العديد من الشعوب استغلت الأطفال والمراهقين وجندتهم باسم الدين
د/ أحمد بن حامد الغامدي
كم نحب الاطفال بسبب براءتهم وكم
نتعلق ونهتم باليافعين والمراهقين لأنهم أمل المستقبل ولكن حذاري فإن ( عالم
المراهقة ) عالم يمور بالتقلبات والضبابية
وعدم المنطقية. ولهذا لا غرابة أن بعض ابرز الروايات الادبية في العصر الحديث
بالذات بنيت حبكتها الدرامية على العالم المتقلب والعنيف وحالات الاحباط والضياع
للمراهقين كرواية العصيان للكاتب الايطالي المعروف البيرتو
مورافيا ورواية المراهق لعملاق
الادب الروسي دوستويفسكي أو رواية آلام الشاب فرتر لأسطورة
الادب الالماني يوهان
جوته. لكن أبرز تلك الاعمال الادبية الرواية الفنية الصادمة كانت رواية (سيد
الذباب Lord of flies)
للكاتب الانجليزي وليام غولدنغ والذي حصل على جائزة نوبل في الادب عندما جسد في
روايته هذه حالة الصراع والعنف والاقتتال لمجموعة من المراهقين الذين علقوا في
جزيرة مهجورة وحاولوا أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم وهنا حصلت قمة الكارثة والمأساة.
الحالة النفسية الهيستيرية العنيفة
للمراهقين في رواية سيد الذباب (أو أمير الذباب وهو الشيطان) قد تكون من نسيج
الخيال ولكن حصل في التاريخ حالة هستيرية للمراهقين مشهورة جدا خلدها الروائي
الامريكي العالمي أرثر ميلر في رواية (ساحرات سالم) وهي مبنية على قصة حقيقية حصلت
في المجتمع الامريكي في القرن السابع عشر حيث انتشرت حالة من الهستيرية الغريبة
بين عدد كبير من الفتيات المراهقات في مدينة سالم الصغيرة كلهن يتعرضن لحالة اشبه
بالمس من الجنون والمرض الشديد والسبب في هذه الحالة غير الطبيعية في السلوك ناتج
من (الايحاء الكاذب) بأنهن قد تعرضن للسحر الاسود مما دفع بعضهن لارتكاب القتل
والتعذيب.
والكل منا يعلم أن شخصية المراهق هشة
وسهلة التشكيل وأحيانا يكون مفتاح تغيير حياة الشاب في المستقبل (التلاعب) بأفكاره
ومشاعره أثناء مرحلة المراهقة. المجتمع الصيني قائم على التعاليم الكونفشيوسية
والتي تتمحور حول الاخلاق والعلاقات الاجتماعية وفي القلب منها احترام الوالدين
والكبار في السن ولهذا عندما أرادت القيادات الشيوعية تغيير أفكار المجتمع دشن
الزعيم الصيني ماو تسي تونغ ما سمي بالثورة الثقافية الكبرى والتي كانت أبعد ما
تكون على الثقافة حيث تم فيها (غسل أدمغة) الشباب والمراهقين بأن يقوموا
بالاستهزاء والسخرية والاحتقار لمن هم أكبر منهم من الاباء والمعلمين والجيران
ولهذا شهدت الصين قيام الالاف من الشباب (الحرس الاحمر) بأعمال عنيفة وإجرامية نتج
عنها قيام الالاف منهم بطرد وبتعذيب بل وقتل آبائهم ومعلميهم.
وإذا كان (الحرس الاحمر) الصيني
تلاعب بعقول المراهقين لينتج عنف ايدلوجي شنيع يعتبر وصمة عار في تاريخ الصين
الحديث فنجد أمثلة أخرى للعنف ذو الطابع الديني والعقائدي عند المراهقين المسيحيين
كما هو الحال مع جنود (جيش الرب المسيحي) المنتشر في أوغندا وأفريقيا الوسطى وحسب
تقديرات منظمة اليونسيف الدولية يعتقد بأن أربعين ألف طفل مجند في صفوف هذا الجيش
ويقال أن الاطفال ما بين سن 11 و 15 يمثلون نسبة ثمانين بالمائة من أعضاء جيش
الربي الذي يقوده قس مسيحي أصولي متطرف جدا يهدف لإنشاء دولة مسيحية دينية في قلب
افريقيا.
وعلى ذكر (جيش الاطفال المسيحي) اغلبنا
يعرف أن عدد الحملات الصليبية كان تسع حملات ولكن في الواقع تهمل كتب التاريخ ذكر
حملة صليبية مميزة انطلقت في بدايات القرن الثالث عشر الميلادي مكونة من جيش من
الاطفال. قصة حملة الأطفال الصليبية the children`s crusade حصلت في ألمانيا عندما زعم طفل يرعى الغنم بأنه شاهد في المنام السيد
المسيح يأمره أن يذهب للقدس وهنا استطاع هذا الغلام أن يجمع جيش من الاطفال بلغ تعداده
عشرات الالاف من الاطفال المغرر بهم والذين تم التلاعب بعقولهم وافساد براءتهم
الفطرية ومع ذلك لم نجد من النصارى من يتهم تعاليم المسيحية بالتعصب والارهاب.
وكما كان اشنع الجرائم الانسانية تمت
في زمن الحكم النازي فكذلك كان أحد اشنع برامج وانشطة التأثير على تنشئة الاطفال
وتربيتهم تجري فصوله الشريرة في ألمانيا النازية فيما كان يعرف (بمصنع الطفل
النازي) حيث كان يفصل الاطفال عن ذويهم واسرهم ويقال أنه تم تنشئة حوالي ربع مليون
طفل في هذه الاماكن والذين تم جلبهم من أمكان مختلفة من دول اوروبا وتم الاعتناء
الصحي والغذائي بهم وكذلك بث الافكار النازية فيهم منذ الصغر والتي تغرس فيهم حب
هتلر وتفوق العرق الاري وكراهية اليهود.
اتق شر (الغلام) إذا غضب
!!!
من هذا وذاك نعرف أن التاريخ البشري
في القديم والحديث سجل مئات الاحداث المأساوية والمحزنة التي كان مدار أحداثها حول
الشباب اليافع المراهق الذي يقوم بأعمال غاية في الشناعة والاجرام. من ذلك مثلا
أنه قبل حوالي عشر سنوات قام مراهق امريكي بقتل كل من جده وجدته وبعض زملائه ثم
أقدم على الانتحار. وفي الوقت الحالي من أكثر الجرائم الصادمة للمجتمع الامريكي
قيام بعض المراهقين واحيانا الاطفال الصغار بقتل زملائهم ومعلميهم في سلسلة اطلاق
النار في المدارس الامريكية والتي تقع كل سنة تقريبا. ففي عام 1998 قام طفلين
أعمارهما 11 و13 سنة بقتل أربعة طلاب من زملائهم ومعلمهم وجرح عشرة من الطلاب
الاخرين. وبعد هذه المأساة بسنة واحدة فقط حصلت المذبحة الشهيرة في ثانوية
كولومباين في ولاية كولورادو الامريكية حيث اقدم شابين مراهقين بقتل 12 تلميذا
ومدرس واصابة حوالي 24 آخرين قبل أن ينهوا هذه المأساة الشنيعة بالانتحار وتجدر
الاشارة إلى أن المخرج الامريكي المعروف مايكل مور حصل على جائزة الاوسكار لأفضل
فلم وثائقي عندما ناقش هذه الكارثة المتعلقة بعنف المراهقين وظاهرة انتشار السلاح
في المجتمع الامريكي.
وختاما لو أردنا أن نناقش ظاهرة
(عصابات المراهقين) مثل تلك التي تعيث ارهابا في مدينة الجريمة شيكاغو أو نناقش
جنون العربدة للمراهقين عن طريق حفلات الاغتصاب الجماعي كما يحصل في مدينة الجنون
ريو دي جانيرو لطال بنا المقال لكن ما
أردنا أن نوصل الرسالة من هذا الاستعراض المختصر أن مشاكل عنف المراهقين متشعبة
واسبابها متنوعة ومختلفة ولم يسلم منها أي مجتمع أو ثقافة أو دين. ولهذا نعجب كل العجب
من بعض من يريد تبسيط وتسطيح ظاهرة العنف في المجتمع (كم حصل قريبا من قتل شنيع
لتوأمين لوالدتهما وجرح والدهم وأخيهم) ورفع راية التهم الجاهزة والمعلبة بأن
السبب يكمن في مناهجنا الدراسية وفي تراثنا الفقهي والديني لدرجة أنه نسب قبل ايام
فقط لأحد أبرز (المفكرين) السعوديين الليبراليين ربطه بين فكر الدواعش العنيف في
قتل الاقارب وفكر ابن تيمية ولهذا كان الحل بكل بساطة دعوة المجتمع السعودي للعيش
بدون فكر ابن تيمية وإعلان القطيعة التامة مع ابن تيمية ومدرسته الفكرية. فكر
إقصائي غريب من رمز ليبرالي المفروض أنه يؤسس لمنهج مقارعة الحجة بالحجة وتثبيت
أسس ومبادئ منهج الحرية في طرح الافكار وعرض والتصورات بدون وصاية على المجتمع
والتعامل معه وكأنه قاصر يتم تحذيره من رفقة الاشرار كابن تيمية ومن لف لفه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق