الثلاثاء، 27 سبتمبر 2016

( غزوة باريس .. وإرهاصات الموجه الاستعمارية الغربية الجديدة )

حادثة المروحة التي تسببت في احتلال فرنسا للجزائر
 
د/ أحمد بن حامد الغامدي
 
لطالما قيل في دنيا السياسة (السلطة المطلقة .. مفسدة مطلقة) وكأني بها على نفس نسق السنة الربانية المضطردة (إن الانسان ليطغى أن رآه استغني) لهذا نجد دائما في ثنايا كتب التاريخ أن الامبراطوريات الكبرى دائما ما تسن قوانين تعسفية عجيبةمن ذلك مثلا نجد أنه في نهايات القرن الخامس عشر وقعت اتفاقية معاهدة بين الامبراطورية البرتغالية والامبراطورية الاسبانية اشتهرت بمعاهدة تورديسيلاس تمتلك بموجبها اسبانيا جميع البلدان والاراضي الجديدة التي سوف تكتشف غرب المحيط الاطلسي (تشمل دول امريكا الجنوبية) في حين تمتلك البرتغال أي اراضي تكتشف شرق خط التقسيم سواء تلك الدول  الموجودة في افريقيا أو جنوب شرق اسيا.
 
وبنفس درجة العنجهية الاستعمارية الصفيقة أعلن الرئيس الامريكي جيمس مونرو في بدايات القرن التاسع عشر ما يعرف (بمبدأ مونرو) والذي ينص على أن الولايات المتحدة لن تسمح بتكوين أي مستعمرات اوروبية جديدة في نصف الكرة الغربي أي بالتحديد في الامريكيتين الشمالية والجنوبية وأن أمريكا الجنوبية بالأخص هي الحديقة الخلفية للولايات المتحدة ولن تسمح لأي دولة عظمى أن تدخل هذه  منطقة النفوذ الخاصة هذه.
بمثل هذا التسلط الامبريالي الغربي القديم والحديث يتملكنا العجب لفهم كيف تسمح الولايات المتحدة الامريكية التي تجهز نفسها للحكم المطلق للقرن الواحد والعشرين (ربما عن طريق الامبراطورية الامريكية)، كيف تسمح لروسيا الاشتراكية أن تتمدد وتصل إلى منطقة متقدمة جدا من مناطق الاحتكار الامريكية في الشرق الاوسط والتي كانت أمريكا تبخل وتمنع من الوصول لها أقرب حلفائها مثل بريطاني وفرنسا.

ولعقود طويلة جدا  كان الغرب ممثل في حلف الاطلسي يمنع روسيا الاشتراكية (ومن قبلها روسيا القيصرية) من تحقيق حلمها القديم بالوصول إلى المياه الدافئة في الخليج العربي وإذا به يقبل فجأة بأن يعزز الدب الروسي المريع وجوده في المياه الساخنة في شرق البحر الابيض المتوسط بل أن الكاوبوي الامريكي يفاجأ العلم بأسره بأنه يرحب بالتعاون العسكري مع الروس في هجومهم الغاشم على المنطقة العربية.وعلى نفس الدرجة وبعد سنوات طويلة من العداء اللفظي بين الغرب المسيحي وبين إيران الشيعية لدرجة أنه قبل سنوات قليلة أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن بأن ايران أحد محاور الشر في العالم وإذا بنا نفيق على الكابوس المحير بأن أيران الصفوية أصبحت الحليف الجديد للأمريكان في المنطقة على حساب خسارة التحالف التاريخي مع دول الخليج.
المعلوم أن السياسية هي (فن الممكن) أوهي (الانتهازية في العراء) أوهي (قاعدة المصالح أولا) ومع ذلك يحار الشخص كيف يفسر أنه بعد كل ذلك التاريخ من الغرور والعنجهية  الامبراطورية الاستعمارية تسمح الولايات المتحدة ومن خلفها الدول الاوروبية لكلا من روسيا وايران بامتلاك زمام النفوذ الهائل في منطقة الهلال الخصيب العربية بينما الأمر كان خلاف ذلك تماما في نهاية الحرب العالمية الثانية ففي مؤتمرات يالطا  ومؤتمر الدار البيضاء لم يحصل الروس إلا على الفتات من الدول الاوروبية وحرموا تماما من مجرد الحلم بالإطلالة على دول الشرق الاوسط.

المتغير الجديد في التاريخ والجغرافيا هو أن الحرب بالوكالة التي كانت الدول الغربية تشنها بالخفاء ضد الشعوب العربية لن تعد تفلح بالاعتماد فقط على استخدام الأنظمة العربية القمعية أو حتى من خلال توظيف الوكيل الحصري الاسرائيلي الموكل هو وطغاة الحكام العرب لضمان السيطرة على المجتمعات المسلمة السنية ولهذا لا بد مما ليس منه بدُ ولا مندوحة من إعادة الغزو المباشر والصريح للمنطقة العربية بحجة محاربة الارهاب السني الراديكالي. وللأسف لا أفضل للصلبيين الجدد في حربهم المقدسة الجديد من استغلال بعض المتحمسين من المقاتلين الاسلاميين الذين طالما غرر بهم وتم خداعهم لاتباع تكتيك جر الخصم لأرض المعركة العربية والاندفاع الاعمى والساذج لتنفيذ استراتيجية البدء (بالعدو البعيد الغربي) قبل (العدو القريب الحكومي المتسلط).
والعلم عند الله هل سوف تستغل فرنسا المتهورة دوما سلسلة الاعتداءات الدموية يوم أمس على مدينة باريس لجر الغرب من خلفها للتدخل المباشر والصفيق في عمق المنطقة العربية علما بأن تاريخ فرنسا الحديث والقديم يشهد بمغامراتها الغاشمة:
ألم تشن فرنسا حملتها المشهورة لاحتلال أرض مصر عام 1798 بحجة سخيفة أنها تريد معاقبة المماليك الذي اساءوا معاملة بعض الرعايا الفرنسيين

ألم تحتل فرنسا الجزائر عام 1828 بسبب الحادثة السياسية والتاريخية المهزلة التي اشتهرت باسم (حادثة المروحة) حيث أن القنصل الفرنسي تعرض بزعمهم لإهانة لا تغتفر عندما لوح  الباشا التركي الداي حسين أمام وجهه النبيل بمروحته دلالة على امتعاضه عن عدم تسديد فرنسا  الديون التي عليهاألم تقم فرنسا في عام 1861 بتدخل سافر في لبنان بحجة عجيبة أنها تريد إعادة تسكين الموارنة (الذي اعتبرتهم رعايا فرنسيين بالرغم من كونهم عرب ومواطنين يتبعون للدولة العثمانية) إلى قراهم التي تم تهجيرهم منها على يد الدروز.  

وفي وقتنا المعاصر ألم يهدد الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران عام 1992 بالتدخل في الجزائر كما تدخلت أمريكا في بنما في حال تولت جبهة الانقاذ الاسلامية مقاليد الحكم بعد الانتخابات البرلمانية. وحتى تثبت فرنسا أنها (قول وفعل) فيما يتعلق بمنع الاسلاميين من الحكم ألم تتدخل قبل سنتين في دولة مالي وأجهضت تقدم قوات الجماعات الاسلامية نحو غرب البلاد الاكثر أهمية سياسية واقتصادية. ألم تكشف وثائق ويكيليكس المسربة عن تدخل كبير للجمهورية الفرنسية في موريتانيا ودعمها المستمر للانقلاب العسكري المسيطر على البلاد وذلك بهدف حجز الاتجاه الاسلامي المدني من تعزيز موقعه في البلاد.

وختاما لا يخفى على اللبيب الاحداث السياسية العجيبة الاخيرة في المنطقة والتي كأنها تهدف للتحرش بنا من مثل دخول اليهود للمسجد الاقصى واسقاط الطائرة الروسية والتي يستهدف منها تركيا أو مصر وأخيرا سلسلة التفجيرات المتلاحقة في المنطقة سواء تلك التي بالسعودية أو بالكويت وأخرها تفجيرات بيروت .

اجتمع الشرق والغرب والشيوعي والرأسمالي والمسيحي والشيعي علي الكيد لأهل السنة ولكن الله غالب علي امره ولا يحيق المكر السيء الا بأهله ان شاء الله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق