د/
أحمد بن حامد الغامدي
منذ
عام 2001 أعلنت هيئة اليونيسكو الدولية أن يوم العاشر من شهر نوفمبر من كل سنة هو
اليوم العالمي للعلم
World Science Day وعلية يكون
اليوم الثلاثاء (28 من شهر المحرم) هو يوم الزينة للاحتفاء والاحتفال بالعلم
العلماء. وبهذه المناسبة أحببت أن اشارك بموضوع خفيف ذو علاقة بالعلم وأهله وفي
نفس الوقت يكون مرتبط وانعكاس لمجتمعنا المحلي وما يقع فيه من أحداث وأخبار.
ولعلنا نذكر بعض من الاخبار القصص الطريفة لبعض الشخصيات العلمية التي قد يكون من
الملائم التعريف بها كأحداث شيقة تروى وتذكر في يوم العلم الدولي.
لا
شك أن العلم والتجارب العلمية والابتكارات التقنية هي أحد أوجه أو ثمرات التفكير
وبما أنه خلال الايام الماضية كثر الحديث عن (أزمة التفكير) التي تمر بها وزارة
الاسكان ونتج عنها ضعف وكارثية أداء تلك الوزارة وهو أمر غير مبرر أو متفهم عند
أغلب الناس الذين يرون أن هذا (التأزم الفكري) ما كان ينغي أن تقع فيه الوزارة
فالمفروض أنها (لا تفكر تحت ضغط) حيث أن منظومة أسباب النجاح متوفرة لها فمساحة
المملكة تزيد عن مليونين متر مربع وعدد سكان المملكة من السعوديين حوالي عشرين
مليون شخص فقط وهو عدد ضئيل جدا مقارنة بأغلب دول العالم كما أن المخصصات المالية
لبرنامج الاسكان أعلن أنها تقارب 250 مليار ريال والأهم من الدعم المادي أن الدعم
المعنوي من أعلى مستويات الدولة والسلطة يقف بقوة خلف هذا المشروع القومي الحساس.
التفكير
تحت ضغط في حياة العلماء
بينما
كانت وزارة الاسكان تفشل بالرغم من أنها فعليا لا (تفكر تحت ضغط) نجد في المقابل
العشرات من قصص العلماء والمكتشفين الذين حققوا أهم الاكتشافات العلمية وهم تحت
ضغط خانق وهم بالفعل يعيشون (أزمة سكن حقيقية). ومن أوضح الأمثلة في هذا الشأن نجد
أن عالم الفيزياء والفلك الالماني كارل شوارتزشيلد يقوم بإجراء حسابات رياضية
وعلمية مضنية ومعقدة توصل من خلالها في عام 1916 للتنبؤ بوجود ما يسمى نجوم
(الثقوب السوداء) قبل سنوات طويلة من اكتشافها فلكيا.
بقي
أن نقول أن شوارتزشيلد توصل لاكتشافه العلمي هذا وهو مرابط (وساكن) في الخنادق
الترابية الحربية للجيش الالماني على الجبهة الشرقية في روسيا وأن المعادلات
الرياضية البالغة الصعوبة التي درسها كانت تتعلق بحلول رياضية معقدة لنظرية
اينشتاين النسبية العامة التي لم تنشر الا قبل ذلك بسنة واحدة فقط. للأسف كان
العالم الالماني شورتزشيلد يستحق بكل جدارة الفوز بجائزة نوبل لكن الأجل لم يمهله
فقد توفي في عام 1917 بعد سنة واحدة فقط من توصله لاكتشافه الكبير والسبب المرجح
لوفاته راجع بشكل أكيد (لأزمة السكن) التي كان يعيش فيها فكما هو معلوم عن خنادق
القتال في الحرب العالمية الاولى أنها كانت مكان سيء جدا للمعيشة حيث تنتشر فيه الامراض
ولهذا توفي هذا العالم مع مئات الالوف من الجنود البؤساء الذي عاشوا في تلك القبور
المفتوحة.
والقصة
الاغرب من ذلك لتوصل العلماء لاكتشافات معرفية مميزة وهم يعيشون (أزمة سكن)
مريعة ما حصل مع عالم الفيزياء البريطاني جيمس شادويك الذي دخل تاريخ العلم من أوسع
أبوابه عندما أكتشف جسيم النيوترون في نواة الذرة وبهذا استحق نيل جائزة نوبل في
الفيزياء لعام 1935 ميلادية. في بداية حياة جيمس شادوك العلمية كان يدرس ويبحث في
موضوع المواد المشعة ولهذا ذهب في عام 1913 للدراسة في مدينة برلين الالمانية ولكن
عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى بعد ذلك بسنة واحدة فقط قامت السلطات
الالمانية باعتقال شادويك لمدة زادت عن اربع سنوات عاش فيها في سجن كان في الأصل
إسطبل للخيول.
وبالرغم
من اعتقال شادويك في هذا المكان والسكن السيء إلا أنه أصر هو وبعض العلماء الشبان
الذين اعتقلوا معه أن يكملوا بعض ابحاثهم ودراساتهم العلمية والفيزيائية ولهذا
كانوا يقومون برشوة حراس المعتقل لكي يهربوا لهم كميات كبيرة من معجون الاسنان
والذي كان في تلك الفترة يحتوي على بعض المواد المشعة التي كانت تضاف لمعجون
الاسنان لتقوية الاسنان واللثة. وبهذا استطاع شادويك أن يكمل أبحاثه عندما نجح
في فصل وعزل عنصر الثوريوم المشع من مادة معجون الاسنان المهربة خصيصا
لانعاش (الكيف والمزاج) العلمي الشغوف بالعلم والاكتشافات البحثية.
مكان
آخر أشبه بالإسطبل انتج اكتشافات علمية مميزة في مجال المواد والعناصر المشعة حصل
مع أيقونة العلم السيدة مدام كوري وزوجها العالم الفرنسي بيير كوري فبينما كان
الفيزيائي شادويك يستخلص ويفصل عنصر الثوريوم المشع كانت هذه السيدة الاسطورية
تفصل هي وزوجها عنصري الراديوم والبلونيوم المشعين من أطنان من الاتربة والصخور
الخاصة وهو ما حقق لهما جائزة نوبل في الفيزياء لعام 1903 ميلادية.
أما
بخصوص المكان الذي كانت مدام كوري تجري فيه ابحاثها العلمية فلم يكن مختبر على
أعلى المستويات وأحدثها وإنما كان مجرد كوخ خشبي مهجور كان في الاصل يستخدم من قبل
قسم الاحياء جامعة السربون لجمع جيف حيوانات التجارب النافقة ولهذا عندما
قام عالم الكيمياء الالماني وليم أوستوالد (الحاصل علي جائزة نوبل في الكيمياء
1909) بزيارة مدام كوريي في (مختبرها !!) أصيب بصدمة ومفاجأة كبيرة من تواضع ذلك
المختبر والذي وصفه بأن أشبه (بالإسطبل أو مستودع بطاطا).
من
أنماط التفكير السلبية هو نوع تفكير النخبة المنفصل عن الواقع والبعيد عن هموم
عامة الشعب وبحكم أننا نتكلم عن العلماء وطبيعة مختبراتهم العلمية فقد نجد بعض
الحلات لمشاهير العلماء الذين امتلكوا مختبرات فارهة اشتروها من مالهم الخاص
كما حصل اباطرة علم الكيمياء المنحدرين من اسر ارستوقراطية مثل عالم الكيمياء
الفرنسي لافوازية مكتشف الاوكسجين وعالم الكيمياء البريطاني هنري كافنديش مكتشف
الهيدروجين وعالم الكيمياء الانجليزي الاخر روبرت بويل صاحب قانون بويل للغازات
الذي يعرفه جميع طلبة الثانوية.
ترى
الرجل النحيف فتز
وفي
أثوابه أسد هصورُ
وإذا
كانت مدام كوري وزوجها اكتشفا ظاهرة النشاط الاشعاعي واستخلاصا عنصري الراديوم
والبولونيوم من خلال العمل في ذلك الكوخ البائس فإن عالمة الفيزياء الالمانية ليز
مايتنر وزميلها الكيميائي الالماني أوتو هان توصلا لاكتشاف ظاهرة الانشطار
النووي بعد تجارب علمية في كوخ بسيط آخر في إحدى الجامعات الالمانية وقد كان هذا
المكان في الاصل عبارة عن ورشة نجارة علما بأن هذا الاكتشاف العلمي ضمن للكيميائي
أوتو هان الحصل على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1944 م .بينما
العالم البريطاني الكبير مايكل فاراداي توصل للاكتشافاته العلمية التاريخية مثل
ظاهرة الحث الكهرومغناطيسي وصناعة الدينامو الكهربائي وقوانين عملية التحلل
الكهربائي وغير ذلك من الاكتشافات الفيزيائية الكبرى في علم الكهرباء والتي كلها
تمت في مختبر بسيط كان يوجد في قبو المعهد الملكي بلندن.
ليس فقط بافلوف من توصل لاكتشاف طبي
تاريخي في مختبر علمي متواضع ومع جمع من الكلاب فهذا الطبيب الكندي الشهير فريدريك
بانتنج مكتشف هرمون الانسولين لمرض السكر بسبب قلة الدعم المالي المخصص له لإجراء
تجاربه لم يتوفر له إلا غرفة عمليات صغيرة وقذرة بالقرب من مأوى حيوانات التجارب
النتن الرائحة في أعلي المبنى الطبي القديم بجامعة تورنتو الكندية.
إن بعض أكثر رجال الاعمال الشباب
ثراءً اليوم كانوا بالأمس مجرد مخترعين هواة يجرون تجاربهم واختراعاتهم في قراشات
ومآرب سياراتهم كما هو حال ستيف جوبز مؤسس شركة أبل الالكترونية وهو ما حصل بالضبط
كذلك مع أباطرة اصحاب المواقع الالكترونية الاخطبوطية مثل موقع Hotmail وموقع
Facebook وموقع
Amazon الواسعة الانتشار. من المعلوم أن شركة (hp) هي اليوم من اكبر شركات تقنية الكومبيوترات في العالم لكن يجدر
أن نعلم أن العالمين الذين انشأ هذه الشركة ولإمبراطورية التقنية عام 1938 وهما
بيل هيوليت وديف باكارد بدأ مشورهما التاريخي في مرأب
garage المنزل الذي كان يعيش فيه باكارد
وزوجته بينما كان هيوليت يعمل في هذا المرأب في الصباح وينام في الليل في كوخ بسيط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق