الخميس، 15 سبتمبر 2016

( الجزاء من جنس العمل ... شواهد تاريخية من حد المقصلة إلى كعب القباقب )

الجنرال الجزائري سي توفيق والجزاء من جنس العمل
 
د/ أحمد بن حامد الغامدي

بينما كان الشرق العربي غارق ومستغرق في تبعات التدخل الروسي في سوريا والاعتداء الصهيوني على المسجد الاقصى حصل زلزال سياسي هائل في الغرب العربي أشبه ما يكون (بالانقلاب الابيض) الذي قد يعيد تشكيل معالم الحكم في الجزائر وهو ما تمثل في إقالة (حاكم الظل) وصانع الرؤساء رئيس المخابرات الجنرال محمد مدين المعروف داخليا (بسي توفيق). ما لفت انتباهي شخصيا في أخبار الجزائر حدث أقل خطورة سياسية لكنه من وجهة نظريا أكثر رمزية في تأكيد أن سنن الله الجارية فيما يخص (مصارع الاستبداد) وبالأذن من رائد النهضة العربية عبدالرحمن الكواكبي إذ تلاعبنا قليلا بعنوان كتابه ذائع الصيت.

الحدث السياسي الامني البارز الذي حصل هذا الاسبوع في الجزائر هو اعتقال الجنرال حسان مدير وحدة مكافحة الإرهاب في الجزائر والذي كان له دور اساسي فيما يسمى (العشرية السوداء) في الحرب الاهلية في الجزائر خلال التسعينات في التنكيل وتصفية أفراد وجماعات التيار الاسلامي المعتدل والغالي على حدا سواء. وقد كانت التهم (المعلبة) شبة جاهزة للتنكيل بالإسلاميين الجزائريين من قبل الجنرال حسان هي تهمة (حمل السلاح) وتشكيل (جماعات مسلحة) وسبحان الله كما قيل (على الباغي تدور الدوائر) فإذ بهذا الجنرال يعتقل ويتهم من نفس النظام الذي تفانا في خدمته بأنه قام  (بتكوين عصابة مسلحة) وأنه قام (بحيازة أسلحة حربية) وهي تهم وادعاءات مفبركة تهدف إلى تطهير جهاز المخابرات من الشخصيات ذات النفوذ فيه حيث يتوقع لو تمت محاكمة الجنرال حسان على هذه التهم أن يحكم عليه بالإعدام جزاءً وفاقا لم قدمة يداه .

وفي نفس سياق (الجزاء من جنس العمل) لمن يتسبب في قهر الابرياء والتنكيل بهم فينقلب الامر علي (الباغي) ويشرب (الساقي) من نفس الكأس التي لطالما أذاق المعارضين له الويلات.  فهذه القصة التي فيها العبرة والعظة لما حصل مع الوزير أبن الزيات والذي كان أحد (صناع العار) للفترة التاريخية المؤلمة في تاريخنا الاسلامي المشهورة (بفتنة خلق القران) فقد ساهم عندما كان وزيرا للخليفة المعتصم والخليفة الواثق في ابتلاء وتعذيب وقتل العشرات من علماء ذلك الزمان. ولقد كان من إجرام وقسوة قلب ابن الزيات أنه كان يعذب حتى الاشخاص العاديين المطالبين بتسديد الاموال بأن يحبسهم في تنور من حديد به مسامير حادة  والمفزع أنه إذا استرحمه هؤلاء المعذبين وقال أحدهم (ايها الوزير ارحمني) كان يقول بكل صلف وتجبر (الرحمة خور في الطبيعة وضعف في المنة وما رحمت شيئا قط).

 وسبحان الذي يمهل ولا يهمل فبعد وفاة الخليفة الواثق تولى بعده الخليفة المتوكل والذي كان على عداء سابق مع الوزير ابن الزيات فسرعان ما أمر بحبس الوزير في نفس ذلك التنور المشؤوم وكان اثناء تعذيبه يقول (يا أمير المؤمنين أرحمني) فكان الرد (الجاهز) من الخليفة (الرحمة خور في الطبيعة) وصدق من قال كما تدين تدان. وفي التاريخ الغربي وقع قمة التناقض بين (النظرية والتطبيق) في أجلى صوره في بدايات الثورة الفرنسية فبالرغم من أنها قامت على شعارات العدل والحرية والمساواة إلا أن سنواتها الأولى كانت في الغاية من الظلم والقهر والتفرقة لدرجة أنها سميت (عهد الارهاب the reign of terror) وعلى وحيها كذلك ظهر مصطلح (الثورة تأكل أولادها). فبعد اندلاع الثورة الفرنسية حصل صراع طويل ومرير بين الفصائل السياسية المتناحرة من الثوار أنفسهم واتسمت تلك الفترة بإصدار أحكام الاعدام الجماعية لمن وصفوا بأنهم أعداء الثورة. من ذلك أن أحد أبرز رجالات الثورة الفرنسية كان المحامي جورج دانتون والذي قد تولى ما تسمى زورا وبهتانا وزارة العدل في الحكومة المؤقتة وبالتالي كان هو رئيس لجنة الأمن والسلامة العامة المسؤولة عن المحاكم الثورية الديكتاتورية التي تسببت في اعدام عشرات الالاف من الابرياء تحت حد المقصلة.

 ويبدو أن العديد من الظلمة قديما وحديثا لم يسمعوا بوصية الخليفة المأمون لبعض ولاته (لا تظلم لي .. فيسلطني الله عليك) وهذا ما حدث بين وزير العدل دانتون وبين المتسلط (الثورجي) الحاكم المطلق للثورة الفرنسية ماكسمليان روبسبير فبعد أن دب الاختلاف بينهما سرعان ما اتهم روبسبير دانتون بأنه يتأمر على الثورة ويخطط لإعادة الملكية وهنا يأمر روبسبير بقتل دانتون وإعدامه بالمقصلة. ولا تقف العبرة من التاريخ هنا فبعد أربعة اشهر من قيام روبسبير بإعدام رفيق الثورة والسلاح دانتون حتى يندلع تآمر جديد على روبسبير نفسه ويسوقه بقية (الأخوة الاعداء) إلى حتفه صاغرا ذليلا لتفصل ناصيته الخاطئة عن جسده الكريه بحد المقصلة التي ساق لها عشرات الالوف من المنكوبين.

وهكذا دائما وأبدا تتكرر عبر التاريخ قصص وعبر أن الله سبحانه وتعالى بالمرصاد للظلمة والطغاة وأنه (يمهل ولا يهمل) ومن ذلك اللواء حمزة البسيوني مدير السجن الحرب وأحد كلاب القمع التي سلطها الهالك جمال عبدالناصر علي الشعب المصري حيث يقال أن حمزة البسيوني عندما كان يشرف على تعذيب الاخوان المسلمين في سجون عبدالناصر ويسمع أحدهم يقول يا رب يا رب كان رد ذلك الأثيم (هات ربك وأنا أحطه في الحديد). وبعد ذلك بسنوات كان حمزة البسيوني مسافر لمدينة الاسكندرية ويقود سيارته بسرعة متهورة فتعرض لحادث شنيع نتج عن اصطدام سيارته بشاحنة نقل تحمل اسياخ حديد المباني مما تسبب في تشوية جثته وتقطيعها بشكل مروع وبهذا انحشر جسمه (في الحديد) كما كان يتوعد رب العزة والجلال وسبحان ذو الجبروت فحقا وصدقا (لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون)  ولكن (لكل أجلِ كتاب).

والسياسة دائما تشتهر بتقلباتها وتغيراتها غير المنطقية وتذبذبها بين طرفي نقيض كما يقال ومن أغرب ما يدل على ذلك أنه اثناء الحكم الاسلامي في الاندلس في الفترة المشينة من التاريخ الاسلامي المسماة (عصر ملوك الطوائف) انتشر بشكل صاعق استعانة حكام الدويلات المتصارعين بملوك وحكام الامارات المسيحية لنصرتهم ضد خصومهم. ومن غرائب الاستعانة بالأعداء أن حاكم مملكة غرناطة المسمى الفقيه ابن الاحمر بعد أن استنجد بحكام الموحدين في المغرب لنصرته ضد ملك قشتاله ألفونسو العاشر سرعان ما دبت في قلبه الفاسد الخشية المتوهمة من أن يقوم خليفة الموحدين أبي يوسف المنصور بالاستفراد بالملك دونه ولهذا سرعان ما استعان هذا حاكم السفيه الملقب (بالفقيه) بملك قشتالة عدو الامس وصديق اليوم. وهنا قام المنصور بأرسال ابنه يوسف لدحر خيانة الفقيه الاحمر ولكن القصة لم تنتهي هنا فبعد فترة من الزمن تعرض حكم الموحدين في منطقة تلمسان بالجزائر لثورة داخلية ومن عجائب التاريخ أن يوسف المنصور الذي حارب الفقية لخيانته تواصل هو الاخر بنفسه مع القشتالين (اعداء الامس) ليساعدوه على خصومه على الطرف الثاني من بحر المغرب كما كان يسمى في ذلك الزمان. الاغرب من ذلك أن ملك قشتاله ألفونسو العاشر تعرض لخيانة من ابنه الذي استولى على المملكة وطرد اباه وهنا تكتمل فصول المهزلة التاريخية بسفر الملك القشتالي المخلوع إلى عاصمة الموحدين في مراكش ليقبل يد الخليفة المنصور ويترجاه لكي يساعده على استرداد ملكه وهكذا ثبت بالدليل التاريخي القاطع أن (الايام دول والدهر قُلّب).

ولعلنا نختم بخبر طريف عن دور الغيرة النسوية في البغي والعدوان وكيف  تدور الدوائر على النساء مخضبات البنان من دماء ازواجهن. وهذا ما حصل مع السلطانة الشهيرة شجرة الدر فبعد وفاة زوجها السلطان نجم الدين أيوب قامت باختيار عزالدين أيبك كزوج جديد لها من بين كل المماليك المتنافسين لنيل رضاها. وبعد أن منعت شجرة الدر زوجها من أن يتصل بزوجته الأولى وأم أولاده لم تمضي الايام والليالي حتى علمت  شجرة الدر أن عز الدين أيبك يخطط للزواج من أبنة بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل وهنا ثارت ثائرة السلطانة واحتالت حتى استدرجت زوجها الملك المعز كما أصبح يلقب وأرسلت عليه جمع من عبيدها الذين بركوا عليه وهم يستحم حتى قتلوه وهو عريان.  وبالرغم من أن السلطانة حاولت الادعاء بأن موت زوجها حصل فجأة  إلا أن مماليك واتباع عزالدين ايبك ثاروا على شجرة الدر وقبضوا عليها وحملوها إلى زوجة عز الدين أيبك الأولى التي انتقمت انتقامها الشهير بأن أمرت جواريها بقتل شجرة الدر ضربا بالقاقيب والقاء جثتها العارية من فوق اسوار القلعة. وهكذا حذوا القذة بالقذة كما قتلت شجرة الدر زوجها عاريا في الحمام تم قتلها بقباقيب الحمامات وتعريتها جزاء وافاقا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق