السبت، 19 أغسطس 2023

( لحظة التتويج .. لقطة لذاكرة التاريخ )


 د/ أحمد بن حامد الغامدي

 يوم أمس تابع مئات الملايين على مستوى العالم (لحظة) بلحظة وخطوة بخطوة مراحل تتويج الملكي الإنجليزي تشارلز الثالث وذلك في نقل تلفزيوني (حي ومباشر). طبعا كان للتقدم التقني دور حاسم في توصيل هذه الصورة للمشاهد حتى وإن كان في أقصى الأرض فمثلا قبل سبعين سنة عندما تم تتويج الملكة الراحلة إليزابيث الثانية لم يحظ سوى الشعب الإنجليزي بتلك الفرصة. في عام 1953م تمكن حوالي عشرين مليون من الشعب الإنجليزي من مشاهدة تتويج الملكة الأم عبر البث التلفزيوني المباشر بينما بقية العالم استطاعوا فقط (سماع) وصف عملية التتويج من خلال صوت إذاعة البي بي سي.

قبل ذلك بالطبع كان يمكن مشاهدة (لحظة) التتويج ليس من خلال البث التلفزيوني أو الإذاعة، ولكن بواسطة (الصور الفوتوغرافية) المنشورة على صفحات الجرائد وتقريبا أقدم صورة فوتوغرافية ملتقطة في هذا الشأن كانت من حفل تتويج الملك الإنجليزي جورج الخامس وذلك في صيف عام 1911ميلادي. وهذا التسلسل يقودنا ولا شك أنه لكن نعرف أحداث ومشاهد عملية التتويج للملوك الأباطرة القدماء لن نتمكن من ذلك إلا من خلال (اللوحات الفنية) التي كانت ترسم خصيصا لهذه المناسبات.

فمثلا أحد أكبر وأجمل اللوحات الفنية الموجودة في متحف اللوفر في باريس هي في الواقع لوحة (تتويج نابليون) والتي رسمت عام 1807م وكانت توثق (لحظة) تتويج الإمبراطور الأول نابليون بونابارت مع زوجته الإمبراطورة جوزفين. الطريف في الأمر أنه كما حصل يوم أمس من كثافة المظاهر الدينية في عملية تتويج الملك تشارلز الثالث من ناحية وقوع الحفل داخل كنيسة ويستمنستر وقيام زعيم الكنيسة الإنجليزية (أسقف كانتربري) بتتويج الملك، نجد أنه ومع تتويج الإمبراطور نابليون في كنيسة نوتردام وبحضور البابا بيوس السابع إلا أن نابليون رفض أن يتوجه أحد إلا هو نفسه. فالإمبراطور المغرور نابليون هو من وضع التاج على رأسه بنفسه ولاحقا وضع التاج على رأس زوجته كما يتبين من تفاصيل تلك اللوحة الشهيرة والتي أرفق تصوير (مهزوز) لها صورته أنا من متحف اللوفر. بالمناسبة في حفل تتويج الملكة إليزابيث الثانية حضر الملك فهد (الأمير في وقتها) حفل التتويج ويوم أمس حضر كل من ملك البحرين والأردن وأمير قطر مراسم حفل تتويج الملك تشارلز الثالث بينما في لوحة تتويج الإمبراطور نابليون سالفة الذكر نجد من ضمن الشخصيات المرسومة في اللوحة السفير العثماني محمد سعيد أفندي المبعوث من قبل السلطان محمد الثاني.

وعلى ذكر سلاطين الدولة العثمانية ربما نجد أن أحد أقدم اللوحات الفنية التي توثق لعملية تتويج واعتلاء العرش لأي من الخلفاء والسلاطين العرب والمسلمين هي تلك اللوحة القماشية التي تخلد (لحظة) تتويج السلطان سليم الأول والتي حصلت في يوم الثامن من شهر صفر لعام 918 هـ وهي من إنتاج الرسام العثماني سيد لقمان ومنشورة في كتاب الملوك.

طبعا أي أعمال فنية ولوحات يدوية مرسومة على القماش أو حتى منقوشة على الخشب وتوثق للحظات تتويج الملوك والأباطرة القدامى في التاريخ العتيق سوف تتلاشى مع الزمن إلا إذا كانت منقوشة على حجر الصوان. ولهذا لا غرابة أن نجد إحدى أقدم لحظات توثيق عملية تتويج الملوك في التاريخ البشري تلك المتعلقة بملوك الفراعنة. ومن أمثلتها (لحظة) تتويج الفرعون المصري بطليموس الثامن والذي نجده يحمل على رأسه تاجين وليس تاجاً واحدا حيث إن أحد هذه التيجان قامت بوضعه على رأسه ربة مصر السفلى بينما التاج الثاني وضعته ربة مصر العليا.

 وبعد أن شرقنا وغربنا في الممالك والإمبراطوريات وبعد أن تجولنا خلال عصور التاريخ يبقى سؤال في حال أطال الله في عمر أي منا وشهد في مستقبل الأيام عملية تتويج الملك الإنجليزي الجديد جورج السابع (حفيد الملك الحالي) فكيف سوف تتم مشاهدة تلك (اللحظة). أتوقع أنه من خلال تطور تقنية الواقع الافتراضي المعززة Augmented Reality يمكن أن (نستشعر) بالفعل أننا موجودون حقا داخل كنيسة ويستمنستر. حيث من المتوقع أنه في المستقبل سوف يتم وضع كرسي فارغ أو مجموعة كراسي وتسلط عليها مخرجات التقنية الحديثة في ذلك الزمن المستقبلي وبالتالي يمكن لمن يعمل عملية دخول على ذلك البث الرقمي المطور أن يشاهد ويسمع ويحس ويلمس ويشم كل ما يحصل أثناء حفل تتويج الملك الجديد وكأننا أحد كبار كبار المدعوين بينما نحن في الواقع الحقيقي في أحلاس بيوتنا.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق