د/ أحمد بن حامد الغامدي
يبدو وكأن القزويني يقرر أن العادة والغريزة الفطرية تقتضي أن أنثى الطيور والحيوان موكلة أكثر بالحضانة والرعاية وأن ذكور الطيور موكله أكثر بطلب الرزق وتأمين المعيشة. ومع ذلك فإن الشذوذ الصارخ عن هذه القاعدة في دنيا الحيوان نجدها في حالة ذكر طائر البطريق الإمبراطوري والذي نجده هو من يقوم بحضانة البيض في حين أن أنثاه هي من تعيل الأسرة وتكسب لها الرزق !!. وعليه وربما بدون منازع نجد أن جائزة (الأب المثالي) في عالم الحيوانات هي قد تكون من نصيب ذكر طائر البطريق والذي بعد أن تضع أنثاه البيض تغادر لمدة شهرين كاملين لكي تصطاد الأسماك. ونظرا لدرجة الحرارة المنخفضة جدا في القطب المتجمد الجنوبي تكون مسؤولية الأب الإمبراطوري أن يتنازل عن عرشه الموهوم وأن يعتني بحضانة البيض بطريقة (عجيبة) تستحق أن تسجل بأثر رجعي في كتاب عجائب المخلوقات. في الواقع يضل ذكر طائر البريق لمدة شهرين كاملين وهو واقف تماما في مكانه لا يأكل ولا يتحرك وكل ما يقوم به هم حمل البيض فوق قدميه ومحاولة تدفئة البيض والحرص على أن يحضنه طوال الوقت لأنه لو تعرف البيض لبرد الزمهرير القارص ولو لفترة قصيرة بالتأكيد سوف يتلف. ولو حصل وان تمت عملية فقس البيض قبل عودة أنثى البطريق فهنا مرة أخرى لا يستطيع ذكر البطريق أن يترك الفرخ الضعيف على الجليد القارص ويذهب يبحث له عن غذاء ولهذا كان من عجائب خلق الله أن ذكر البطريق في هذه الحالة يستطيع أن يقوم بتغذية الفرخ بنوع خاص من الحليب مخزن داخل مريء البطريق وبهذا يقوم ذلك الإمبراطور بدور الحضانة والرضاعة معا.
وفي حين أن ذكر البطريق يظل واقفا على قدميه
لا يتحرك لمدة شهرين كاملين نجد أن نوع خاص من العناكب يسمى (عناكب الحصاد) والذي يشتهر
بأرجله الطويلة ولذا يسمى كذلك الأب طويل السيقان (daddy longlegs)
له هو الآخر طريقة وقوف غريبة. فبعد أن تضع أنثى هذا العنكبوت بيوضها يقوم ذلك
الأب الحنون وبشكل منفرد برعاية البيض وبشكل (عجيب) حيث يقوم بتجميع البيض في كيس
خاص ثم يحمل الذكر هذا البيض وهو متعلق بالمقلوب تحت ورقة شجرة ويستمر كذلك لمدة
قد تصل لأربعة أشهر. ومن البطريق الإمبراطور إلى العنكبوت طويل السيقان إلى نوع خاص
من الضفادع ذو اسم غريب آخر ألا وهو: الضفدع القابلة أو الداية (midwife
toad). ومرة أخرى نجد أن دور الأنثى يتوقف عند (مجرد) وضع البيض بينما
تقوم ذكور الضفادع هذه بالرعاية الشاملة والمتفانية للبيض وذلك بأنه تحملها طوال
الوقت على ظهرها وبعد أن تفقس تعتني بنقلها كل واحد من أبي ذنيبة إلى بركة ماء
مناسبة لتنمو برخاء في الغذاء وسلام من الأعداء.
مما سبق من (عجائب المخلوقات وغرائب
الموجودات) المتعلقة بدور ذكور بعض الحيوانات ومساهمتها الحصرية في حضانة بيضها
وصغارها لن نستغرب الآن عندما نعلم أنه في (يوم الأب) في مملكة الحيوان يمكن أن
نجد أخبارا وأمثلة للعديد من ذكور الحيوانات لها عاطفة أبوة تفوق عاطفة الأمومة بمراحل.
فهذا مثلا أحد أجمل قرود البرازيل والذي يعرف باسم (الأسد الذهبي) والذي منذ الأيام
الأولى لولادة أطفاله يقوم الأب بحمل الأطفال الرضع طوال الوقت حتى وهو نائم. ذكر
قرد الأسد الذهبي (أي أب مثالي يستحق مثل هذا الاسم الفخم) لا يسمح للأنثى بحمل الرضيع
إلا وقت عملية الراضعة التي تستمر لفترة لمدة ربع ساعة فقط على فترات متباعدة
وبهذا نجد أن الأب الذهبي ذاك لا يفارق أطفاله أبدا ويحملهم طوال الوقت ولشهور
طويلة وحتى بعد أن تقل عملية رضاعة حليب الأم تستمر مسؤولية الأب في تجهيز الطعام
للصغار عن طريق مضغة وهرسة لهم.
المبالغة في رعاية وحماية صغار الحيوانات من
قبل الأب نجدها كذلك لدى نوع من طيور النعام الموجود بأستراليا ويدعى طائر الإيمو
والذي يقوم الذكر بشكل منفرد تماما بحضانة عدد كبير من البيض. وطوال فترة حضانة
البيض التي قد تصل لمدة ثمانية أسابيع نجد أن الأب لا يفارق العش على الإطلاق
ونتيجة أنه خلال هذه الفترة لا يأكل أو يشرب فلهذا يصاب بالهزال كما يحصل مع قرد
الأسد الذهبي الذي ينقص وزنه هو الآخر أثناء فترة الحضانة اللصيقة للصغار. بقي أن نقول
إن من أدوار الأبوة والأمومة البارزة حماية الصغار من الأعداء والغرباء ولهذا تبلغ
درجة رعاية ذكر طائر الإيمو أنه يمنع أنثاه من الاقتراب من الفراريج الصغار بعد أن
تفقس ويستمر بالعناية بها لمدة سنة ونصف إضافية ولهذا من المشاهد (العجيبة) أن تجد
ذكر الإيمو يمشي وخلفه صف طويل من الكتاكيت الصغار.
في التراث العربي القديم يقال إن أبا الأسود الدؤلي اختصم هو وزجته عند أحد القضاة على حضانة طفل لهما فقال ذلك الأديب المتفيقه (أصلح الله القاضي.. هذا ابني حملته قبل أن تحمله ووضعته قبل أن تضعه فكان رد الزوجة: حمله خفا وحملته ثقلا ووضعه شهوة ووضعته كرها). وبعيدا عن هذا الخصام الأسري هل بالفعل يمكن أن نجد من الذكور مملكة الحيوان ما ينطبق عليه وصف (الأب الحامل). في العملية الجنسية في العادة الذكر هو من يحقن الأنثى، ولكن من (عجائب المخلوقات) أن نجد نوعا من تبادل الأدوار في بعض الكائنات البحرية. وأشهر مثال يمكن ذكره في هذا السياق هو ذكر حيوان حصان البحر والذي أثناء عملية التزاوج تقوم الأنثى بإدخال أنبوب خاص بنقل البويضات إلى داخل جسم الذكر وهنا يتم حقنه بمئات البويضات الصغيرة والتي يحتفظ بها الذكر في جراب أو كيس خاص للحضانة في أسفل بطنه. وبعد أن يقوم ذكر حصان البحر بتخصيب هذه البويضات يصبح من الناحية التقنية (حامل) لمدة 45 يوما بهذه البويضات التي عندما تفقس تخرج من بطن الأب في مشهد أشبه ما يكون بعملية الولادة المعتادة.
الجدير بالذكر أن ذكر حصان البحر أثناء
مرحلة (الحمل) يكون متشبثا ببعض النباتات البحرية ولا يغادر موقعه على الإطلاق
ولهذا قد يصيبه الجوع والإعياء وهذا مصير كائن بحري آخر يلعب الذكر فيه دور (الأب
الحامل). في حالة الكائن المسمى سمك الأنبوب pipefish
وجهة الغرابة لا يتوقف فقط عند ظاهرة أن الذكر يكون حاملا بالبيض ويلد صغار
الأسماك بعد أن تفقس كما هي حالة ذكر حصان البحر ولكنه أيضا يمكن أن يصاب ذلك الذكر
الحامل (بالإجهاض). من عجائب المخلوقات أن ذكر سمكة الأنبوب ليس فقط يتم (تلقيحه) جراء
التزاوج مع سمكة أنثى واحدة فقط وإنما قد تتكرر العملية التزاوج مع عدد من الأمهات
قد تصل إلى أربع شريكات في الحياة الأسرية. في الغالب يوجد اختلاف بين الإناث لكائن
سمكة الأنبوب فبعضها كبيرة جدا وطويلة بشكل ملحوظ ولهذا يقال إن لها صفات جينية
سائدة وأثناء عملية حمل الذكر بأنواع مختلفة من البيوض من أمهات متعددة يحصل
أحيانا عملية إجهاض للبيض من الأمهات الأضعف والأقصر !!.
في الواقع تقوم هذه الحيوانات بحضانة
البويضات داخل جسمها حتى تفقس وهذا كنوع مبالغ فيه من الحماية الأبوية لهذه الصغار
في حين نجد أن آباء آخرين من ذكور الحيوانات المائية والبرمائية تكتفي بحماية
صغارها بطريقة (عجيبة). فهذا نوع من الأسماك يدعى الأروانا كما أن له اسما غريبا كحال
أغلب الحيوانات التي مرت علينا في هذا المقال فاسمها السمكة ذات اللسان العظمي !!
وبالفعل موضع الغرابة في هذه السمكة هو فمها. بعد أن تضع أنثى هذا السمك المئات من
البيض الصغير يسارع الأب إلى تجميع هذا البيض والاحتفاظ به داخل فمه ولعدة أسابيع،
بل أنه بعد أن يفقس هذا البيض وتخرج الأسماك الصغيرة يستمر الأب في حمايتها داخل
تجويف فمه العظمى وطبعا قد يستمر الأب لفترة طويلة من الزمن لا يأكل حتى لا يبتلع صغاره
بالخطأ.
نفس هذا السلوك الأبوي الحاني نجده عند
العديد من الكائنات الأخرى كما هو الحال مع أسماك القط catfish (البعض يعرب الاسم بسمك السلّور بدل أن يستخدم مفردة السنّور والتي تعني
الهر) وكذلك نوع من الضفادع يحمل الذكر داخل فمه البيض وصغار أبي ذنيبة وقبل أن
نغادر لا بأس أن نذكر أن هذا الكائن هو الآخر له اسمه غريب (ضفادع دارون).
أمر آخر يجب استشعار أن غريزة حنان ورعاية
الوالدين لأولادهم من عجائب خلق الله وعظيم رحمته وأن هذا السلوك البشري وأهم وأعجب
من جميع الأمثلة التي ذكرناها هنا عن يوم الأب في مملكة الحيوان فالإنسان هو
الكائن الوحيد الذي يستمر في رعاية أولاده حتى وهم قد بلغوا من العمر عتيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق