثاني للانتفاضة الطلابية هو (رمزي الخب) ذو
الاتجاه اليساري والطالب (الزيتاوي) من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
مظاهرات طلاب جامعة اليرموك بدأت مطالبية معيشية
ولكنها تخطت الخط الأحمر عندما انتهت للهتاف للقضية الفلسطينية ومنظمة التحرير في
مجتمع عشائري شهد قبل سنوات قليليه النزاع والاحتراب الداخلي المشهور بأحداث أيلول
الأسود وهذا ما سبب حساسية سياسية كبيرة لهذه المظاهرات الطلابية. يبدو أن القضية
الفلسطينية كانت مصدر قلق وحساسية مفرطة للأنظمة والدول العربية في تلك الفترة
لدرجة أن رواية أخرى عن الحراك الطلابي الجامعي عن نفس تلك الفترة الزمنية كتبها الروائي
التونسي الأزهر الصحرواي وعنوانها (وجهان لجثة واحدة) يتعرض بطل الرواية فيها
الطالب الجامعي (صابر) للسجن لمدة شهرين عندما شارك في مسيرة في أحد شوارع العاصمة
تونس للتضامن مع الشعب الفلسطيني بمناسبة مرور أربعين سنة على احتلال فلسطين. ومع
أن هذه الرواية التونسية أقدم من رواية (الطلياني) إلا أنها تتشابه معها تماما فهي
تدور عن ثلاث سنوات قضاها بطل الرواية في أروقة الجامعة التونسية وتوثق للحراك
الطلابي فيها ممثلا بنشاط الحركات التنظيمات الطلابية اليسارية وحالة الصراع
والانقسامات التي حصلت فيها وكذلك الاعتقالات والسجن والتعذيب لهؤلاء الطلبة. لمحة
أخرى من عالم الحراك السياسي في رواق الجامعات نجده بصورة مختصرة في ثنايا رواية
(أنا عشقت) للكاتب المصري محمد المنسي قنديل والتي تصور في جزء من أحداثها مظاهر
النشاط السياسي المعارض والقمع الذي يلاقيه طلبة الجامعة من قبل المخبرين السريين
كما يحصل مع طلبة كلية الهندسة بجامعة القاهرة ممثلون في الطالبة المشاغبة سميّه
والمعيد حسن الرشيدي الذي يتم فصله من عمله بالجامعة.
في جميع الروايات السابقة يمكن أن نلاحظ أن
مصير الشباب الجامعي الذي يمارس السياسة ويخالف السلطة هو السجن والاعتقال في أقل
الحالات وربما يرى البعض أنه ربما من الملائم ذكر رواية (الشميسي) للكاتب السعودي المعروف
تركي الحمد في ذلك السياق لأنها تدور عن الطالب الجامعي (هشام العابر) المعتنق
للفكر الماركسي والمنظم للحزب العربي الاشتراكي والذي يتم اعتقاله قبل هروبه لخارج
المملكة وإيداعه سجن الرويس في مدينة جدة. في واقع الأمر النشاط السياسي والحزبي للشاب
هشام العامر كان محور الرواية الأولى لتركي الحمد التي هي بعنوان (العدامة) وهو الحي
الراقي قديما في مدينة الدمام حيث عاش طالب الثانوية هشام العابر بينما نجده في
المرحلة الجامعية يميل للابتعاد عن السياسية والانخراط أكثر في حياة الطيش والمجون
والخمور والتدخين. رواية الشميسي تعطي تصورا بالغ السوء عن (حياة العزوبية) في
مدينة الرياض القديمة حيث يضطر بطل الرواية للهجرة من الدمام إلى مدينة الرياض لإكمال
دراسته في جامعتها والعيش في منزل شعبي في حي الشميسي العتيق. في هذه المرحلة ليس
فقط يكتشف بطل الرواية مباني جامعته وشخصيات أساتذتها المتناقضة (غالبيتهم تم
وصفهم بصورة ساخرة) بل الأخطر أن يتاح له أن يكتشف شهوات الجسد وسهولة الوصول إلى
مكامن تحقيق النشوة مما يصم (وفق الرواية) مدينة الرياض ومجتمعها في فترة نهاية
الستينات بالتفسخ والانحلال. ففي الرياض تعلم الشاب الجامعي هشام العابر كيف يغازل
النساء في الأسواق الشعبية بل وحتى كيف يجد بائعات اللذة المحرمة في حي الشميسي والديرة
وتلك الفتاة الماجنة رقية التي ألتقطها مع ابن خاله من قارعة الطريق قرب دوار أم
سليم وكذلك علاقته الآثمة بجارته المتزوجة سويّر لدرجة أنها أصبحت حبلى منه وقصص أفراد
شلته عزاب الجامعة مع الفتيات مزنة وبدرية وهيلة وعائشة وعواطف وابتسام ومنى. لا شك
في أن هذا الزخم المتوهم والمبالغ فيه للمجون يعطي انطباعا سيئا وخاطئا عن (بنات
الرياض) وبيئتهن المحافظة في تلك الفترة الزمنية وبسبب هذا (التعميم والمبالغة) تم
انتقاد رواية الشميسي وهو ما سوف يتكرر مع الرواية السعودية النسائية الأكثر جدلية
(بنات الرياض) للكاتبة رجاء الصالح. ما يهمنا هنا في موضوع الحياة الجامعية والشباب
أن الروائية رجاء الصالح كتبت روايتها وهي حديثة التخرج من كلية طب الأسنان بجامعة
الملك سعود ولهذا هل من المصادفة أنه من بين الشخصيات الأربع الرئيسية للرواية
(قمرة وسديم ومشاعل ولميس) كانت قمرة أكثرهن التزاما بالأخلاق وهي التي لم تدرس في
الجامعة إلا أسابيع قليلة قبل زواجها المبكر. في حين أن ميشيل (مشاعل) طالبة علوم
الحاسب ولميس طالبة الطب لهن علاقات غرامية أثناء الدراسة الجامعية في حين أن سديم
طالبة كلية إدارة الأعمال كانت علاقتها الغرامية بعد مرحلة طلاقها المبكر. يبقى شي
غير مفهوم لي وهو الرحلة الليلية التي تمت بين مشاعل وعشيقها فيصل الذي أخذها
بسيرته الفخمة إلى كليته في الجامعة ودار بها في مواقف السيارات لبضع دقائق قبل أن
يتم طرده من قبل أمن الجامعة.
ظاهرة تتكرر في الأدب الروائي المحلي أنه
كثيرا ما تتماثل اهتمامات وزاوية النظر للكتاب ذوي الاتجاهات الفكرية المتقاربة
ففي رواية بنات الرياض يتم استنكار اعتقال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
للشابة لميس وعشيقها وزميلها بكلية الطب علي وهما في خلوة غير شرعية في أحد
المقاهي. بينما نجد أن أحد أهم الأحداث الرئيسية في رواية (الحمام لا يطير فوق بريدة)
للروائي يوسف المحيميد واقعة اعتقال هيئة الأمر بالمعروف لطالبة أكاديمية التمريض
طرفة وهي في خلوة في مقهى ستار بوكس مع بطل الرواية عشيقها فهد. وكما ركز يوسف
المحيميد على تسليط الضوء على ظاهرة الفتيات المسترجلات (البويات) في كلية
أكاديمية العلوم الصحية ممثلة بالشابة المسترجلة سميرة نجد الكاتبة رجاء الصانع
تشير بشكل عام لنفس هذه الظاهرة النسائية الشاذة عند استعراضها لخبر وأحداث طالبات
الجامعة بمجمع عليشة مع الطالبة المسترجلة أروى. عمل روائي آخر من كاتب سعودي هو
مقبول العلوي يشير بشكل طفيف لظاهرة العلاقات الشاذة بين طالبات الجامعة فنجده في
رواية (سنوات الحب والخطيئة) أن الفتاة الجامعية مريم وبعد تعرضها لمحاولة اغتصاب
تنقم على الرجال وتكون ردة فعلها إقامة علاقات جنسية مع فتيات في الجامعة. وعلى
نفس النسق نجد أن الكاتبة السعودية صبا الحرز في روايتها الجريئة (الآخرون) ليس
فقط أعطت إطلالة على واقع المجتمع الشيعي في منطقة القطيف ولكن أيضا سلطت الضوء
لمشكلة المثلية الجنسية بين الفتيات في كلية الدمام وبيئتها المحلية.
ملاحظة أخيرة قبل أن نختم موضوع الصورة النمطية
للطالب الجامعي في الرواية الأدبية فيما يتعلق بالجنس والرومانسية وهو موضوع توظيف
مفهوم (الغربة والاغتراب) كرافعة لتبرير الانفلات الأخلاقي. في بعض الأعمال
الأدبية نجد أن الشعور المعنوي (بالاغتراب) قد يكون بحد ذاته كافي لتسويق الانفلات
الأخلاقي فمثلا الكاتبة الإماراتية سابقة الذكر وفاء أحمد بمجرد أن جعلت مسرح أحداث
الرواية في (الجامعة الأمريكية بدبي) وليس في جامعة إماراتية أصلية أصبح من
المستساغ لدى القارئ والنقاد تقبل وجود أحداث الحب والعشق بين طلاب وطالبات الكلية.
في رواية (أنا حرة) للأديب المصري المعروف إحسان عبدالقدوس وهي رواية تدور أحداثها
في بداية القرن العشرين تصعق بطلة الرواية (أمينة) عائلتها بطلبها لدخول الجامعة
وهو أمر نادر في تلك الفترة وبالرغم من معارضة عمتها وزوجها الذي قال (إذا دخلت
الجامعة تخرج من بيتي .. البنت اللي تخش الجامعة ما تبقاش بنتنا). وقد كان المنطق
أنه في حال دخول أمينة للجامعة أن تسجل في جامعة القاهرة أو جامعة عين شمس، ولكن
لأن شخصية أمينة متحررة وعنيدة لذا فظلت التسجيل في الجامعة الأمريكية لأنها كانت
تطلب مزيدا من الحرية حيث إنه قد سمعت من أصدقائها (أن الجامعة الأمريكية تصون الحرية
الشخصية، تصونها من التقاليد الشرقية العتيقة) وبالفعل كان دخول هذه الجامعة
بالذات نقطة تحول جوهرية في تشكيل شخصية هذه الفتاة المتحررة.
في العديد من الروايات الأدبية نجد أن وجود
الطالب الجامعي في بيئة ومجتمع غير مجتمع أسرته أو قبيلته يفتح له باب الإغراءات للانفلات
الصارخ من جميع المثل والأخلاق وخصوصا إذا كان ابتعاث الطالب للدراسة في الخارج.
لم يكن من باب المصادفة أن يكون عنوان رواية الدكتور غازي القصيبي (شقة الحرية)
وهو عنوان ملائم تماما لتوصيف (شريحة) من طلاب الجامعة المبتعثين للدراسة في مصر
الذين انجرفوا مع تيار الغرائز الجنسية وغرقوا في بحر الظلمات السياسية والفكرية.
وإذا كانت المقاومة الأخلاقية ضعيفة وهشة لبعض الطلاب الخليجيين والعرب الدارسين
في القاهرة في فترة الستينات الصاخبة فلك أن تطلق الخيال لحال هؤلاء الشباب العرب
للمبتعثين للدراسة الجامعية في العواصم الغربية في زمن الحركة الشبابية المنحلة
للهبيز الغارقة في المخدرات والجنس. يمكن الحصول على إطلالة على حالة الضياع الاخلاقي
للشباب العربي المبتعث للدراسة الجامعية في باريس من خلال رواية (الحي اللاتيني) للكاتب
اللبناني سهيل أدريس أو رواية (يوميات موسكو الحمراء) للكاتب اللبناني نزار دندش.
ما سبق روايات أدبية في هيئة سيرة ذاتية لكن توجد سير ذاتية مكتوبة في سياق أدبي
ولهذا يمكن منها أن نستشف الصورة النمطية المشينة لطلاب الجامعة العرب في أمريكا
كما في (الجمر والرماد) للمفكر الفلسطيني هشام شرابي أو إلى درجة ما حال الشباب العربي
في بريطانيا كما وردت في (مذكراتي اللندنية) لبلدياتنا الغامدي ذو الاسم المستعار
نديم الهوى.
لا أسوء من التشوية الاخلاقي للصورة النمطية
للطالب الجامعي في الرواية العربية إلا التشوية الديني له وشيطنة الشباب الجامعي
المتدين وكما أن (المجون الاخلاقي الموهم) ليس حقيقة واقعة في حياة عشرات الملايين
من طلاب الجامعات العربية فكذلك مئات آلاف من الشباب الجامعي المتدين ليس الغالب
عليهم التطرف والإرهاب كما تصوره الاعمال الادبية المعاصرة. التطرف ظاهرة اجتماعية
معقدة تتداخل فيها الأبعاد الدينية والسياسية والاقتصادية والبيئة الجامعية برتابتها
الاكاديمية التقليدية حتى في وجود الأنشطة اللاصفية المساندة يندر بحد ذاتها أن
تفرز مصيبة التطرف والإرهاب. الروائي المصري علاء الأسواني له حالة عداء حادة مع
التيارات الإسلامية، ولكنه مع ذلك كان منصفا عندما عرض شخصية الشاب الجامعي (المتطرف)
طه الشاذلي في روايته الذائعة الصيت (عمارة يعقوبيان). الشاب طه الشاذلي طالب كلية
الاقتصاد بجامعة القاهرة في نهاية الرواية يتم تصفيته لمحاولته قتل ضابط شرطة وهو
عمل إرهابي ولا شك، ولكن لم تكن ظاهرة تنامي الاتجاه الديني في الجامعات المصرية هي
سبب التطرف ولكن لأن طه الشاذي ابن البواب الذي تتم السخرية منه لأنه تقدم لدخول
كلية الشرطة ولاحقا بعد استقطابه من جماعات الغلو خارج الجامعة يتم القبض عليه وتعذيبه
واغتصابه. ولهذا تم تحطيمه نفسيا مما أفرز في الخاتمة محاولة قتلة للضابط الذي اعتدى
عليه جنسيا فالتطرف الحاد هنا جاء ردة فعل فقط. رواية أخرى قد ترسخ حقيقة أن
البيئة الجامعية بحد ذاتها ليست (مفرخة) للإرهاب والتطرف كما نجده في رواية (القوس
والفراشة) للأديب المغربي محمد الأشعري والحاصلة على جائزة البوكر العالمية للرواية
العربية ففي مستهل الرواية نعلم عن خبر استشهاد ياسين ابن بطل الرواية يوسف.
الطالب الجامعي ياسين الذي يدرس الهندسة المعمارية في إحدى الجامعات الفرنسية
يسوقه داعي الجهاد لنصرة المظلومين في أفغانستان ولكنه لا يقبل القتل العشوائي
ولهذا يلقى مصرعه وهو يحاول أن يمنع أحد أصدقائه من تفجير نفسه في عملية انتحارية.
للأسف هذه النظرة المتوازنة لأسباب ودوافع
التشدد الديني عند الشباب في الروايات العربية التي ناقشت ظاهرة التطرف والإرهاب
ليست شائعة فكثير من الروائيين العرب يكتبون بصورة متحيزة مقدما ضد ظاهرة تدين
الشباب المسلم. فمثلا نجد في السيرة الروائية (تجربة فتى متطرف) للكاتب السعودي محمد
العوين سرد لحالة التطرف لدى الفتى الجامعي القادم من مدينة صغيرة جنوب الرياض
للدراسة في جامعة الإمام الإسلامية. أكثر من نصف عدد صفحات هذه السيرة الروائية
أُريق الحبر عليها لسرد تفاصيل مظاهر التطرف لدى ذلك الفتى الجامعي والغريب أننا نجدها
لا تتجاوز مجرد حضور مسرحية إسلامية عن اضطهاد العلماء ممثلين في قصة الإمام أحمد
بن حنبل وكذلك سماع قصيدة هادرة عن أوضاع المسلمين من فلسطين إلى كشمير. ومن مظاهر
(تجربة) التطرف التي تم سياقها قيام بطل الرواية برحلة في العشر الأواخر من رمضان
لأداء العمرة والمشاركة في مخيم الحج لرابطة العالم الإسلامي ثم القيام برحلة
طلابية وبشكل رسمي من خلال جامعة الإمام إلى باكستان والهند واللقاء بمشاهير علماء
الإسلام مثل المودودي وأبي الحسن الندوي.
كل هذه الأحداث العادية حصلت مع (الفتي الجامعي)
في نهاية سنوات التسعينات الهجرية من القرن الرابع عشر وهي من مظاهر التدين
التقليدية ومع ذلك عندما نشر الدكتور محمد العوين روايته هذه بعد أكثر من ثلاثين
سنة من حصول أحداثها حاكم مسيرة حياة (الفتي) بأثر رجعي وأتهمها بالتطرف وهي تهمة
بين لك عوارها. وإذا كانت جامعة الإمام الإسلامية قد يزعم أنها محضن للتطرف
والتشدد فمثل هذه التهم يمكن ان تطلق جزافا ضد إي جامعة محافظة ومن ذلك مثلا نجد
أن الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي في رواية (الأسود يليق بك) تصف جامعة
قسنطينة في شرق الجزائر بأنها بؤرة الأصولية الاسلامية ووفق ما ورد في تلك الرواية
بأن جامعة قسنطينة كانت ممر إجباري لكل الفتن ومختبر مفتوح على كل التطرفات. وفي
هذه الاجواء المشحونة داخل الحرم الجامعي وبعد قيام السلطات الجزائرية بمداهمة
الجامعة واعتقال عشرات من الطلاب وتعذيبهم في معسكرات الصحراء يتحول شيئا فشيئا
طالب كلية الطب علاء إلى التطرف والتشدد كما حصل سابقا مع الطالب الجامعي المصري
طه الشاذلي في رواية عمارة يعقوبيان.
في حين (الانحراف) عن التدين المعتدل قد يقود إلى التطرف فإن ظاهرة (الانجراف) عن التدين قد تقود إلى في المصطلح الديني السلفي (الإنتكاس) أو الارتكاس. في رواية (حكاية وهابية) للكتاب عبدالله المفلح نتابع سردية مطولة لأسباب وعواقب تحول طالب هندسة الكومبيوتر في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الشاب المتدين بخيت إلى الشاب المنتكس الذي تصدمنا الرواية منذ السطر الأول أنه بعد انتكاسته وانتقاله لبلد عربي ولكثرة تردده لمسارح الرقص الشرقي أطلق الراوي على أحدها (مرقص الشيخ بخيت). في الفصل المخصص من رواية (حكاية وهابية) لسرد تأثير نظام الدراسة وسكن جامعة البترول على الشاب بخيت ترد عبارة بطل الرواية (في الجامعة تغيرت كثيرا). وفي نهاية ذلك الفصل من الرواية الذي حمل عنوان (جا إمعة) ترد إشارة غريبة كيف أن تلك الجامعة العلمية أثرت دينيا على بعض أساتذة الجامعة من الأجانب لدرجة أن حركة التدين طالت بعض الدكاترة ممن كان لهم ارتباط اسمي فقط بالإسلام مثل الدكاترة الأتراك والمصريين ذوي الجنسية المصرية، كما طالت أيضا بعض الدكاترة الأجانب الذين تحولوا من المسيحية إلى الإسلام.
أما وأن سيرة أساتذة ودكاترة الجامعة قد
فتحت وحصلت الإشارة لهم فإنني سوف أتوقف هنا على أمل أن أكتب مقالا جديدا في بداية
العام الأكاديمي القادم بمناسبة اليوبيل الفضي ومرور 25 سنة على تعييني في وظيفة عضو
هيئة التدريس بالجامعة لكي أحدثكم بمشيئة الله إن كتب الله في العمر بقية عن (صورة
أستاذ الجامعة في الرواية العربية) وللأسف ما تجمع لي من هذا المبحث ليس مشرفا حتى
الآن !!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق