هل فعلا يمكن أن يسمع الاطفال أصوات لا يسمعها الكبار
د/ أحمد بن حامد الغامدي
قديما كانت العرب تقول (أسمع من فرس
في غلس) وهو مثل يضرب للشخص الحاد السمع على نفس نسق قول العرب (أبصر من عقاب)
(وامكر من ثعلب) وما شابهها من الامثال ويبدو أننا سوف نحدث قاموسنا اللغوي العربي
ونضيف المثل التالي (أسمع من طفل). وبعد المقطع الصوتي (المفجع) و(المحزن) الذي
انتشر انتشار النار في هشيم الواتس أب مساء الامس عن مقدرة الاطفال سماع اصوات
حادة لا يسمعها الكبار، اصاب البعض (الفزع) لهذه الظاهرة السحرية بينما البعض منا
شغله (الحزن) بانكشاف تضعضع الحواس وتوفر الدليل القاطع للكشف عن قدراته الجسدية.
علميا وطبيا تفسير تفاوت الاباء
والابناء في القدرة على سمع الاصوات (ذات التردد العالي) يمكن تفسيره بفهم آلية
سماع الاصوات حيث يتم استماع الاصوات من خلال ما يسمى القوقعة في الاذن الداخلية
في جسم الانسان. وتحتوي هذه القوقعة منذ بداية الطفولة ما يزيد عن 15 الف خلية
شعرية يتم من خلال تذبذبها سماع (الترددات الصوتية) وللأسف تتلف هذه الشعيرات مع
الزمن وإذا حصل لها (تقصف وانفصام) لا يقوم جسم الانسان بتجديدها. ولهذا اجمالا
كما هو معروف طبيا يبدأ ضعف السمع بالتدريج وتقل حدة السمع رويدا رويدا حتى تتلاشى
تقريبا لدى الكبار والعجزة. وكما ينتهي رصيد الانسان من العمر مع
الزمن فكذلك يستهلك (رصيد) الانسان مع الزمن من (الخلايا الشعرية) كما أن دماغ الانسان منذ الطفولة يحتوي كما
يقال على حوالي مائة مليار خلية عصبية والتي إذا تلفت لا تعوض ولهذا مرة أخرى في
شيخوخة الانسان يصاب الشخص بالخرف والنسيان وما شابه ذلك.
وعلى ذكر النسيان والخرف يبدو أن
أغلب من استغرب وتعجب من قدرة ابنائه على سماع اصوات لا يسمعها هو فمن الجلي
المؤكد أن هؤلاء الاشخاص اصابهم مرض النسيان حيث أنهم نسوا حكايات الطفولة
الجميلة. فالمفروض أننا نتذكر قصة الزمار والفئران وهي من اشهر وأجمل القصص
العالمية وأصلها من التراث الالماني القديم (Pied
Piper of Hamelin) حيث كانت توجد قرية ألمانية تشتكي من كثرة
الفئران وعندما تطوع عازف مزمار سحري بتخليص القرية من الفئران ورفض أهلها أن
يعطونه المكافأة التي وعدوه بها ولهذا وبدافع الانتقام قام الزمار بعزف لحن (لا
يسمعه إلا الاطفال) وجعل الاطفال شبه المسحورين يمشون خلفه وساقهم إلى خارج
المدينة.
قد تكون قصة خروج الاطفال بالمئات من
قريتهم خلف قائد موسيقي نوع من الخيال المجنح لكن التاريخ مليء بالغرائب والعجائب.
في بدايات القرن الثالث عشر الميلادي حصلت في ألمانيا وكذلك في فرنسا ما تسمى
ظاهرة (جيش الاطفال الصليبيين the children`s crusade) حيث زعم طفل يرعى الغنم بأنه شاهد في المنام أو (سمع) المسيح
يأمره أن يذهب للقدس. وهنا استطاع هذا الطفل الراعي أن يجمع (جيش من الاطفال) بلغ
تعداده عشرات الالاف من الاطفال المغرر بهم حيث زعم أنه يمتلك معجزة تمكنه من
تحويل ماء البحر إلى ارض يابسه يستطيعون المشي فوقها من جنوب إيطاليا مباشرة إلى
القدس. طبعا نهاية القصة محزنة حيث بعد أن وصل الاطفال إلى البحر لم تتحقق معجزة
تحول البحر إلى بر ولهذا تفرق الالاف من الاطفال فجأة بين القرى والمدن ولهذا تم
سرقتهم والاعتداء عليهم بل وحتى بيعهم كالعبيد.
على كل الحال الحمد لله على أنها
جاءت على حد أن اولادنا يسمعون أفضل منا وأنهم ما زالوا بيننا ولم تجرفهم أو
تختطفهم هذه الاصوات الحادة والمزعجة اختطاف معنوي إن لم يكن اختطاف حقيقي حيث
يحذر البعض بأنها نوع من (المخدرات الرقمية Digital
Drugs) والتي هي نوع من النغمات ذات ترددات مختلفة
في كل إذن تسبب نوع من النشوة الالكترونية ولكن هذا نوع غير دقيق من القلق الزائد
من قبل الاباء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق