د/ أحمد بن حامد الغامدي
وبمناسبة مرور ذكرى فتح مكة التي تتوافق
اليوم الإثنين (20 رمضان) فلو حاولنا أن نستقصي حديث المستشرقين عنها أو عن أي
غزوة إسلامية كبرى مثل معركة بدر أو أحد أو الخندق فربما لن نجد الكتب التي تناقش
بالتفصيل هذه الأحداث الكبرى. بينما الدراسات التاريخية الغربية عن الفتوحات
الإسلامية في الشام ومصر والعراق نجد أنه تم تغطيتها من خلال كتب متوسعة وقد قرأت
وأطلعت على عدة كتب في هذا الشأن من مثل كتاب (في سبيل الله In God's path)
وعنوانه الجانب: الفتوحات العربية وإنشاء الإمبراطورية الإسلامية وهو كتاب حديث من
تأليف المؤرخ الإنجليزي روبرت هولاند. وقبل ذلك قام المستشرق والمؤرخ الإنجليزي هيو
كيندي بتأليف كتاب ضخم حمل عنوان: الفتوح الإسلامية والعنوان الجانبي لهذا الكتاب
(كيف غير انتشار الإسلام العالم الذي نعيش فيه) يؤكد ما أشرنا إليه من اهتمام
المستشرقين بتأثير الجهاد وانتشار الإسلام على الحضارات الأخرى أكثر من اهتمامهم
بالمعارك والغزوات التي حصلت بين العرب أنفسهم.
في ضوء ما سبق من تلك التوطئة للأسف لا يوجد
شيء كثير يمكن أن يقال عن نظرة واهتمام المستشرقين عن ذلك الحدث التاريخي الهام
والمفصلي إلا وهو فتح مكة. ومع ذلك ينبغي الاعتراف أن هذا الأمر يختلف قليلا إذا
كان من يكتب التاريخ شخصا غير متخصص مثل أن يكون جنرالا عسكريا !! فبحكم خلفيته
الثقافية والمعرفية قد ينظر للأحداث والمنعطفات التاريخية بشكل مختلف. مايكل لاننج
هو كولونيل متقاعد من الجيش الأمريكي لها نشاط بارز في تأليف الكتب المتعلقة
بالتاريخ العسكري ولعل من أبرزها كتاب (100 قائد عسكري The Military 100)
وإن كنت لا أتفق معه على الإطلاق على اختيار القائد والسياسي الأمريكي جورج واشنطن
في الترتيب الأول لقائمة أكثر القادة العسكريين تأثيرا في تاريخ البشرية. على كل حال
ما يهمنا هنا أنه يوجد كتب آخر في التاريخ العسكري من تأليف مايكل لاننج يحمل عنوان
(100 معركة The
battle 100) قام فيه بترتيب وتصنيف أهم مئة معركة حربية تأثيرا في التاريخ
البشري. ومرة أخرى سوف نضطر أن نغض النظر عن رعونة الكولونيل الأمريكي مايكل لاننج
ليس فقط لأنه اختار الجنرال الأمريكي جورج واشطن كأهم وأعظم قائد عسكري في تاريخ البشرية
ولكن أيضا لاختياره الغريب لمعركة يورك تاون كأهم معركة حربية في التاريخ لا لشيء
إلا أن تلك المعركة حققت استقلال أمريكا عن التاج البريطاني.
وبما أن الحديث اليوم عن فتح مكة فمن
الملائم أن نشير إلى أن مايكل لاننج في كتابه عن أهم مئة معركة في التاريخ اختار انتصار
الإسلام على الوثنية والشرك كما حصل في فتح مكة لكي تكون تلك الحادثة من اللحظات
الحاسمة والمفصلية. ترتيب أهمية معركة فتح مكة حسب وجهة نظر مايكل لاننج كان في
المرتبة ( 21 ) ضمن قائمة (المائة معركة) وهو ترتيب متقدم نسبيا ومع ذلك توجد
معارك إسلامية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ربما كانت أكثر أهمية من فتح مكة
مثل غزوة بدر أو أحد أو الخندق أو حتى صلح الحديبية ولم يتم ذكرها في الكتاب. في غزوة
بدر كان من دعاء الرسول (اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في
الأرض) بينما بعد انتهاء غزوة الخندق قال الرسول صلى الله عليه سلم (الآن نغزوهم
ولا يغزونا) بينما صلح الحديبية هو المقصود بالفتح المبين في سورة الفتح (إنا فتحنا
لك فتحا مبينا) وليس فتح مكة وما سبق يشير للأهمية المحورية والمفصلية لهذه
الغزوات بالمقارنة مع فتح مكة.
وكما أغفل ذلك المؤرخ العسكري الأمريكي اللحظات
الحاسمة والمفصلية في تاريخ صدر الإسلام لذا لا غرابة أن يهمل ذكر واختيار المعارك
الكبرى المؤثرة في مسيرة الحضارة الإسلامية مثل معركة اليرموك أو القادسية وبلاط
الشهداء وعين جالوت وفتح الأندلس والهند. وفي مقابل ذلك أهتم باختيار ضمن قائمة المعارك
المئة الكبرى تلك المعارك التي هزمت فيها الجيوش العربية مثل هزيمة الجيش المصري
في معركة التل الكبير أو هزيمة الجيش السوري في معركة القنيطرة أو هزيمة الجيش
العراقي في معركة عاصفة الصحراء.
وفي الختام نصل الآن إلى معركة (فتح جدة) والمفاجأة
غير المتوقعة أن نجد المعركة ذات الترتيب 89 في قائمة المعارك الأكثر تأثيرا في
التاريخ الإنساني هي معركة وثيقة الصلة بواقعنا المحلي. في مطلع عام 1925م تم توقيع
اتفاقية تسليم مدينة جدة والتي بموجبها انتقل حكم منطقة الحجاز من سيطرة الأشراف
إلى حكم الملك عبدالعزيز. ومرة أخرى بالرغم من وجود مراحل أكثر أهمية في تاريخ
الدولة السعودية من لحظة تسليم جدة من مثل معركة فتح الرياض أو معارك التي هزم فيها
ابن رشيد أمير حائل المنافس القوي، إلا أننا نجد الكولونيل مايكل لاننج يختار
معارك أقل أهمية. ليس هذا فحسب، بل بلغت به الصفاقة أن يحاول يبرر للقارئ الغربي لماذا
اختار معركة حصار وتسليم جدة لتكون ضد قائمة (100 معركة The battle 100).
يقول الكولونيل أن معركة جدة التي تمت عام 1925م كان من الممكن أن تكون هامشية وعلى
حاشية التاريخ minor
footnote لو لم تكتشف شركة البترول الأمريكية ستاندرد أويل
النفط في المنطقة الشرقية عام 1936م وعليه نظرا للثقل الاقتصادي الهائل للملكة وتأثرها
في منظمة أوبك كانت لحظة السيطرة على مدينة جدة تمثل الحدث الأخير البارز قبل نشوء
النهائي للمملكة العربية السعودية.
الأمة الإسلامية والعربية في الماضي والمستقبل
لها وجود مؤثر في مسيرة الحضارة الإنسانية ولهذا تستحق مواقع ومراتب أكثر عددا
وأكثر تقدما في أي قوائم لأهم المعارك الحربية أو القادة العسكريين لو كان من يكتب
التاريخ منصف وجاد في البحث عن المعلومات الدقيقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق