كيف استفادت أمريكا أرض النفاق من أعدائها
د/ أحمد بن حامد الغامدي
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية
اصدر الاديب المصري المعروف يوسف ادريس روايته الغرائبية (أرض النفاق) وهي رواية
خيالية عن واقع وبلاد خيالية ولكن من غرائب (أو فانتازيا) الصدف أن الاحتكار
الكامل للسياسة الدولية تحقق للولايات المتحدة ايضا بعد نهاية الحرب العالمية
الثانية فهل كانت (ارض الاحلام) الامريكية هي عينها (أرض النفاق) والتي قد تؤول إن
طال الزمن إلى (الارض اليباب) والتي هي بالمصادفة المحضة مرة ثانيه القصيدة الاشهر
للشاعر الانجليزي تي إس إليوت التي كتبها بعد الحرب العالمية (الاولى) والتي عبر
فيها عن خيبة الامل في الجنس البشر وفي القلب منه ولا شك أهل النفاق السياسي.
وصف المفكر والثائر السياسي
الانجليزي توماس بين أحد السياسيين الامريكان بقولة (لقد كان للحياة المهنية السياسية
لهذا الشخص أن تبدأ بالنفاق وتستمر بالغطرسة لكي تنتهي بالخزي والعار) هل كان هذا
وصف لشخص أم تنبؤ من السيد توماس لمستقبل السياسية الخارجية لأمريكا هذا في علم
الغيب أما ما نعلمه علم اليقين الآن أن سياسية الولايات المتحدة نشأت على النفاق
وهي حاليا في قمة العنجهية والغطرسة ونحن بالانتظار لخاتمة المطاف لها بالخزي
والعار.
من الجميل في القوانين الغربية الديمقراطية
قانون (حرية المعلومات) وهو قانون يلزم الجهات الحكومية الامريكية والبريطانية على
سبيل المثال برفع السرية والحجب عن كم هائل من الوثائق السياسية السرية بعد مرور
فترة زمنية تتراوح بين 25 و30 سنة في الغالب. وبهذه الظاهرة السياسية الفريدة يمكن
كشف العديد من خبايا وخفايا السياسات الامريكية والبريطانية وهو ما قد يساعدنا هنا
في كشف الوجهة الحقيقي للنفاق السياسي الامريكي في عدد من القضايا الحساسة مثل
الحروب المزعومة التي سنتها أمريكا للقضاء على الارهاب أو المخدرات أو الشيوعية
وما شابه ذلك من علاقة الامريكان بأعدائهم (المزعومين) من النازيين أو الايرانيين .
جواسيس هتلر في خدمة
البيت الأبيض !!
معروف الدور الحاسم للولايات المتحدة
في تغيير مجريات الحرب العالمية الثانية ومساهمتهم في تحقيق الهزيمة الساحقة
لألمانيا النازية. وبالرغم من أن الامريكان أعلنوا حتى قبل نهاية الحرب بمدة طويلة
بأنهم سوف يلاحقون فلول النازية (إلى أقصى أقاصي الارض من أجل تحقيق العدالة فيهم)
وبالرغم من أن الامريكان بعد نهاية الحرب مباشرة كانوا أكثر حماسة بكثير من
البريطانيين في محاكمة القيادات النازية بتهم جرائم الحرب والابادة البشرية وهو ما
نتج عنه (محاكمات نورمبيرغ ) الشهيرة. بالرغم من كل هذا الحماس المنقطع النظير
حيال (محاكمة قادة النازية) هل فعلا تطابقت أفعال الامريكان مع اقولهم ام الامر لم
يكن إلا نفاقا سياسيا رخيصا. ربما لا يعلم الجميع أن من احتل برلين عاصمة المانيا
واسقط النازية (على أرض الواقع) هم جنود الجيش الروسي ولهذا شعر الامريكان عن حقا
بأن أخطر قوة سياسية بعد الحرب العالمية ستهددهم هو الاتحاد السوفيتي. وفي الوقت
الذي كان الرئيس الامريكي روزفلت يجتمع مع الرئيس الروسي ستالين في وجود تشرشل
لتقسيم مناطق النفوذ اثناء مؤتمرات يالطا والدار البيضاء كان الامريكان قد شرعوا
في اتصالاتهم مع بعض العملاء والجواسيس النازيين المتواجدين في الجبهة الشرقية
والمتغلغلين في الاتحاد السوفيتي وذلك لكي يستفيدوا منهم في اجراء عمليات تجسسيه
في روسيا لصالح الامريكان هذه المرة. والجدير بالذكر أن من كان يقوم بهذا الدور
الجديد هو قائد الاستخبارات العسكرية النازية في الجبهة الشرقية المجرم رينهارد
جلين والذي بالطبع لم يقدم لمسرحية محكمة نورمبيرغ لأن الامريكان أطلقوا سراحه
مقابل وقاموا بتجنيده لصالحهم. لقد زعم الامريكان بكل فجور بأنهم سوف (يلاحقون
النازيين في أقاصي الارض لجلبهم للعدالة) والواقع أن الامريكان قاموا وبشكل متعمد
بتهريب بعض أعتى مجرمي القادة النازيين مثل ذلك الذي طور فكرة غرف الاعدام
بالغازات والذي تم تهريبه بعلم الامريكان الي دولة تشيلي وكذلك تم انقاذ أحد ابرز
القادة النازيين في فرنسا الملقب بجزار مدينة ليون الذي تم تهريبه إلى امريكا
الجنوبية وغيرهم كثر والهدف من ذلك الاستفادة منهم في قمع التيارات والحركات
الشيوعية والاشتراكية التي بدأت تغزو امريكا الجنوبية.
الحرب على المخدرات على
الطريقة الامريكية
من صفات المنافق (السياسي) أن ظاهر
أفعاله تخالف باطن (نيته ومقاصده) ومن امثلة ذلك في النفاق السياسي الامريكي أن
الظاهر العلني (للحرب على المخدرات) التي شنتها الولايات الامريكية في الثمانينات
من القرن العشرين، كان ظاهر هذه الحملة حماية الشعب الامريكي من شرور المخدرات
التي يتم زراعتها وتهريبها من أمريكا الوسطى والجنوبية ولكن في واقع الأمر كان
(الباطن والهدف الاساسي) لتلك الحرب المزعومة هي استخدامها كغطاء وذريعة للتدخل في
الدول المستهدفة. الغريب في الامر أن الولايات المتحدة عندما كانت تتدخل في
نيكاراغوا لدعم قوات الكونترا (المناوئة للنظام اليساري الحاكم) وفي عز الحرب
المزعومة على المخدرات كانت الاستخبارات الامريكية CIA تقوم بالسماح لقوات الكونترا بحماية تجارة المخدرات في نيكارغوا
في المناطق التي تحت سيطرتهم وذلك بهدف تحصيل بعض المبالغ المالية لدعم شراء
الاسلحة لثوار الكونترا. الغريب في الامر أن تجارة المخدرات هذه لم تكن محصورة في
دول امريكا الوسطى بل سمح لها ان تصل إلى الولايات المتحدة والامر الصاعق أنه تم
استخدام طائرات الشحن التابعة لسلاح الجو الامريكي لنقل المخدرات من نيكارغوا إلى
الولايات المتحدة بل وحتى عبر استخدام القواعد الجوية العسكرية الامريكية. هذه القصة الاغرب من الخيال تم إثبات بعض محاورها من خلال تحقيقات
اللجنة الخاصة للكونجرس الامريكي (المسماة لجنة كيري وزير الخارجية الحالي) والتي
تأكدت من أنه ليس فقط الاستخبارات والجيش الامريكي متورط في هذه الفضيحة بل أن حتى
وزارة الخارجية في بداية الثمانينات وافقت على ارسال مبالغ مالية لتجار المخدرات
لتوصيلها إلى ثوار الكونترا. الجدير بالذكر أنه تم في السنوات الماضية نشر عدة كتب
(تفضح) دور المخابرات الامريكية CIA في تنشيط تجارة المخدرات واستخدام الاموال
المتحصل منها في دعم جماعات وافراد متعاونين مع الامريكان وهذا حصل في دول عدة
فبالإضافة لنيكارغوا حصل ذلك في المكسيك وبنما وفنزويلا وافغانستان ومنطقة المثلث
الذهبي للمخدرات (بين تايلند ولاوس ومينامار).
التواصل
الامريكي الايراني .. سجل من الفضائح
وبما أن مساق الحديث أنفتح على فضائح
(نفاق السياسة) الامريكية في (مكافحة) المخدرات في نيكارغوا فهذا حتما ولابد
يقودنا لاستدعاء ( إيران – كونترا غيت) وهي فضيحة سياسية من العيار الثقيل تؤكد
(ظاهرة النفاق السياسي) الامريكي المتأصل. بعد اندلاع الثورة الايرانية واحتلال
السفارة الامريكية في طهران لمدة 444 يوما اندلعت حرب دبلوماسية واعلامية حادة بين
ايران والولايات المتحدة فإحداهما تعتبر الاخرى الشيطان الاكبر والاخرى تردح بأن
عدوتها هي محور الشر. ولكن في الخفاء وافق الرئيس الامريكي ريغان عام 1985 على بيع
أسلحة متقدمة جدا إلى ايران عن طريق اسرائيل وبثمن هذه الصفقة تم تمويل مقاتلي
الكونترا الذي أصدر الكونغرس الامريكي قبلها قانون يمنع تقديم أي مساعدات مالية
مباشرة لهم. كل ذلك تم على يد روبرت ماكفارلين مستشار الامن القومي الامريكي الذي
ذهب بنفسه بشكل سري إلى طهران حيث ألتقى خلالها رئيس البرلمان الايراني هاشمي
رفسنجاني وكبار المسؤولين
الايرانيين. ونفاق السياسة الامريكية على
الاراضي الايرانية اقدم من ذلك بكثير والمجال لا يسمح بذكر تفاصيل خداع الامريكان
للشاه الايراني محمد رضا بهلوي قبل الثورة بأنهم (يدعمونه) بينما في الواقع سمح
الرئيس الامريكي كارتر للجنرال هويزر (رئيس أركان القيادة الامريكية في أوروبا)
بالذهاب سرا إلى أيران وعقد اجتماعات مع بعض قيادات الجيش الايراني لضمان (حيادية)
الجيش إذا اندلعت الثورة الاسلامية الخومينية وبهذا ساهمت أمريكا في نجاح ثورة
الخوميني (الاسلامية) وهو ما ذكره بشيء من الحرقة والغضب شاه إيران المخلوع في
مذكراته .
يحدث في امريكا .. عدو
تحت الطلب
بعد هذا التجوال التاريخي لبعض
الاحداث والمواقف للحروب الرمزية التي شنتها امريكا على النازية والمخدرات
والثورات الشيعية إلا يحق لنا أن نتوقف حتى نتأكد من حقيقية الحرب الصليبية
الجديدة التي تشنها أمريكا والتي عنوانها (الحرب على الارهاب) فمن كان يكذب وينافق
قديما يمكن ان يكرر ذلك حاليا وحتما وقطعا ستكشف الخبايا والرزايا قريبا بمشيئة
الله. وقد كان أحد الدوافع التي حفزتني لكتابة هذا المقال هو ذلك لبوستر الذي تم
تداوله عبر شبكات التواصل الاجتماعي والذي يتسأل عن (العدو الجديد) لأمريكا بعد
طالبان والقاعدة وداعش ولكن ثق تماما قارئ العزيز بأن العدو الذي (سوف تلعنه
أمريكا بكل لسان) هو في الغالب عدو وهمي ومصطنع . لا يوجد عاقل يقول أن أمريكا هي
من (صنعت بشكل كامل) الجواسيس الالمان أو هي العراب الأوحد لمافيا المخدرات لكنها
بالقطع استفادت من هؤلاء وجيرتهم لمصالحها كما أشارنا لطرف مختصر منه فيما سبق.
ولعل الامر كذلك فقد لا تكون حركة طالبان أو تنظيم القاعدة أو دويلة داعش هي من
صنع المخابرات الامريكية لكن قد يحصل في لحظة ما أو موقف ما أو معركة أو عملية ما
أن تكون الولايات المتحدة تستفيد بشكل أو آخر من اعدائها هؤلاء. وكأن أعداء أمريكا
هؤلاء هم عين من قصدهم المتنبي بقوله (ومن العداوة ما ينالك نفعه) أو قول الآخر:
عِداتي لهم فضلٌ علي ومنةٌ فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا
ولهذا نعلم لماذا ومنذ نهاية الحرب
العالمية الثانية وأمريكا هي (دولة تبحث عن عدو) وما ذلك إلا لكي تبرر حالة التدخل
السافرة في مصير الامم والشعوب ولكي تستمر وزارة الدفاع الامريكية البنتاغون في
ضمان تدفق ميزانيات مالية مهولة لها
بالإضافة لاستخدام هذا (الارهاب المحتمل) كقنابل دخان تغطي مشاكل وخفاقات الحكومات
عن شعوبها. من هذا وذاك نعلم انه بعد انتهاء الحرب الباردة انتهت صلاحية (الحرب
علي الشيوعية) بعد تلاشي الخطر الاحمر ولذا سارعت أمريكا بتخويف شعبها من الخطر
الأخضر أو من الشر القادم من الشرق الاسلامي ممثلا في القذافي (ريجان) وصدام (بوش
الأب) والملا عمر (كلينتون) وبن لادن (بوش الابن) وأبو بكر البغدادي (أوباما)
وفلان وفلان وفلان ممن سوف تخيف بهم أمريكا شعبها قبل النوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق